بعيدا عن إسرائيل، ثمة روابط عضوية تجمع بين الحكومة السورية في دمشق وإيران و”حزب الله”، تمتد نحو التاريخ والجغرافيا مما منح تلك العلاقة صفة المرونة والارتباط الحتمي على خلفية أن الأخيرين حافظا على حسم بقاء نظام الرئيس السوري بشار الأسد في الحكم، رغم كل العواصف التي كانت كفيلة بإخراجه من المشهد كاملا.

على واقع ديناميات المصلحة وفواعل البراغماتية حافظ الطرفان على هامش الحضور في الواقع السوري، بحسب أهداف كل طرف. إذ ارتأت إيران أن التغوّل في المحيط السوري وتشييد جماعات ولائية خاصة بها من خلال كتلة “حزب الله” فرصة حيوية لزرع رئة مذهبية في الشرق الأوسط تمدّ الأطراف في اليمن والعراق، بما يكفل لها السيطرة على جغرافيا الشرق الأوسط. 

ودفع هذا الارتباط والحضور الإيراني المباشر وغير المباشر من خلال الجماعات الولائية أن أضحت المواقع السورية مناطق استهداف مستمرة للهجمات النوعية الإسرائيلية ونقطة مركزية لعدد من العمليات النوعية ضد قيادات “الحرس الثوري” الإيراني والميلشيات التابعة له.

البحث في نوايا دمشق

ربما من الأهمية بمكان ملاحظة أن الضربات النوعية التي نفذتها تل أبيب ضد المصالح والحضور الإيراني في سوريا محل رضا إقليمي ودولي، وموافقة روسية التي ترقب الحضور العسكري الإيراني باعتباره تموضع غير مريح ومثير للقلق.

سوريا لن تنخرط في الدفاع عن ميليشيا “حزب الله” فيما لو نفّذت تل أبيب ضدها عمليات جوية خاصة.

الباحث في الشؤون السياسية مصطفى النعيمي

ويضيف النعيمي، “ونحن نعلم أن منظومات الدفاع الجوي للنظام السوري مستنزفة بشكل كبير وذلك إبّان الغارات الجوية الإسرائيلية”.

يتابع النعيمي تصريحاته لـ”الحل نت” أن دمشق تدرك تماماً بأنها في حال الانخراط صوب تلك المعركة بأنها ستخسر الكثير، لا سيما كونها ربما قد تفقد قلب الدولة نتيجة تداخلاتها في العمليات الميدانية فضلا عن خطة تل أبيب في المُضي نحو تنفيذ حملات الاغتيالات النوعية التي لم تنقطع حتى هذه اللحظة.

وبالسؤال عن هل ستستفيد دمشق من رؤى التطبيع العربي للاستفادة من هامش المناورة مع طهران؟ أم ستأمل جرّاء ذلك نحو خروج بعض الوحدات الإيرانية العاملة داخل الأراضي السورية. أجاب الباحث السوري مصطفى النعيمي: “ربما في هذا التوقيت بالذات المنطقة ما زالت فيها الكثير من الإرهاصات؛ لذلك هامش المناورة سيكون قصيراً ومحدوداً جداً”. 

المنطقة اليوم رهينة إما التطبيع مع محور إيران أو التطبيع مع محور إسرائيل وكلا المحورين الشعب العربي يرى بأنهما يمثّلان خطراً حقيقياً على أمنه القومي. لذلك، ثمة وضوح كبير لدى المجتمع العربي بحضور خصمين يتربصان بالمنطقة على هامش الاستقطاب الحاد الذي يضرب كافة دول المنطقة. بناء عليه نرى بأن هنالك إجماع عربي يتضمن ضرورة إخراج محور إيران في المرحلة الأولى نظراً لأن المناخ الدولي يتناسب مع هذه التحركات.

طريق الحرير الإيراني

مسألة فلسطين، هي “معقدة جداً” وتحتاج إلى مجموعة من المسارات المتوازية وصولاً إلى تحقيق أعلى المكتسبات. ومن ثم الانطلاق تجاه حماية الشعب الفلسطيني. 

وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان يسير إلى جانب نظيره السوري فيصل المقداد والسفير الإيراني لدى سوريا حسين أكبري خلال زيارة لموقع ملحق قنصلي للسفارة الإيرانية الذي دمرته الغارة الجوية قبل افتتاح مبنى قنصلي جديد في مكان قريب في دمشق في 8 أبريل/نيسان 2024. (تصوير لؤي بشارة/وكالة الصحافة الفرنسية)

وحول موقف الأسد الابن ووكيل إيران في لبنان “حزب الله” وموقف دمشق من الحرب على لبنان وإكراهات طهران من ضرورة تمثّل سوريا كجسر للسلاح لأبناء حسن نصرالله، لفت النعيمي إلى أن “الأسد يُعتبر وتد رئيسي في المشروع الإيراني في المنطقة. لذلك فإن سوريا أصبحت اليوم منطلق تجاه المنطقة العربية عموماً بالنسبة للمشروع الإيراني والذي لن تتخلى عنه طهران إلا بالضغوط العسكرية”.

من الناحية العملية يُعد إيصال السلاح من سوريا إلى ميليشيا “حزب الله” اللبناني بحد ذاته انتهاكاً خطيراً، أدى إلى استنزاف القدرات الدفاعية الجوية السورية إضافة إلى استنزاف البنية التحتية والمؤسسة العسكرية عموماً.

بالتالي، وبحسب المصدر ذاته، أصبح “حزب الله” اليوم عبئاً على دمشق والنظام هناك مضّطر للتعامل مع هذه الأزمة بما لا يتجاوزه. لكن هنالك لوبي ضاغط وكبير في داخل مؤسسات الحكومة السورية يمنعها من تحقيق الرؤى الإيرانية في عملية مواجهتها للمنظومة الدولية. وبناء عليه فإن دمشق أصبحت بين سندان المطالبة الميليشاوية بالأسلحة وكذا المطرقة الإسرائيلية.

لا شك أن التطورات الأخيرة على مسار تطبيع الحكومة السورية مع المنظومة العربية، تتقاطع بدرجة أو بأخرى نحو الخلاف مع طهران، الذي تبدو حدّته تباعاً مع تطورات الوضع السياسي والميداني على هامش السابع من تشرين الأول/أكتوبر وتداعيات ذلك على تسخين الجبهة اللبنانية، وترتيب ملامح المعادلة الميدانية بين “حزب الله” وتل أبيب.

إلى ذلك، يفرض هذا الوضع الحرج جيوسياسياً عدّة تحديات على دمشق فيما يخصّ موقفها من تلك التطورات ومدى انحيازاته وخياراته متى ما وقع هجوم ميداني على “حزب الله”، وكيف ستحسم موقفها من ذلك ارتباطا بأهداف محددة لذهنية الأسد الذي يرغب في كسر حالة الجمود السياسي والدولي، مما يدفعه نحو أهمية عدم الارتباط بذلك التصعيد وضرورة الانفكاك من ذلك المحور لصالح تأمين خروج تشكيلات “حزب الله” من أراضيه واعتبار ذلك استجابة لمطلب إقليمي ودولي.

استخدام اللاجئين السوريين

يذهب الدكتور علي خليفة المؤسس في حركة “تحرُّر من أجل لبنان”، إلى أن سلوك “حزب الله” يندرج بوصفه ذراعاً عسكرياً لإيران، عابثاً في لبنان على نافذة المتوسط، متولياً مع قرار الحرب والسلم نيابة عن الدولة اللبنانية وأجهزتها الشرعية وعموم اللبنانيين.

كل مواقف حسن نصرالله منضبطة على وقع زيارات وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان القاضي نحبه: فمرّة يصعّد ومرّة يحبس التصعيد ويمنّن بانتظار تطورات الميدان. 

الدكتور علي خليفة المؤسس في حركة “تحرُّر من أجل لبنان”

إيران تفاوض من جبهة لبنان ما لم تعد تستطيع تحصيله عقب “طوفان الأقصى” في غزة وصولاً إلى تهديد نصرالله للقواعد الجوية في قبرص، في نهاية خطابه الأخير الذي جاء باهتاً ولم يقل فيه شيئاً مهمّاً لولا تلك الإشارة التي نقرأها على المستوى الجيوسياسي بوصفها تهديداً من إيران، بواسطة وكيلها في لبنان، لبريطانيا والغرب كون القواعد الجوية في قبرص تخضع للسيادة البريطانية، بحسب القيادي في حركة “تحرر لبنان”.

فذراع إيران العسكرية عملت وتعمل أيضا في سوريا. تثبيت النظام في سوريا كان في مقابل تهجير مليوني سوري إلى لبنان بصفة لاجئين. ومعظمهم يحول “حزب الله” دون عودتهم إلى بيوتهم التي دمّرها أو يحتلّها عناصره في سوريا. 

والأسد الذي ثبّته “حزب الله” يتهدّده الحزب بوضعه في دائرة استقطاب النظام الإيراني ولاحقًا في تصاعد صراع النفوذ والمصالح بين روسيا وإيران، كل ذلك على حساب اعتبارات السيادة الوطنية التي لم تعد تملك منها دمشق شيئاً.

يلفت السياسي اللبناني علي خليفة إلى أن الانفتاح العربي على سوريا سواء في التمثيل الديبلوماسي أو من خلال المشاركة في الفعاليات الرسمية قد يكون هدفه جذب سوريا إلى الحاضنة العربية بعيداً عن التغوّل الإيراني بحكم الأمر الواقع الناجم عن قراءة الأحداث. 

بالتالي فإن أدوار “حزب الله” ووظائفه كذراع عسكري لإيران ستكون رهينة اندلاع المواجهة الكبيرة المرتقبة في الميدان أو على طاولة المفاوضات والتسويات الكبرى بين القوى المقرّرة في المنطقة. وفي الحالتين، وظائف “حزب الله” الجديدة وأدواره، سواء تم تقليم أظافره في الحرب أو على طاولة التسويات، ستستدعي تموضعات جديدة من دمشق التي لن تستمر في الابتزاز طويلاً وستركب قطار المشروع العربي للسلام تدريجياً. 

والمؤشرات على سلوك النظام السوري ذات دلالة: من اغتيال القادة في الحزب واغتيال المسؤولين الإيرانيين في سوريا ضمن مشهد معقّد تتطابق فيه عناصر ضعف النظام مع قوة رغبة المسؤولين بالتخلص تدريجياً من قيد “ولاية الفقيه” المتمددة.

إسقاط الأسد؟

قد تبدو تطورات الأحداث في الشرق الأوسط أبعد من السيناريوهات المباشرة والأولية، وأقرب للتصورات المركّبة خاصة إذا تماهى التصعيد العسكري مع فرضية الحرب بمعناها العسكري الشامل، الأمر الذي يعني أن إيران ستمارس إكراهات عميقة لدفع دمشق نحو مسرح الأحداث ونزع أي مساحة لهامش المرونة المأمول للأسد.

هناك سيناريو آخر، فالتصعيد الحقيقي سيكون بهجوم بري إسرائيلي على دمشق واحتلال العاصمة السورية وإسقاط نظام الأسد الابن.

أستاذ العلوم السياسية بالجامعة اللبنانية، الدكتور هاني المالكي

وأردف المالكي تصريحاته لـ”الحل نت”، أما بالنسبة للبنان ستقصف تل أبيب مخازن الصواريخ وقواعدها، ويضرب المراكز والأماكن التي تخرج منها المسيّرات بالإضافة لقصف المراكز البحرية الخاصة بـ”حزب الله” ثم الدخول البرّي إلى مسافة خمسة كيلو متر بمعنى احتلال المرتفعات الاستراتيجية في الجنوب.

وفقاً للمصدر ذاته، سيكون تركيز الهجوم الإسرائيلي على العاصمة السورية دمشق من خلال ثلاثة محاور: جبل حرمون وسعسع والجولان باتجاه دمشق. أما “حزب الله” سيتم تجريده من سلاحه النوعي ويتحول من قوة إقليمية إلى قوى محلية، أي سيتم تقويض فائض قوته وليس إنهائه.

يضيف الأكاديمي اللبناني بقوله، لا شك أن المجتمع الدولي حاول تكراراً ومراراً، أن ينبه الحكومة اللبنانية بضرورة ردع “حزب الله”. ومن ثم قام عدد من المبعوثين الدوليين خاصة من الولايات المتحدة الأميركية وجهود فرنسية جبارة إلى آخر مبعوث وصل إلى بيروت وهو من الفاتيكان وتلاه وزير الخارجية الألمانية كلهم أجمعوا على ضرورة وقف إطلاق النار. 

كلها رفضها “حزب الله” وهو يربط وقف إطلاق النار في غزة أولا حتى يقبل بوقف إطلاق النار في الجنوب اللبناني. واليوم بعدما صرّح أهم شخصيتين لبنانيتين أي رئيس “مجلس النواب” نبيه برّي ووليد جنبلاط، بأن المؤشرات تدل أن الحرب ستتسع وبذلك تكون كل المحاولات الدبلوماسية فشلت والذهاب إلى التصعيد العسكري قد اقترب مع غياب أي تحرّك عربي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات