أساليب وصرعات جديدة باتت تنتشر في سوريا، بغية تسعير السلع وفق سعر الصرف، ولعل آخرها عدم تقييد المحال التجارية وعموم الأسواق بالتسعيرة الحكومية الرسمية، فضلا عن إنشاء بورصات للسلع الغذائية الرئيسية مثل السكر والأرز على غرف تطبيق “الواتساب” من قِبل الشركات والتجار.
بصرف النظر عن عدم التزام عموم التجار والبائعين بالسعر الرسمي، على اعتبار أنه لا يتماشى مع تكاليف الإنتاج، وسط تدهور الليرة السورية، هناك بعض المحال “سوبر ماركت” ترفع أسعار المياه من تلقاء نفسها دون انتظار صدور تسعيرة رسمية جديدة حول ذلك، بحجة ارتفاع الدولار وأن كل شيء يجب أن يكون حسب سعر الصرف، بالإضافة إلى أن شركات المياه يبدو أنها تبيع عبوات المياه بسعر أعلى من السعر الرسمي.
بورصة للأسعار على الـ “واتساب”
في السياق، كشف تقرير لموقع “أثر برس” المحلي يوم أمس الأربعاء، عن أن بعض الشركات المنتجة للمواد الغذائية تلجأ إلى إبلاغ التجار الذين يتعاونون معها بأسعار منتجاتها عبر تطبيق “الواتساب”، إذ ترسل الأسعار لكل المحلات و”السوبر ماركت” التي تتعامل معها وتوزع لها، وكأنها بورصة وليست سلعا غذائية.

أحد أصحاب المحال التجارية في منطقة جرمانا بريف دمشق، أوضح للموقع المحلي أن كل منتجاته من الشركات الخاصة إذ إنهم يرسلون له الأسعارعبر مجموعات “الواتساب” وكلما يتم تعديل الأسعار يعلمونهم بذلك، وبالطبع يتم وضع التكاليف ونسبة الأرباح.
شخص آخر وهو يبيع منتجات هذه الشركات، أشار إلى أن تكلفة الأسعار توضع في مجموعات “الواتساب” أو بعضهم يدخل إلى الصفحة الخاصة بالمعمل المنتج لبيان نسب الأرباح والسعر الذي يجب أن يبيعون به، مضيفا أن إقبال الناس على هذه المنتجات ليس كثيفا فالأسعار مرتفعة ولا تتناسب مع عموم الناس وخاصة ذوي الدخل المحدود، لذلك فإن معظم الناس لا تشترِ إلا عند الضرورة القصوى عندما تحتاج إليها فقط.
أمّا موّزع إحدى معامل إنتاج هذه السلع الغذائية، بيّن “نوزع منتجاتنا أسبوعيا وفي حال زاد الطلب نوزع يوميا، وأحيانا يطرأ ارتفاع عليها فنحضر بيانات سعرية ونعرضها على البائع، إذ نعطيه العدد الذي يريد أو الذي يتناسب مع مادياته فبعض الباعة وعلى الرغم من أن محلاتهم ضخمة وتحتوي على السلع كافة فإن منتجاتنا قد لا تباع بكثافة لأنها لا تناسب من حيث أسعارها بعض الناس”.
موزّع البضائع أردف في حديثه حول انتشار هذه الموضة في الأسواق السورية، “نرسل الأسعار في مجموعات الواتساب في حال طرأ عليها أي تعديل، وحتى الطلبات تتم بوساطة الواتساب، مثلا المحل الفلاني في منطقة كذا يحتاج إلى طلبية عدد 20 كيلو سكر أو رز وهكذا، وأحيانا من خلال الاتصال بالمندوب الذي يوزع لهذه المحال”.
أمام عدم التقيد بالتسعيرة الرسمية، دائما ما تكتفي الجهات الحكومية بأنها تعمل جاهدة على ضبط المخالفات وتنظّمها وفق الأصول، ولكن هذا ليس بالحل المُجدي أمام فوضى الأسعار الذي يحدث حاليا من كل حدب وصوب.
في السياق نفسه، برّر مصدر في مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك للموقع المحلي هذه الظاهرة “سواء أكانت هذه المعامل تضع أسعارها في الواتساب أم في أي تقنية أخرى، يبقى المطلوب منهم أن تقدم بيانات تكاليف لمديرية تموين ريف دمشق لأن المعامل والشركات موجودة في ريف دمشق؛ وكلما تغير السعر عليهم تقديم تكاليف جديدة والسبب إذا كانت هناك معطيات جديدة لأي مادة يجب أن يشرحها للزبون، باستثناء مادتي السكر والأرز لأن صكوك أسعارها تصدر حاليا من الوزارة”.
أما باقي المنتجات الخاصة بالشركة أيّا كانت، فهي تُباع وفق بيانات التكاليف الموجودة على عبوة الشراء، يضاف إليها تكاليف التعبئة وهي 7 بالمئة، ونسبة أرباح التعبئة أيضا، وفق ذات المصدر الذي أكد أيضا أنه كلما تغيرت الأسعار تتغير التكاليف وفاتورة الشراء.
بمعنى أن الحكومة تعطي الشرعية للشركات والتجار والباعة في رفع أسعار منتجاتهم وفق سعر الصرف، بينما لا تحرك ساكنا إزاء رفع رواتب ومداخيل المواطنين بحيث تتماشى مع الواقع المعيشي.
تعطيش المارة
في سياق موازٍ، المحال التجارية باتت ترفع أسعار عبوات المياه المعدنية من تلقاء نفسها دون الالتزام بالتسعيرة الرسمية، فمثلا العبوة الصغيرة تُباع حاليا في الأكشاك والبسطات والمحال التجارية بـ 3000 ليرة سورية، وتسعيرتها الرسمية مازالت 600 ليرة فقط.
أي زيادة بلغت 50 بالمئة عن السعر الذي كان رائجا خلال الأسبوع الماضي، من دون أن تتبدل التسعيرة الرسمية الموجودة على لصاقة العبوة التي تبلغ 600 ليرة. وهنا يقول أحد الباعة بالقرب من “دوار الشرقية”، في منطقة المزة لموقع “أثر برس” المحلي في تقرير آخر نُشر اليوم الخميس، إن الموزّع بات يبيع الطرد بسعر 25 ألف ليرة سورية، ويحتوي 12 عبوة، الأمر الذي يضطر الباعة لرفع السعر، علما أن البائع يؤكد أن المياه التي توزع من قبل “المؤسسة السورية للتجارة” ليست مرغوبة من قبل الزبائن، بحسب تعبيره.
على الرغم من أن سعر الجملة للعبوة الواحدة من سعة نصف لتر يقف عند 2038 ليرة، فإن الباعة يعلّلون وضع هامش ربح بما يقارب 1000 ليرة، أي 50 بالمئة من رأس المال، بسبب تكلفة تبريد المياه التي تعتمد على المولدات، علما أن غالبية الأكشاك والبسطات لا تستخدم أي نوع من مصادر الطاقة البديلة كالمولدات أو الطاقة الشمسية.

طبقا للتقرير المحلي، فقد بلغ سعر عبوة المياه بسعة ليتر ونصف 4500 ليرة سورية في بعض الأكشاك، والبعض الآخر يبيع العبوة بـ 5000 ليرة علما أن التسعيرة الموضوعة على اللصاقة هي 1650 ليرة سورية فقط، ما يعني أن السعر المعمول به يعادل 3 أضعاف التسعيرة الرسمية، وسط غياب واضح للرقابة التموينية على الموزّعين وباعة المفرق.
بالرغم من أن “المؤسسة السورية للتجارة” أدرجت سلعة “المياه المعلبة” ضمن المواد التي يمكن الحصول عليها عبر ما يسمى “البطاقة الذكية”، فقد تبيّن وفق عدد كبير من الأشخاص أنهم لم يسبق لهم أن اشتروا هذه المخصصات.
في كل صيف ومع كل قفزة في سعر الصرف، ترتفع أسعار المياه المعدنية في سوريا، مما يزيد من أعباء السوريين المعيشية يوما بعد يوم، وسط ارتفاع الأسعار من كل حدب وصوب. مؤخرا، أصدرت “الشركة العامة لتعبئة المياه” بسوريا، نشرة أسعار جديدة لمنتجاتها، ليصبح سعر عبوة المياه المباعة للمستهلك سعة 0.5 لتر بـ 925 ليرة سورية، وسعة 1.5 لتر 1650 ليرة، وسعة 5 لترات 4700 ليرة، وسعة 10 لترات 5800 ليرة، و600 ليرة للكأس من مختلف القياسات.
الشركة أوضحت في نشرة أسعارها أن أسعار العبوات من أرض المعمل هي 9650 ليرة سورية، للجعبة التي تحتوي 12 عبوة حجم نصف لتر و 8200 ليرة للجعبة 6 عبوات حجم 1.5 لتر. كما وسعّرت عبوة الـ 5 لترات بسعر 4000 ليرة، وعبوة الـ 10 لتر بـ 4875 ليرة.
أما الأسعار للموزع إلى باعة المفرق فهي 9000 ليرة لجعبة الـ 6 عبوات حجم لتر ونصف اللتر و 10300 ليرة للجعبة 12 عبوة حجم نصف لتر و 4375 ليرة لعبّوة الـ 5 لترات و 5425 ليرة لعبوة 10 لترات و600 ليرة لكاسة المياه الواحدة، و 9900 ليرة لجعبة 6 عبوات حجم 1.5 لتر، و 11100 ليرة لجعبة 12 عبوة حجم نصف اللتر.
مدير عام “شركة تعبئة المياه” المهندس بسام علي، ذكر آنذاك أن السبب الرئيسي لرفع أسعار عبوات المياه هو ارتفاع تكاليف الإنتاج، ولا سيما ارتفاع تكلفة المادة الأولية المستخدمة في صناعة عبوات المياه المعبأة وهي “البريفورم” التي تشكل وسطيا نسبة 55 بالمئة من تكلفة المنتج النهائي بمختلف القياسات، حسبما أوضحته صحيفة “الثورة” المحلية، مؤخرا.
بالتالي فإنه من المرجح أن تصدر تسعيرة جديدة حول أسعار عبوات المياه وهو ما يعني أن الأسعار سترتفع أكثر مما هو عليه حاليا، ويدفع ضريبة هذا الغلاء الفاحش المواطن السوري الذي يعاني الأمرّين كل يوم جراء تدهور الليرة وتدني مستوى الرواتب والأجور.
عموم التجار والباعة يسعّرون منتجاتهم وبضائعهم وفق سعر الصرف، ولم يعد أحدٌ منهم يلتزم بالتسعيرات الرسمية، وهو ما يعني أن معظم قرارات التموين والتسعيرات الرسمية التي تُصدر عنها ليست سوى حبر على ورق، ولا يُعترف بها، نظرا لعدم إنصافها مع تكاليف الإنتاج.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
الأكثر قراءة

وصفت بـالتاريخية لحظة تصديق الشرع على الإعلان الدستوري

هل تستفيد المصارف السورية من تعليق العقوبات عن “البنك المركزي”؟

هجوم لفلول النظام على حاجز للأمن العام بدمشق

نزوح الآلاف من الساحل السوري باتجاه لبنان.. تفاصيل

ميليشيات عراقية تعتدي على سوريين وتعتقلهم

ميليشيا عراقية تعتدي على السوريين.. دمشق تندّد والسوداني يأمر باعتقال المتورّطين
المزيد من مقالات حول اقتصاد

لغز توقف إعادة الربط الكهربائي بين سوريا والأردن.. هل قطر السبب؟

مسؤول يكشف حقيقة السفن القطرية والتركية.. سوريا بلا كهرباء إلى أجل غير مسمى

“وزارة الاقتصاد” تستعرض انجازاتها.. هل انعكست على معيشة السوريين؟

ضوابط ورسوم جديدة تهدد بانهيار قطاع التخليص الجمركي في سوريا.. ما علاقة الاحتكار؟

الغلاء يضع بصمته على “الأكلات التراثية” السورية.. ما سبب ارتفاع أسعارها؟

3 شروط لتنفذ الحكومة السورية وعدها بزيادة الرواتب.. ما علاقة سعر الصرف؟

قطر تزود سوريا بالغاز الأميركي.. ما حقيقة دور الدوحة في مساعدة دمشق؟
