أطلقت الحكومة الصربية برنامجاً جديداً مثيراً للجدل للمنح الدراسية مخصّصاً لأبناء العسكريين السوريين الذين قتلوا أثناء خدمتهم في صفوف الجيش السوري.

وقد أثار عرض المِنح الأكاديمية لهؤلاء الشباب، الذين فقد الكثير منهم آباءهم المسؤولين عن جرائم حرب موثقة جيداً، غضباً عارماً في أوساط جماعات حقوق الإنسان. وقد شجبوا هذا العرض باعتباره مكافأة منح لمرتكبي الانتهاكات الجماعية لحقوق الإنسان وتبييض سلوك الجيش السوري خلال الحرب الأهلية الكارثية التي تستمر منذ 13 عاماً في سوريا.

ووفقًا للإعلان الرسمي الذي صدر في أيار/مايو الفائت، عن جامعة “نوفي ساد” الصربية، سيتم تقديم عشرات المِنح الدراسية الممولة بالكامل في المرحلة الجامعية والدراسات العليا ”لأبناء شهداء الجيش العربي السوري الذين ضحوا بأرواحهم دفاعًا عن سيادة وطنهم“. 

وقد تم الكشف عن البرنامج خلال زيارة وفد من رجال الأعمال السوريين إلى بلغراد، مما يسلط الضوء على العلاقات الاقتصادية والسياسية التي تربط البلدين بشكل متزايد.

منح أم تجنيد

قالت لينا مدور، وهي ناشطة حقوقية سورية مقيمة في برلين، كان قد تم اعتقال أشقائها الثلاثة وقتلهم على يد قوات الأمن التابعة للحكومة السورية في عام 2013: ”هذه إهانة مطلقة لمئات الآلاف من الضحايا الذين قُتلوا وعُذّبوا وهُجّروا قسراً بشكل منهجي على يد الجيش السوري على مدى العقد الماضي“.

ما الذي تكشفه تغييرات الأسد في المخابرات الجوية تجاه حلفائه؟
جنود سوريون يقفون للحراسة خارج قاعدة لمخابرات الجيش عند مدخل مدينة بعلبك التاريخية في سهل البقاع في شرق لبنان في 30 مارس/آذار 2005. (رمزي حيدر/ غيتي)

وفي حديثها لـ”الحل نت”، أضافت مدور: ”كيف يمكن لصربيا أن تكرّم منفذي هذا القمع بمنح فرص التعليم لأفراد أسرهم – وهي الفرص التي حُرم منها أشقائي بعد أن ذبحتهم هذه القوات نفسها، وأيضا بقية السوريين الذين لا يستطيعون داخل مناطق سيطرة الحكومة من إكمال تعليمهم“.

يقف الجيش السوري والميليشيات المتحالفة معه متّهمين من قبل محقّقي الأمم المتحدة بارتكاب سلسلة واسعة من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية طوال فترة الصراع الطاحن. 

وتشمل هذه الجرائم:

– استخدام الأسلحة الكيميائية والذخائر العنقودية وغيرها من الذخائر العشوائية ضد المناطق المأهولة بالسكان المدنيين.

– التهجير القسري من خلال حرب الحصار وهدم المنازل والمستشفيات والبنية التحتية في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.

– التعذيب المنهجي والعنف الجنسي والقتل خارج نطاق القضاء للمعتقلين المدنيين في سجون الحكومة السورية. 

– التطهير العرقي والمجازر بحق الأقليات من قبل القوات النظامية والميليشيات المدعومة من إيران مثل “حزب الله”.

إجمالاً، تشير التقديرات إلى مقتل أكثر من 500,000 مدني سوري في أعمال عنف مرتبطة مباشرة بالقصف العسكري السوري وسياسات الاعتقال والانتشار القتالي منذ عام 2011. وفر ملايين آخرون من البلاد كلاجئين.

وفي حين احتفظ الأسد بالسيطرة على العديد من المراكز الحضرية، لا تزال مساحات شاسعة من سوريا خارج سلطة حكومة دمشق، حيث تسيطر عليها إلى حدّ كبير القوات المدعومة من تركيا أو “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد). ولا يزال الصراع محتدماً في منطقة إدلب شمال غرب البلاد ومناطق أخرى.

مبادرة صربيا تثير الجدل

أثار احتمال قيام مؤسسات التعليم العالي في صربيا بتقديم منح دراسية لأبناء العسكريين السوريين إدانة شديدة.

نازحون في مخيمات الرقة يشتكون من قلة المساعدات الغذائية والصحية – إنترنت

قال ويليام روث، أحد الباحثين في قضايا حقوق الإنسان، إن “هذا البرنامج وصمة عار على سمعة صربيا الدولية، إنها ليست أكثر من دعاية سافرة من بلغراد لكسب ودّ دمشق على حساب المصالح الاقتصادية المحتملة“.

وقد ادّعى المسؤولون الصّرب أن جهود المِنح الدراسية هي مبادرة إنسانية بحتة تهدف إلى مساعدة ”الشباب المتضررين من الحرب في الحصول على فرص تعليمية“ خارج سوريا.

إلا أن المنتقدين يؤكدون أن التأطير الصريح والمعايير المتعلقة بتكريم ”شهداء“ الجيش السوري تظهر نيّة سياسية صريحة من قبل بلغراد لتعزيز العلاقات مع الجيش السوري – بغض النظر عن تاريخ الفظائع التي ارتكبها.

ويرى بعض المحللين أن مبادرات صربيا لدمشق تأتي في إطار مسعى أوسع نطاقاً من قبل موسكو لإعادة دمج سوريا في المجتمع الدولي وإضفاء الشرعية على تمسك الرئيس السوري، بشار الأسد بالسلطة.

وفقا لحديث مدور، فإنه من خلال التودد إلى الأسد وتصوير جيشه في صورة إيجابية، فإن صربيا تخدم أجندة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتضع نفسها بقوة في فلك موسكو على الرغم من كونها خارج منطقة الشرق الأوسط.

تسارعت وتيرة تحالف صربيا المتعمق مع روسيا منذ غزو الكرملين لأوكرانيا العام الماضي، حيث تقاوم بلغراد الانضمام إلى عقوبات غربية واسعة وتحافظ على قنوات اقتصادية مفتوحة بين البلدين.

هنا تلفت مدور، أنه بعد الدمار الذي ألحقته روسيا بأوكرانيا، فإن استعداد صربيا لتمجيد الجيش السوري ضد المدنيين لا ينبغي أن يكون مفاجئًا.

بالنسبة للمدافعين عن حقوق الإنسان السوريين، تمثّل مبادرة المِنح الدراسية الصربية منعطفاً جديداً، فبدلاً من مواجهة المحاكم الدولية أو العقوبات، يرون أن مرتكبي جرائم القتل الجماعي يتم تحفيزهم ومكافأة أفراد عائلاتهم بفرص تعليمية – بشكل خاص بالنظر إلى عدد السوريين الذين يعانون الآن كلاجئين محرومين ومعدومين بلا مستقبل بسبب الهجمات العسكرية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات