إن العلاقة بين حركتي “طالبان” و”حماس” قديمة، بل تُعد “طالبان” من حيث المذهب أقرب لـ”حماس” من “حزب الله” لها؛ لاتفاقهم في المذهب السّني، وتتمتع حركة “الجهاد الإسلامي” في فلسطين بروابط تاريخية بحركة “طالبان”: فانضم عبد الله عزام، وهو من الزعماء البارزين لحركة “الجهاد الإسلامي” سابقاً، إلى “طالبان” وساعدها في تطوير قدراتها العسكرية، وغيرها من خطابات الدعم الصريحة التي تصدرها الحركة بأفغانستان لفلسطين وللقضية الفلسطينية.

ويرى الإسلام السياسي عادة أن تولّي أي فصيل يحمل أجندته السياسية للحكم نصرة له وسبيل جديد لدعم “المقاومة”. وهذا ما حدث مع حكومات الإسلام السياسي في المحيط العربي، وعندما صعدت “طالبان” إلى السلطة بأفغانستان حدث ذلك أيضا؛ فسارعت قيادتا “حماس” و”الجهاد الإسلامي” في فلسطين إلى إصدار بيان دعم وتهنئة لحركة “طالبان” على “نصرها الباهر”.

وأعرب زعيم “طالبان” عن امتنانه للمهنّئين، وفي إشارة واضحة نبّه على أن “نجاح طالبان في أفغانستان مرتبط بنجاح فلسطين والقضاء على إسرائيل”. ولم يكن لطالبان السّبق في هذا؛ فقد كانت هذه مسوّغات النجاح التي يقدّمها أي تيار من تيارات الإسلام السياسي، أن يربط حلّ القضية الفلسطينية ومصيرها ببقائه في السلطة، وتجلى هذا في مصر، وتونس، والمغرب، ولبنان.

والواقع أن نظام “طالبان” في وصوله إلى الحكم يمثّل “نصرا” للإسلام السياسي، فيمكن أن يدعم تأجيج نيران الجهاد حول العالم، وبشكل خاص في الشرق الأوسط، ولو على المستوى المعنوي فقط. وهذا ما جعل حلفاء حركة “طالبان” ومشجّعوها في هذا المحيط؛ ومن بينهم حركة “الجهاد الإسلامي” في فلسطين وحركة “حماس” يعقدون الآمال عليها. وهذا ما دفع إسماعيل هنية، وهو زعيم “حماس”، إلى عقد اجتماعا عاما مع زعماء “طالبان” في قطر لاقى تغطية جيدة، يهنئهم فيها للوصول إلى الحكم.

أجندة “طالبان وحماس”

تعلن “طالبان” أن رغبتها هي إنشاء حكومة إسلامية نقية، وتُعد هذه الرغبة ذريعة الإسلام السياسي الرئيسية؛ إنشاء حكومة إسلامية نقية خالية من التدخل الغربي والفكر الغربي، وهذا ما يجعل رابطة ما بين تيارات الإسلام السياسي على اختلاف مشاريعها، ووصلت “طالبان” إلى الحكم، وحاولت تطبيق رؤيتها السياسية، وتطبيق الشريعة حسب زعمها ورؤيتها.

حماس تقدم نفسها في هذه المرحلة بوصفها حركة تحرير وطني، وليست حركة جهادٍ إسلامي مسلّح كما تفعل طالبان- “إنترنت”

وتشترك “حماس” في الخلفية الإسلامية مع “طالبان”، ولكنها تختلف في موقفها وطبيعة تحركاتها، فـ “حماس” لا تتحدث عن نمط الحُكم بقدر ما تتحدث عن “تحرير الأراضي الفلسطينية”، وربما تجد في الإسلام السياسي وسيلةً تجمع من خلالها الجموع حول القضية، من خلال إبراز البُعد الديني لها، وإعلان الدفاع عنها كدفاع عن الدين.

كما أن “حماس” لا تمانع أبدا أن تشترك مع التيار الإسلامي السياسي الشيعي كإيران مثلا، فهي لا تمانع اليوم أن تعقد معهم صفقات، أو قبل ذلك، بل يمكن القول أن تذرع “حماس” بالإسلام في جزء كبير منه للتعاون مع إيران التي تدّعي أنها تدعم ما يسمى بـ”محور المقاومة”، ومن قبلهم جماعة “الإخوان المسلمين” لكسب أرضية شعبية تمكّنها من تقديم مشروعها. وهذا ما أوضحه أستاذ الفلسفة في الجامعة “المستنصرية”، الدكتور علي المرهج، لموقع “الحل نت”.

وأوضح الدكتور علي المرهج، أن الاختلاف في الأجندة بين “طالبان وحماس”، يجعل الأولى تنظر للثانية في العديد من الأحيان كأداة إيرانية، خاصة أنها قريبة من “حزب الله” اللبناني، ويشتركان في هدف “مقاومة إسرائيل”، وربما “حماس” أيضا ترى في “حزب الله” قرابة أكثر من “طالبان”، ويبرر هذا موقف الحزب من إسرائيل وإعلانه الحرب الدائمة عليها، وهو بذلك يشترك مع “حماس” في رغبة “إزالة إسرائيل”، في حين أن “طالبان” بدأت تصوغ أهدافها كدولة تبتعد كثيرا عن إسرائيل.

طالبان والسابع من أكتوبر

وفي السابع من تشرين الأول/أكتوبر طلبت حركة “طالبان” من إيران، والعراق، والأردن، منحهم حق المرور إلى إسرائيل حتى يتمكنوا من الوصول إلى القدس، وذلك لمساعدة “المقاومة الفلسطينية” التي شنّت عملية “طوفان الأقصى” ليجتاح إسرائيل. وبالسؤال عن جدّية موقفها أجاب اللواء محمد رشاد، وكيل المخابرات المصرية العامة الأسبق لموقع “الحل نت” بأن القدس عادة ما مثلت قنطرة للفصائل السياسية في المحيط العربي؛ فلا نجد أي فصيل سياسي لا سيما الإسلام السياسي إلا ووضعها كقنطرة له، والخطابات الدعائية حيال هذا الأمر ما أكثرها، وهذا ما فعلته “طالبان”، فاحتمالية دعم “طالبان” في هذه الحرب لوجستيا شبه منعدمة، أو لا نبالغ إذا قلنا منعدمة فعليا.

هذا فضلا عن اختلاف التوجه فيما بينهما فالمسافة تجعل عملية الدعم غير يسيرة، ولـ “طالبان” ما يكفيها من المشاكل في محيطها الدولي. وبالنظر إلى النتيجة، لم تفعل “طالبان” شيئاً، ومن كان ينتظر منها أن تفعل شيء لا يرى الموقف بشكلٍ واضح، فـ “طالبان” اليوم دولة وعليها أن تتعامل وفقا لذلك، وبالرغم من بحث “حماس” عن أي دعم دولي أو إقليمي، ولكن أي دولة تعرف عواقب التورّط في مثل هذه الحرب، وهذا تدركه “طالبان” بكل تأكيد، يضيف اللواء محمد رشاد.

بالتالي، علينا أن نترك الخطابات الدعائية في مكانها وننظر للأمر بشكلٍ عملي، نعم “طالبان” وكل القوى التي تدّعي الإسلامية لديها قاسم مشترك، بصرف النظر عن وجود علاقات، أو عدم وجود علاقات، لكن في النهاية الغرض واحد، والفارق بين “طالبان وحماس”؛ أن الأولى وصلت إلى حكم دولة، ولديها من الأزمات؛ أزمات الدولة ومن المسؤوليات كذلك، على حدّ تعبير اللواء محمد رشاد.

“هيئة التحرير الفلسطينية” ورئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، لا يسمحون لـ “حماس” بتمثيلهم، ولا يرضون بقيام “حماس” كدولة.

في حين أن “حماس” لازالت حركة ولا تعدو ذلك، وهي كتنظيم سياسي مسلّح نطاق حركتها محلي، لا زال محورها نطاقها، كما أنها على المستوى السياسي لا تملك القدرة لتطوير نفسها وتكوِّن دولة، فلن تسمح لها القوى الدولية، والقوى الفلسطينية اليوم غير راضية عما تفعله “حماس”، و”هيئة التحرير الفلسطينية” ورئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، لا يسمحون لـ “حماس” بتمثيلهم، ولا يرضون بقيام “حماس” كدولة. بالإضافة إلى آخر استطلاعات الرأي التي أظهرت مؤخرا أن غالبية الفلسطينيين لا يثقون بـ “حماس”.

بيد أن “حماس” بذلك قد تكون أكثر حرية من “طالبان”، أو أي دولة أخرى؛ فالنظرة لـ “حماس” إمّا كـ”قوة مقاومة أو كتنظيم إرهابي”، لكن أي دولة تساهم في هذه الحرب سيعد اعتداءً دوليا، قد لا تتحمل عاقبته أي دولة، خاصة في حال التوعد الأميركي والدعم الغربي، ودخول “طالبان” إلى حرب غزة، سيشكل كارثة حقيقية عليها، خاصة مع المسافة الشاسعة بينها وبين غزة.

دعم فلسطين ببناء مسجد الصخرة!

قال محمد نعيم الناطق باسم حركة “طالبان” عام 2021: القدس هي القبلة الأولى للمسلمين، والقيمة المشتركة والمقدسة للأمة الإسلامية جمعاء، موقفنا من دعم القدس ثابت وواضح، وما تفعله إسرائيل في فلسطين ظلم كبير ونحن لن نكون مع الظالم. مسألة الاعتراف بإسرائيل أو إقامة علاقة معها ليست موضوع بحث أو تباحث على الإطلاق.

ويُعد هذا هو موقف “طالبان” الذي أعلنته وكثيرا ما شددت عليه في أي فرصة أُتيحت لها، وفي الأحداث الآنية على غزة التي عقبت السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وطلبها حق المرور من دول الجوار لحرب إسرائيل، لخصت “طالبان” دعمها في بناء مسجد، يتبع في تصميمه مسجد “قبة الصخرة” الواقع في الحرم القدسي، في القدس الشرقية ودشّنت “طالبان” النسخة الأفغانية لقبة الصخرة في يوم الجمعة الموافق 27 تشرين الأول/أكتوبر، في مراسم حرص خلالها مسؤولون في الحركة الحاكمة في كابل على التعبير عن تأييدهم للفلسطينيين، في خضم الحرب القائمة في غزة.

وبالسؤال عن غياب الدعم اللوجستي لـ”حماس من طالبان” يجيب الباحث في الدراسات الإسلامية بالجامعة الأميركية بالقاهرة، يامن نوح، لموقع “الحل نت”، بأن ثمة اختلاف جوهري ما بين “طالبان وحماس، لكن ثمة رؤية أخرى تضع حماس وطالبان على مستوى واحد من حيث كونهما ينتميان للجماعات الإسلامية المسلحة، وفي حال صدق هذا الادعاء فإنه يصدق في المرحلة السابقة لحماس، المرحلة التي دخلت فيها في مواجهات مع الأنظمة العربية ما بين عامي 2011- 2013، في هذه الفترة فنحن نتحدث عن الجماعة الإسلامية المسلحة التي تملك أزمات ومشاكل مع الأنظمة العربية، ومشكلة مع مفهوم الدولة وأيديولوجيا خاصة بحكم الشريعة والدولة الإسلامية وما إلى ذلك؛ في هذه الزاوية يمكن أن نضع حماس، وطالبان، وداعش إن أمكن في سلة واحدة”.

لكن في هذه المرحلة ثمة فارق بين “طالبان وحماس؛ فحماس تقدم نفسها في هذه المرحلة بوصفها حركة تحرير وطني، وليست حركة جهادٍ إسلامي مسلّح كما تفعل طالبان، ولعل هذا سبب نجاح خطابها إعلاميا في الداخل والخارج؛ على المستوى الدولي والإقليمي”، طبقا لحديث الدكتور يامن نوح.

القبة المذهبة للمسجد نسخة طبق الأصل لقبة الصخرة الواقعة بالحرم القدسي في القدس الشرقية- “أ.ف.ب”

وفي ظن الدكتور يامن نوح، أن هذا يمكن أن يمثّل سببا في عدم تقديم دعم فعلي من “طالبان”، أو تنظيم القاعدة، والأنظمة الجهادية المسلحة الأخرى، وإن كان الدعم على مستوى الشعارات الدعائية، بيد أنه على المستوى الفعلي لم تُقَدِم أيّ منهم مساعدات ترقى لأن تكون مساعدات كما ترجو حماس، وكما يُفهم من عبارة مساعدات، فهم يختلفون عنها في الغاية ويجد كل منهم مبرّره الكافي بالنسبة له، لذا لم يقدموا أي دور من الدعم اللوجستي على الأرض”، وبشأن احتمالية تطوّر الموقف وتقديم دعم فعلي من “طالبان لحماس”، بيّن بعبارات واضحة: “أنه لن يكون هناك دعم لوجستي من هذه الجماعات لحماس في حرب غزة الآنية”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات