ما تزال الأحداث المندلعة في غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي، تساهم في ولادة جديدة لجماعة “الإخوان” بالمنطقة، وهي ولادة على ما يبدو مبتسرة، وتتعرض لإخفاقات أو بالأحرى إجهاض متكرر، نظراً لتعثر أوضاعهم السياسية والمجتمعية، بالإضافة إلى صراعهم المرير مع السلطة والحكومات المحلية، نتيجة حساباتهم الفئوية المرتبطة بأجندة الجماعة على حساب الدولة، وتقديم المصالح الخارجية وربما الأممية التي تعنى بها مع أطراف إقليمية من دون مراعاة لخصوصية كل إقليم وأمنه القومي. فالجماعة المرتبطة بالنظام الإيراني وأذرعه في اليمن ولبنان وسوريا والعراق، بينما تواصل جهودها التعبوية لتشكيل جبهة إسناد ودعم سنية للميليشيات الشيعية، تتسبب في خروقات جمة، تهدد استقرار بلدانها كما هو الحال في الأردن والكويت.

ففي الأردن تشهد حراكاً مشبوهاً يتورط فيه عناصر “الإخوان” مع ميليشيات شيعية موالية لإيران، لتهريب الأسلحة والمخدرات، الأمر الذي يمكن عده بمثابة صراع مرير وفوضوي لا تكف تلك الأذرع عن العمل المتواصل كأنها طاحونة لتشتيت الدولة واستنزاف قدراتها في ظل الحرب بين حركة “حماس” وإسرائيل بغزة ووجودها في حدود مشتركة مع فلسطين، فضلاً عن وضعها الصعب لوجودها المتاخم لحدود أخرى، يقع ما وراءها في قبضة ونفوذ طهران، لا سيما سوريا والعراق، فهذا المثلث يفتك باستقرار الأردن ويجعلها على الحافة دائماً وتشعر بالأقدام تنزلق من دون إرادة في حرب مستعرة من جوانب متعددة. 

يضطلع “إخوان” الأردن بدور مباشر يماثل ما تقوم به الجماعة في بلدان أخرى وهو دور وظيفي يستهدف الضغط على الحكومات لاستمالتها باتجاه محور آخر غير الاعتدال، والانخراط في جبهة طائفية ضمن ما يعرف بـ”وحدة الساحات” ومحور “المقاومة”.

تشكيل غطاء سني عبر “الإخوان”

اللافت أن التحركات التي تقوم بها طهران للضغط على الأردن من خلال جذب “الإخوان” لصفها، وكذا في الكويت، يماثل الدور الذي تؤديه في لبنان من خلال ضم “الجماعة الإسلامية” (فرع جماعة الإخوان بلبنان) وجناحها العسكري “قوات الفجر”، حيث إن “الولي الفقيه” يسعى لتشكيل غطاء سني متعدد الأشكال في بيئات مختلفة بحيث لا تنفرد القوى الولائية الشيعية بالصراع على النحو الذي يجعلها وحدها في “وجه المدفع”، ويخفف جبهتها قليلاً، فضلاً عن كون الوجود السني تحت راية النظام في طهران يمنحه قدرات هائلة وثقل ونفوذ يمكنه من إدامة الصراع بعضلات أكثر قوة وخشونة ويسهل من إمكانات المناورة والتفاوض مع مرحلة التسوية.

إخوان الأردن يشكلون خطراً على المملكة الهاشمية-“إنترنت”

وثمة إشارة لافتة لا يمكن تجاهلها في هذا السياق، بخصوص رغبة الجماعة بفروعها المختلفة بعث رسائل التخويف أو الضغط للحكومات، وهي رسائل مشفرة غير معلنة، لكن يمكن قراءتها وفك ألغازها في تتبع دلالتها السياقية، حيث إن “إخوان” الأردن بعد تدشين انتخاباتهم الداخلية والتي نجم عنها صعود مراد العضايلة، أحد أبرز الوجوه المتشددة والراديكالية لقيادة الجماعة ومنصب المراقب العام، أعلنوا خوضهم الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها في أيلول/ سبتمبر العام الحالي، بما يعني أن تمكين جناح الصقور سيباشر مهمته في الانخراط السياسي والبحث عن رافعة لتحقيق رؤيته وأهدافه البراغماتية سواء في المجال العام أو من خلال السياسات والتشريعات بشكل رسمي وعبر وسائط لها فعالية كالبرلمان.

ربما، الانتخابات الداخلية التي أسفرت عن تصعيد الجناح المتشدد والراديكالي في “الإخوان” بالأردن لا يختلف كثيراً عن ما قبل سنوات قليلة في فرع الجماعة ذاتها بلبنان، الأمر الذي خدم على نحو مباشر طهران، حيث تم تهميش القيادات التي كانت تميل للمحور المعادي لها، ولديها ممانعة من المصالحة مع الرئيس السوري بشار الأسد، والنتيجة هي اصطفافها راهناً جنباً إلى جنب مع الجناح العسكري لـ”حماس” و”حزب الله” وآخرين من كتل ما يعرف بـ”وحدة الساحات”. 

بالتالي، تمكنت طهران من تشكيل كتل سنية موالية لها في عدد من البلدان، وفي المقابل يسعى هؤلاء إلى التموضع سياسياً، بحيث يكونوا ضمن المعادلة الإقليمية. 

من بين القوى التي هنأت “إخوان” الأردن بانتخاباتهم، كان إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لـ”حماس”، فضلاً عن عامر البوسلامة المراقب العام للجماعة بسوريا، وآخرين من القادة بالإخوان في المغرب ولبنان. 

لتحقيق أغراض مرحلية ومؤقتة

التيار الراديكالي الذي يصعد لدى تنظيمات “الإخوان” بالمنطقة، هو المنتمي لجناح سيد قطب ويتبنى أفكاره الجهادية والتكفيرية، منها مبدأ “الحاكمية”، على المستوى الحركي والنظري. وهذا الجناح لا يشعر بأي حرج إزاء التحالف التكتيكي مع قوى إسلاموية حتى في نسختها الشيعية لتحقيق أغراضها المرحلية والمؤقتة. 

وتزامن قبل فترة وجيزة من تلك التطورات في الأردن، إعلان المملكة الهاشمية عن ضبط أو إحباط مؤامرة وراءها طهران من خلال “الإخوان” لتهريب أسلحة وتنفيذ أعمال تخريبية، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء العالمية “رويترز”، وكان الطرف الإخواني المتورط في تسهيل وتنفيذ هذه المهمة هو على الأرجح جناح الصقور. ووفق مصدرين أردنيين لم تكشف عن هويتهما الوكالة، فـ”الأسلحة أرسلتها فصائل مدعومة من إيران في سوريا إلى خلية تابعة لجماعة “الإخوان المسلمين” في الأردن على صلة بالجناح العسكري لـ”حماس”.

ووفق المصدرين اللذين تحدثا لـ”رويترز” فإن “المؤامرة كانت تستهدف زعزعة استقرار الأردن الذي يمكن أن يصبح نقطة توتر إقليمية في أزمة غزة، إذ يستضيف قاعدة عسكرية أميركية ويشترك في الحدود مع إسرائيل، وكذلك سوريا والعراق”. ومن بين تلك الأسلحة “ألغام كلايمور ومتفجرات سي 4 ومتفجرات سيمتكس وبنادق كلاشنيكوف وصواريخ كاتيوشا عيار 107 مليمترات. في شهر حزيران/ يونيو العام الماضي أصبحوا يهربون أسلحة وزادت كثيراً ومن بينها ألغام فردية ومتفجرات (زي إل سي4) ومسدسات غلوك وأخيرا هربوا كاتيوشا 107 ملم”.

كما كان كاشفاً أن التحضيرات جارية لابتعاث قوى جديدة سنية من جماعة “الإخوان” ليكونوا حوامل عسكرية مؤدلجة تعمل لحساب النظام الإيراني المتحالف اليوم مع أجنحة عسكريتارية في “حماس” و”الإخوان” بفروعها المتباينة بالمنطقة وتهدف لتوسيع الشبكة الإقليمية لطهران، بخاصة التي تشكل امتداداتها الحدودية فواعل جيوسياسية مع فلسطين، إلى جانب نطاقات جيواستراتيجية أخرى تؤثر على مصالح الغرب والولايات المتحدة وإسرائيل، كما هو الحال في البحر الأحمر من خلال الحوثي باليمن أو في سوريا والعراق ولبنان، وتحديداً الضغوط التي تتم ممارستها على السواحل المتوسطة، حيث المصالح الجيوطاقوية. 

كانت خطوة عزل “إخوان” الكويت هي الوحيدة والاستثنائية من بين ما يجري في بلدان أخرى تنشط فيها الجماعة، بينما لا تكف عن وضع أصابعها على مؤسسات ومفاصل الحكم والسياسة لبناء معبد “الإخوان”.

وقبل عقد الانتخابات بالأردن التي أسفرت عن نجاح القيادي المتشدد من جناح الصقور، برز هذا التباين والصراع بين جناحي التنظيم مع الحادث الأخير بخصوص تهريب الأسلحة والقيام بأعمال تخريبية يؤثر على النظام في الأردن، حيث صرح أحد قادة الجماعة بأن تورط بعض أعضاء التنظيم في هذا النشاط لم يكن بـ”بموافقة الجماعة”، بما يعني أنه لم يكن هناك ثمة إجماع تام وتجانس بين كافة الأعضاء والقيادات على الاستجابة لهذا المشروع الإيراني الذي يخترق جسد “إخوان” الأردن ويضع في أعناقها بوصلة لتحقيق أهداف “آيات الله” وتنفيذ مشيئته.

ونقلت الوكالة العالمية عن المصدر بالجماعة: “هناك حوار بين (الإخوان) والسلطات. إنهم (السلطات) يعلمون أنه إذا كانت هناك أخطاء فلم تصدر عن جماعة (الإخوان المسلمين) بل عن أفراد فقط وليست من سياسة جماعة الإخوان”.

الكويت تتصدى لـ”الإخوان”

في سياق مواز، باغت أمير الكويت الإخوان بحل مجلس الأمة (البرلمان) وقال: “لن أسمح على الإطلاق  بأن تشتغل الديمقراطية لتحطيم الدولة”. وكان الأمير قد ألمح لوجود خطوات ترقى إلى أن تهدد من قبل القوى الإسلاموية استقرار الحكم، ووضع البلاد أمام صراع وفوضى أساسها التنافس على الحكم وربما جعل منصف “الأمير” مجرد إطار رمزي أو شكلي وله دور شرفي.

وفي مقال بصحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية، أوضح الباحث المختص بالحركات الإسلامية عبد الله بن بجاد العتيبي، أن “جماعة الإخوان” وجماعات “إيران” أو “الإسلام السياسي” بشقيه السني والشيعي في الكويت، شكلوا خطراً ممتداً لعقود من الزمن، ومن ينسى أن رموزهم كانوا ضيوفاً بارزين في “خيمة القذافي” للتآمر على الكويت “دولةً” وأميراً وشعباً، والتسجيلات المسربة حكت الكثير عن حاكم المطيري ومبارك الدويلة، وعناصر “تنظيم القاعدة” وورثهم عناصر “تنظيم داعش”، إذ كانت شعارات “داعش” ترفع علانيةً في شوارع الكويت، وبعض الشخصيات المعروفة تخطب وتصدر الفتاوى وتجمع الأموال من داخل الكويت تأييداً للتنظيم الإرهابي.

ووقال: “أما جماعات “إيران” أو الإسلام السياسي الشيعي فقد كان اختراقهم أخطر لبعض الطبقات، ويكفي الاطلاع على تفاصيل “خلية العبدلي” وأسلحتها النوعية التي كانت كفيلةً بإسقاط نظام حكمٍ لا مجرد عمل إرهابي، وعلى الرغم من هذا كله فقد خرج قائد الخلية من السجن مرفوعاً على الأكتاف، بناء على هذه الصراعات التي جعلت “الدولة” عاجزةً عن اتخاذ الموقف الصحيح والوطني الخالص، وهو ما أشار له خطاب الأمير تعجباً بالقول: “حتى وجدنا من أدين بالخيانة حراً طليقاً نتيجة لهذه الممارسات غير المقبولة”.

بالتالي، كانت خطوة عزل “إخوان” الكويت هي الوحيدة والاستثنائية من بين ما يجري في بلدان أخرى تنشط فيها الجماعة، بينما لا تكف عن وضع أصابعها على مؤسسات ومفاصل الحكم والسياسة لبناء معبد “الإخوان” وحراسه في المنطقة والذي يصنع الخطط التآمرية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات