منذ زمن طويل، ربما منذ حرب “طروادة”، تحصن جيش داخل أسوار المدينة وعرّض المدنيين لأهوال حرب الحصار بدلاً من الاستسلام للعدو، ولسوء الحظ، فقد أصبح من الشائع جدًا أن تعرض الحرب المدنيين لأهوالها.

التقارير التي نشرت خلال الأسبوع الجاري والتي تفيد بأن “حزب الله” يقوم بتوزيع الأسلحة ومواقع القيادة بين السكان المدنيين اللبنانيين هو أمر مثير للقلق، ولكن في تاريخ الحزب والحرب، هذا ليس بالأمر الجديد.

لدى “حزب الله” تاريخ طويل في تعريض حياة اللبنانيين للخطر.. يمكن عرضها على النحو التالي:

مطار “رفيق الحريري”

ذكرت صحيفة “ذا تليغراف” البريطانية يوم الأحد الماضي، أن مُبلغين لبنانيين كشفوا أن “حزب الله” يستخدم مطار لبنان الدولي في بيروت لتخزين كميات كبيرة من الأسلحة الإيرانية. 

ووفقاً للصحيفة تستخدم الجماعة الإرهابية المدعومة من إيران مطار “رفيق الحريري” الدولي لتخزين مجموعة متنوعة من الأسلحة، بما في ذلك الصواريخ الباليستية وصواريخ المدفعية غير الموجهة والصواريخ الموجهة المضادة للدبابات الموجهة بالليزر، كما يتم أيضًا تخزن مسحوق أبيض شديد الانفجار وسام يعرف باسم “RDX” وهو ما يُعرف أيضًا باسم السيكلونيت أو الهيكسوجين.

وفي حديثه للصحيفة البريطانية، قال أحد العاملين بالمطار، إن الأسلحة تصل إلى المطار على متن رحلات جوية قادمة من إيران في “صناديق كبيرة غامضة”، وأضاف: “عندما بدأوا بالمرور عبر المطار، شعرت أنا وأصدقائي بالخوف لأننا علمنا أن هناك شيئاً غريباً يحدث”.

كما أفاد تقرير “التليغراف” أن المخبأ يشمل صواريخ “فلق” الإيرانية الصنع، وصواريخ “فاتح-110” قصيرة المدى، وصواريخ باليستية متنقلة على الطرق، وصواريخ “إم-600” بمدى يتراوح بين 150 إلى 200 ميل.

ويُزعم أيضًا أن هناك في المطار صواريخ “AT-14 Kornets”، وصواريخ موجهة بالليزر مضادة للدبابات (ATGM)، وكميات هائلة من صواريخ بركان الباليستية قصيرة المدى.

فيما قال مصدر أمني في الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا): “كنا على علم بذلك منذ سنوات، لكننا غير قادرين على فعل أي شيء دون إجراء قانوني دولي، نحن مقيدون للقيام بما نرغب فيه حقًا، وهو إغلاق المطار وإزالة جميع الأسلحة والمتفجرات”.

فيما عقد وزير الأشغال العامة والنقل اللبناني التابع لـ”حزب الله”، علي حمية، مؤتمرا صحفيا في المطار ردا على التقرير، ونفى هذه المزاعم “السخيفة” على حد وصفه، وقالت نقابة النقل الجوي اللبنانية إن هذه المزاعم “تضليل وأكاذيب تهدف إلى فضح مطار بيروت والعاملين فيه”، ودعا الوزير الصحفيين والسفراء لزيارة المطار.

وضع خطير

هذه الأنباء سببت حالة من الخوف والذعر في لبنان من أن يصبح مطار “رفيق الحريري”، الذي يقع على بعد أربعة أميال فقط من وسط المدينة، هدفا عسكريا رئيسيا حال نشوب حرب مع إسرائيل والتي كثر الحديث مؤخراً عن قرب اندلاعها. فيما أفادت الأنباء أن “حزب الله” طالما استخدم المطار المدني لتخزين الأسلحة، لكن الأمر تصاعد منذ اشتداد الصراع بين “حزب الله” وإسرائيل في تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

متظاهرون موالون لحزب الله يشتبكون مع قوات الأمن اللبنانية في 18 أكتوبر 2023، خارج السفارة الأمريكية خلال مظاهرة تضامن مع أهل غزة في عوكر، شرق بيروت. (تصوير جوزيف عيد / وكالة فرانس برس)

وسبق أن تعرض زعماء “حزب الله” لعقوبات غربية بسبب تهريبهم عبر المطار، وعلى الرغم من ذلك زعم العاملون في المطار أن وفيق صفا، الرجل الثاني في الحزب ورئيس جهازه الأمني، أصبح شخصية بارزة في المطار، ورغم أن لبنان تعرض لضرب اقتصادية طاحنة منذ عام 2019، إلا أن العمال المتعاونين مع “حزب الله” يتجولون مثل الطاووس بساعات وهواتف ذكية جديدة، ويقودون سيارات جديدة.

في الوقت الذي يعلم الجميع أن منطقة المطار هي خاضعة لسيطرة “حزب الله”، وهو ما دفع الكثير من الدول في بعض الأحيان حظراً على سفر مواطنيها إلى لبنان.

وقال مصدر أمني في إحدى هيئات الطيران الدولية الكبرى لصحيفة “التيلغراف”: “كنا على علم بذلك منذ سنوات، لكننا غير قادرين على فعل أي شيء دون اتخاذ إجراءات قانونية دولية. نحن مقيدون للقيام بما نرغب فيه حقًا، وهو إغلاق المطار وإزالة جميع الأسلحة والمتفجرات”.

استراتيجية إيرانية

لا يخفى على أحد، أن استراتيجية استخدام المطارات المدنية في تهريب وحياز الأسلحة هي استراتيجية إيرانية في الأساس، في آذار/مارس ذكرت الصحيفة البريطانية، نقلاً عن مصادر لم تسمها، أن إيران تستخدم الموانئ الأوروبية للمساعدة في إخفاء شحنات الأسلحة إلى جماعة “حزب الله” الإرهابية في لبنان.

ووفقا للتقرير، تقوم السفن بتفريغ الأسلحة في ميناء اللاذقية السوري، والتي يتم بعد ذلك نقلها جنوبا إلى لبنان، موطن “حزب الله”. ومن اللاذقية، تستمر السفن في الوصول إلى موانئ إيطاليا وإسبانيا وبلجيكا للمساعدة في إخفاء هدف الرحلات. 

ونقلت الصحيفة عن مصدر كبير في المخابرات الإسرائيلية قوله: “إن استخدام أوروبا يساعد في إخفاء طبيعة ومصدر الشحنات، وتبديل الأوراق والحاويات… لتنظيف الشحنات، فأوروبا لديها موانئ ضخمة، لذا فإن إيران تستخدم ذلك كتمويه. من السهل جدًا القيام بالتلاعب في تلك الموانئ الكبيرة حيث يجب نقل الأشياء بسرعة، بدلاً من ميناء صغير حيث سيكون هناك مزيد من التدقيق”.

وفي الشهر ذاته، نشر الجيش الإسرائيلي مقطع فيديو لطائراته المقاتلة وهي تهاجم مستودع أسلحة لـ”حزب الله” في منطقة بعلبك بلبنان. ويظهر في الفيديو عدة انفجارات بعد الضربة الأولى، وأشار الجيش إلى وجود متفجرات مخبأة في المنطقة السكنية، وقال الجيش الإسرائيلي إن الفيديو يظهر “دليلا إضافيا على أسلوب عمل “حزب الله” الذي يقوم من خلاله بتخزين المتفجرات والمواد الكيميائية الخطرة في القرى المدنية.

وفي 19 آذار/مارس الماضي، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي إن “حزب الله” يستخدم سيارات الإسعاف لنقل الإرهابيين في جميع أنحاء جنوب لبنان. وبحسب أدرعي، يشير تحليل نمط نشاط سيارة الإسعاف إلى سلوك غير طبيعي، حيث تعمل بين المواقع المرتبطة بـ”حزب الله” حتى عندما تكون لا تتعرض للهجوم، مع عدم وجود حاجة واضحة لإجلاء الضحايا والإقامات الطويلة بعد الهجمات.

تشير التقديرات إلى أن “حزب الله” وحركة “أمل” يستخدمان سيارات الإسعاف هذه لنقل الإرهابيين بين المواقع الخاضعة لمراقبة الجيش الإسرائيلي، وكذلك لنقل الأسلحة أو المعدات للأنشطة الإرهابية.

كما أفادت صحيفة “النهار” اللبنانية أن “حزب الله” نشر عدداً “كبيراً وغير مسبوق” من المسلحين في الضاحية الجنوبية لبيروت، وهو الحي الذي يعد مركزا رئيسيا لنشاط “حزب الله”، كما ذكرت صحيفة “التايمز أوف إسرائيل”، أن “أعضاء المجموعة الإرهابية ملثمون ويقومون بالتحقق من هويات الأفراد الذين يسيرون في الشوارع”.

وفي كانون الثاني/يناير 2024، كشف الجيش الإسرائيلي أنه تم زرع مقاتلي “حزب الله” وأسلحته بشكل منهجي في المناطق المدنية والمراكز السكانية الحضرية. فالمئات من مستودعات الأسلحة، والآلاف من المسلحين، وعشرات الآلاف من الصواريخ تتوزع في جميع أنحاء جنوب لبنان وحده، وهي المنطقة التي تتميز بكثافة سكانية شيعية كبيرة، حيث تم تم تصميم القرى الشيعية لتكون بمثابة ساحات قتال. 

وبالمثل، تقع مراكز القيادة والسيطرة في قلب المراكز المدنية المحمية بشكل جيد، وعادة ما تكون على مقربة من المرافق العامة الحيوية أو الحساسة مثل المدارس والمستشفيات والمساجد. 

انفجار بيروت

الوضع الخطير الذي يمثله “حزب الله” في لبنان، يمكن فهمه من خلال التاريخ، فلا أحد ينسى انفجار مرفأ بيروت في 4 آب/أغسطس من عام 2020 عندما وقع انفجار كبير في ميناء بيروت، واتهم البعض “حزب الله” بالتسبب في ذلك الانفجار. 

الأمين العام لـ”حزب الله” اللبناني، حسن نصرالله، نفى أي علاقة للحزب بأسلحة مخزنة في مرفأ بيروت ودعا إلى تحقيق عادل وشفاف في الانفجار، وقال نصرالله في خطاب متلفز “نحن لا ندير ولا نسيطر على المرفأ ولا نتدخل فيه ولا نعرف ماذا يجري أو ما يوجد فيه”.

وفي الشهر التالي، كشف الجيش الإسرائيلي عن ثلاثة مواقع لتصنيع الصواريخ الموجهة الدقيقة التابعة لـ”حزب الله” تقع في أحياء مدنية في قلب العاصمة اللبنانية بيروت، وفي 2 أكتوبر/تشرين الأول 2020 نشر الجيش الإسرائيلي المزيد من التفاصيل حول نشاط “حزب الله” في المواقع الثلاثة.

وكانت المواقع الثلاثة هي موقع لتصنيع الذخيرة الدقيقة تحت الأرض في حي الليلكي: يقع الموقع تحت مبنى سكني مكون من سبعة طوابق، يسكنه أكثر من 70 عائلة، ويقع بالقرب من مركز طبي وكنيسة على بعد حوالي 130 مترًا من الموقع. 

أما الموقع الثاني فهو موقع تصنيع الذخائر الدقيقة الذخيرة تحت الأرض في حي الشويفات: يقع الموقع تحت مبنى سكني مكون من خمسة طوابق يسكنه حوالي 50 عائلة، ويقع بالقرب من مسجد على بعد حوالي 90 متراً إلى الشمال منه. 

أما الموقع الثالث، فهو موقع تصنيع “PGM” في المنطقة الصناعية في حي الجناح: يقع الموقع بالقرب من شركتي غاز، إحداهما متجاورة مباشرة والأخرى على بعد 50 متراً، ومحطة وقود تبعد عشرات الأمتار.

الجيش الإسرائيلي كشف عن موقع إضافي لـ”حزب الله” تحت الأرض في حي مدني آخر في بيروت، وهو برج البراجنة.

وفي 29 أيلول/ سبتمبر 2020، وبعد ساعات من كشف المواقع الثلاثة، دعا الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله الصحفيين للقيام بجولة صحفية في حي الجناح وادعى أنه موقع مدني.

وخلال الجولة، قام الصحفيون بتوثيق سلسلة من الآلات في موقع الجناح المستخدمة لإنتاج الذخائر الدقيقة، وهي آلة الثني، واللف والقطع بالليزر وهي التي بدت بشكل واضح أنها تستخدم في الصناعات العسكرية.

مواقع تحت الأرض

استخدام “حزب الله” للمواقع المدنية والمباني السكنية لإخفاء التسليح يعود إلى سنوات طويلة، ففي تموز/يوليو 2017، تم الكشف عن مجمعين قتاليين للحزب في قرى لبنانية، يحتوي أحدهما على مستودع للأسلحة يقع على بعد حوالي 110 أمتار من مسجدين. 

لبنان وذهنية الولي الفقيه هكذا يصادر الملالي جغرافيا الإقليم لصناعة الهلال الشيعي (5)
تظهر هذه الصورة التي تم التقاطها في 8 يناير 2024 لافتة تصور الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله معلقا على المبنى الذي تعرض لهجوم بطائرة بدون طيار، مما أسفر عن مقتل الرجل الثاني في حماس في معقل حزب الله حليف حماس بجنوب بيروت في 2 يناير 2024. ( تصوير أنور عمرو / وكالة الصحافة الفرنسية)

كما قام “حزب الله” بحفر شبكة من الأنفاق تحت الأرض أسفل المنازل والمباني المدنية للسماح لمقاتليه بالتنقل بحرية بين المواقع. وهكذا، فقد حول “حزب الله” اندماجه بين السكان إلى ميزة استراتيجية، بطريقة غير قانونية وغير أخلاقية وتؤدي عن عمد إلى مقتل مدنيين أبرياء.

بحسب بيانات لمجلة “انتليغس” الفرنسية، فإن هناك مصنعين في منطقتين مختلفتين في لبنان تم إنشاؤهما تحت الأرض بعمق 50 مترا، مؤكدة أنهما يتمتعان بتحصينات معقدة حتى لا يتأثرا بقصف إسرائيلي محتمل.

وأشار التقرير إلى أن المصنع الأول، يقع في منطقة الهرمل في الجزء الشرقي من البقاع اللبناني شمال شرقي لبنان، مرجحة أن هذا المصنع ينتج صواريخ “الفاتح 110” والذي يبلغ مداه 300 كيلو مترا وقادر على حمل رؤوس متفجرة زنة 400 كيلوغلراما. 

وأما المصنع الثاني، فيقع في منطقة بين مدينة صور وصيدون، وبشكل محدد في محيط الزهراني، ونقلت المجلة الفرنسية عن مصدر مطلع قوله إن المصنعين عُززا بطبقات للحماية، ومؤكدا أنهما لا ينتجا الصاروخ كاملا بل أجزاء مختلفة من الصواريخ، يجري تجميعها في وقت لاحق.

من جانبها علقت الكاتبة السياسية، عالية منصور، لموقع “الحل نت” قائلة: “صدقا استغربت الضجة المثارة حوّل التقرير، فأغلب المعلومات التي وردت بالتقرير معلومة لدى الجميع، فالحزب يسيطر على المطار ويرفض المساس بهذا الأمر، ولنتذكر أن أحد أسباب اجتياح بيروت في أيار/مايو 2008 كان لمنع الحكومة اللبنانية من تغير وضع المطار”.

وأوضحت منصور: “لا أملك معلومات، وإن كنت أستبعد أن يستخدم الحزب المطار لتخزين السلاح، ولكن نقل السلاح إلى الحزب يتم عبر جميع المعابر برية وبحرية وجوية، وأيضاً أريد أن أذكر بصور المسؤولين الإيرانيين وأخرهم صورة رئيسي في جنوب لبنان بضيافة الحزب، الصورة التي انتشر عقب وفاته، ولم تكن الزيارة معلنة أو رسمية، وقبله قاسم سليماني وغيرهم، كيف يدخلون ويخرجون إن لم يكن للحزب السيطرة الكاملة على المعابر؟”.

واستطردت منصور، “ما حدث قبل أعوام في مرفأ بيروت، وعرقلة التحقيق، و7 أيار وغير ذلك كلها أسباب تجعل خبر التلغراف غير مستغرب”.

ما الهدف؟

الحديث عن استخدام المطارات المدنية في نقل الأسلحة وحيازتها ليس جديداً، فطالما اتهمت إسرائيل إيران في الماضي باستخدام رحلات جوية مباشرة إلى لبنان لنقل المعدات والأسلحة إلى “حزب الله” وقالت – قبل تقرير التليغراف – أيضا إن الجماعة الإرهابية تخفي منشآت لإنتاج الصواريخ الدقيقة تحت الأرض بالقرب من مطار بيروت الدولي.

وقال الجيش الإسرائيلي في بيان له: “إن استراتيجية حزب الله لإخفاء الأسلحة والعمل من الأحياء المدنية تنبع من نواياه لجذب الجيش الإسرائيلي إلى استهداف هذه المناطق المدنية في أوقات التصعيد، فإذا استهدف حزب الله المدنيين الإسرائيليين من هذه المواقع، فلن يكون أمام الجيش الإسرائيلي خيار سوى الرد، مما قد يعرض المدنيين اللبنانيين للخطر، مما يسبب غضبًا دوليًا تجاه الجيش الإسرائيلي”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات