على الرغم من هزيمة تنظيم “داعش” الإرهابي في معركة الباغوز عام 2019، وإنهاء وجوده القسري في حدود امتدت من سوريا للعراق، وقد سيطر على مساحات شاسعة، بينما راكم فيها جرائم متوحشة، وتوقيف عناصره وقياداته، إلا أنه ما يزال يسعى للاستفادة من أي حادث محلي أو إقليمي، سياسي أو عسكري، لجهة انبعاثه من جديد، وتعويض خسائره التنظيمية بجذب أفراد ومقاتلين لصفوفه المسلحة والإرهابية.

لذا، هيمن التنظيم الإرهابي على متن الأخبار وتغطيات الإعلام ومراكز الأبحاث، مؤخراً، لا سيما مع اندلاع حرب غزة، والتي كانت المحطة الأبرز التي تفاعلت معها وسائط “داعش” المختلفة، ومنصاته الإعلامية، بهدف الاستفادة البراغماتية من الحدث لصناعة دور مؤثر.

وخلال الشهور الأخيرة، تصاعدت وتيرة هجماته في سوريا ولا سميا في البادية السورية، وهو ما يعني أن جيوبه والتي ما تزال تنشط وتقوم بتفريغ هذه “الذئاب المنفردة” التي لا تكفّ عن شنّ الهجمات المباغتة وتحقيق خسائر، تحتاج إلى تصفية، خاصة وأن لدى فلول “داعش” قدرة على التموضع الميداني من جديد، وهو مؤشر آخر على إمكانياته في التجنيد والاستفادة البيئية التي تشكّل له فرصة للانتشار أو إعادة تنظيم صفوفه.

ولذلك تقود الولايات المتحدة الأميركية “حملة خفية” ضد إعادة ترميم التنظيم الإرهابي نفسه في المناطق النائية في سوريا، مستغلاً حالة الانشغال الإقليمي والعالمي بحرب غزة وأخطار توسعها إلى حرب شاملة، إضافة إلى قضايا أخرى، بحسب صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية.

أميركا في مواجهة “داعش” سوريا

تقرير الصحيفة الأميركية استندت إلى مقابلات مع ضباط أميركيين وآخرين من “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) في شمال وشرق سوريا. ويضيف التقرير أن “القوات الخاصة الأميركية تسعى جاهدة لاحتواء عودة داعش”.

وأردفت صحيفة “وول ستريت جورنال”، أن “التنظيم يحشد قواته في صحراء البادية السورية، ويدرّب المجندين الشباب ليصبحوا مفجرين انتحاريين، ويوجه الهجمات على قوات التحالف ويستعد لإحياء حلمه في حكم الخلافة”.

بينما تقاتل الولايات المتحدة و”قسد” تنظيم “داعش” في سوريا، تنفذ تركيا، غارات جوية ضد سكان شمال شرقي سوريا- “صحيفة وول ستريت جورنال”

وطبقاً للصحيفة الأميركية، فقد ضاعف المقاتلون المتشددون وتيرة هجماتهم في سوريا والعراق هذا العام، باستهداف نقاط تفتيش أمنية، وتفجير سيارات مفخخة، والتخطيط لتحرير آلاف السجناء منذ استعادت “قسد” و”التحالف الدولي” بقيادة واشنطن آخر بلدة تحت سيطرة تنظيم “داعش.”

ولفت إلى أن الطائرات الأميركية تنفذ غارات جوية وتوفر مراقبة حية لقوات “قسد” خلال مداهمة خلايا التنظيم، وفي بعض الحالات تقوم قوات نخبة أميركية بمهام وحدها لقتل كبار قادة التنظيم الإرهابي أو أسرهم، وكل ذلك يجري في حملة لم يتم إعلانها بصورة كبيرة.

وبحسب ما نقلته الصحيفة عن الجنرال روهلات عفرين، القائدة المشاركة لـ”قوات سوريا الديمقراطية” قولها، فقد “كان هذا العام أسوأ عام منذ هزمنا الدولة الإسلامية”.

وأردفت الجنرال روهلات في مقابلة أجريت معها في قاعدة كوماندوز الأميركية في شمال شرق سوريا “بغض النظر عن مقدار ما تسحقهم، سيحاولون النهوض مرة أخرى”.

“153 هجوماً في سوريا والعراق”

في سياق تقرير الصحفية الأميركية، فإن التنظيم الإرهابي “يركز الجماعة كان على المنطقة التي كانت تسيطر عليها في السابق”، لكنها ذكرت في الوقت ذاته بالهجمات المتعددة التي نفذها “داعش” ومن بينها التفجيرات المزدوجة في كرمان بإيران والهجوم على حفل في موسكو.

وتمثل محاولة عودة تنظيم “داعش” الأخيرة تحدياً مختلفاً عن التحدي الذي فرضه في أوج قوته، عندما كان مئات المتشددين يندفعون عبر القرى المعزولة والمدن المزدحمة بالدبابات والشاحنات الصغيرة المحملة بالرشاشات. والآن تعمل المجموعة في خلايا أصغر مسلحة بالبنادق والفخاخ المتفجرة.

وأشارت الصحيفة إلى أن التنظيم يعاود مجدداً لاستعادة قواه، فتنفيذه 153 هجوماً في سوريا والعراق خلال أول 6 أشهر من هذا العام، وكذلك محاولته تجنيد أفراد جدد في صفوفه من خلال عملية سرية داخل معسكرات احتجاز زوجات مقاتلي التنظيم وأطفالهم، لا تلقى “الاستجابة” المثالية من قبل “التحالف الدولي”، وأرجعت ذلك إلى المفاوضات الدبلوماسية حول الدور الذي سيلعبه “التحالف الدولي” في المنطقة في الأشهر والسنوات المقبلة، وكذلك عامل الانتخابات الأميركية المقبلة.

وبحسب مسؤول دفاعي أميركي، رفض الكشف عن هويته، بأن “داعش” كان مسؤولاً عن تنفيذ 121 هجوماً في سوريا والعراق خلال العام الماضي. وتشير القيادة في بيانها إلى أن “الزيادة في الهجمات تشير إلى أن داعش يحاول إعادة تشكيل نفسه بعد عدة سنوات من انخفاض قدراته”، وفق بيان سابق للقيادة المركزية للجيش الأميركي.

ونقلت الصحيفة عن ضابط من القوات الخاصة الأميركية المتمركزة في سوريا قوله “ما نراه هو حركة الرجال والأسلحة والمعدات”.

ومن جانب آخر ثمة حرب غزة التي صعدت من هجمات الفصائل المسلحة المدعومة من إيران على القواعد الأميركية والتي -وفقاً للصحيفة- أجبرت واشنطن على تعزيز نصف مواقعها في سوريا وصرف الانتباه عن القتال ضد “داعش”.

بينما تقاتل الولايات المتحدة و”قوات سوريا الديمقراطية” تنظيم “داعش” في سوريا، تنفذ تركيا، غارات جوية ضد سكان شمال شرقي سوريا، لأنها ترى أن الأكراد الذين يسعون إلى الاستقلال “إرهابيون”.

وفي إحصائية نقلتها الصحيفة عن “قسد”، جرى أسر 233 مقاتلاً مشتبهاً بهم من “داعش” في 28 عملية في الأشهر السبعة الأولى من العام. ونفذت الطائرات الأميركية ثلاث ضربات على أهداف للتنظيم في سوريا، وواحدة في العراق، حتى الآن هذا العام. كما شنت الولايات المتحدة، التي لديها الآن 900 من أفراد الدفاع العسكري والمدني في سوريا و2500 في العراق أربع ضربات ضد تنظيم “داعش” طوال العام الماضي. وشاركت في نحو 50 غارة جوية أخرى نفذها سلاح الجو العراقي منذ بداية العام الماضي، وفقاً لبيانات “البنتاغون”.

مخاوف الانسحاب الأميركي

في مقابل ذلك، لفتت الصحيفة إلى مخاوف من أن أي انسحاب أميركي من سوريا أو العراق قد يؤدي إلى عودة نشاط التنظيم، مضيفة أن زعماء الشيعة في العراق المرتبطين بطهران يضغطون على القوات الأميركية لمغادرة البلاد، التي تشكل قاعدة لوجستية لعمليات “البنتاغون” في سوريا.

وانتهت المحادثات الأميركية العراقية في واشنطن الشهر الماضي دون قرار بالانسحاب، لكنها لا تزال تثير قلق حلفاء أميركا في المنطقة.

وضمن هذا الإطار، قال العميد علي الحسن، المتحدث باسم قوى الأمن الداخلي “الأسايش” للصحيفة الأميركية: “سنرى فوضى لم نشهدها من قبل. أي انسحاب من شأنه أن يسبّب تنشيطاً فورياً للخلايا النائمة”.

صورة لصحيفة “وول ستريت جورنال”

ويتذكر العميد علي الحسن، أن الرئيس السابق، دونالد ترامب أمر في عام 2018 بانسحاب جميع القوات الأميركية في سوريا والتي بلغ عددها آنذاك 2000 جندي. واحتج مسؤولون في وزارة الدفاع، وأقنع ترامب بترك ما يقرب من نصفهم في أماكنهم.

وبالتالي، فإن القرارات بشأن بقاء الولايات المتحدة في القتال من عدمه تصبح أكثر تعقيداً بسبب الصراعات المجنونة في سوريا، وفق الصحيفة الأميركية.

دمشق وطهران وموسكو وأنقرة ضد “قسد”

وبينما تقاتل الولايات المتحدة و”قوات سوريا الديمقراطية” تنظيم “داعش” في شمال وشرق سوريا، تنفذ تركيا، العضو في “حلف شمال الأطلسي”، غارات جوية ضد سكان شمال شرقي سوريا، لأنها ترى أن الأكراد الذين يسعون إلى الاستقلال “إرهابيون”.

وتساعد القوات الروسية الرئيس السوري بشار الأسد في قتال “قوات سوريا الديمقراطية”، وفي الوقت نفسه، تطلق الميلشيات المسلحة من قبل إيران طائرات بدون طيار محملة بالمتفجرات على القواعد الأميركية في المنطقة بشكل روتيني.

ففي كانون الثاني/ يناير الماضي، أدى هجوم على موقع أميركي في الأردن إلى مقتل ثلاثة أميركيين وإصابة العشرات. وفي وقت سابق من هذا الشهر، أطلقت ميليشيا مدعومة من إيران صواريخ على “قاعدة الأسد” الجوية العراقية، مما أدى إلى إصابة خمسة من أفراد الخدمة الأميركيين واثنين من المتعاقدين، وفقاً لمسؤولين عسكريين أميركيين.

وعلى مدى أشهر هذا العام، أجبرت الهجمات المدعومة من إيران القوات الأميركية على تعزيز مواقعها الستة في سوريا، مما أدى إلى تشتيت الانتباه عن القتال ضد “داعش”.

وفي حين لا يزال حوالي 9000 مقاتل من التنظيم في السجون في جميع أنحاء شمال شرق سوريا، قالت الصحيفة إن المجموعة لم تخف نيتها تحرير رفاقها حتى يتمكنوا من العودة إلى ساحة المعركة.

وأشارت إلى أنهم حاولوا مرتين هذا العام الهروب من السجون، في إحداها حاول انتحاري اختراق بوابة سجن الرقة بواسطة عربة ثلاثية العجلات مليئة بالمتفجرات.

إلى جانب ذلك، لفتت الصحيفة إلى عشرات الآلاف من عائلات التنظيم الذين يوجدون في مخيمات، من بينها مخيم “الهول”، قائلة إن التنظيم يحاول باستمرار تربية الأطفال على معتقداته، من أجل إيجاد جيل جديد من المقاتلين.

وقال العميد الحسن، المتحدث باسم قوى الأمن الداخلي، “الأسايش”، “لا أستطيع أن أتخيل ما قد يحدث إذا بدأوا بالفعل عملية هروب من السجن”؟

مخاطر “داعش”

يعيش نحو 43 ألف نازح سوري وعراقي وغيرهم في مخيمات في شمال شرق سوريا، بما في ذلك العديد من زوجات وأطفال مقاتلي تنظيم “داعش” المسجونين الذين تعتبرهم “قوات سوريا الديمقراطية” والولايات المتحدة مجندين محتملين للجيل القادم من المتشددين.

يظهر في كتاب التلوين الذي تم العثور عليه في مخيم “الهول” بشمال شرقي سوريا سترة انتحارية وقنبلة يدوية وبندقية- “تصور مايكل م. فيليبس لصحيفة وول ستريت جورنال”

ويرسم الأطفال في مخيم “الهول” صور قنابل يدوية وبنادق AK-47 وسترات انتحارية متفجرة في دفاتر التلوين. وقد حصل الجنود الأميركيون على صور لحفلات أعياد ميلاد أطفال ذات طابع تنظيم “داعش”، حيث تم تعليق علم المتشددين باللونين الأبيض والأسود على الحائط وسط البالونات.

وقالت الجنرال روهلات “إنهم يحاولون غسل أدمغتهم عندما يكونون أطفالاً، حتى عندما يكبروا يكونون على استعداد للقتل دون تردد”.

ويقول مسؤولون أمنيون إن تنظيم الدولة يهرب الصبية عندما يصلون إلى سن القتال من المعسكر للتدريب العسكري في الصحراء. وواجهت السلطات المحلية صعوبة في تحديد ما يجب فعله مع الأسر، التي غالباً ما لا تكون مطلوبة في بلدانها الأصلية ولكن تعتبر خطيرة للغاية بحيث لا يمكن إطلاق سراحها بين عامة الناس.

وقال ضابط القوات الخاصة الأميركية “لقد تحول الاهتمام إلى أماكن أخرى، لكن ليس الوقت المناسب الآن لتحويل أنظارنا عن شمال شرق سوريا”.

ثمة نقطة لافتة يتعين النظر لها إلى أن تنظيم “داعش”، ما يزال يملك عبر شبكاته قدرات تنظيمية في مرحلة الكمون عدداً من الأفراد والمقاتلين ممن يمكن تصنيفهم على أنهم “خلايا نائمة” وبمثابة “ذئاب منفردة” قد تخرج أنيابها في أي لحظة لإحداث هجوم مباغت، وقد أعلنت الأمم المتحدة مطلع العام أن التنظيم الإرهابي ما زال لديه “ما بين 3000 و5000 مقاتل” بين العراق وسوريا.

بالتالي، فإن الهجمات المتكررة لا تبدو صورة خارج الأنساق المعهودة للتنظيمات المسلحة والإرهابية التي تتعرض لهزيمة عسكرية تؤدي لتراجعها وتشتيت عناصرها، كما أن تحذيرات “قسد” ونداءاتها المتكررة لاستكمال مهام محاربة “داعش” تجعل العمليات الإرهابية متوقّعة، حيث إن التنظيم له خلايا ما تزال تعمل في الخفاء وبسرّية وتعتمد استراتيجية الكمون. بل إن عناصره المتشددة والإرهابية داخل المخيمات التي تسيطر عليها القوات الكُردية كما في مخيم “الهول” هم عبارة عن قنابل متفجرة وألغام بمقدورها وضع الأطراف كافة والقوى المحلية والدولية والإقليمية على الحافة. إذ إن الوضع المائل من دون حسم يجعل البيئة السياسية والأمنية قلقة ويجعل فرص الإرهاب الداعشي في تزايد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات