في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، أطلق محمود المفتي، عضو غرفة صناعة دمشق وريفها، صافرة إنذار تُنبئ بإمكانية إغلاق أبواب عدد من المنشآت الصناعية السورية. فهل يُمكن أن تُساهم الزيادة الحادة في تكاليف الإنتاج، وخاصة مع ارتفاع أسعار حوامل الطاقة كالكهرباء، في دفع الصناعة إلى هذا المصير الغامض؟
يأتي حديث المفتي، بعد أن أصدر الرئيس بشار الأسد، في 13 آذار/مارس، القانون رقم 11 لعام 2024، القاضي بدمج مؤسستي الغزل والنسيج المملوكتين للدولة – المؤسسة العامة لحلج وتسويق الأقطان والمؤسسة العامة لصناعة النسيج – لتأسيس الشركة العامة لصناعة النسيج. ويهدف الاندماج إلى خفض التكاليف وتحديث تقنيات الإدارة وتحسين المرونة في عمليات الإنتاج والتعاقد والتجارة.
تهديد بالإغلاق
في معترك الصناعة، حيث تُشكل الكهرباء شريان الحياة، يُطرح السؤال: هل تُعد التعرفة الجديدة للكهرباء الصناعية، التي تتجاوز الأسعار العالمية وتفوق تلك المُعمول بها في دول الجوار، عائقًا يُهدد بتراجع الصناعات الوطنية ويُنذر بتأثيراته على الدخل القومي؟
في هذا السياق، ألقى المفتي الضوء على هذه المعضلة في حديثه لصحيفة “تشرين” المحلية، مُشددًا على ضرورة مراجعة هذه التعرفة بما يتناسب مع مصالح الصناعة الوطنية.
كما أثار المفتي تساؤلًا آخر: إذا كانت الزيادة في أسعار الكهرباء الصناعية تهدف إلى تحميل القطاع الصناعي والإنتاجي عبء الفاقد، فهل سيُسفر ذلك عن ارتفاع أسعار المنتجات والسلع المحلية، وتقويض القدرة التنافسية للصناعة الوطنية؟
هذا الواقع بلا شك قد يقود إلى إغلاق شبه تام للمنشآت الصناعية، مما يُعرض العديد من العمال لخطر فقدان وظائفهم، وبالتالي، يُؤثر على مدخولات الخزينة العامة للدولة من ضرائب الدخل والجمارك والتأمينات الاجتماعية.
لكن في مواجهة تحديات الاقتصاد والصناعة، هل يمكن للجهات الحكومية أن تتخطى حدود الجباية لتُعانق آفاق التنمية؟ وهل من الممكن أن تُعيد صياغة التشريعات والقوانين بما يخدم الصناعة الوطنية ويُسهم في استقطاب رؤوس الأموال المهاجرة والحفاظ على رواد الأعمال المحليين؟
في هذا الإطار، لفت المهندس أحمد سلامنه، مدير عام المؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء، إلى الأسباب الكامنة وراء رفع أسعار الكهرباء الصناعي، وأن الهدف في تقليص الخسائر وليس في تحقيق الربح، وأن تعديل الأسعار ليس استجابة موضوعية للمتغيرات الظرفية كأسعار الوقود وتكاليف الإنتاج.
وأشار سلامنه إلى أنه، على الرغم من الأضرار الجسيمة التي لحقت بقطاع الكهرباء، فإن أسعار الكهرباء في سوريا لا تزال تُقارن بأسعار دول الجوار، والأسعار الحالية ليست عادلة عندما نعلم أن تكلفة الكيلو واط الساعي تفوق السعر المُقدم للمستهلك.
الجدير ذكره أن الكيلو الواط الساعي تزيد تكلفته على 2500 ليرة سورية في حين يقدم للمستهلك بـ 1900 ليرة، إذ رفعت وزارة الكهرباء في كانون الثاني/يناير الفائت، تعرفة الكيلو واط الساعي للخطوط المعفاة من التقنين كلياً أو جزئياً إلى 1900 ليرة بعد أن كان 950 ليرة، ويشمل ذلك خطوط المشتركين للأغراض الصناعية والحرفية والتجارية والسياحية ومنشآت وغرف الخزن والتبريد.
أملاك الدولة
في 14 شباط/فبراير الفائت، صدر القانون رقم 3 بشأن إنشاء وإدارة الشركات المساهمة العامة والمشاريع المشتركة للمساهمة في تنمية القطاع الاقتصادي العام، أي الشركات المملوكة للدولة. وينص القانون على إنشاء وتنظيم ثلاثة أنواع من الشركات: الشركات المساهمة العامة، والشركات المساهمة العامة، والمشاريع المشتركة.
القانون رقم 3 لسنة 2024، سمح لمؤسسات وشركات القطاع العام بالتحول إلى شركات مساهمة عامة أو شركات مساهمة عامة، مع ضمان بقاء ملكيتها للدولة. كما أجاز القانون لشركات ومؤسسات القطاع العام الدخول في شراكة مع القطاع الخاص ضمن شروط محددة حددها القانون رقم 5 لسنة 2016 بتنظيم أحكام الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
القانون الأخير، هو الأحدث في سلسلة القوانين الصادرة مؤخراً لتحديث الإطار التشريعي للشركات في سوريا. بدأ ذلك بالقانون رقم 3 لسنة 2023 في شأن اندماج الشركات وتحويلها إلى شركات مساهمة، تلاه القانون رقم 40 لسنة 2023 في شأن تأسيس شركات مساهمة في القطاع الزراعي المشترك في القطاعين النباتي والحيواني و قانون رقم 43 لسنة 2023 بشأن إنشاء الهيئة العامة لإدارة وحماية أملاك الدولة.
ويمنح القانون الأصول المنقولة وغير المنقولة للشركة المساهمة العامة صفة الملكية الخاصة للدولة. ونتيجة لذلك، لا يمكن للآخرين بيع هذه الممتلكات أو الاستحواذ عليها أو الاستيلاء عليها. وفقا للقانون رقم 252 لسنة 1959، تصنف أملاك الدولة الخاصة إلى 12 نوعا، منها الأراضي الأميرية، والعقارات المسجلة في السجل العقاري باسم الدولة، والعقارات المقيدة في سجلات دائرة أملاك الدولة، والعقارات المحلولة، والأراضي المتاحة الشاغرة أو الأراضي المهجورة.
الأسعار في السوق السورية نحو الارتفاع
تشير معطيات الأسواق في سوريا إلى اتجاه الأسعار نحو الارتفاع، ما يثير قلق المواطنين الذين يعانون أصلاً من أوضاع اقتصادية صعبة. ويطرح هذا التطور تساؤلات حول فعالية الإجراءات التي اتخذها الفريق الاقتصادي في الحكومة السورية لمعالجة الأزمة.
يقول الخبير الاقتصادي، الدكتور عابد فضلية، إن العديد من الإجراءات المتخذة لم تكن في توقيتها الصحيح، مضيفاً أن “نتائج بعض التشريعات ظهرت عكس ما كان لازماً”.
فضلية بدوره أشار إلى بعض القرارات التي اتخذتها الحكومة، مثل رفع سعر الدولار الجمركي (للاستيراد والتصدير) والمبالغة في تقدير الأرباح المتوقعة كأمثلة على قرارات أدت إلى رفع الأسعار، مبينا أن بعض الفعاليات اضطرت إلى إغلاق وإيقاف عملها بسبب ارتفاع التكاليف”.
في هذا السياق، أكد أمين سر جمعية حماية المستهلك بدمشق وريفها، عبد الرزاق حبزة، أن هناك ارتفاع غير مسبوق في الخضار والفواكه والأجبان والألبان واللحوم، وحتى الدجاج، مُوضحاً أن كل ما يقال عن انخفاض للأسعار هو نظري”. ولفت حبزة إلى أن مهرجانات التسوق مستواها محدود وفي مناطق متفرقة.
في ظل التقلبات الاقتصادية التي تشهدها الأسواق السورية، تظل هناك تساؤلات مُلحة حول مسار الأسعار المُتصاعد، وهل تُشير المؤشرات الراهنة إلى اتجاه غير مُستقر في الأفق الاقتصادي؟ وفضلا عن ذلك، هل باتت الحكومة السورية بلا مستقبل؟
- كيف أثبتت حرب غزة ولبنان ضعف “استراتيجية الردع” الإيرانية؟
- من البوابة التركية.. البضائع الإيرانية تغزو أسواق إدلب
- منعطف خطير في حرب أوكرانيا بسبب كوريا الشمالية.. ما القصة؟
- بطولة شوق الهادي.. “أبو البنات” دراما رمضانية خليجية مُرتقبة
- واشنطن وموسكو على حافة صراع عسكري مباشر.. وكوريا الشمالية تعلن وقوفها مع روسيا
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.