بعد طرح “حكومة الإنقاذ السورية” الجناح السياسي لـ”هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً)، بطرح مشروع “قانون الآداب العامة” بشكل غير رسمي، والذي تضمن إنشاء “شرطة الآداب العامة” ومن ثم فرض عدة أنماط من الحياة بحيث يتم فيها تقييد الحريات الشخصية للمدنيين، بل التضييق وتشديد الخناق على مفاصل الحياة العامة هناك، أفادت حسابات محلية على مواقع التواصل الاجتماعي بأن “الجهات المختصة” في مدينة الدانا التابعة لمحافظة إدلب شمال غربي سوريا، أغلقت كافيه يحمل اسم (كيوي) بسبب “مخالفات شرعية”.
ولفتت تلك الحسابات إلى أن شرطة مدينة الدانا أغلقت كافيه (كيوي) الواقع في مول الحمرا، بعد أيام قليلة من افتتاحه في 18 تموز/ يوليو 2024، فيما لم تنشر الحسابات التابعة لـ”حكومة الإنقاذ السورية” أي تصريح بهذا الخصوص.
إغلاق مقهى في إدلب
وبحسب بعض الحسابات النشطة في الشمال السوري، فإن القرار جاء نتيجة لتجاوزات في “الآداب العامة” ومخالفات شرعية، من بينها “الاختلاط وتقديم الأراكيل”.
وأردفت أن المقهى، الذي يملكه عمر شيخاني، تلقى تحذيرات سابقة بشأن بث الأغاني وتقديم الأراكيل، إلا أن تلك “الممارسات” استمرت رغم التنبيهات، موضحة أنه تم مصادرة عدة أراكيل من الكافيه بعد تلقي بلاغات عديدة عن تقديمها للزبائن وعدم اتخاذ تدابير وقائية لمنع الاختلاط.
المثير أن قرار الإغلاق هذا أثار فرحة بعض سكان مناطق إدلب على مواقع التواصل الاجتماعي، فكتب أحدهم: “إن شاء الله ألف مبروك.. تم إغلاق كافيه “كيوي” في الدانا (مول الحمرا) مع مصادرة الأراكيل وتم تنظيم الضبط اللازم. قيادة شرطة المنطقة الشمالية”.
فيما كتبت إحداهن: “إن شاء الله ألف مبروك.. تم إغلاق كافيه “كيوي” في الدانا (مول الحمرا).. بلد معروف بتقييدو الإسلامي والحفاظ على المبادئ والأخلاق والاحتشام يصير في هيك شي منافي لديننا شو بشع منظر كافيه بلد معروف بكل مكان انو حاكمها قيادة إسلامية متشددة بالإحتشام يصير هيك منظر..”، إذ اعتبرت أن تقديم الأركيلة والاختلاط بين الجنسين في مكان واحد يتنافى مع قيم وعادات مجتمعها.
هذا وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي في وقت سابق، تسجيلاً مصوراً من داخل كافي “كيوي” ويسمع فيه صوت أغاني، وهو ما ولّد موجة من الانتقادات وحالة من الاستياء بين بعض سكان المنطقة هناك.
وقال أحد الرواد على هذه التسجيلات قائلاً: “مقطع مصور البارحة من مقهى كيوي في إدلب يظهر استمرار انتشار المنكرات فيه وبشكل علني”.
إجراءات مشابهة لـ”طالبان”
رغم التحولات المرحلية التي أجرتها “هيئة تحرير الشام” بقيادة أبو محمد الجولاني، خلال الفترة الماضية، بهدف إزالة الشبهات وصبغة “الإرهاب” عنها، إلا أن قرارات “حكومة الإنقاذ”، يشي بخلاف ذلك. بل يُظهر حجم التناقضات ما بين أقوالها وأفعالها، مما يكشف مناورة مشبوهة في سياساتها، كما يفضح حقيقة مساعيها ومحاولاتها السيطرة على كافة جوانب ومظاهر الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المناطق التي تسيطر عليها بشمال غربي سوريا، من خلال اتّباع عدّة استراتيجيات ووسائل.
ولعل آخر تلك المحاولات، هو طرح مشروع “قانون الآداب العامة” وتنفيذه على أرض الواقع وهو ما يمكن وصفه بمحاولة “دعشنة” المجتمع في إدلب، نظراً لدرجة التشابه بين قواعد هذا القانون المطروح وقواعد جهاز “الحسبة” الذي كان يديره تنظيم “داعش” الإرهابي، فضلاً عن عدم اختلافها عن قرارات وسياسة حركة “طالبان” الأفغانية بعد سيطرتها على أفغانستان.
ففي أيار/ مايو الماضي، أغلقت “حكومة الإنقاذ السورية” التابعة للتنظيم الإسلاموي في إدلب، مركز تجميل في مدينة إدلب بسبب مخالفته “الشروط الشرعية”.
وجاء ذلك في بيان حمل توقيع “وزارة الصحة” التابعة لـ”حكومة الإنقاذ”، طلب فيه إيقاف العمل بالمركز إلى حين “إزالة المخالفات الشرعية والحصول على ترخيص من وزارة الصحة وإزالة اللافتة الموجودة على الجدار الجانبي للبناء بشكل مباشر”.
وكان المركز (سمايل هاوس للتجميل) تعرض قبيل الإغلاق لانتقادات شديدة، بعد نشره إعلاناً لإزالة الشعر الزائد من الوجه للرجال.
كذلك، تعرض المركز لانتقادات حادة بعد إتاحته عدداً من عمليات التجميل الخاصة بالنساء إذ اعتبرت “تغييراً في الخلق” ومنها عمليات: (شد الوجه، تكبير الأرداف وشدها).
وخلال آب/ أغسطس 2023، أصدرت وزارة التعليم التابعة لـ”حكومة الإنقاذ”، قراراً يُفرض فيه لباس محدد على النساء والفتيات اللواتي يعملن أو يدرّسن في المؤسسات التعليمية، الموجودة في مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام”.
ونص القرار على التقيد والالتزام بما أسمته الوزارة “الضوابط الشرعية” في المؤسسات التعليمية، مثل إزالة الرسوم والصور من على الجدران في المدارس، كذلك فرض “اللباس الشرعي الفضفاض” على النساء والفتيات في المرحلتين الأساسي والثانوي، “وارتداء اللباس الشرعي الساتر الفضفاض من قِبل الإناث في الكوادر التدريسية”.
هذه القرارات أثارت جدلاً واسعاً بين السوريين، الذين اتهموا “تحرير الشام” بالتطرف ومحاولة التّخفي وراء ذراع مدني، فـ”حكومة الإنقاذ” كانت قد بدأت في سلسلة قرارات لفصل الذكور عن الإناث في وقت سابق، وبدأت بالجامعات في مناطق سيطرتها، حيث حددت أيام معينة لدوام الذكور، وأيام أخرى لدوام الفتيات فقط، وذلك في معظم الكليات والمعاهد في الجامعات، بينما اعتمدت في معاهد مختلفة افتتاح أقسام مخصصة للذكور وأخرى مخصصة للإناث.
قانون “شرطة الآداب” بإدلب
هذا وكانت قد اقترحت “حكومة الإنقاذ” مطلع العام الجاري مسودة بشكل غير رسمي مشروع “قانون الآداب العامة”، الذي يتضمن إنشاء “شرطة الآداب العامة” التي ستقوم بدوريات على مدار الساعة في المرافق العامة والشوارع والمؤسسات وغيرها من الأماكن، وفرض الحجاب على الفتيات فوق 12 عاماً، وحظر تشغيل الأغاني، ومنع اختلاط الرجال بالنساء في العمل.
وتداول الناشطون نسخة من القانون المقترح على مواقع التواصل الاجتماعي، وتم تسريب المسودة بشكل غير رسمي، وهو ما فسّره الناشطون على أنها خطوة من قِبل “الهيئة” لجس نبض الشارع قبل إقرار القانون.
وعرّفت وزارة الداخلية التابعة لـ”حكومة الإنقاذ”، القانون المقترح بـ”مجموعة القواعد والأحكام المتعلقة بالنظام الأخلاقي والسلوكي لأفراد المجتمع”.
وتنص المادة الثانية من المشروع على “الحفاظ على الآداب العامة والذوق العام، ويُقصد به منع المخالفات وكل ما هو مذمومٌ شرعاً وعرفاً، ما لم تنظمها قوانين أخرى”.
أما المادة السابعة من القانون، فتتولى “شرطة الآداب العامة” منع المخالفات العامة التي تظهر في المجال العام، وهي: “كل محرم قطعيّ لا يُختلف فيه، مشهور التحريم، وما استقرّت فتوى أهل العلم في البلد على تحريمه، واشتهر ذلك بين الناس، والمخالفات الاجتماعية الظاهرة، وما يمسّ الذوق العام، مما منعه القانون، ومما يصدر من الوزارة تعميمٌ بمنعه”.
أما المادة التاسعة، فتنصّ على عدم “سبُّ الله وأنبيائه ودينه، أو الاستهزاء والانتقاص من شعائر الإسلام ورموزه وعلمائه”، فيما تنصّ المادة العاشرة على منع “البيع وفتح المحال التجارية والمطاعم والأندية والمسابح والمقاهي والبسطات ونحو ذلك، بعد النداء الثاني يوم الجمعة وحتى انتهاء الصلاة”.
يبدو أن بنية القضاء ومؤسسات وتشريعات “هيئة تحرير الشام” عبارة عن مخلفات “جبهة النصرة”، كما ويحفل سجل “الهيئة” بجرائم حقوقية مروّعة مثل تقييد الحريات العامة واغتيال النشطاء، إضافة إلى قمع المتظاهرين السلميين ضدها، مؤخراً.
أما في المواد الأخرى، فيمنع فيها “تشبه أحد الجنسين من الرجال والنساء بما يختص به الآخر، ويمنع الوشم، وفرض الحجاب على النساء والفتيات اللاتي بلغت الـ 12 من العمر، ويُمنع شرب الخمر والمخدرات بأنواعها وصناعتها وحيازتها وبيعها أو اللعب بالقمار.
واللافت في القانون المقترح، هو منع الأغاني ومنع الرجال بالمباشرة في بيع الأشياء الخاصة بالنساء ويمنع دخول الرجال في الأماكن المخصصة للنساء، بجانب منع الاختلاط بين الرجال والنساء في العمل سواء بالقطاع العام أو الخاص إلا بإثبات أنهما من المَحَارم، كما ويمنع استخدام الأسماء المسيئة للقيم والأعراف المجتمعية، سواء في الأماكن العامة أو المحال التجارية أو المنتجات أو الخدمات الإعلامية.
في العموم، فإنه يبدو أن ما تقوم به “هيئة تحرير الشام”، ليست سوى رؤية تلفيقية نحو التغيير حيث إن البُنى والمظاهر الخارجية هي التي تتبدل مسمياتها لكن الأدوار والمضامين والاتجاهات تباشر تحقيق أغراضها، فالوجه المتشدد ينبعث بين سجون “الهيئة” التي تقمع خلف قضبانها ناشطين وتواصل أعمال قتل ولا تردّ الممتلكات التي جرت مصادرتها ومنها الكنائس، بل إن بنية القضاء ومؤسساته وتشريعاته هي مخلفات “جبهة النصرة” ويحفل سجل “الهيئة” بجرائم حقوقية مروّعة مثل تقييد الحريات العامة واغتيال النشطاء، إضافة إلى قمع المتظاهرين السلميين ضدها، مؤخراً.
- السماح باستيراد جميع أنواع السيارات.. ماذا عن الشروط الفنية؟
- شادي حلوة وحسين مرتضى.. حرب نارية مستعرة بين موالي نظام الأسد
- شبكات الاتصال السورية: كيف يمكن حمايتها من خطر الاختراق الإيراني؟
- الأمم المتحدة تدعو لعودة اللاجئين السوريين.. ووزير الخارجية السعودي في دمشق
- روسيا وإيران تبحثان مع تركيا التطورات في سوريا
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.