صعوبات اقتصادية كبيرة تواجهها العديد من البلدان العربية مؤخرا، وسط تراجع في الأداء الاقتصادي وتفاقم الأزمات المالية. من بين هذه الدول، تأخذ الأردن نصيبا من هذه الصعوبات، حيث يشهد الاقتصاد الأردني تحديات متنوعة منذ سنوات أثرت على نسب النمو وانعكست عل معدلات البطالة وزادت من نسب الفقر، في الوقت الذي تعمل فيه الحكومة الأردنية جاهدة على تخفيف حدة هذه الأزمة وإيجاد حلول عاجلة وفعالة لها.

الأردن يعد أحد أبرز البلدان العربية التي تعتمد بشكل كبير على المساعدات الدولية، إلا أن الخلل في آلية توزيع الأخيرة على الفئات المحتاجة في البلد، تسبب في زيادة نسبة معدلات الفقر والبطالة ما ينعكس ذلك بشكل سلبي على استقرار اقتصاد البلد.

في سياق ذلك، أوضح تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” بأن البرنامج الآلي الذي يضعه البنك والحكومة الأردنية والذي يُعرف بـ”استهداف الفقر”، قد فشل في وضع تصنيف دقيق للأسر الأردنية حسب أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية، حيث يستبعد بعض المحتاجين مثل “أصحاب الأعمال المتواضعة” ما يوسع دائرة الفقر في بلد يبلغ عدد سكانه 10 ملايين مواطن.

من جانبه قال آموس توه وهو باحث أول في مجال التكنولوجيا وحقوق الإنسان في المنظمة، إن الكثيرين “في الأردن لا يتلقون الدعم المالي لأن معاناتهم لا تتناسب مع النموذج الخوارزمي الصارم الذي يحدد ماهية الفقر”.

سياسات عدة

الحكومة الأردنية تسعى إلى الحد من نسبة الفقر في البلاد من خلال تنفيذ عدة برامج وخطط تستهدف تحسين حياة الأسر المتضررة وذات الدخل المتدني، كما تعمل على زيادة تخصيصات شبكة الأمان الاجتماعي داخل موازنة الدولة السنوية، وتؤكد بصريح العبارة، أنها سترفع تدريجيا عدد الأسر المستفيدة من المعونات المالية الشهرية المتكررة وأخرى اسثتنائية، وذلك لتمكين هذه الأسر من التغلب على الصعوبات المعيشية وتقليل أعبائها في الحياة اليومية، وفقا لوكالة الأنباء الأردنية الرسمية “بترا”.

سوق ي الأردن/منشئ الصورة: KHALIL MAZRAAWI‏ 
| 
صاحب حقوق الطبع والنشر: AFP via Getty Images‏
سوق ي الأردن/منشئ الصورة: KHALIL MAZRAAWI‏ | صاحب حقوق الطبع والنشر: AFP via Getty Images‏

وفقا لأحدث بيانات صادرة عن صندوق المعونة الوطنية التابع لوزارة التنمية الاجتماعية في الأردن، فقد تجاوز عدد الأسر المستفيدة من خدمات الصندوق المختلفة 220 ألفا، منها أكثر من 100 ألف أسرة تتلقى رواتب شهرية مستمرة تصل في حدها الأعلى إلى 280 دولارا، وتشير البيانات إلى أن عدد الأسر الجديدة المشمولة في برنامج الدعم النقدي الموحد في صندوق المعونة الوطنية بلغ نحو 4600 أسرة.

في سياق ذلك، قالت تصريحات حكومية، بأن نسبة الفقر في الأردن زادت بشكل ملحوظ خلال السنوات الماضية وتجاوزت 17 بالمئة، ومع ذلك، لم يتم تأكيد هذه النسبة بعد حيث يتم انتظار النتائج الرسمية للمسوح، وقد وجدت مؤسسات دولية أن نسبة الفقر في الأردن أكثر من النسب الحكومية، ويرجع ذلك إلى ارتفاع الأسعار وارتفاع معدلات البطالة وتراجع الاقتصاد، وأفادت الدائرة الحكومية المسؤولة عن الإحصائيات أن تضخم الأسعار ارتفع بنسبة 3.98 بالمئة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام، وأكدت مدير عام صندوق المعونة الوطنية أن هناك 120 ألف أسرة تستفيد من برنامج الدعم النقدي الموحد.

من جانبه يرى المحلل الاقتصادي موسى الساكت بان الإجراءات التي تتبعها الحكومة لا تكفي لحل جميع المشكلات الاقتصادية التي تواجه الأردن، فلايزال الكثير من السكان يعانون من الفقر والبطالة، إذ من المهم أن تستمر الحكومة بتنفيذ سياسات وإجراءات جادة لتعزيز نمو الاقتصاد وخلق فرص العمل والحد من الفقر والبطالة.

الساكت ذكر خلال حديثه لـ”الحل نت” بعض السياسيات التي اتخذتها الأردن لمواجهة تداعيات تزايد الفقر، وهي العمل على تقليل النفقات العامة وخفض الإنفاق الحكومي، وأيضا إصلاح منظومة الضرائب وتحسين جبايتها، وزيادة الاستثمارات الحكومية في القطاعات الحيوية، إضافة إلى توسيع نطاق الحماية الاجتماعية للفقراء والعائلات المعوزة والأشخاص ذوي الدخل المحدود.

أيضا تحسين نظام التعليم والتدريب المهني لتزويد الشباب بالمهارات والخبرات اللازمة لمواكبة سوق العمل، يعتبر من أهم الإجراءات وفق الساكت، كذلك تقديم المساعدات المالية والمواد الغذائية للعائلات المتضررة والأكثر حاجة، ودعم القطاع الزراعي وتحسين إنتاجية الأراضي الزراعية.

غير كافية

لا يمكن الاعتماد بشكل كامل على المعونات المقدمة من المنظمات الدولية والدول الأخرى للتصدي لتزايد الفقر في الأردن قياسا بالضغوط التي يتحملها في ظل التضخم الحاصل ومتطلبات الإنفاق على مجالات أساسية، بحسب حديث المحلل الاقتصادي نمر أبو كف لـ”الحل نت” إذ يرى بأنه يجب اتباع خطط وسياسات محلية تستهدف تحسين المعيشة وتوفير فرص العمل وتطوير الاقتصاد المحلي.

علاوة على ذلك، يجب تعزيز وتعديل المعونات المقدمة بما يتناسب مع احتياجات الفئات المستضعفة والمحتاجة بشكل فعال، ويمكن ذلك من خلال تنسيق الجهود بين الحكومة والمنظمات الدولية والشبكة الوطنية للأمان الاجتماعي، وتحقيق أقصى قدر من الشفافية والعدالة في توزيع المعونات والإجراءات المدعمة على الأفراد المحتاجين، وفق أبو كف.

من جانبها، صرحت “دائرة الإحصاءات العامة الحكومية” في الأردن بأن الرقم القياسي العام لأسعار المستهلك “التضخم” للأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي ارتفع إلى 108.26 نقاط مقابل 104.11 لنفس الفترة من عام 2022 مسجلا ارتفاعا نسبته 3.98 بالمئة، وقالت مدير عام صندوق المعونة الوطنية ختام شنيكات في تصريحات صحافية إن عدد المستفيدين من برنامج الدعم النقدي الموحد يبلغ 120 ألف أسرة.

إذ ينفذ الصندوق عدة برامج منها برامج المعونات المالية الشهرية والذي ينتفع منه أكثر من 100 ألف أسرة ويعمل البرنامج على تقديم مبالغ شهرية منظمة تصرف للأسر الفقيرة يتراوح مقدارها ما بين 50 إلى 200 دينار شهريا للأسرة الواحدة، يجرى تحديد مقدارها ومدة منحها وفقا لفئة وعدد أفراد الأسرة المستحقين للمعونة وتبعا لأوضاعها الاقتصادية والاجتماعية، بحسب وكالة الأنباء الأردنية “بترا”.

كما يقدم الصندوق برنامج المعونات المالية المؤقتة للفئات التي تمر بظروف مؤقتة، منها أسر العاجزين ماديا وأسر الأحوال الشخصية الخاصة والمصابين بالعجز الكلي المؤقت، وأسر السجناء والخارجين من السجن، وأسر الغائبين والمفقودين، والأسر البديلة والحالات الإنسانية، وأنشأ صندوق المعونة الوطنية برنامج الدعم النقدي الموحد قبل جائحة “كورونا” وجرى تعزيزه خلال الجائحة.

مواجهة الفقر

بالعودة إلى المحلل الاقتصادي موسى الساكت، إذ يرى بأن تطبيق تجربة الصناديق السيادية خطوة مهمة لمواجهة الفقر وعدم الاستقرار الاقتصادي، لما لها من أهمية كبيرة لأنها تعد مصدرا رئيسيا للتمويل، خصوصا في ظل ارتفاع المديونية وتباطؤ النمو الاقتصادي وخصوصا في الدول النامية.

اردحام في أسواق الأردن/سبوتنيك
اردحام في أسواق الأردن/سبوتنيك

إذ تهدف الصناديق السيادية بشكل عام إلى تحقيق النمو المستدام، وتمويل برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتنويع مصادر الدخل، بحسب الساكت، وفي الدول النامية تحديدا لها دور كبير في حماية الاقتصاد والموازنة العامة، وفي ضوء ارتفاع حدة البطالة والمديونية في هذه الدول، فإن الصناديق السيادية لها أثر اقتصادي وتنموي في تخفيف عبء البطالة المرتفع.

محليا، لا بد من دراسة تجربة الصناديق السيادية من قبل الحكومة الأردنية، خصوصا أنها إحدى أهم الأدوات الفعالة في تخفيض المديونية التي وصلت لمستويات مقلقة تؤثر على الاقتصاد وعلى مستقبل الأجيال وستأكل “الأخضر واليابس” إذا لم تجد حلولا عملية وناجعة لحلها.

كما أن كثيرا من الدول التي تمتلك صناديق سيادية تمكنت من تجاوز تداعيات أزمة “كورونا” عبر الاستثمار الواسع في قطاعات حيوية ومهمة، مستفيدة من توفر السيولة من عوائد الاستثمار المختلفة.

على المدى البعيد، يجب تعزيز الاقتصاد الأردني وتعزيز جاذبيته للمستثمرين الأجانب، بالإضافة إلى توجيه الجهود لتطوير قطاعات الاقتصاد الرئيسية وتعزيز التشاركية العامة والخاصة لتوفير فرص العمل المستدامة وإحداث تحول اقتصادي قائم على الابتكار والتحول الرقمي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات