في تغريدة له عبر “تويتر” كتب الفريق محمد حمدان دقلو “حميدتي” قائد قوات الدعم السريع، “إننا نحارب الإسلاميين الراديكاليين الذين يأملون في إبقاء السودان ظلاميا، وبعيدا عن الديمقراطية، ولن نتراجع عن ملاحقة البرهان وتقديمه للعدالة”. ورغم أن تشدق حميدتي بالديمقراطية كان مجلبًا لكثير من السخرية، فهو ذاته صنيعة الرئيس السابق عمر البشير ونظامه الإخواني، إلا أنها نقلت واقعا معبرّا عن حركة تحدث في المشهد السياسي السوداني الحالي.

انقلاب تشرين الأول\أكتوبر

في الخامس والعشرين من تشرين الأول\أكتوبر 2021 اُعتقل رئيس الوزراء المدني عبد الله حمدوك إلى جانب وزراء مدنيين آخرين في الحكومة، وهو ما كان انقلابا بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان قائد الجيش على الصيغة السياسية التي عُقدت بين التيار المدني والجيش، والتي عُرفت بمجلس السيادة الذي سيطر على حكم البلاد بعد الإطاحة بـ”البشير” ونظام حكمه وحظر حزب “المؤتمر الوطني” من العمل السياسي عام 2019.

منفردا بسلطات مجلس السيادة، سمح “البرهان” بعودة الكثير من حلفاء الرئيس البشير للعمل بالحياة المدنية والسياسية حيث كان تعليق عمل اللجنة -تفكيك نظام الإنقاذ- المشكّلة لتفكيك قبضتي النظام السابق وحزب “المؤتمر الوطني” على السلطة وإلغاء كل قراراتها، واحدا من أول قراراته التي اتخذها، حيث أفرج عن بعض من قيادات ومسؤولي نظام “البشير” السابقين وسمح لهم بالعودة للحياة المدنية من جديد.

 بينما كانت القوى المدنية في أعقاب الإنقلاب منشغلة بصناعة تسويات هشّة مع الجيش منذ الإنقلاب، عاد الإخوان إلى المشهد السياسي في البلاد من جديد في شكل العديد من الأحزاب والحركات السياسية. في حديثه “للحل نت” يرى حسن حافظ الباحث في شؤون الشرق الأوسط أن، “فلول نظام البشير لطالما كانوا داخل مؤسسات الدولة العميقة والجيش، وهم لم يختفوا من المشهد بشكل كامل أبدا، فبعد إنقلاب عام 2019م، حاولوا العودة إلى السياسة في غير مرة كان أبرزها تشكّل حزب الأصالة والتنمية، وتيار النهضة، كأذرع سياسية للجماعة في شكلها الجديد في حقبة ما بعد البشير”.

إعادة الإصطفاف

“التيار الإسلامي العريض” هو الصيغة التي تمخضت عنها تحالفات الجماعة الإسلامية “الإخوانية” وأذرعها السياسية في نيسان\أبريل 2022م، والتي عادت من خلاله لممارسة الحياة السياسية في عهد البرهان من جديد. في معرض حديثه “للحل نت” يرى الباحث في الحركات الإسلامية المسلحة أحمد سلطان أن “التيار الإسلامي العريض” هو نتيجة لوفاق  بقيادة مولانا سيف الدين أرباب قائد التنظيم المحلي للجماعة والتنظيم الدولي بقيادة عادل عبد الله وهو تحالف نشأ لمُجابهة قوى “الحرية والتغيير” التي تمثل القوى المدنية في المشهد السياسي في السودان،مستغلّا الخلافات والتباينات في “مجلس السيادة الإنتقالي” للسودان من أجل أن يتسلل مرة أخرى للحكم.

الاستقواء بالجماعة في وجه التيار المدني، هو ما قاد تحركات البرهان في إطار سعيه لتثبيت موقعه في السلطة، فبعد السماح لـ “التيار الإسلامي العريض” بأن يصطف ويتشكل، أطلقت السلطات السودانية سراح رئيس حزب “المؤتمر الوطني” بالإنابة إبراهيم غندور وقادة الصف الأول من الحزب، ودعت وزير الخارجية الأسبق علي كرتي للظهور من جديد بعد أن كان مختبئا، وسمحت له بالظهور على شاشات التليفزيون مرة أخرى كقناة “طيبة” المملوكة للإخواني عبد الحي يوسف، وحيث أن القناة تُبثّ من تركيا كان مثارا للشك أن تبعث مراسلها للخرطوم لإجراء حوارا تليفزيونيا بشكل آمن  مع “كرتي”  تلك الخطوة عدها مراقبون بمثابة إعلان التحالف جرى بليل بين الجماعة والجيش، كما ذكر موقع كيوبوست.

هو تحالف نشأ لمُجابهة قوى “الحرية والتغيير” التي تمثل القوى المدنية في المشهد السياسي في السودان،مستغلّا الخلافات والتباينات في “مجلس السيادة الإنتقالي” للسودان من أجل أن يتسلل مرة أخرى للحكم.

أحمد سلطان

في خط مواز لكل ذلك، حدث اتفاق كانون الأول 2022م الذي كان آخر التسويات بين الجيش والقوى المدنية، فذلك الإتفاق الذي أشعل الحرب في السودان فيما بعد، حين سيتهم “حميدتي” الفريق البرهان بأنه يُعطله بمساعدة حلفائه من الجماعة “الإخوانية” والإسلام السياسي. كان قد وُقّع ذلك الإتفاق بين الفريق البرهان والفريق “حميدتي” الرجل الثاني في السلطة آنذاك من طرف والقوى المدنية من طرف آخر بحضور مبعوث الأمم المتحدة بغرض تمهيد طريق انتقال السلطة من أيدي الجيش إلى أيدي المدنيين.

مكاسب سياسية في بحر الدم

في الخامس عشر من نيسان\أبريل 2023م أعلن “حميدتي” قائد قوات “الدعم السريع” تمرده على البرهان قائد الجيش، ليشعل حربا لم يتمناها أحدا، ولكنها ستفيد جماعة “الإخوان” كثيرا في مسارهم للعودة إلى المشهد السياسي من جديد.

تلك الحرب كان دعمها هو الخيار الوحيد للجماعة، فكما يرى أحمد سلطان، “البديل بالنسبة لها سيكون سيطرة القوى المعادية لها على المشهد، وتلك السيطرة ستُمكّن من استئصال الجماعة من المشهد السياسي مرة أخرى، بينما الانتصار فيها يعني أنها ستكون جزءا من أي ترتيبات مستقبلية حول السلطة في البلاد”.

وبالفعل، منذ الطلقة الأولى أعلنت جماعة “الإخوان” أنها تدعم الجيش بقيادة الفريق البرهان لما في ذلك من دعم الاستقرار والمؤسسات الوطنية ودعم لسلاسة عملية انتقال السلطة. الباحث في شؤون “الشرق الأوسط” حسن حافظ يرى أن لذلك الدعم تمظهرات أخرى في ميدان القتال حيث يقول، “يُزكي الإخوان نيران الحرب من خلال عدد كبير من الميليشيات العسكرية بحجة دعم الجيش لكنها تعمل للإخوان بشكل صريح، فقوات كيان الوطن يقودها ضابط إخواني سابق هو الصوارمي خالد سعد، بالإضافة إلى ميليشيا درع الشمال  وميليشيا درع الوطن وغيرها من الميليشيات التي تأسست مؤخرا بحجة دعم الجيش وهي إخوانية الجوهر، وإن لم يكن الإخوان هم السبب الوحيد في إشعال الحرب، ولكن لا شك في كونهم المستفيد الأكبر منها”.

وإن لم يكن الإخوان هم السبب الوحيد في إشعال الحرب، ولكن لا شك في كونهم المستفيد الأكبر منها

حسن حافظ

“في كل الحالات، يمكن للإخوان الخروج منتصرين من تلك الحرب” يضيف حافظ “للحل نت” فتلك الحرب وتبعاتها منُهكة بالنسبة لطرفي النزاع، ويستكمل كلامه قائلا، “حتى لو انتصر البرهان في معركته، سيخرج خاسرا لطبيعة تكوين الجيش الموجود حاليا والمخترق من جماعة الإخوان، فبعد إنهائه لتمرد حميدتي سيواجه الكثير من الانقلابات داخل الجيش من قيادات الإخوان الذين دعموه أثناء حربه، ومؤسسات الدولة العميقة من فلول نظام البشير التي ستتعاون معهم، وهي الخطة الأساسية التي يتحرك وفقا لها تنظيم الإخوان على الأرض، فالاستيلاء على الحكم بواسطة الإنقلابات السياسية والعسكرية كان دوما طريقهم المفضل في السودان، بالتحالف مع أذرعهم السياسية”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات