اللاجئون السوريون في لبنان يعانون مأساة حقيقية، تتنوع ويلاتها بين مواجهة العنصرية والتعذيب وبين محاصرة الخوف لهم من كل جانب، فضلا عن خطر الموت الذي قد ينالهم في أي لحظة، كل ذلك يحدث أمام أنظار العالم دون أي حلول لمعالجة الأزمة الإنسانية المتفاقمة لهم. 

بحسب تحقيق لمجلة “فورين بوليسي” الأميركية، يواجه السوريون في لبنان ارتفاعاً بمنسوب العداء، ففي ظل تفاقم الأزمة في لبنان، “أصبح اللاجئون السوريون كبش فداء، يواجهون العنف والكراهية والاعتقال وإخلاء منازلهم والتعذيب والترحيل”. 

بلغة الأرقام، فإن ما بين 1.5 إلى 2 مليون لاجئ سوري يعيشون في لبنان، منهم 800 ألف مسجّلين رسمياً لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وكل 9 من كل 10 لاجئين بحاجة إلى المساعدات الإنسانية، بحسب المجلة الأميركية.

ويسعى لبنان بحسب الخطاب الذي يصدّره، إلى إعادة طوعية للاجئين السوريين إلى بلادهم، متحجّجا بعودة سوريا إلى “الجامعة العربية”، وبأن ثمة مناطق آمنة يمكنهم العودة إليها، فيما ترغب بعض الدول الأوروبية في اعتبار أجزاء من سوريا “آمنة”، لكن مجموعات حقوق الإنسان، تقول إن هذا ينتهك مبدأ عدم الإعادة القسرية.

وفق مجموعات حقوقية، فإن هذه العمليات ليست طوعية فعلا، وتشمل عمليات الترحيل الإبعاد القسري، حيث يمكن للسلطات اللبنانية ترحيل السوريين الذين دخلوا البلاد بعد نيسان/ أبريل 2019. وفي عام 2023، تصاعدت عمليات الإبعاد مترافقة مع سوء المعاملة.

في أوائل عام 2024، رحّل لبنان أكثر من 1300 سوري، إثر تأجج الشعور المعادي للسوريين بسبب تورط أحدهم في جريمة قتل، رغم أن السفارة الأميركية في بيروت، حثّت على “عدم استخدام هذه الحادثة سلاحا ضد مجتمع اللاجئين”.

شهادات من “المسلخ البشري”!

“يستخدم سياسيو لبنان، اللاجئين السوريين كبش فداء لتحقيق أجنداتهم الخاصة، ما يُغذي خطاب الكراهية”، إذ دعا رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي، والعديد من الوزراء، إلى الترحيل الجماعي للسوريين، والضغط على من يبقى منهم لمغادرة البلاد بحرا، على الرغم من المخاوف التي تبديها منظمات حقوق الإنسان.

تحقيق “فورين بوليسي” وثّق شهادة عن شاب يدعى رفعت فالح (33 عاما)، وهو منشق عن القوات الحكومية السورية، قال إنه سعى للحصول على ملاذ له في لبنان في عام 2022، لكنه اعتُقل في كانون الثاني/ يناير الماضي، واختفى. ويفيد أقاربه في سوريا، بأنه محتجز الآن في “سجن صيدنايا” العسكري، المشهور باسم “المسلخ البشري”، حيث يعاني سوء الصحة بسبب سوء التغذية والتعذيب المنهجي.

“مركز سيدار للدراسات القانونية” في لبنان، أكد أن الجيش اللبناني يعيد الكثير من اللاجئين مباشرة إلى السلطات السورية، وهذا ينتهك القانون اللبناني الذي يتطلب إحالة إلى النيابة العامة. وخلال الفترة بين تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 وأيار/ مايو 2024، تعامل المركز مع 200 حالة لأفراد كانوا يواجهون خطر الترحيل إلى سوريا، تم ترحيل 28 منهم في النهاية، وتم اعتقال 10 منهم في سوريا.

لاجئون سوريون عائدون من لبنان إلى بلادهم عبر معبر الزمراني في 14 مايو 2024 – ،(أ ف ب)

رفعت ليس الوحيد، إذ سلط تحقيق “فورين بوليسي” الضوء أيضا على حالة عبد، وهو رجل سوري يبلغ من العمر 38 عاما تم اعتقاله في لبنان في عام 2015 وتعرض للتعذيب من استخبارات الجيش اللبناني لانتزاع اعتراف منه، فيما وثقت “منظمة العفو الدولية”، حالات مماثلة لاحتجاز اللاجئين السوريين في لبنان وتعرضهم للتعذيب.

يقول عبد، إن السلطات اللبنانية اعتقلته في عام 2015، واتهمته بالقتل والانتماء إلى منظمة إرهابية، وهو ما نفاه. ثم قال إنهم عذّبوه للحصول على اعتراف منه. “ضربني عناصر جهاز المخابرات اللبناني بخرطوم المياه في كل أنحاء جسدي. صوبوا إلليّ سلاحا في مكتب التحقيق وهددوني بالقتل، و ضربوا رأسي بأحذيتهم. وعندما رأوا دمي، توقفوا عن الضرب. ثم استأنفوا ضربي بالخرطوم مرات عدة، وهددوني بالصدمات الكهربائية وتسليمي إلى الحكومة السورية”.

خضع عبد لـ جراحتين، ولا يزال يعاني آلاما شديدة، “وهو ليس وحيدا؛ ففي عام 2021، وثقت منظمة العفو الدولية حالات مماثلة لـ 24 لاجئا سوريا تم احتجازهم في لبنان بتهم تتعلق بالإرهاب، قبل أن يتعرضوا للتعذيب. وما دامت الحكومة اللبنانية تواصل احتجاز السوريين و تهديدهم بالترحيل، فمرجّح أن يستمر هذا الانتهاك”.

تحقيق المجلة الأميركية أشار، إلى أنه بالنسبة لأولئك الذين يتم ترحيلهم إلى سوريا، ينتظرهم مصير أسوأ، إذ يقول قريب لأحد المرحّلين: “يمكنهم قتله بالتعذيب ودفنه في مقبرة جماعية، كما حدث مع آلاف المعتقلين؛ يمكنهم إعدامه بالرصاص، أو يموت نتيجة الأمراض وسوء التغذية”.

اللاجئون السوريون.. خوف وفقدان الوصول للرعاية الصحية

من جانب آخر، وفي سياق معاناة اللاجئين السوريين في لبنان، قالت منظمة “أطباء بلا حدود”، يواجه عشرات آلاف اللاجئين السوريين في الهرمل والقاع وعرسال في لبنان واقعا صارخا، “حيث تنتشر في تلك البيئة القاحلة المخيمات المؤقتة المصنوعة من القماش المشمع والخِرق، وتوفر الملاجئ الهشة القليل من الحماية ضد العناصر القاسية وحماية شبه معدومة من الموجات المتزايدة للمشاعر المعادية للاجئين في لبنان”.

المنظمة أردفت في تقرير لها، أن اللاجئين السوريين محاصرون في مساحات غير ملائمة، ويواجهون يوميا الخوف من نقاط التفتيش الأمنية والتوترات المحلية، ويخشون تضاؤل قدرتهم على الوصول إلى الرعاية المنقذة للحياة، فمنذ نيسان/ أبريل الماضي، كثّف الأمن اللبناني المداهمات والإجراءات الأمنية لمعالجة قضية الأفراد غير المسجلين، “ونتيجة لذلك، يواجه المرضى السوريون الذين يبحثون عن الرعاية الصحية في عيادات أطباء بلا حدود في محافظة بعلبك – الهرمل عوائق متزايدة، بسبب المخاوف والقيود المفروضة على حركتهم”.

“بالنسبة إلى الكثير من اللاجئين في المحافظة، أصبح قرار طلب المساعدة الطبية الآن محفوفاً بالخوف”، بسبب الاضطرار لعبور نقطة تفتيش أمنية للوصول إلى عيادة “أطباء بلا حدود” في الهرمل. وهذا يدفعهم إلى اتخاذ القرار بعدم المخاطرة، وبالتالي الاستسلام للمرض، كما يقول التقري، فخلال الحملات الأمنية، يُقبَض على سوريين من حاملي المستندات منتهية الصلاحية ويُرحَّلون قسرا إلى سوريا، من دون أن تتاح لهم فرصة الاتصال بأسرهم في لبنان.

بحسب التقرير نفسه، تتواجد “أطباء بلا حدود” في محافظة بعلبك – الهرمل في شمال شرق لبنان منذ عام 2010. وتقدم منذ أكثر من عقد من الزمن خدمات طبية مجانية عالية الجودة، بما فيها طب الأطفال والرعاية الصحية الجنسية والإنجابية وعلاج الأمراض غير المعدية، و التطعيمات ضد الأمراض التي يمكن الوقاية منها، ودعم الصحة النفسية للاجئين والمجتمع المحلي على حد سواء. 

لكن وبالرغم من أنّ هذه المساعدات تمثل بارقة أمل وسط بحر من المعاناة، فإنّ تغيّب المرضى عن المواعيد الطبية آخذ في الارتفاع مع تشديد الخوف قبضته على مجتمع اللاجئين السوريين، ومع تزايد حدة الأزمة الاقتصادية في لبنان، بحسب التقرير.

“بعد عدّة سنوات من النزوح، ظهرت أعراض نفسية أخرى على بعض اللاجئين السوريين. توجد ضائقة نفسية شديدة لدى اللاجئين بسبب أحداث الأزمات المتكررة. وأبلغ مرضانا البالغين والأطفال الذين يعانون من مشاكل نفسية على حد سواء عن تغيرات في السلوك تتعلق بالتعرض للأحداث الصادمة. إنّ الناس يشعرون بالتعب وعدم الأمان والاكتئاب والإحباط”، تقول ذلك أماني المشاقبة، مديرة أنشطة الصحة النفسية في “أطباء بلا حدود” في بعلبك – الهرمل.

ويواجه اللاجئون السوريون الذين يبحثون عن الرعاية الصحية في شمال لبنان عقبات متزايدة؛ بسبب المخاوف والقيود المفروضة على حركتهم، وفي هذا الصدد تقول “أطباء بلا حدود”، إنه “لا ينبغي على المرضى الاختيار بين سلامتهم وطلب المساعدة الطبية”، لكن الواقع المرير أقسى بكثير، ويبدو أن أزمة اللاجئين السوريين في لبنان ستتفاقم أكثر فأكثر وسط صمت المجتمع الدولي أمام كل ما يحدث.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات