في خطوة غير مسبوقة قد تغير وجه المجتمع السوري، أعلنت الحكومة السورية عن قرار جريء بإلغاء الخدمة الإلزامية في الجيش السوري تدريجيا، التي طالما شكلت عبئاً ثقيلاً على كاهل الشباب في سوريا لعقود. هذا القرار المفاجئ، الذي جاء في وقت تشهد فيه البلاد تحولات سياسية واقتصادية عميقة، يفتح الباب أمام تساؤلات عديدة حول مستقبل القوات المسلحة السورية وتأثير هذا التغيير على النسيج الاجتماعي للبلاد.

وفي الوقت ذاته، أعلنت السلطات عن تعديلات جوهرية على شروط البدل، في محاولة لموازنة الآثار المترتبة على إلغاء الخدمة الإلزامية. هذه التعديلات، التي لم يتم الكشف عن تفاصيلها الكاملة بعد، تثير اهتماماً كبيراً لدى الشباب السوري في الداخل والخارج، الذين يترقبون بحذر كيفية تأثير هذه التغييرات على حياتهم ومستقبلهم.

يأتي هذا القرار في سياق إصلاحات أوسع تم طرحها ضمن المبادرة العربية على الحكومة السورية لإعادة هيكلة مؤسساتها وتحديث أنظمتها، في محاولة للتكيف مع المتغيرات الإقليمية والدولية. ومع ذلك، يبقى السؤال الأهم: كيف سيؤثر هذا التحول الجذري على الأمن القومي السوري، وما هي الآليات التي ستتبناها الدولة لضمان جاهزية قواتها المسلحة في ظل هذا النظام الجديد؟ هذه التساؤلات وغيرها تضع صنّاع القرار أمام تحديات كبيرة في الأشهر والسنوات القادمة.

مفهوم جديد للخدمة الإلزامية

في مقابلة تلفزيونية، أكد المدير العام للإدارة العامة في وزارة الدفاع اللواء أحمد يوسف سليمان، أمس الأربعاء، أن مفهوم الخدمة الإلزامية في الجيش السوري، سيتغير نتيجة التطوير والاعتماد على المتطوعين وعليه سيتم إلغاء الخدمة الإلزامية تدريجيا ضمن خطة مبرمجة على مدى السنوات الخمس القادمة.

ما الذي تكشفه تغييرات الأسد في المخابرات الجوية تجاه حلفائه؟
جنود سوريون يقفون للحراسة خارج قاعدة لمخابرات الجيش عند مدخل مدينة بعلبك التاريخية في سهل البقاع في شرق لبنان في 30 مارس/آذار 2005. (رمزي حيدر/ غيتي)

وفي تحوّل جذري لسياسات التجنيد في سوريا، كشف اللواء أحمد يوسف سليمان، عن دراسة مرتقبة ستغير وجه الخدمة العسكرية في البلاد، حيث سيخضع السوري لفترة تدريبية قصيرة على سلاح معين ثم يعود إلى حياته الشخصية، على أن يشغل هذه الأماكن المتطوعون. فقد أعلن سليمان عن قرب صدور صك تشريعي يخفّض سن دفع البدل من 40 إلى 38 عاماً، مع إتاحة هذا الخيار لذوي الحالات الخاصة في الخدمة الإلزامية.

وفي خطوة تهدف إلى تحديث القوات المسلحة، أوضح سليمان أن هذه الإصلاحات تسعى لبناء جيش متطور يعتمد على المتطوعين. فقد كشف عن نظام جديد للتطوع يمنح الجنود حرية أكبر في اختيار مسارهم العسكري، حيث يمكن لمن يخدم خمس سنوات أن ينهي خدمته دون التزامات إضافية، مع فترة إعفاء من الاستدعاء للاحتياط تمتد لخمس سنوات.

أما بالنسبة للمتطوعين لمدة عشر سنوات، فقد أكد سليمان أنهم سيحظون بإعفاء كامل من خدمة الاحتياط. هذه التغييرات الجوهرية، التي تمت الموافقة عليها وستنفذ تباعاً، تمثل تحولاً استراتيجياً في السياسة العسكرية السورية، وتفتح الباب أمام نموذج جديد للخدمة العسكرية قد يعيد تشكيل العلاقة بين المواطنين والمؤسسة العسكرية في سوريا.

تسريح الاحتياط

في قرار غير مسبوق يعيد رسم ملامح الخدمة العسكرية في سوريا، كشف اللواء أحمد يوسف سليمان، في حديث خاص مع قناة “السورية”، عن خطة شاملة لتسريح الاحتياطيين وإعادة هيكلة نظام الخدمة العسكرية في البلاد.

عشائر درعا اخبار درعا الحرب على درعا

وفي تفاصيل القرار الذي يعدّ بمثابة ثورة في السياسة العسكرية السورية، أعلن اللواء سليمان أن كل ضابط احتياط أمضى عاماً أو أكثر سيتم تسريحه بدءاً من 30 حزيران/يونيو الجاري، بينما سيشمل التسريح صف الضباط والأفراد الذين خدموا لمدة ست سنوات فأكثر. أما من بلغ الأربعين من العمر ولديه سنتان من خدمة الاحتياط، فسيتم تسريحه تلقائياً دون الحاجة لأي إجراءات إضافية.

وفي إطار استراتيجية متكاملة للتحول، كشف سليمان عن جدول زمني طموح للتسريح يمتد على ثلاث مراحل، تبدأ أولاها في تموز/يوليو 2024. وتتضمن هذه المرحلة تسريحاً تدريجياً للاحتياطيين بناءً على مدة خدمتهم، بدءاً بمن أمضوا ست سنوات وصولاً إلى من أكملوا أربع سنوات ونصف بحلول نهاية العام. وأكد اللواء أن هذه الخطة ستخضع للتقييم المستمر قبل الانتقال إلى المراحل اللاحقة.

واستكمالا لخطة التحول الجذري في نظام الخدمة العسكرية السوري، كشف اللواء أحمد يوسف سليمان عن تفاصيل المرحلة الثانية من استراتيجية التسريح، والتي تمتد على مدار عام 2025، مرسخاً بذلك أكبر إصلاح عسكري تشهده البلاد منذ عقود.

وفق الجدول الزمني الذي أعلنه سليمان، ستشهد الأشهر الأولى من عام 2025 موجة تسريح واسعة النطاق. فمع نهاية شباط/فبراير، سيودع الجيش من أتموا أربع سنوات من الخدمة الاحتياطية، تليها دفعة أخرى في نهاية نيسان/أبريل لمن أمضوا ثلاث سنوات ونصف. وتتوالى عملية التسريح بوتيرة منتظمة، لتشمل في حزيران/يونيو من يخدم ثلاث سنوات، ثم في آب/أغسطس لمن أكمل سنتين ونصف.

وفي ختام هذه المرحلة الثورية، يتوقع أن يشهد تشرين الأول/أكتوبر 2025 تسريح آخر دفعة من الاحتياطيين ممن أمضوا سنتين في الخدمة. 

خدمة الاحتياط ضمن شروط

عن المرحلة الثالثة والأخيرة من خطة إصلاح نظام الخدمة الاحتياطية، كشف اللواء أحمد يوسف سليمان مبشّراً بتغييرات جوهرية ستنعكس إيجاباً على حياة آلاف السوريين.

سليمان أعلن أن الحد الأقصى للخدمة الاحتياطية سيتقلص إلى عامين فقط في هذه المرحلة الأخيرة. هذا القرار الجريء يأتي بعد تقييم دقيق للمراحل السابقة، ويعتمد على معايير مرنة تراعي عمر المجند وسنوات خدمته.

وفي إشارة إلى المرونة التي تتسم بها هذه الخطة الطموحة، أكد اللواء أن الجداول الزمنية للمراحل الثلاث قابلة للتعديل استجابة لـ نسب الالتحاق. وفي تطمين للمخاوف المتعلقة بالجاهزية العسكرية، شدد على أن عملية التسريح الواسعة – التي ستشمل عشرات الآلاف حتى نهاية العام الحالي ومثلهم في العام القادم – ستتم مع الحفاظ على القدرة القتالية للجيش السوري.

وواصل مدير عام الإدارة العامة بوزارة الدفاع السورية: من فرَّ من الجيش لعدم رغبته في خدمة الوطن؛ فسيعاقب، أما من فرّ لأسباب إجتماعية وإنسانية؛ فستتم مراعاة ظروفه بعد الاطلاع عليها ودراستها.

وختم سليمان، بأنه تتم دراسة حالة الخدمة العسكرية بالنسبة للطلاب الجامعيين حول إمكانية خدمتهم كضباط، لافتا إلى أن ما تقوم به وزارة الدفاع اليوم شأن داخلي وليس رسائل موجّهة لأحد، وليس تحضيراً لحرب بل هو استحقاق لا بدّ منه.

بداية لسوريا جديدة؟

يمثل القرار الأخير بإعادة هيكلة نظام الخدمة العسكرية في سوريا نقطة تحوّل محورية في تاريخ البلاد، وعلى عكس ما ذكر سليمان، فإن القرارات تأتي في سياق الإصلاحات الواسعة التي طرحتها المبادرة العربية على الحكومة السورية، والتي سرّبت فحواها سابقا. 

الرئيس السوري بشار الأسد خلال اجتماع انتخاب اللجنة المركزية لحزب "البعث"
الرئيس السوري بشار الأسد خلال اجتماع انتخاب اللجنة المركزية لحزب “البعث”

هذا التحوّل الجذري، الذي يشمل تقليص مدّة الخدمة الإلزامية وإعادة تنظيم نظام الاحتياط، يعكس استجابة استراتيجية للمتغيرات الإقليمية والدولية، ويهدف إلى إعادة تشكيل العلاقة بين المؤسسة العسكرية والمجتمع السوري.

يبرز هذا الإصلاح كخطوة جريئة نحو تحديث القوات المسلحة السورية وتكييفها مع متطلبات الوضع الراهن. فالانتقال من نموذج الجيش الإلزامي الضخم إلى قوة أكثر مرونة وكفاءة يعد استجابة ضرورية للتحديات الأمنية التي تواجه الدول الإقليمية، وأيضا الضغط الاقتصادي الذي تواجهه دمشق. ومع ذلك، يثير هذا التحول تساؤلات جوهرية حول كيفية الحفاظ على الجاهزية القتالية وضمان الأمن القومي في ظل هذا النظام الجديد.

إن التحدي الأكبر الذي يواجه صنّاع القرار في سوريا هو الموازنة بين ضرورات الأمن القومي ومتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فمن جهة، يهدف تقليص مدة الخدمة العسكرية إلى تحرير الطاقات الشبابية وتوجيهها نحو القطاعات الإنتاجية، مما قد يساهم في دفع عجلة التنمية الاقتصادية. ومن جهة أخرى، يثير هذا التقليص مخاوف حول قدرة المؤسسة العسكرية على الاستقلال في ظل الوجود الروسي والإيراني.

لمواجهة هذه التحديات، يبدو أن الحكومة السورية تتجه نحو تبني استراتيجية متعددة الأبعاد. فالتركيز على التطوع والعقود طويلة الأمد يهدف إلى بناء قوة عسكرية أكثر احترافية وتخصّصاً. 

على الصعيد الاقتصادي، يمكن لهذا الإصلاح أن يحمل فوائد جمّة. فتحرير الشباب من الخدمة العسكرية الطويلة قد يساهم في زيادة الإنتاجية وتحفيز النمو الاقتصادي، خصوصا بعد فرار العديد من الشباب السوري هربا من الخدمة الإلزامية في ظل الأوضاع الاقتصادية الهشّة. كما أن تقليص حجم القوات الدائمة قد يوفر موارد مالية يمكن توجيهها نحو التنمية والإعمار.

إقليمياً، يمكن النظر إلى هذا الإصلاح كخطوة نحو تطبيع العلاقات السورية مع محيطها العربي والدولي. فتبني نموذج عسكري أقرب إلى المعايير الدولية قد يساهم في تخفيف حدّة التوترات وفتح آفاق جديدة للتعاون الإقليمي.

ومع ذلك، تبقى هناك تحديات كبيرة أمام نجاح هذا الإصلاح. فالوضع الأمني الهشّ في بعض المناطق السورية قد يشكل عقبة أمام التطبيق الكامل لهذه الإصلاحات. كما أن التدخلات الخارجية والتوترات الإقليمية قد تفرض ضغوطاً إضافية على القوات السورية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات