عشية الاستحقاق الانتخابي الذي طال انتظاره في باكستان، منذ الإطاحة بحكومة عمران خان، في نيسان/ أبريل 2022، قُتل 22 شخصاً على الأقل، اليوم الأربعاء في انفجارين منفصلين في جنوب غرب باكستان أمام مكاتب مرشحين للانتخابات التي تجرى يوم غد الخميس وسط أعمال عنف واتهامات بالتزوير.
وذكر مصدر في الشرطة لوكالة “فرانس برس“، أن 12 شخصاً قتلوا في انفجار عبوة ناسفة قرب مكتب مرشح مستقل في منطقة بيشين، على بعد نحو 50 كيلومتراً عن مدينة كويتا، عاصمة إقليم بلوشستان، و100 كلم عن الحدود مع أفغانستان.
من جانبها، نقلت وكالة “رويترز” في وقت سابق عن نائب مفوض منطقة بيشين، جمعة داد خان، قوله: “وقع الانفجار في مكتب مرشح منطقة نوكاندي في بشين، مما أسفر عن مقتل 8 أشخاص حتى اللحظة”.
وفي انفجار آخر، قتل 10 أشخاص على الأقل قرب مكتب حزب سياسي في نفس الإقليم.
وقال وزير الإعلام الإقليمي في بلوشستان، جان أشكزئي، إن الانفجار “وقع قرب مكتب المرشح المحلي” في كيلا سيف الله. وأضاف أشكزئي وشرطة كويتا أن 25 شخصاً آخرين أصيبوا بجروح في ذلك الهجوم.
كما وقالت صحيفة “جيو نيوز” الباكستانية، إن “20 شخصاً قتلوا إثر انفجار استهدف مكتب المرشح لعضوية البرلمان اسفنديار خان كاكار، في إقليم بلوشستان”.
باكستان والاستحقاق الانتخابي
هذا وسينتشر أكثر من نصف مليون عنصر أمن لضمان سير الانتخابات في البلاد حيث بدأت السلطات الأربعاء توزيع بطاقات الاقتراع على أكثر من 90 ألف مركز، وفق “فرانس برس”.
وسُجلت عدة أحداث أمنية خلال الحملة الانتخابية، وقُتل مرشحان على الأقل بإطلاق نار كما تعرض العشرات لهجمات في مناطق مختلفة.
وقال مسؤول في الشرطة لـ”فرانس برس” إن “الحادثة وقعت في السوق الرئيسي بالمدينة حيث استهدف المكتب الانتخابي لمرشح جمعية علماء الإسلام-ف”.
من جانبها، أفادت السلطات الباكستانية، بأن عناصر مسلحة مجهولة قامت بإلقاء قنابل يدوية على مراكز للاقتراع ومكاتب انتخابية للمرشحين فى إقليم بلوشستان جنوب باكستان.
وقالت صحيفة “دون” الباكستانية نقلاً عن الشرطة الباكستانية، أنه تم تنفيذ ما لا يقل عن تسع هجمات بالقنابل اليدوية، استهدفت المكاتب الانتخابية للمرشحين ومراكز الاقتراع، في مناطق مختلفة من مقاطعة مكران وعاصمة المقاطعة خلال الساعات الماضية.
وطبقاً للشرطة الباكستانية، ألقى أفراد يركبون دراجات نارية قنابل يدوية على مدرسة حكومية في كيلي أحمدزاي، الواقعة على مشارف كويتا، حيث انفجرت القنبلة في باحة المدرسة المخصصة كمركز اقتراع، مما أدى إلى إتلاف النوافذ.
في المقابل، أحبط أفراد شرطة هجوماً على مدرسة حكومية في باسني، حيث تم اكتشاف عبوة ناسفة بالقرب من مدرسة باغ بازار الحكومية، وفي منطقة هوشاب بمقاطعة كيش، تعرض مكتب الهيئة الوطنية لقاعدة البيانات والتسجيل لهجوم بقنبلة يدوية، ما أدى إلى إلحاق أضرار بالنوافذ ولكن لم يبلغ عن وقوع إصابات. في حين نجا مرشح “حزب الشعب الباكستاني” آغا نور من هجوم بقنبلة يدوية على منزله.
وفي تموز/ يوليو العام الماضي قتل 44 شخصاً في تفجير انتحاري استهدف تجمعا سياسية لجمعية علماء الإسلام-ف في إقليم خيبر بختنحوا بشمال شرق باكستان، وفق “فرانس برس”.
وتجرى الانتخابات وسط اتهامات بالتزوير عقب حملة قمع تستهدف حزب رئيس الوزراء السابق المسجون عمران خان، الفائز بانتخابات 2018 والذي أطيح من السلطة في تصويت على الثقة في البرلمان بعد أربع سنوات على انتخابه.
وانتهت حملة الانتخابات رسمياً ليل الثلاثاء ومن المقرر أن تبدأ عملية التصويت الساعة 8,00 صباحاً بالتوقيت المحلي (03,00 ت غ) الخميس وتنتهي الساعة 5,00 بعد الظهر.
باكستان في مرمى “الإخوان”
مع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي في باكستان، قامت وما تزال “الجماعة الإسلامية”، الذراع السياسية لـ “الإخوان المسلمين”، استعدادها لمعركة الثامن من شباط/ فبراير الجاري، وسط صراعٍ سياسي محتدم، وتصعيدٍ غير مسبوق في الخطاب السياسي.
“الجماعة الإسلامية” قالت في بيانٍ لها، إن يوم الثامن من شباط/ فبراير هو يوم الأمة؛ لتصحيح أخطائها، ودعت الجماهير إلى انتخاب الجماعة الإسلامية؛ من أجل إنقاذ البلاد. وزعمت أنها وحدها تملك القدرة اللازمة؛ لأخذ البلاد على طريق التنمية والتطور.
كما وهاجمتْ الأحزاب الرئيسية وهي: حزب الرابطة الإسلامية-نواز، وحزب الشعب الباكستاني، وحركة الإنصاف، واتّهمتها بالحُكم على طريقة عصابات المافيا، كما اتّهمت الحكومة الحالية والحكومات السابقة بالعمالة للولايات المتحدة، والعمل على تدمير اقتصاد البلاد؛ عبر الخضوع لإملاءات “صندوق النقد الدولي”. وقالت إن الأمة مطالبة بتغيير خياراتها القديمة، وأن نجاح “الجماعة الإسلامية” هو نجاح المواطن العادي بالمعنى الحقيقي للكلمة.
وبالنظر إلى أن كل هذه الهجمات والاستهدافات لم تطال أي مكاتب تابعة للجماعة الإسلامية، فإن هذا يصب في مصلحتها، وصحيح أنه لم يتبنى أحد الهجوم بعد، لكن ليس من المستبعد أن تكون لـ”الجماعة الإسلامية” يد في ذلك، نظراً لأن ذلك يخدمها ويساعدها على “تحقيق النصر” في الانتخابات والقفز على السلطة في باكستان، التي تحاول جاهدة لأجل ذلك، وفق التقديرات.
خاصة وأن سراج الحق، أمير “الجماعة الإسلامية”، سعى بالتعاون مع جماعته لحشد وتأييد الشارع الباكستاني عبر عدة مسارات، ومنها خطابه الشعبوي، مرتدياً عباءة المحرّر، زاعماً في كلمة ألقاها أمام حشدٍ للجماعة الإسلامية في منطقة الدير السفلى، أنه في حال تكليفه بتشكيل الحكومة، فسوف يحرّر فلسطين وكشمير، ويجبر الولايات المتحدة على الإفراج عن عافية صديقي!
سراج الحق، طالب الشعب برفض الأحزاب الثلاثة الحاكمة، وقال إن بيلاوال بوتو، يريد أن يصبح رئيساً للوزراء؛ لأن والدته وجدّه أيضاً كانوا في نفس المنصب. وقال إن “المطالبينَ بالخبز والقماش والسكن، عليهم انتخاب الجماعة الإسلامية؛ لتصبح باكستان نمراً آسيوياً هو الأقوى”.
وعافية صديقي، هي امرأة باكستانية، ملقّبة بسيدة تنظيم “القاعدة”. وهي مسجونة في الولايات المتحدة منذ عام 2008 وحُكم عليها بالسجن 86 عاماً بتهمة محاولة القتل ضد جنودٍ أميركيين في أفغانستان. وكان تنظيم “داعش” الإرهابي قد أعلن في وقتٍ سابق عن نيّته تسليم عافية مقابل تسليم الصحفي جيمس فولي الذي قُتل في آب/ أغسطس 2014.
سراج الحق في مناورته المكشوفة، حاول أن يمارس نوعاً من الضغط على المؤسسة العسكرية الباكستانية، بوصفها تمثّل البنية التحتية الوازنة للنظام السياسي في البلاد؛ واضعاً إيّاها أمام التزامها التاريخي نحو كشمير، وما يصفه بالتخاذل فيما يتعلق بالمواطنة الباكستانية المعتقلة في السجون الأميركية، عافية صديقي، أضف إلى ذلك البُعد الحيوي الذي ضخّه سراج الحق، في مسارات الدعم الشعبي لجماعته، ألا وهو توظيف القضية الفلسطينية، ووضعها ضمن لائحته الانتخابية، منذ سارع إلى الشرق الأوسط، والتقى بإسماعيل هنية في قطر، عقِب انفجار الصراع في قطاع غزة.
سراج الحق، طالب الشعب برفض الأحزاب الثلاثة الحاكمة، وقال إن بيلاوال بوتو، يريد أن يصبح رئيساً للوزراء؛ لأن والدته وجدّه أيضاً كانوا في نفس المنصب. وقال إن “المطالبينَ بالخبز والقماش والسكن، عليهم انتخاب الجماعة الإسلامية؛ لتصبح باكستان نمراً آسيوياً هو الأقوى”. كما داعب أمنيات الطبقة المحافظة، قائلاً إنه سوف يُلغي نظام التعليم المختلط، ويفصل الرجال عن النساء في أماكن العمل، ويُلغي الفائدة الربوية من البنوك، ويطبّق الشريعة الإسلامية في البلاد.
وتقوم استراتيجية “الجماعة الإسلامية”، على إثارة البُعد الإثني، من أجل الحصول على دعم الجماعات المحلية المهمّشة، وتأكيد مظلوميتها بهدف كسب تأييدها في الصناديق الانتخابية. وفي هذا السياق، غازل أمير “الجماعة الإسلامية” أهالي بلوشستان، والتي وصلها ضمن قافلته الانتخابية، قائلاً في خطابٍ ألقاه أمام حشٍد في جعفر آباد، إن الثامن من فبراير سيكون يوم سقوط الإقطاعيينَ، الذين استعبدوا أهالي بلوشستان، بحسب تعبيره.
سراج الحق قال أيضاً، إن الإقطاع هو العدو الحقيقي للشعب. مضيفاً: “عامة البلوش والبشتون محرومون من عيش حياة كريمة، واليوم شباب بلوشستان عاطلٌ عن العمل، وهناك تفرقة عرقية في منح الوظائف”.
عدم الثقة بنزاهة الانتخابات
ويبلغ عدد سكان باكستان 240 مليون نسمة، خامس أكبر الدول في العالم من حيث عدد السكان، يحق لقرابة 128 مليوناً منهم التصويت، وفق “فرانس برس”.
ويتنافس نحو 18,000 مرشح على مقاعد البرلمان الوطني وأربعة برلمانات محلية، مع تنافس مباشر على 266 مقعداً في المجلس الأول – و70 مقعداً إضافياً مخصصاً للنساء والأقليات – و749 مقعداً في البرلمانات الإقليمية.
وتشير الاستطلاعات إلى أن الانتخابات تركت السكان في أقصى حالات “الإحباط” منذ سنوات.
وذكرت وكالة “غالوب” لاستطلاعات الرأي إن “الأجواء السياسية قبل أول انتخابات عامة في باكستان منذ 2018 قاتمة مثل الأجواء الاقتصادية”.
أضافت أن “سبعة من كل عشرة باكستانيين لا يثقون بنزاهة انتخاباتهم. وفيما يعادل هذا الرقم المستويات المرتفعة السابقة، فإنه يمثل مع ذلك تراجعاً كبيراً في السنوات الأخيرة”.
- وفيق صفا.. ما الذي نعرفه عن أول قيادي ينجو من ضربات إسرائيل
- ما بين النفط والموقع الاستراتيجي.. الصين عينها على السودان
- بموافقة 26 دولة.. مجلس حقوق الإنسان يعتمد قرارا حول سوريا
- إسرائيل تحيّد قائد وحدة الصواريخ بقوة “الرضوان” واستهداف جديد لـ”اليونيفيل”
- العراق وتعديل قانون الأحوال الشخصية.. الرجعية تكسر التنوير!
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.