من بوابة سوريا لا السعودية عوّلت إيران على كسر الحصار المفروض عليها منذ سنوات طوال؛ سياسيا واقتصاديا، فالتدخل العسكري في الملف السوري أفرز عدة أشكال من تضخم السطوة الإيرانية داخل بلدان عدة في المنطقة، وخلال الفترة الحالية يبدو إيران بأنها تظن قد دخلت مرحلة جني ثمار المصابرة وتحدي المواجهات التي كابدتها بمستويات مختلفة خلال السنوات الماضية في الدول التي عاثت فيها انطلاقا من سوريا وخصوصية ملف أزمتها عن باقي دول الأزمات العربية.

رغم أن لقاء وزير الخارجية الإيراني بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، منتصف الشهر الجاري، أتبعه تصريحات إيرانية إيجابية للدلالة على حسن سير خط التقارب الإيراني السعودي الذي رعت افتتاحه الصين في آذار الماضي، إلا أن اهتمامات الطرفين مختلفة عن بعضهما، وإن كانت تلتقي في بعض الملفات التي تهم إيران أكثر. فما يهم السعودية في الفترة الحالية بشكل أساسي هو حماية حدودها الجنوبية وإنهاء تطاول جماعة “الحوثي” المدعومة من إيران.

أبعاد عدة يحملها ملف زيارات وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان؛ لدول المنطقة، ابتداء من السعودية وصولا إلى سوريا ومن ثم لبنان.

خصوصية سوريا بالنسبة لإيران لا تقف عند أهمية موقع سوريا لنفوذ إيران في دول الجوار باعتبارها عقدة ربط بين لبنان والعراق، وكذلك كونها قاعدة مؤثرة تجاه مشروع إيران في زعزعة استقرار المنطقة من حيث قرب سوريا من الحدود مع إسرائيل، وكون سوريا أيضا قاعدة إضافية للتواجد الإيراني بالقرب من السعودية ودول الخليج.

جاءت زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، في شهر أيار الماضي لتكشف عن الرغبة الإيرانية في استغلال سوريا كمورد مالي لاحق من خلال التقارب العربي المحتمل والذي كانت على ما يبدو تنسجه إيران وكللته عبر إدعاء حسن نيتها في التفاهم مع السعودية. ليتبع ذلك جلب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى طهران وتوقيعه على اتفاقيات تنفيذية، قبل أن تفيد وسائل إعلام إيرانية بوصول عبد اللهيان في زيارة جديدة لدمشق نهاية الأسبوع الحالي من أجل بحث تنفيذ الاتفاقيات الأخيرة التي تم توقيعها لا سيما تأسيس بنك إيراني في سوريا، فضلا عن تسريع البدء الفعلي بانطلاقة مشغل الاتصالات الخلوية الثالث في سوريا ذو السطوة الإيرانية وفق ما أفادت به مصادر خاصة لـ”الحل نت”.

معاني توقيت الزيارة المزدوجة لوزير الخارجية الإيراني إلى سوريا ولبنان تكشف عن المطامع التي تطمح إليها إيران في استغلال ورقة التقارب العلني مع السعودية، من حيث كسب المزاج الإيجابي تجاه المبادرة العربية في سوريا أملا في جذب أموال إعادة الإعمار وإن كان ذلك ليس خدمة سعودية فقط تحت الطلب الإيراني.

مورد مالي تريد إيران اعتبار سوريا بالنسبة لها، وكذلك تريد وصل هذا المشروع نحو لبنان الغارق في أزمته الاقتصادية منذ عام 2019 والمؤثرة والمتأثرة بطبيعة الحال بالأزمات السياسية المتلاحقة، لذا سيستند عبد اللهيان في زيارته بعكاز اللقاء الوحيد مع الأمير بن سلمان، من حيث مباركة الرياض -حتى الآن- لاستمرار العمل على المبادرة الأردنية/العربية تجاه سوريا، كذلك باستغلال النفس الإيجابي للسعودية بدعم الاستقرار السياسي وفتح بوابة الإمداد الاقتصادي وإنقاذ الشريان الإيراني المخنوق في لبنان والمتمثل بـ”حزب الله”.

عمليا فإن السعودية تنظر إلى العلاقات مع إيران بعين الحذر والريبة، فالقطيعة التي وصل عمرها إلى سبع سنوات، كان قبلها ما كان من ظروف وعوامل سلبية بين البلدين أدت إلى هذه القطيعة، وبالتالي لا يعني فتح السعودية إلى نافذة التلاقي “الأولي” مع إيران بأنها خطوة عميقة نحو تأسيس علاقات إيجابية متبادلة، فما تطمح إليه الرياض وقد تتوافق في ذلك معها حليفتها واشنطن بأن تحقق إغلاق التهديدات الحوثية إلى غير رجعة وسيادة الاستقرار في اليمن، وهذا ما سيكون أجدر اختبار لإيران، وهو أمر لا يبدو أن طهران ستكون قادرة عليه لا سيما وأنها اعتادت منذ وصول نظام الملالي لإيران على بث التوتر والقلاقل في عموم المنطقة.

وأخيرا فإن القاضي والحكم لما ستؤول إليه مجريات الأمور تجاه إيران في المنطقة هو العنصر الأميركي الحليف الوثيق لدول الخليج، حتى ولو اعتبر البعض بأن هذه الدول تسعى لخلق استقرار اقتصادي من خلال حضور سياسي عما مضى في العقود الماضية، إلا أن الحضور الأميركي سيبقى المحدد لما سيجري.

  • “أبعاد” هي زاوية صحفية أسبوعية/دورية؛ تحليلية سياسية، يكتبها مالك الحافظ، رئيس تحرير “الحل نت”.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات