صنعت التناقضات السياسية في باكستان، بيئةً خصبة لتمدّد الجماعة الإسلامية، الذراع السياسية “للإخوان المسلمين”، وانتشارها على صعيد البنى الاجتماعية والاقتصادية، فبالإضافة إلى الاستراتيجية الإخوانية التقليدية، التي تسعى دائماً إلى توظيف الفقر؛ كقوة فاعلة؛ يمكن من خلالها الحصول على تأييد الملايين في مقابل تقديم الخدمات، لجأت الجماعة إلى ممارسة الحشد والتجييش في الهامش الجغرافي وعلى الأطراف، من خلال بناء تحالفات مع الجماعات المحلية والعشائر التي تكاد تكون منسية، في محيط جيوسياسي معقّد.

بعد سنوات من التراجع السياسي، جاء تولي سراج الحق، مقاليد السلطة داخل الجماعة، ليمنح التنظيم الإخواني قوة دفع هائلة على الصعيدين الجماهيري والسياسي، لما يمتلكه أمير الجماعة من قدرات شخصية مميزة، وثقافة سياسية تتميز بالبراغماتية الشديدة، الأمر الذي أعاد التنظيم إلى الشارع من جديد؛ حيث يتحرك سراج الحق على مستويَين: الأول شعبوي يساري الطابع، يعتمد خطاباً جماهيرياً؛ يرتكز على مواجهة الغلاء والبطالة وسياسات القروض من صندوق النقد الدولي، والثاني نخبوي؛ يُستخدم فيه مصطلحات غير شائعة؛ على غرار “صندوق باندورا”؛ لوصف الشر الكامن في النظام السياسي؛ كما حرص سراج الحق على بناء علاقات من النخبة، رغم هجومه الدائم عليها.

هذا النسق من الخطاب السياسي؛ يؤطره غطاء ديني؛ ينادي بتطبيق الشريعة، وإلغاء فوائد البنوك؛ وإحلال النظام الإسلامي في البلاد؛ وفق رؤيةٍ لا تقوم على إقصاء المرأة؛ لكنها محافظة تدعو إلى منع الإختلاط، وإن أكدت فاعلية الدور الذي تلعبه النساء في المجتمع.

تراتبية البناء الهرمي

تتبع آلية الحراك واتخاذ القرار داخل الجماعة نسق البناء الهرمي، القائم على تراتبية الأدوار؛ وفق نظام يقوم على الشورى بالمفهوم السُّني المعدل؛ للتماهي مع نظام الدولة الحديثة، ولا يوجد أي خط وراثي عائلي للسلطة داخل الجماعة، إلّا في أضيق الحدود، ويأتي أمير الجماعة على رأس هرم السلطة، ثمّ المجلس التنفيذي المركزي، ومراكز الولايات، ولكل ولاية أمير، هو في نفس الوقت نائب أمير الجماعة.

مدينة كراتشي في باكستان- “إنترنت”

وتُعقد الانتخابات بانتظام داخل الجماعة الإسلامية، على مستوى المنطقة والمحافظة والولاية، ويمارس جميع الأعضاء ذكوراً وإناثاً، حقهم في التصويت عن طريق الاقتراع السّري؛ لكن خوض الانتخابات الداخلية، يتطلب جملة من الشروط، للتأكد من أهلية المترشح، وعدم وجود شبهات حوله.

هذا التنظيم الهرمي، يدير عدة مكاتب محلية للجماعة، على مستوى الولايات، تأخذ طابعاً شبكياً؛ الأمر الذي مكّن الجماعة من الحصول على عضوية المجالس الوطنية والبلدية في مناطق متعددة، أبرزها كراتشي، التي تُعد مركز الثقل الانتخابي للإخوان.

وتدير الجماعة الإسلامية، شبكة من المؤسسات الخيرية والتعليمية والصحية، وظهر دور المؤسسات الخيرية التابعة للإخوان بوضوح أثناء الفيضانات التي ضربت البلاد قبل أكثر من عام، حيث شاركت الجماعة الإسلامية في أعمال الإغاثة وتقديم المساعدات. كما تمتلك الجماعة مؤسسات تعليمية، أبرزها “الجامعة الملية الإسلامية” في روالبندي. ومع الوقت تشكّل الإطار الاجتماعي والاقتصادي، الذي غذته تحركات الأمير سراج الحق، عبر المناداة بالعمل على وقف التضخم، وتوفير فرص العمل، والقضاء على الاحتكارات.

في تحقيق لشبكة أخبار “البي بي سي”، يقول أحد الباكستانيين: “عندما رأيت أول مستشفى مجاني في حياتي، كان يديره طبيب من الجماعة الإسلامية، وعندما رأيت المكتبة للمرة الأولى، كان أمناء المكتبة من أنصار الجماعة الإسلامية، وعندما حصلت على مكافأة مقابل القيام بشيء ما في المدرسة، كانت كتاباً لمولانا المودودي، وفي لاهور، عندما رأيت صديقاً يضع جبيرة على يده، عرفت أنّها كُسرت على يد طلبة الجماعة الإسلامية، وعندما اقتربت من عالم الصحافة، كانت غرف التحرير في الصحف الباكستانية، مليئة بمحررين مدرّبين من قبل الجماعة الإسلامية وموالين لها”.

وبحسب تقرير “البي بي سي”، كانت الجماعة الإسلامية تقدم الخدمات الاجتماعية، وفي نفس الوقت تمارس الحسبة، وكان شيوخها يقومون بكسر سيقان الطلاب؛ بهدف تقويمهم أخلاقياً كما كان يتم مراقبة عفّة وحياء النساء عن كثب في جميع الأوقات”.

المدهش أنّه عندما فكّر المودودي في تحويل الجماعة من حركة إصلاحية دينية، إلى حزب سياسي في الخمسينيات، اختلف بعض زملائه الكبار وانفصلوا عنه؛ لأن ذلك يعني، من وجهة نظرهم، وضع جملة من القيود السياسية على الجماعة، ما يمنعها من ممارسة الحسبة، وأداء دورها فيما يتعلق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

تحولت الجماعة الراديكالية، بعد عقود من تأسيسها على يد أبي الأعلى المودودي، إلى حزب سياسي دينامي، بفضل جهود أميرها الحالي سراج الحق، والذي أبقى في نفس الوقت على المفاهيم الكلاسيكية داخل الجماعة، مثل: “أمير”، و”بيت المال”، و”أهل الذمة” وغيرها.

ويمكن القول إن الطفرة الأكبر داخل التنظيم، كانت تطوير دور المرأة داخل الجماعة الإسلامية، فمن قبل، كان دور النساء ثانوياً، وبقى لعقود طويلة منحصراَ في نطاق الحشد الانتخابي، قبل أن يقرر سراج الحق، في العام 2015، وبعد عام واحد فقط من إمارته، تمثيل المرأة في المجلس المركزي للجماعة الإسلامية.

وبالفعل، مُنحت المرأة تمثيلاً في المجلس المركزي، بعد تعديل دستور الحزب، حيث تمّ تخصيص مقعداً واحداً للمرأة لدائرة بلوشستان ومثله لدائرة خيبر بختونخوا، بينما تمّ تخصيص أربعة مقاعد للنساء في البنجاب والسند. وقال نائب أمين الإعلام المركزي للجماعة الإسلامية قيصر شريف، آنذاك، إن حوالي خمسة آلاف امرأة من أعضاء الجماعة الإسلامية، من جميع أنحاء البلاد، انتُخبن عضوات لتمثيلهنّ في المجلس المركزي.

سراج الحق استخدم في خطابه السياسي، مفردات تنادي بالتعليم الإجباري للنساء، مع منح الاختلاط في أماكن الدراسة والعمل، وهو خطاب يتماهى إلى حد كبير مع البنية المحافظة للمجتمع الباكستاني، ويختلف في نفس الوقت عن الخطاب المتطرف لحركة “طالبان” الأفغانية، والذي يلقى نفوراً في باكستان.

وفي نيسان/ أبريل 2016، وفي اجتماع مجلس الشورى المركزي، تمّ انتخاب صائمة افتخار، أمينة للإعلام المركزي بإدارة المرأة بالجماعة الإسلامية، كبداية لإدراج النساء في مجلس الشورى المركزي.

وليس أدل على فعالية المرأة داخل الجماعة، من الخطوة أعلنت عنها الدكتورة حميرة طارق، أمين عام الدائرة النسائية، الشهر الفائت، حيث قادت حملة للتبرع لمرشحي الجماعة في الانتخابات المقبلة، عبر صندوق خاص قامت الدائرة النسائية بإنشائه، تحت شعار: “باكستان الإسلامية من أجل باكستان مزدهرة”. ونجحت حميرة طارق بالفعل في جمع أموال طائلة، وقامت بتسليمها لأمير الجماعة، من أجل المساهمة في الإنفاق على الدعاية الانتخابية.

واللافت أن سراج الحق استخدم في خطابه السياسي، مفردات تنادي بالتعليم الإجباري للنساء، مع منح الاختلاط في أماكن الدراسة والعمل، وهو خطاب يتماهى إلى حد كبير مع البنية المحافظة للمجتمع الباكستاني، ويختلف في نفس الوقت عن الخطاب المتطرف لحركة “طالبان” الأفغانية، والذي يلقى نفوراً في باكستان.

جدير بالذكر أن سراج الحق، يلتقي بشكل دوري، الأمين العام المنتخب حديثاً للدائرة النسائية للجماعة الإسلامية الباكستانية، حميرة طارق، دون أي تحفظات، وبدورها قالت طارق إن الجماعة الإسلامية لديها ميثاق كامل لحقوق المرأة، ولائحة الجماعة الإسلامية تغطي بشكل كامل مشاكل المرأة الريفية والحضرية في باكستان.

القيام بأدوار على صعيد السياسة الخارجية

لم تقتصر الفعالية الأدائية لسراج الحق على الداخل، فهو دائم التعاطي مع السياسة الخارجية، وانتقاد ما يطلق عليه دوماً الانصياع للولايات المتحدة، كما طالب بالتقارب مع حركة “طالبان”، ومساعدتها على التطور السياسي، وكذلك عارض سياسات التهجير القسري للاجئين الأفغان.

وتمثل رحلة سراج الحق إلى الشرق الأوسط، في أعقاب الحرب في قطاع غزة، ذروة النشاط السياسي لأي أمير تولى قيادة الجماعة عبر تاريخها، حيث التقى إسماعيل هنية في الدوحة، ثم سافر إلى إيران، ومنها إلى تركيا، وشارك في عدة فعاليات لـ”نصرة الفلسطينيين”.

وفي 21 تشرين الأول/ نوفمبر الفائت، التقى سراج الحق المفوض السامي الأسترالي في باكستان، نيل هوكينز، في مقر الجماعة بالمنصورة، وناقش معه القضايا الثنائية ذات الصلة، وكذا العلاقات الباكستانية الأسترالية، وأعلنت الجماعة أنّه جرى بحث القضايا الثنائية في اللقاء الذي استمر لمدة ساعة.

ويمثل هذا اللقاء منعطفاً في سياسات الجماعة، يؤكد بحثها عن دور سياسي فاعل، وبناء علاقات مع الأطراف الدولية الفاعلة؛ ما يعكس طموحات سراج الحق، وبحثه عن دور ربما يكون أكبر من حجم الجماعة، لكنّه طموحاته تصطدم بعقبتَين رئيسيتين هما: المؤسسة العسكرية، والأحزاب العلمانية الفاعلة على الساحة وأبرزها “حركة الإنصاف” و”حزب الشعب” و”حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية” (نواز شريف). وهو ما تحاول الأسطر القادمة الاشتباك معه.

محاولة احتواء المؤسسة العسكرية

تُعد المؤسسة العسكرية الباكستانية، الفاعل الرئيس والمحرك الأول للأحداث المركزية، فهي بمثابة بنية عميقة ومتجذرة، تصاعد دورها بشكل كبير، في أعقاب انفصال باكستان الشرقية (بنغلاديش) في العام 1971، وتجلى دورها بوضوح بالتزامن مع الإطاحة برئيس الوزراء السابق، عمران خان، إثر تحدّيه الولايات المتحدة، وتأييده للغزو الروسي لأوكرانيا، حيث تعتبر العلاقات الأميركية بالمؤسسة العسكرية الباكستانية، من أهم التحالفات التي تعتمد عليها واشنطن في شبه القارة الهندية.

مع ذلك، اعتاد سراج الحق مناوشة المؤسسة العسكرية، دون الصدام معها، حيث أكد في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت أن دور المؤسسة العسكرية محدد في الدستور، ووظيفة الجيش هي حماية حدود البلاد، وأنّه وفقاً لذلك، على الجيش ألّا يؤيد أيّ حزب سياسي، لأنّه ينتمي للشعب الباكستاني، ولابد أن ينحاز له فقط.

وتبتعد الجماعة الإسلامية في تعاطيها مع ملف الجيش، عن الدخول في صراع سياسي تعلم مآلاته مقدماً، كما تدرك الجماعة بأنّها لا تحظى بقبول لدى المؤسسة العسكرية، لكنّها تتبع سياسة الخطوة خطوة، وكان أولها الضغط من أجل إجراء الانتخابات وعدم تأجيلها، وهو ما نجحت فيه الجماعة، حيث كان التوجه العام داخل المؤسسة العسكرية، يميل إلى تأجيل الانتخابات للصيف القادم، بداعي برودة الطقس، وتساقط الثلوج في بعض المناطق، وهو الأمر الذي استبقه أمير الجماعة الإسلامية بالهجوم الاعتراضي، وقال إن الذين يخافون من الشعب يريدون تأجيل الانتخابات. مطالباً بإرساء دولة القانون عبر إجراء انتخابات نزيهة وشفافة في الوقت المحدد لها. وقال إن تساقط الثلوج لا يعني توقف الحياة، متسائلاً: “إذا تساقطت الثلوج على أقل من واحد بالمئة من السكان، ومنعتهم من التصويت، فهل يحرم 99 بالمئة من الشعب من حقه الدستوري، الذي يحصل عليه كل خمس سنوات؟”.

ومع الضغوط التي مارستها الجماعة، وفيما يشبه الصفقة السياسية، مررت المؤسسة العسكرية الانتخابات، بإعلان لجنة الانتخابات عن الجدول الانتخابي بأمر من المحكمة العليا، في مقابل أن تهدىء الجماعة من الصخب السياسي فيما يتعلق بالحرب في قطاع غزة، وتكف عن استهداف السفارة الأميركية.

 حزب الاستقرار الباكستاني في لاهور بقيادة القيادي السابق في “حركة الإنصاف” جهانغير ترين- “اندبندنت أوردو”

الجماعة استعاضت عن ذلك بالهجوم على أحد رموز السلطة، ألا وهي المؤسسة القضائية، ففي 29 تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت، شنت الجماعة هجوماً حاداً على القضاء، وقالت إن المحاكم أصبحت أضحوكة، وزعمت أن الجماهير فقدت ثقتها في تحقيق العدالة، مؤكدة أن العدالة تُمنح للأقوياء فقط، وأن القضاء يفتقد إلى أبسط معايير مكافحة الظلم، ولفتت كذلك إلى أن القضاء يغض الطرف عن جرائم الفساد الذي طال كل مؤسسات الدولة.

ويبدو أن هجوم الجماعة الإسلامية على القضاء، أزعج المؤسسة العسكرية، التي وجهت لوماً إلى أمير الجماعة، والذي اعتذر بشكل ضمني وغير مباشر، عندما قال، في أعقاب الإعلان عن الجدول الانتخابي، إن المحكمة العليا دخلت التاريخ بقرارها، مشيداً بقيامها بإلزام لجنة الانتخابات بالإعلان عن الجدول الانتخابي.

استهداف الأحزاب العلمانية

من ناحية أخرى، وبتحليل الخطاب السياسي لأمير الجماعة الإسلامية سراج الحق، وكذا نائبه حافظ نعيم الرحمن، الرجل الثاني، نجد أن سراج الحق يستخدم لهجة حادة جدا، لوصف الأحزاب التي حكمت البلاد وتداولت السلطة فيما بينها على مدار تاريخ باكستان، منذ الاستقلال وحتى اليوم، حيث يصف النخبة الحاكمة بالمافيا، ويتهمها بالعمالة للولايات المتحدة، إذ قال أمام مؤتمر الانتخابات في مركز سوكور، يوم 28 تشرين الأول/ نوفمبر الفائت إن “فوز الأحزاب القديمة في انتخابات 8 شباط/ فبراير، سيكون بمثابة هزيمة لباكستان؛ ما يعني إعادة فرض الإقطاعيين والرأسماليين، الذين تمّ جلبهم من الخارج، وهي نفس المجموعات التي كانت تعتصر دماء الشعب منذ عقود”.

وأضاف: ” حماية الفقراء من الكورونا والفيضانات لم تكن قضيتهم، قضيتهم دائماً هي الحفاظ على السلطة وبناء القصور، وبينما يحتاج الناس إلى الخبز والسكر، تتضاعف أرصدة هؤلاء في البنوك”. مطالباً الناخبين بــ” دفن سياسات المافيا في الانتخابات الوطنية المقبلة”. وتابع: “عندما يكون الرئيس، ورئيس الوزراء، والسكرتير الأول، والمدير العام لصوصاً، فلماذا لا يكون حارس السوق لصاً؟ إذا كان الكبار على حق، فإن الصدق سيكون شائعاً في المجتمع، والعكس”. كما قال إن “تسريبات بنما فضحت الجميع”.

حشد الهامش بغية الهيمنة على المركز

أعلن أمير الجماعة الإسلامية سراج الحق، عن قيام الجماعة الإسلامية بالدفع بمرشحيها في جميع الدوائر الانتخابية، مؤكداً في كلمة له أمام المجلس المركزي للجماعة، أنّها ستخوض الانتخابات في جميع أنحاء البلاد، وسيقوم برنامجها على مبادىء الإسلام، وتحقيق الرفاهية في كل أنحاء باكستان.

الجماعة تحركت من قبل الإعلان عن جدول الانتخابات، على عدة محاور هي (الحشد بين صفوف العمال، كسب تأييد الطلاب، تجييش المهمشين والفئات الأكثر فقراً، التحالف مع الجماعات المحلية في الأطراف الجغرافية).

و بالبدء بالمحور الأول، الحشد بين صفوف العمال: فقد نظمت الجماعة الإسلامية عدة اعتصامات عمالية، ورفع سراج الحق شعارات اليسار في عيد العمال، وفي 27 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، نظمت الجماعة قافلة انتخابية في أوساط العمال في كوت ميثان، وخاطب أمير الجماعة حشداً من العمال، وطالبهم بانتخاب الجماعة الإسلامية، من أجل تحقيق مطالبهم، والقضاء على الرأسمالية والاحتكارات الإقطاعية.

نظّمت الجماعة الإسلامية مؤتمراً عمالياً في ملتان، وألقى أمير الجماعة كلمة هاجم فيها النخبة الحاكمة، وقال إن سياسات الأحزاب العلمانية، جعلت كل عامل وفلاح وطفل، مديناً لصندوق النقد الدولي.

وفي 3 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، عقد أمير الجماعة الإسلامية، مؤتمراً صحفياً في لاهور، قال فيه إن المافيا نهبت حقوق العمال، وحرض على التظاهر ضد التضخم، مؤكداً أن الجماعة سوف تنظم جملة من الاعتصامات، في الفترة من 8 كانون الأول/ ديسمبر إلى 8 شباط/ فبراير القادم. وأضاف: “العمال خدعوا، وما زالوا يلهثون بحثاً عن الخبز والقماش ومستلزمات الحياة، والنظام هو نفسه منذ 70 عاماً، والانتخابات المقبلة ستكون من أجل تحرر العمال من الظلم”.

وفي 8 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، نظّمت الجماعة الإسلامية مؤتمراً عمالياً في ملتان، وألقى أمير الجماعة كلمة هاجم فيها النخبة الحاكمة، وقال إن سياسات الأحزاب العلمانية، جعلت كل عامل وفلاح وطفل، مديناً لـ”صندوق النقد الدولي”.

وفي 16 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، قاد جافيد كاسوري، أمير الجماعة الإسلامية في وسط البنجاب، تظاهرة من أمام مطاحن رهوالي للسكر، وسط دعاية هائلة بين صفوف العمال، الذين التفوا وهو ينصتون إلى الوعود الانتخابية لزعماء الجماعة الإسلامية.

تدرك الجماعة الإسلامية جيداً، الصعوبات الاقتصادية التي تمر بها باكستان، وقد ألقت الحرب الأوكرانية بظلالها على الوضع الاقتصادي المتعثر، لذا فإنّها تضغط عبر ورقة العمال؛ لحشد تأييد واسع لها، فمعظم القوافل الانتخابية التي تنظمها، تنطلق من مناطق عمالية، وترفع الجماعة دائماً ورقة حقوق العمال المهدرة، لتطلق الوعود هنا وهناك، من أجل الحصول على أصوات العمال.

كسب تأييد الطلاب

تنشط الجماعة الإسلامية بشكل لافت بين صفوف الطلاب، عبر المدرسين والإداريين الإخوان، الذين ينتشرون في كل أنحاء البلاد، وتعتمد الجماعة على فئة الطلاب الجامعيين، الذين يحق لهم التصويت في الانتخابات، حيث طرحت الجماعة رؤية كاملة حول التعليم، في 22 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وذلك في مؤتمر نظمته حول حقوق الطلاب في جامعة بيشاور، وفيه أعلنت أن أمير الجماعة الإسلامية نجح في الاتفاق مع المفوض السامي الأسترالي، على توفير عدة منح تعليمية مجانية في باكستان وأستراليا، للطلاب المتفوقين.

الجماعة قالت إن هناك أكثر من مليوني طفل حرموا من التعليم في باكستان، وأنّها في حال وصولها للسلطة، سوف ترفع ميزانية التعليم من 2.7 بالمئة إلى 7 بالمئة في السنة الأولى. كما أنّها سوف تعيد أنشطة اتحادات الطلاب مرة أخرى.

الجماعة قالت إنّها سوف تجعل تعليم البنات إلزامياً في باكستان، وستقوم بإنشاء بإنشاء جامعة خاصّة لهن، على أعلى مستوى، مع توفير المنح المجانية، وتأسيس البنية التحتية الحديثة للمدارس والكليات.

من جهته، أعلن أمير الجماعة الإسلامية في كراتشي، حافظ نعيم الرحمن، عن القيام ببناء جامعة حديثة لتكنولوجيا المعلومات. كما قال إن المدارس توفر تعليماً محدوداً، وأنّه لابد من توفير التعليم الجيد للشباب؛ لمواجهة التحديات، وقال إن الجماعة تحمل على عاتقها قضية تمكين الشباب، وأن الحصول على التعليم الجيد هو أولى خطوات التمكين، واتهم الحكومات المتعاقبة بالسطو على المخصصات المالية لأطفال المدارس.

تجييش المهمشين والفئات الفقيرة

تراهن الجماعة الإسلامية على ملايين المهمشين في البلاد، وتنشط بين أوساط المتسولين والعاطلين عن العمل، حيث شرعت في مساعدتهم لاستخراج بطاقات انتخابية، وتوظيف قضية الفقر لصالح الدعاية الانتخابية، والحصول على أصوات هؤلاء، في مقابل المساعدات العينية والمالية.

الجماعة ذهبت في رهانها على الفئات الأشد فقراً إلى أبعد مدى ممكن، حيث نظمت لهم عدة فعاليات اجتماعية، كما أعلنت في 17 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، أنّها بصدد اتخاذ إجراءات مهمة لصالح المتسولين، في حال نجاحها في الوصول إلى السلطة.

أمير الجماعة الإسلامية، أعلن أمام حشد في إسلام آباد، أن الجماعة وضعت برنامجاً خاصاً لإعادة تأهيل المتسولين، ودمجهم في المجتمع، وتوفير المنازل الآمنة والمشروعات الصغيرة لهم.

التحالف مع الجماعات المحلية بالأطراف الجغرافية

تعتمد الجماعة الإسلامية في استراتيجيتها الجديدة، على التحالف مع المجموعات المحلية على الأطراف، ونجحت بالفعل في اختراق عشيرة مالكال، والتي تمتلك حزباً سياسياً محلياً، هو حزب “يوه فينا”، حيث تواصل المكتب التنفيذي للجماعة الإسلامية مع محمد علم، زعيم مالكال، وبعد مفاوضات، وجملة من التبرعات، وعلى هامش اجتماع للجماعة الإسلامية في باتاغرام، أعلن عن الاتفاق على اندماج حزب “يوه فينا” مع الجماعة الإسلامية، وأعلن زعيم العشيرة، محمد علم، ومرشح الجمعية الوطنية السابق سعيد مالكال، انضمامهما وآلاف الأعضاء إلى الجماعة الإسلامية.

بالتزامن مع ذلك، انشق الزعيم المحلي سردار شيخ محمد صاحب، مع أنصاره، على مجموعة تاراند السياسية المحلية، وانضموا إلى مجموعة “يوه فينا”، ومن ثم إلى الجماعة الإسلامية، ولحق بهم الزعماء المحليين في مالكال: سردار شيخ محمد، وسردار جهانجير، وسردار خوايداد، وأعضاء مجلس الاتحاد في قرية شيملاي ملكال.

سياسة الانتقام الشعب

في 8 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، طالب سراج الحق، الشعب الباكستاني بالانتقام من النخبة الحاكمة، بالتصويت للجماعة الإسلامية في الانتخابات المقبلة، وقال إن الجماعة سوف تحاسب الجميع، إذا نجحت في الوصول إلى السلطة، وأنّها سوف تنتقم لملايين الباكستانيين، الذين يشربون المياه القذرة، رغم وجود خمسة أنهار، والآلاف من الناس الذين يموتون بسبب الأوبئة والفقر.

سراج الحق، زعيم الجماعة الإسلامية- “موقع جسارات”

وفي كلمته أمام قافلة انتخابية في جوجرانوالا، قال سراج الحق إن عائلتين في البلاد تريدان نظاماً ملكياً، وقد حكمتا لسنوات، وقامتا ببناء ممتلكات وشركات في الخارج، بالتزامن مع نهب موارد البلاد، وأمّن هؤلاء، بحسب تعبيره، مستقبل أولادهم، ودمروا مستقبل أطفال الأمة. مؤكداً أن المحاكم سوف تفتح كل الملفات، وتحاسب الجميع (الرأسماليين- المافيا الفاسدة – ملاك الأراضي الإقطاعيين).

دعوة سراج الحق للتصويت الانتقامي، تعكس نهجاً براغماتياً شديد الانتهازية، كما تعكس نوعاً من الإدراك غير المباشر، للمدى المحدود لشعبية الجماعة في باكستان، لذا فقد أعلنها صراحة: كل الذين حكموا فشلوا، فلماذا لا تجربون الجماعة الإسلامية؟

ولأجل ذلك كله، تُرى هل تفلح خطة الإخوان؟ وهل تسمح المؤسسة العسكرية باستمرار هذا التغول الاجتماعي، والذي ظهرت مؤشراته في الانتخابات المحلية في كراتشي، حيث كادت الجماعة أن تقتنص منصب عمدة الولاية، أم تنجح الأحزاب العلمانية في حل تناقضاتها، وتقوم بتغليب المصلحة العليا على المصالح الحزبية الضيقة؟ هذا ما سوف تجيب عنه صناديق الاقتراع في 8 شباط/ فبراير المقبل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات