دون إعلان رسمي، جرت تغييرات خلال الأيام الفائتة على مستوى القيادة الأمنية في سوريا، تمثلت بعزل اللواء علي مملوك عن رئاسة مكتب الأمن الوطني، والتعاقد معه كمستشار للشؤون الأمنية في الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية التي استحدثها الرئيس السوري، بشار الأسد، في 13 كانون الأول/ديسمبر الفائت.
التعديلات الكبيرة التي شهدتها سوريا في قيادتها الأمنية، دون أي إعلان أو تفسير رسمي، أثار العديد من التساؤلات والتكهنات حول دوافع ودلالات التغييرات، وعلاقتها بالتطورات والديناميكيات الإقليمية والدولية التي تشهدها سوريا وحلفاؤها، وحتى الخصوم.
فمؤخرا أيضا أثارت خطوات سورية تساؤلات واسعة فيما يتعلق بتغيير شكل الحكم، ولا سيما أنه منذ عهد “الأسد الأب” لم يعهد أن تُنقل أي صلاحية خاصة بالرئيس إلى أي شخص أو جهة، خاصة أن لبشار الأسد -وأسوة بأبيه من قبله- صلاحيات دستورية وقانونية واسعة في مختلف قطاعات الدولة (المدنية والعسكرية)، تمكُّن عبرها من التحكُّم بالدولة كيف شاء، ووطَّدت في الوقت ذاته ديكتاتورية السلطة القائمة أساساً على الرّعب والخوف.
رجل الأسد القوي أُبعد “قسرياً”؟
بحسب ما أكدته مصارد في الجيش السوري، فإن التغييرات حدثت على مستوى مكتب الأمن الوطني، وهو أعلى وأقوى جهاز أمني في سوريا، والذي يشرف وينسق الأنشطة والهجمات وعمليات الأجهزة والفروع الأمنية والاستخباراتية المختلفة في البلاد.
وقالت المصادر لـ”الحل نت”، إن التعديل الوزاري تضمن إقالة اللواء علي مملوك من رئاسة مكتب الأمن الوطني، وتعيينه مستشاراً أمنياً للرئيس بشار الأسد، ومملوك يعد من أكثر الشخصيات المؤثرة والموثوقة في نظام الحكم السوري، والذي شارك في العديد من القرارات والسياسات الرئيسية لدمشق، خاصة فيما يتعلق بالحرب السورية وعلاقات سوريا مع الأطراف الإقليمية والدولية.
أيضا تم تعيين اللواء كفاح ملحم رئيساً لمكتب الأمن الوطني، بعد أن كان رئيساً لشعبة الاستخبارات العسكرية التي تعتبر من أهم وأبرز الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في سوريا، والمسؤولة عن الشؤون والقضايا العسكرية والدفاعية في البلاد.
وتمت ترقية وتمكين ملحم، وهو من المقربين والمخلصين للرئيس الأسد، والذي كان يلعب دوراً حيوياً وفعالاً في الحرب السورية والتنسيق والتعاون السوري مع القوات الروسية والميليشيات المدعومة من إيران. وبالتعديل الجديد، اكتسب محلم المزيد من السيطرة والنفوذ على الأجهزة الأمنية والوضع الأمني في البلاد.
كما تم تعيين اللواء كمال حسن خلفاً لملحم على رأس شعبة الاستخبارات العسكرية، بعد أن كان نائباً لرئيس الشعبة، ورئيساً للفرع “293” الذي يعد من أكثر فروع المخابرات سرية وحساسية والمعروف بفرع فرع “أمن الضباط”.
بهذا التفويض فإن ملحم يتسلم أكبر دائرة مشرفة على مراقبة أفراد ومؤسسات الجيش والأمن السوري، وكشف ومنع أي انشقاق في صفوف الجيش، فيما تم تعيين اللواء مفيد خضور معاون لرئيس شعبة المخابرات.
بحسب ما تحدثت به المصادر لـ”الحل نت”، فإن التعديل الأمني تزامن مع استئناف العمل الدبلوماسي السعودي في دمشق، بعد عقد من قطع وتوقف العلاقات والتعاون بين البلدين، بسبب الحرب والتحالف مع إيران ووكلائها، وهذه دلالة على وجود تغييرات بتنسيق إيراني مباشر.
التنافس الإيراني في سوريا
بحسب الباحث السياسي في الشأن السوري، محمد الزعبي، فإن هناك دلالتين لا ثالث لهما وراء هذه الإجراءات الكبيرة في المنظومة الأمنية السورية، أولهما ضلوع إيران في هذا الترتيب، وثانيا هو استجابة سوريا لبعض المتطلبات الدولية التي فرضت عليها.
بخصوص الخيار الثاني، فإنه الآن رسميا علي مملوك المتوافق عليه دوليا أصبح الرجل الثاني في سدة الحكم بدمشق، وفي حال انتهاء ولاية بشار الأسد لأي سبب؛ فسيكون مملوك الذي تنحدر عائلته من لواء إسكندرون في هاتاي التركية والموثوق به أميركيا وأوروبيا المؤهل الجديد للسلطة بالرغم من شيخوخته.
إلا أن الإعلان عن دخول مملوك المستشفى بسبب وعكة صحية من خلال وسائل إعلامية روسية بعد ساعات من خروج قرار إقالته للعلن، يظهر أن هذه الإجراءات تمت عكس ما كان يرمي إليه مملوك بعد نجاحه في الملفات التي عُهدت إليه من قضايا خارجية، مثل المصالحة الإقليمية وعودة سوريا إلى الهيئات الدولية، بجانب القضايا الداخلية التي على شاكلة المفاوضات مع “الإدارة الذاتية” الكردية والمصالحة مع أنقرة.
هنا يشير الزعبي في حديثه لـ”الحل نت”، إلى ضلوع النظام الإيراني بهذا الترتيب لا سيما بعد تفرد روسيا بملف تأهيل الجيش السوري، والضغط على دمشق لتغيير نظام الحكم فيها ومنح صلاحيات لرئيس الحكومة ونزع صلاحيات سيادية كان محصورة بشخص بشار الأسد.
كفاح ملحم وكمال حسن المحسوبين على إيران تم ترفيعهم، ما يعني أن الأسد سعى لإرضاء طهران، خصوصا أن كسر التمديد لمدة عام للواء كفاح ملحم رئيس شعبة المخابرات العسكرية الذي صدر قبل شهر ونقله كرئيس لمكتب الأمن الوطني وهو منصب مدني لا يخضع لقواعد السن والتقاعد المتبعة في الجيش.
كما أن تعيين اللواء كمال حسن نائب رئيس شعبة المخابرات العسكرية رئيسا للشعبة رغم أنه لم يمض على تعيينه بهذا المنصب سوى ستة أشهر، وقبلها كان رئيسا لفرع “227” المعروف باسم فرع “المنطقة”، وقبلها رئيسا لفرع “فلسطين”.
مستشار مع مرتبة الشرف
بالتّزامن مع إعادة السعودية استئناف عملها الدّبلوماسي في دمشق، يسود التّساؤل عن التّوقيت والتّزامن بين الخطوتَين، بينما تتردّد المعلومات عن وجود ورشة سورية كبيرة باشرها الأسد، لإعادة تنظيم أجهزة الدولة ومؤسساتها الرسمية والحزبية.
في هذا السياق، يرى الزعبي أن عزل مملوك هو إشارة إلى نهاية حقبته الأمنية في منظومة الحكم الحالية، ففي سوريا، يتم تسمية كل مسؤول، سواء كان مقالاً أم متهماً أو مُطروداً، بلقب “مستشار”، وهذا اللقب يُلقى بظلاله على كل من يمتلك أي منصب قيادي، مما يشير إلى وضع يستلزم التحقيق والتفتيش.
وفي حالة تورط أي مسؤول في فضيحة، يُعين كمستشار لتغطية الشراكات وإسكات الأصوات، إذ يُعرَّف المستشار في سوريا على أنه موظف بسيط يقضي يومه في الدوام لمدة ساعتين، يحتسي القهوة ويقرأ الجريدة في مكتبه.
كما أن المستشار في سوريا وفق حديث الزعبي، ليس مجرد وظيفة، بل هو عبارة عن إقامة جبرية، حيث يُمنَع من السفر وإصدار التصريحات الإعلامية، ويكون ملتزما بتعليمات الأجهزة الأمنية لمحاولة منعه من الانشقاق أو تسريب المعلومات والأسرار الدولية.
فبعد إقالة المسؤول في سوريا من منصبه، يفقد ثقته ومصداقيته، حيث يصبح غير مؤتمن على العمل، وهكذا يتحول برتبة المستشار من رمز للقوة إلى شخصية مهملة وغير مرغوب فيها. وفي السياق السوري، يُعتبر المستشار وكأنه داخل غرفة العناية المركزة أو في حالة الموت السريري، حيث يواجه العديد من الضغوط والتحديات التي تجعله في موقف حرج.
ما يلفت إليه الزعبي، إلى أن تعيين علي مملوك بمنصب مستشار هي ورقة نعي وعزاء مفتوحة، حيث يشكل رمزا لنهاية مسار مهني مظلم ومأساوي، وفقدان للكثير من المزايا والقوة التي كان يحظى بها سابقا، كأقوى رجل أمني في سوريا.
من هو الصندوق الأسود لبشار الأسد؟
وفقا لمصادر صحفية مفتوحة، فإن علي مملوك ولد في مدينة دمشق عام 1949 لأسرة علوية مهاجرة من لواء إسكندرون، وله تاريخ طويل في تأسيس أركان المؤسسات الأمنية، حيث شارك اللواء محمد الخولي في جهاز المخابرات الجوية، وأوكلت إليه مهمة رئاسة فرع التحقيق في المخابرات الجوية، وتدرج في مناصبها حتى تسلم إدارتها ما بين عامي 2003-2005.
وعلى إثر اندلاع الاحتجاجات في آذار/مارس 2011، كلّف الرئيس السوري بشار الأسد علي مملوك بمهمة قمع الاحتجاجات؛ نظراً لما يملكه من باع طويل في تقنيات التعامل المخابراتية، كما أنيطت إليه مسؤولية غرفة العمليات بإدارة المخابرات العامة.
منذ ثمانينيات القرن الماضي كان مملوك برتبة مقدم عندما أوكلت إليه مهمة الإشراف على البرنامج الكيميائي لدمشق، كما كان أحد الضباط المشرفين على تجارب الأسلحة الكيميائية خلال الفترة 1985-1995، وعلى استخدامها ضد معتقلين سياسيين بسجن تدمر في “الوحدة 417” التابعة للمخابرات الجوية والواقعة بالقرب من استراحة “الصفا” في منطقة أبو الشامات بالبادية السورية.
طبقا لتقارير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، فإن علي مملوك يعتبر المسؤول المباشر عن الجرائم التي ارتكبها عناصر إدارة المخابرات العامة في الفترة الممتدة ما بين عام 2011 وحتى شهر تموز/يوليو من عام 2012.
القضايا التي وجهت ضد مملوك لم تكن فقط داخل سوريا، فقد اتُهم بتزويد الوزير اللبناني الأسبق ميشال سماحة بمتفجرات وأموال من أجل تنفيذ مجموعة من التفجيرات والاغتيالات في لبنان، وقد تم الإلقاء القبض على ميشال سماحة الذي اعترف بدور علي مملوك في التخطيط لتلك العمليات الإرهابية.
يشار إلى أنه في أيار/مايو عام 2015، انتشرت شائعة تفيد بمحاولة علي مملوك، الانقلاب على الأسد كالنار في الهشيم، وذلك بعد أن نشرت صحيفة “التليغراف” البريطانية تقريرا عن تلك المحاولة، على لسان أحد المقربين من الأسد، والذي رفض ذكر اسمه.
إلا أن الإعلام السوري الرسمي أنكر تلك الشائعات، وحمّل الإعلام الخليجي مسؤولية نشرها، وظهر علي مملوك فيما بعد إلى جانب بشار الأسد بدمشق في أثناء لقائهما مع رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني، علاء الدين بروجردي.
وفي تموز/يوليو 2016 تم رفع دعوى رسمية أمام محكمة فيدرالية في العاصمة الأميركية واشنطن على الحكومة السورية، حيث اتهم أقرباء ماري كولفين صحفية وكالة “صنداي تايمز” عشرة مسؤولين سوريين من ضمنهم: ماهر الأسد، وعلي مملوك، ورفيق شحادة بتهمة قتلها في حي بابا عمرو بحمص عام 2012، بالإضافة إلى قتل المصور الصحفي الفرنسي ريمي أوشليك.
وبناء على هذه السجلات فقد تم إدراج اللواء علي مملوك في قوائم العقوبات البريطانية والأوروبية والكندية والتي حمّلته المسؤولية المشتركة مع بشار الأسد عن الجرائم التي تم ارتكابها بحق الشعب السوري.
- توحش “الحوثيين” يطال المنظمات الأممية.. نهب الموارد ونشر الرعب
- “الآن هم عراة ليس لديهم القدرة على حماية أنفسهم”.. تفكيك “محور المقاومة”
- مرتبط بـ “حزب الله”.. “بارون المخدرات” اللبناني ينتقل إلى سوريا
- قصي خولي وديمة قندلفت في مسلسل تركي.. تفاصيل
- إسرائيل تعلن مقتل قياديين في إنتاج الصواريخ ومنظومة الاتصالات في “حزب الله”.. من هم؟
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.