وسط عجز معظم المواطنين في سوريا عن التصييف والذهاب إلى أحد الشواطئ في الساحل كما يفعل معظم الناس عادة خلال الصيف وفترة الإجازات، كشفت “وزارة السياحة السورية” أن مليون سائح زاروا سوريا في النصف الأول من العام، وأرباحهم بلغت أكثر من 7 مليارات ليرة من الفنادق العائدة على الوزارة.

هذه الأرقام أثارت انتقادات وسخرية السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ اعتبروا أنه رغم أن الحكومة تجني أرباحا كبيرة من العديد من قطاعاتها ومنها قطاع السياحة، إلا أن الواقع في تدهور متصاعد، بينما علّقت متابعة أخرى بشكل ساخر “شو رأيكن تجيبولنا فيهن الكهربا”، في إشارة واضحة إلى مدى تخبط الحكومة وتملّصها من تحسين الظروف المعيشية للمواطنين.

“شو مستفيدين نحن”

نحو ذلك، كشفت “وزارة السياحة السورية” عن وجود زيادة في عدد القادمين، لنهاية الشهر السادس من عام 2023، بنسبة 37 بالمئة مقارنة مع نفس الفترة من عام 2022، حيث بلغ عدد السّياح حوالي مليون قادم منهم 880 ألف قادم عربي، و120 ألف أجنبي، منهم 96 ألف زائر للمواقع المقدسة.

السياحة باتت للمغتربين والسياح فقط- “إنترنت”

الوزارة لفتت إلى أن أكثر الجنسيات العربية المتواجدة هي اللبنانية، العراقية، البحرينية، والأردنية، في حين تصدرت الجنسيات الروسية، الباكستانية، الإيرانية والهندية فئة السياح الأجانب إلى سوريا، حسب تقرير لإذاعة “المدينة إف إم” المحلية يوم أمس الثلاثاء.

الوزارة تقول إن ثمة زيادة في عدد النزلاء العرب والأجانب بنسبة 22 بالمئة مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي، حيث بلغ إجمالي عدد النزلاء حوالي 120 ألف نزيل منهم 100 ألف عربي و20 ألف أجنبي، كما بلغت إيرادات الفنادق العائدة للوزارة 38.5 مليار، بإجمالي ربح 7.5 مليار ليرة سورية.

إيرادات فندق “فورسيزنز” وسط العاصمة دمشق والذي تساهم فيه “وزارة السياحة ومحافظة دمشق”، لوحدها بلغت 56.269 مليار ليرة سورية بنهاية النصف الأول من عام 2023، مقارنة مع 29.501 مليار لنفس الفترة من العام الماضي.

تعليقا على هذه البيانات، علّق عدد من المتابعين بسخرية، حيث كتب أحدهم “السياحة في ارتفاع والكهرباء معدومة، وسياحة في بلد يعجز المواطن فيه عن دفع أجرة المواصلات إلى مكان عمله”. بينما دعا آخرون الحكومة إلى توظيف هذه الأرباح لخدمة المواطنين، قائلين “يشيلولون كم مليار للكهربا حاج بهدلة، نحنا ما تغير علينا شي لا كهربا متل الخلق ولا الأسعار”.

لا سياحة للمواطنين!

في المقابل، انتقد البعض بشكل لاذع تصريحات وزارة السياحة، إذ قالوا متسائلين “كمواطن ما فيه يسافر من بيته بريف دمشق لدمشق تيروح على مطعم فروج.. شو وضعه”، فيما أشار البعض إلى مدى تدهور الوضع المعيشي في البلاد “الدولار بـ 9000 ليرة سورية و كهربا مافي وخلصت سوريا بخير”.

في حين شكك البعض بصحة هذه الأرقام أو أن الحكومة تقوم بنهب كل واردات البلاد، فقال “كل هذه الأرقام وهمية طالما لم تنعكس على الواقع المعيشي للمواطن وعلى الاقتصاد، الدولة والحكومة تعمل لرفاه مواطنيها وهي ليست شركة استثمار همها الأرباح، السائح يدفع وينعم بالإقامة والخدمات على حساب المواطن”، أي أن المواطن في سوريا يدفع ضريبة الشقاء والحكومة تنعم بخيرات البلاد.

بالعودة إلى معطيات وزارة السياحة، فإنها أردفت أن أرباح الشركات التابعة لها كبيرة، فمثلا حجم أرباح “الشركة السورية للنقل والسياحة” بلغ حوالي 5 مليار ليرة سورية، بمجموع إيرادات بلغ 7.200 مليار للنصف الأول من العام، مقارنة بـ 6.414 مليار خلال عام 2022 كاملا.

كما بلغت أرباح الشركة “السورية العربية للفنادق والسياحة” حوالي مليار ليرة سورية، بمجموع إيرادات بلغ 5.910 مليار للنصف الأول من العام، مقارنة بـ 2.990 مليار لنفس الفترة من العام الفائت، أما بالنسبة لـ”الشركة السورية السعودية للاستثمارات السياحية” فبلغت أرباحها حوالي 30 مليار ليرة سورية.

بينما يأتي المغتربون السوريون إلى سوريا ويقضون عطلتهم في أجمل الأماكن وأكثرها فخامة، وكذلك السياح العرب والأجانب، يعاني السوريون بشكل كبير حتى يتمكنوا من تأمين لقمة عيشهم اليومية وبشق الأنفس، بالإضافة إلى إحجامهم عن كثير من السلع مثل الفواكه واللحوم وغيرها  وتقنينهم للمواد الغذائية أو عدم ارتياد المطاعم والمقاهي.

مما لا شك فيه أن هذه الفجوة بين حياة الناس داخل سوريا والسائحين والمغتربين القادمين إلى سوريا تخلق نوعا من اليأس والحزن، الأمر الذي قد يدفع الكثير من المواطنين إلى التفكير في الهجرة أو اللجوء إلى أعمال غير مشروعة، من أجل تحقيق هذه الرفاهية المحرومة عليهم، وسط تعاقب الأزمات الاقتصادية وانخفاض مستوى الرواتب والأجور.

السياحة للمغتربين والسياح!

في السياق، قال مدير السياحة في اللاذقية فادي نظام، في وقت سابق إن التحضير مستمرٌّ للموسم السياحي الحالي، والتنسيق مع الجهات المعنية بالشأن السياحي والخدمي لرفع مستوى الخدمة في المواقع السياحية وتقديم خدمات سياحية لائقة.

هذا يعني أن الحكومة تأمل أن تشهد سوريا حركة سياحية عربية ودولية هذا الصيف، بعد “التطبيع” العربي مع حكومة دمشق مؤخرا، لافتا إلى أنه في الوقت الحالي الحركة السياحية من المغتربين السوريين بدول الخليج جيدة نوعا ما.

في وقت يعاني فيه المواطنون السوريون من غياب الكهرباء لساعات طويلة في اليوم الواحد وأزمة المواصلات الخانقة وغلائها بين الحين والآخر، نوّه مدير السياحة للصحيفة المحلية إلى أنه يتم العمل على التنسيق مع “شركة كهرباء” اللاذقية لزيادة ساعات التغذية في المقاصد السياحية، ومع “شركة سادكوب” لزيادة طلبات المشتقات النفطية للمحافظة.

واقعيا، فإن الارتياد إلى أماكن الترفيه، من المطاعم والمسابح، بجانب التصييف على أحد شواطئ الساحل السوري، بات أمرا مكلفا بالنسبة لنسبة كبيرة من السوريين. هذا بالإضافة إلى ارتفاع تكاليفها عن العام الماضي بشكل كبير، نظرا لارتفاع كل السلع والخدمات من جانب، وتهاوي قيمة الليرة من جانب آخر.

فمثلا خلال عيد الفطر الفائت، أي قبل نحو شهر، كشف رئيس “غرفة سياحة طرطوس” إياد حسن، أن كلفة الإقامة في بعض الفنادق السياحية في طرطوس وصل إلى 400 ألف ليرة سورية لليلة الواحدة، أي نحو 54 دولارا، وهو ما يفوق قدرة معظم السوريين اليوم.

المسؤول الحكومي وفق حديثه لإذاعة “ميلودي إف إم” المحلية، في وقت سابق، أردف أن كلفة الإقامة بالنسبة إلى غرفة لشخصين تبدأ من 50 ألفا، وهو ضمن فندق نجمتين، وترتفع حسب التصنيف لتصل حتى 400 ألف لليلة الواحدة، وتكلفة الشخص الواحد، من أكل ومنامة بشكل وسطي تبدأ من 100 ألف ليرة يوميا، معتبرا هذه الأسعار طبيعية نظرا للكلفة المترتبة على المنشآت السياحية من حيث التشغيل من محروقات وكهرباء ومواد وغيرها، وأن تكلفة السياحة في أي دولة تعادل عشرين ضعف ما تكلفه في سوريا.

لكن مع هذا الحديث، ينسى حسن أن الرواتب في الدول الخارجية المعنية أعلى بعشرات المرات من رواتب وأجور الحكومة السورية ومؤسساتها، بالإضافة إلى القطاع الخاص. وهذا يعني أن الحكومة تريد أن تعترف وتقول إن الأمور الترفيهية مثل السياحة وغيرها من ارتياد المطاعم والمقاهي هي للمغتربين والسياح فقط.

إلا أن هذا الكلام ليس غريبا، فالمسؤولون الحكوميون دائما ما يحمّلون ارتفاع الأسعار بهذا الشكل الكبير وغير المنطقي إلى أنه أمر عام ويحدث في كل بلدان العالم، وأنه يرجع إلى تدهور سعر الصرف مقابل الدولار الأميركي، متناسيين عدم قيام الحكومة بواجباتها تجاه المواطنين أو الاعتراف بعجزها في رفع الرواتب بما يتناسب مع مستوى المعيشة في البلاد.

بالاستناد إلى هذه الأسعار “الخيالية” انضمت النشاطات الصيفية المرتبطة بالساحل إلى قائمة “المحرّمات أو الممنوعات” عن معظم العائلات السورية، وإن كانت تسعى بعض الجهات إلى فتح مشاريع “سياحة شعبية” بأسعار وتكاليف قد تكون مناسبة لبعض السوريين في ظل الغلاء الكبير الذي ضرب المنتجعات الصيفية والفنادق في المدن الساحلية.

أسعار الفنادق شكّلت للسوّاد الأعظم من السوريين صدمة، فعلّق أحدهم قائلا “أحتاج راتب 5 أشهر لأستطيع قضاء ليلة واحدة”، حيث أفاد تقرير لموقع “كيو ستريت جورنال” المحلي مؤخرا، أن أسعار حجز غرفة ليوم واحد في فنادق الدرجة الممتازة في مدينة اللاذقية وصلت إلى 390 ليرة سورية.

لكن رغم ذلك، فإن التكاليف المرتفعة في الخدمات المقدمة في المناطق الساحلية، أفضى إلى افتتاح العديد من المشاريع السياحية لـ”السياحة الشعبية”، حيث تم تشييد العديد من المشاريع في منطقة وادي قنديل في اللاذقية، التي تتضمن افتتاح أكواخ خشبية وتأجيرها للعائلات، بتكلفة تصل إلى 60 ألف ليرة سورية لليلة الواحدة، وكذلك تم افتتاح مشروع مماثل في محافظة طرطوس حيث تكلفة الليلة الواحدة 80 ألف ليرة سورية، ويتسع لأربعة أشخاص.

إلا أن هذه الأسعار تظل مرتفعة مقارنة بالرواتب والأجور التي يبلغ متوسطها ما بين 140-180 ألف ليرة سورية، وبالتالي فهذه ليست حلولا معقولة لجميع المواطنين، وقد تبدو مناسبة لفئة محدودة للغاية من العاملين في القطاع الخاص، حيث إن الأجور أعلى بمرات من القطاع الحكومي.

هذا ما أكده استطلاع لتقرير آخر للإذاعة المحلية حول متوسط ​​قيمة الدخل الشهري للأسرة، حيث تركزت إجابات المتابعين في الغالب على حوالي 3-5 مليون ليرة سورية، وهو في حدودها المعقولة مقارنة بالواقع المعيشي. كما لفتت صحيفة “قاسيون” المحلية مؤخرا، إلى أن متوسط ​​تكلفة المعيشة لأسرة سورية مكونة من خمسة أفراد قفز إلى أكثر من 6.5 مليون ليرة سورية، بينما وصل الحد الأدنى إلى 4.1 مليون ليرة سورية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات