خاف الأسد ولم يهرب، خرجت مظاهرات معارضة مجموع متظاهريها لا يتجاوز المئة ألف، بمقابل مسيرات تأييد بعشرات الملايين، في حين يستمر القصف الإسرائيلي على الأراضي السورية لاستهداف الجيش السوري فقط ولا غاية مقصودة صوب النفوذ الإيراني المتغلغل هناك.

هي حقائق ادعاها “الرئيس السوري الحالي” بشار الأسد، خلال مقابلة تلفزيونية بثتها قناة “سكاي نيوز عربية” (الإماراتية) مساء يوم الأربعاء، حيث تمحورت المقابلة حول عدة ملفات سرد فيها الأسد رؤيته ودائرته المقربة حول ما مر على سوريا خلال أكثر من 12 عاما. 

ما يجب السؤال عنه ما بعد مقابلة الأسد يتمحور حول ماذا يريد الأخير من الكلام الذي أصر على تكراره في مواضع عدة، وما معنى الرسائل الذي أراد توجيهها، وما الذي يريد إنهائه بشكل تام من مشهد الملف السوري، وفي المقابل إلى ماذا ينظر الأسد كمكاسب يسعى لتحقيقها على أصعد مختلفة خلال الفترة المقبلة.

مثلث برمودا الأسد في الملف السوري يرتكز على نقاط رئيسية ثلاث تلخص مخطط الدائرة الضيقة الحاكمة في سوريا، ولعل النقاط سالفة الذكر ترتكز بكليتها على نسف أي إمكانات لظروف تهيئ لحل سياسي حقيقي وكامل في سوريا يستطيع أن يحقق العدالة والكرامة ويتناسب مع تطلعات السوريين بمختلف أطيافهم ومكوناتهم. يظهر بشكل جلي بأن أي حل سياسي سيقلق دمشق وما قد يقنعها يتمثل في أية مبادرة عربية/إقليمية تقوم على مبدأ مراضاة “أغلب” الأطراف المؤثرة في الملف السوري وتقديم المغريات والمكاسب على شكل “مؤثرات إيجابية” على أمنها القومي والإقليمي لتحقيق الاستقرار السياسي والاستدامة الاقتصادية للإقليم فرديا وجماعيا. 

الأسد لم يشر بأي قيمة اعتبارية سلبية كانت أم إيجابية إلى أي دور سابق أو لاحق لجماعات المعارضة السياسية السورية، واكتفى بالقول بأن المعارضة حالة طبيعية وبأنها وطنية في الداخل فقط أما في الخارج فأمرها لا يخلو أيضا من الوطنية عند بعضها لكن من دون أي قيمة سياسية لها، فيما كانت المعارضة الأكثر قيمة بارزة لديها وفق الأسد هي “المعارضة الإرهابية” وهنا تقصد هو التركيز عليها للبوح بالمخططات القادمة، فلا حوار ولا تشاور متوازن مع معارضة سياسية، لذا فهي ستدور في فلك الحكومة الحالية فقط، أما الغالبية فهي إرهابية بصناعة إقليمية وفق إدعاءه كأحرار الشام وجبهة النصرة أو هيئة تحرير الشام.

انطلاقا من هذه الجزئية فمصطلح الإرهاب غير المتفق على تعريفه بشكل واضح ومحدد دوليا حتى الآن؛ ارتكز عليه الأسد بشكل لافت وذلك أمر يدعو للكثير من التساؤلات، فهو كرر كثيرا مفردات تعني انتصار حكومته على الإرهاب فكان شغله الشاغل تأكيد صبغة الإرهاب على كل رأي وعمل وتحرك مناهض لحكومة دمشق، فحصرَ كل ما حصل بسوريا ضمن نطاق الإرهاب، فهل يكون هناك حوار حول قضايا الإرهاب، وما هي الشروط والمتطلبات لمعالجة أزماته طالما أنه يدعي انتصار حكومته عليه. 

بحسب كلام الأسد فإن لدمشق منة وفضل على دول الإقليم ككل بالانتصار على الإرهاب، وبدلا من معاداتها لدمشق يجب عليها تقديم الدعم بمختلف أشكاله الاقتصادية والسياسية. هذا ما سعت له دمشق دوما، وإنما الآن تقتنص فرصة بعض المساعي والتحركات العربية التي تتملص فيها دمشق من ضرورة وجود بند يدعو صراحة لتنفيذ القرار الأممي 2254، وإنما تدور التحركات الأخيرة حول مبدأ خطوة مقابل خطوة وهو مغاير تماما في الآليات والوسائل ونتائج التنفيذ عن القرار 2254.

الضلع الثاني الذي يعتمد عليه مثلث برمودا الأسد في سوريا هو ذو ملفات مشتركة ومتقاطعة، خاصة بأن ملف اللاجئين يتقاطع بشكل كبير ليخدم توجيه دمشق لملف إعادة الإعمار. تحرص دمشق على ربط عودة اللاجئين بضرورة إعادة الإعمار وهذا ملف لا بد من تحرك عربي وإقليمي لدعمه، لذلك يرغب الأسد بترك الباب مواربا أمام تقدم عربي لدعم اقتصادي، فهو لم يهاجم في مقابلته الصحفية العرب ولا حتى الولايات المتحدة كما جرت العادة لديه، وإنما اكتفى بعتابهم ومطالبتهم وحتى لم يصل مستوى تصعيد خطابه الهجومي ضد تركيا إلى حدوده الطبيعية كما كل مرة.

الأسد اشتكى من منظومة العلاقات العربية العربية فقط؛ مؤكدا في الوقت ذاته وصول العلاقة بين دمشق وبعض المحيط العربي إلى مستويات متقدمة دون الوصول لمراحل التنفيذ الفعلي المجدي، وهو ما يفرض عليه على ما يبدو استمرار ربط حل ملف اللاجئين بإعادة الإعمار وذلك بمقابل عدم الإساءة للولايات المتحدة التي لم يهاجمها بسبب قانون قيصر مدعيا بأن حكومته استطاعت تجاوز آثاره وتقييداته، حتى أنه ذهب للتأكيد بأن دمشق لن تغلق الباب أمام أي مفاوضات سواء كانت على صعيد التواصل مع الولايات المتحدة أو على المستوى الإقليمي مع الجانب التركي. 

الضلع الثالث في مثلث برمودا الأسد يُمثل لدى دمشق “بيضة القبان”، فالرئيس السوري الذي نفى مسؤولية دائرة حكمه عما يجري داخل شبكة التصنيع والإتجار بالمخدرات، وهذا النفي وإن كان أمرا بديهيا ولكنه غير واقعي، فما سعى الأسد لإيصاله أكبر من مسألة نفي أو إقرار بمسؤولية، وإنما كانت الرسالة بصيغة تخييرية وليست تهديدية مباشرة، بأن دمشق جادة في ضبط العمليات التي تزعج كل دول المحيط العربي وبل الدول المجاورة عبر البحر، لكن هذا يحتاج لاستقرار كامل وعلى مختلف الأصعدة؛ وهو الأمر ذاته الذي يتيح العودة للتفكير بجدية تجاه ملف اللاجئين السوريين وعودتهم للبلاد. 

إذاً فإن الأسد يربط ملف المخدرات بالاستقرار الأمني والاقتصادي وهذا يتطلب جهدا في التواصل المباشر مع دمشق من قبل الدول الفاعلة بالملف السوري، ما يعني حلحلة لملفات إعادة الإعمار وعودة اللاجئين بمقابل رفض لأي عملية انتقال سياسية وبقاء الوضع السياسي على ما هو عليه إزاء الأسد وسلطته، ليكون السؤال ما هو دور المحيط العربي والمجتمع الدولي من رسائل الأسد الذي أنهى مشروعية الحل السياسي في مثلث يخفيه من دون عودة.

* “أبعاد” هي زاوية صحفية أسبوعية/دورية؛ تحليلية سياسية، يكتبها مالك الحافظ، رئيس تحرير “الحل نت”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات