بينما تسعى بكين إلى التقارب مع دول الخليج، يبدو أن نتائج زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، إلى السعودية التي تنتهي اليوم، عكست صورة إيجابية، في الوقت الذي يجري الحديث فيه عن توتر العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية ودول المنطقة، السعودية منها تحديدا؛ حيث أكد بلينكن، أمام وزراء خليجيين في الرياض، أمس الأربعاء، التزام بلاده تجاه شركائها في منطقة الخليج.

الموقف الأميركي الذي جسده بلينكن، خلال زيارته ولقائه مع الوزراء الخليجيين، أظهر مدى حرص واشنطن على طمأنة شركائها في الخليج بشكل جماعي، على أن بلاده تقف إلى جانبهم، وعدم الاكتفاء بلقائه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وذلك في الوقت الذي تحاول فيه بكين استغلال المخاوف الأمنية التي أعربت عنها دول خليجية؛ الرياض منها تحديدا، إزاء تهديد إيران التي تمثل حليفا للصين. 

على هذا الأساس، أظهرت زيارة بلينكن من خلال مساعيه لطمأنة نظرائه الخليجيين، بأنه كان يبحث أيضا عن طمأنة تأتي منهم بأن مسار الانفتاح على خصوم واشنطن، ما هي إلا ردة فعل ظرفية وليس خيارا إستراتيجيا، وذلك بعد انفتاح السعودية النسبي على الصين، ومصالحتها بواسطة بكين مع إيران، وفي الوقت الذي انسحبت فيه الإمارات من تحالف “القوة البحرية” الذي تقوده الولايات المتحدة في المنطقة.

تأكيدات أميركية على مصالح خليجية

بلينكن وفي مستهل الاجتماع حول الشراكة الاستراتيجية بين الخليج وواشنطن، قال إن “الولايات المتحدة موجودة في هذه المنطقة لتقول إننا لا نزال منخرطين بعمق في الشراكة معكم جميعا”، مشيرا إلى أن دول “مجلس التعاون الخليجي” هي جوهر رؤيتنا لشرق أوسط أكثر استقرارا وأمانا وازدهارا.

الزيارة تأتي في الوقت الذي تسعى فيه واشنطن لإصلاح علاقاتها مع أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، وذلك بعد أن زار الشهر الماضي، مستشار الأمن القومي لـ البيت الأبيض” جيك سوليفان المملكة، حيث ركزت الزيارة على سبل دفع العلاقات بين واشنطن والسعودية، ودول الخليج، في خطوة لردم الهوة التي أخذت بكين البدء باستغلالها، لاسيما بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي مثل نقطة مهمة في سياق توتر علاقات الخليج وأميركا، على خلفية تخفيض منظمة “أوبك بلس” التي تقوده السعودية، لإنتاج النفط، في الوقت الذي تطالب فيه واشنطن بزيادته وسط أزمة طاقة.

وزير الخارجية الأميركي، كان قد وصل إلى السعودية يوم الثلاثاء الماضي، في زيارة هي الأولى له، منذ أن قررت الرياض في آذار/مارس الماضي، استئناف علاقاتها الدبلوماسية مع خصمها اللدود إيران، التي تخضع لعقوبات غربية بسبب أنشطتها النووية المثيرة للجدل وتورطها في صراعات إقليمية، وعلى خلفية تقارب خليجي مع وسوريا التي تمثل حليفا وثيقا لطهران، الأمر الذي أطلق تغييرا في الوضع الجيوسياسي في المنطقة.

فكل هذه الملفات إلى جانب الملف الرئيسي لعودة العلاقات السعودية مع إيران، المتمثل باليمن، لفت بلينكن في كلمته أمام الوزراء الخليجيين، إلى؛ أننا نعمل معا للتوصل إلى حل للنزاع في اليمن، ولمواصلة التصدي لسلوك إيران المزعزع للاستقرار، بما في ذلك احتجازها مؤخرا ناقلات نفط في مياه الخليج، مشيرا إلى تصميم بلاده لإيجاد حل سياسي في سوريا يحافظ على وحدتها وسيادتها ويلبي تطلعات شعبها.

وسط ذلك، تواصل موقع “الحل نت” مع الخبير الاستراتيجي علي الذهب للوقف أكثر على حيثيات الزيارة، وقال إن الزيارة تبدو أنها تتعلق بالتقارب السعودي الايراني بالدرجة الأولى، وبتدخل الصين في خط الاحداث بوصفها الراعي الرسمي للمصالحة بين الرياض وطهران، وأيضا على اعتبار أن الصين قد ابرمت أكثر من اتفاقية لمدة 25 عاما مع إيران، وكذلك فيما يخص التغول الصيني في المنطقة، والذي اعطاها امكاني لتفكيك بعض العقد السياسية بين دول إقليم غرب المحيط الهندي والخليج العربي.

تحاول الصين، بحسب الذهب الذي تحدث لموقع “الحل نت”، أن تنفذ من خلال مبادرات ومشاريع تقدمها للدول، مثل مبادرة “الحزام والطريق” سواء كان في سلطنة عمان، أو في موانئ إيران أو باكستان، بالتالي وفي ظل توتر العلاقات ما بين الرياض وواشنطن، يبدو أن الولايات المتحدة الأميركية شعرت أنها خارج هذا السياق، لتعيد تكثيف حضورها في العديد من الملفات؛ منها ملف اليمن والحسم فيه، وكذلك في ملف التقارب السعودية الإيراني.

الخبير الاستراتيجي في شؤون المنطقة، لفت إلى أن، التقارب السعودي الإيراني، قد شهد بنحو مفاجئ إبطاء في تنفيذ آلية الاتفاق، حيث لم تبادر السعودية حتى الآن في افتتاح سفارتها في طهران، في الوقت الذي باشرت فيه إيران بذلك في السعودية، وهو ما يندرج تحت الملفات التي يحملها وزير الخارجية الأميركي في زيارته إلى الرياض، بالإضافة إلى ملف خروج الإمارات من تحالف “القوة البحرية” الذي لا تنظر له واشنطن بأريحية.

إيران والصين ضمن أجندة بلينكن

علاوة على تلك الملفات، فإن الزيارة تحمل قضايا اقتصادية، تندرج تحت مفهوم الشأن الأمني العام، حيث تسعى الولايات المتحدة الأميركية إلى تحجيم النفوذ الصيني في المنطقة، حيث لا تسمح واشنطن للصين في تجاوز الخطوط الحمراء المسموح لها بالتواجد داخلها في منطقة الخليج، مشيرا إلى أنه، من المبكر الحكم على نتائج الزيارة ما لم يتم تلبية مطالب السعودية. 

استقبال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في السعودية/ إنترنت + وكالات

الذهب أشار إلى أن، السعودية تطالب بإعادة توجيه سياسة واشنطن نحو دول الخليج بشكل أوضح وأقوى، لاسيما وإن إدارة الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن، كانت واضحة أمام ملفات كبيرة انخرطت فيها دول الخليج مثل الملف اليمني، حيث قررت سحب أسلحة استراتيجية من الخليج، جعلت من السعودية تبدو خاصرة هشة ومكشوفة أمام التهديدات الحوثية، وهذا ما أزعج كثيرا الرياض ودفعها إلى أن تسلك طرق ثان لتأمين مصالحها.

الخبير الاستراتيجي في شؤون المنطقة، اختتم حديثه، بالقول، إن الاتفاق السعودي الإيراني، ترك أثاره على ملف مفاوضات أحياء الاتفاق النووي بين إيران وتجمع دول 5+1، حيث كان الأطراف الأوروبية تمتلك أوراق مناورة مهمة في العديد من القضايا بمواجهة إيران، والتي من من بينها ملف العلاقات مع السعودية وملف الحرب اليمنية، بالتالي بعد عودة الاتفاق بين السعودية وإيران فقدت تلك العناصر بعض أهميتها، لذلك جاءت هذه زيارة وزير الخارجية الأميركي للتأكيد على أن السعودية يجب أن لا تندفع دون أن تراعي مصالح كبرى تتعلق بالأمنين العالمي والإقليمي لحلفائها.

إلى ذلك، تحظى زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن للسعودية التي استمرت ثلاثة أيام، باهتمام واسع في الإعلام الأميركي ودوائر صنع القرار في واشنطن، فقد أصدرت الخارجية الأميركية بيانا شرحت فيه عمق العلاقات الاستراتيجية والأمنية التي تربط الولايات المتحدة بالسعودية منذ 80 عاما وحتى الآن.

تناولت الصحف ووسائل الإعلام تفاصيل الزيارة والتي تؤكد أن إدارة الرئيس جو بايدن حريصة على تحسين علاقاتها بالمملكة التي تعد الوزن الثقيل في المنطقة، فيما يساورها بعض القلق من تزايد النفوذ الصيني في الخليج. 

زيارة بلينكن إلى السعودية، تأتي عقب حلول مستشار الأمن القومي جيك سوليفان في الرياض في أيار/مايو الماضي، حيث أكدت أن العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية أكبر من أن تفشل، وهو ما يعكسه بوضوح البيان الصادر عن مكتب المتحدث باسم الوزارة يوم الاثنين الماضي.

إذ تحدث عن أن الولايات المتحدة تشترك بشراكة استراتيجية مع السعودية على مدى عقود طويلة، وأن واشنطن تواصل هذه الشراكة في القضايا السياسية والأمنية ومكافحة الإرهاب والاقتصاد والطاقة، بناء على الالتزامات التي تم التعهد بها في بيان جدة خلال زيارة الرئيس بايدن إلى السعودية في عام 2022.

شراكة أميركية خليجية طويلة الأمد

كذلك في تلميح أخر على رؤية مستقبلية إيجابية نحو تعضيد هذه العلاقة، يلفت البيان الانتباه إلى أن الولايات المتحدة أكملت في السنوات الثلاث الماضية، منشآت دبلوماسية جديدة في جدة والظهران، وستبدأ بناء سفارة جديدة في الرياض، ضمن مشاريع تمثل الأساس المادي للعلاقة القوية والدائمة بين البلدين لعقود أخرى مقبلة.

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن رفقة وزراء دول مجلس التعاون الخليجي/ إنترنت + وكالات

بالإضافة إلى ذلك، فإن التعاون الأمني والدبلوماسي يمثل أهمية قصوى في هذه العلاقة الممتدة لضمان الاستقرار الإقليمي، فعلى الصعيد الأمني لا تزال السعودية هي أكبر مشترٍ للمبيعات العسكرية الأميركية ضمن شراكة مبنية على المصلحة المشتركة للحفاظ على الأمن في الخليج وردع أي قوة أجنبية أو إقليمية من تهديد المنطقة.

الولايات المتحدة تلتزم بدعم البنية الدفاعية والجوية والصاروخية للسعودية لتكون أكثر تكاملا وترابطا، لتواجه نشر الأنظمة الجوية غير المأهولة والصواريخ التابعة إلى الجهات غير الحكومية كالميليشيات التي تهدد السلام والأمن في المنطقة.

على الصعيد الدبلوماسي، تواصل الولايات المتحدة العمل مع السعودية لحل النزاعات الإقليمية والتعامل مع التحديات العالمية مثل السعي لإنهاء الصراع في السودان، والتفاوض على إعلان الالتزام بحماية المدنيين وتمكين المساعدة الإنسانية هناك، والتنسيق بين البلدين في دعم جهود السلام التي تقودها “الأمم المتحدة” في اليمن، والتي أتاحت على مدى عام من خفض التصعيد إلى خلق فرصة للسلام.

أما في أوكرانيا التي تدعمها الولايات المتحدة، رحبت واشنطن بالخطوات التي اتخذتها السعودية بالتعهد بتقديم 400 مليون دولار كمساعدات لكييف، مع دعم قرارات “الأمم المتحدة” التي تدعو إلى إنهاء الحرب، فضلا عن ترحيب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في اجتماع جامعة الدول العربية الأخير في جدة.

بناء على هذه المعطيات، فإن من الصعب تطور التوتر في العلاقات السعودية الأميركية، والتي تشمل بمفهومها الواسع العلاقات الأميركية مع الدول الخليجية، حيث تبدي واشنطن استعداد كبير لرأب الصدع، مقابل ترقب خليجي لمدى إمكانية تطبيق ذلك في المدى القريب، الأمر الذي يعني لا محال أنه سيمثل قطعا نهائيا لمحاولات بكين في التغول بمنطقة الخليج.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات