استقبل العالم اختيار يحيى السنوار رئيساً للمكتب السياسي العام لحركة “حماس” بين متفاجئ من القرار، وبين متوقعٍ له، وكذا أيضاً بين من يرى في هذا القرار رداً رادعاً على مقتل هنية، وبين من يرى أنه رد وهن ضعيف غير ذي معنى، ويرى فيه رد العاجز. خاصة أن السنوار كان يعمل سابقاً كرئيس للمكتب السياسي لـ”حماس” في قطاع غزة، وكان المسؤول الأول عن عملية “طوفان الأقصى”.

وربما يعطي قيادة السنوار لعملية “طوفان الأقصى” اختياره رئيساً لـ”حماس” سمة حماسية وانتقامية، ليرى فيه الجموع اختيار نحو تصعيد الحرب، حيث يمثل اختيار السنوار قراراً باستمرار الحرب وغياب المفاوضات، لأنه إذا كانت هناك رغبة في التفاوض فعلى إسرائيل أن تتفاوض مع رجل تحت الأرض، وهو أمر غير مطروح. أو أنه يعني أن “حماس” عاجزة عن الرد في الميدان وتلجأ لهذا الرد الحماسي الفارغ من أي مضمون.

اختيار السنوار وتطور مسار الحرب

يرى البعض في اختيار السنوار رئيساً لـ”حماس” تطوراً لمسار الحرب في قطاع غزة، وينتظر من الحركة الإسلاموية شن هجمات وعمليات عسكرية وانتصارات غير مسبوقة، وهذا ما هدفت إليه “حماس” باختيار السنوار، ومع الحملة الدعائية التي تعمل عليها. بيد أن الواقع مختلف تماماً عما يتم الترويج له، فإذا كانت “حماس” قادرة على الرد على مثل هذه الردود والضربات الإسرائيلية وتنظيم العمليات العسكرية، فإنها لن تتردد في ذلك، والسنوار لم ينضم إلى “حماس” كعضو جديد، فهو عضو قديم وهو الذي يقود الجناح العسكري تقريباً، والعقل المدبر لعملية “طوفان الأقصى”، وهو ليس قادراً على أكثر من الوضع الحالي.

إذا كان اختيار السنوار على رأس “حماس” لا يمثل أي شيء أو تطور لعملية الحرب، فإنه يعبر عن حالة العناد الحمساوي- “رويترز”

وعن اختيار “حماس” للسنوار، صرح الباحث في شؤون الجماعات الجهادية طارق أبو السعد لموقع “الحل نت” قائلاً: اختيار السنوار رئيساً للمكتب السياسي لـ”حماس”، هو خيار إجباري فرضته أحداث 7 أكتوبر. ومن ثم اغتيال إسماعيل هنية. فهو أولاً، اختيار وليس انتخاب، أي أن السنوار كان حلاً لاستكمال المغامرة، وليس انتخاباً تعبر عن تطلعات “حماس”، أو جناحها “كتائب القسام”، إضافة إلى أنه كان المسيطر الفعلي، سواء ميدانياً في غزة، وعلى حركة “حماس” أو حتى جناحها العسكري، “كتائب القسام” وذلك منذ المغادرة الواعية لهنية من القطاع والعديد من القادة الميدانيين من غزة.

ويتفق أبو السعد مع العديد من الباحثين والمتخصصين في الشؤون السياسية والجماعات الجهادية بقوله إن السنوار هو المسيطر الفعلي على “حماس”. ولم يكن المكتب السياسي العام للحركة، بقيادة هنية، سوى أداة سياسية مكنت السنوار من التفاوض في حال عجزه من الجلوس على طاولة المفاوضات. والقرار لم يأتي بشيء جديد، لكنه أقر بالأمر الواقع وأعطاه شرعية صورية، ولكن على المستوى الفعلي لم يقدم أي شيء.

وأكد أبو السعد في حديثه لـ”الحل نت” أن اختيار السنوار لن يزيد أزمة القطاع أكثر مما هو مأزوم، لكنه في الوقت ذاته لن يقدم حلاً لها. وفي العموم لا يمكن القول إنه سيكون هناك احتدام في الصراع خلال الفترة القادمة، ذلك أن الصراع بالفعل متفاقم بالقطاع، ولا يمكن القول أيضاً إن ثمة تساهلاً في المفاوضات لأن السنوار صاحب الحلول الصفرية ولن يتراجع عن موقفه المتشددة، بحيث يتيح للمفاوضات التقدم وإبراز شخصيات المفاوضين كـ”أبطال” وسحب البساط من تحت قدميه، وفق ما يحلله أبو السعد.

وفي واقع الأمر، فإن تطور مسار الحرب لا يمكن أن يكون أكثر مما هو عليه، حيث يعيش قطاع غزة الآن أكبر الكوارث الإنسانية في القرن الحادي والعشرين، من حرب ومجاعة وأمراض وأزمات أخرى تجتاح القطاع.

اختيار السنوار والعناد الحمساوي

وإذا كان اختيار السنوار على رأس “حماس” لا يمثل أي شيء أو تطور لعملية الحرب، فإنه يعبر عن حالة العناد الحمساوي التي تحاول من خلالها رسم نوع من أنواع “النصر المبهم”، ولكنه حسب ما يذكر أبو السعد قد يُهلك أهل القطاع ولن يلق بالسلاح. والحقيقة أن المدنيين لم يكونوا في حسبة “حماس” منذ البداية، وهذا ما ظهر جلياً في تصريح عضو “حماس” موسى أبو مرزوق، حيث قال “إنهم ليسوا مسؤولين عن المدنيين في قطاع غزة، وحماس لا تتحمل مسؤولية الدمار الذي حدث في القطاع ولا أعداد القتلى والجرحى”. وهنا أثبتت “حماس” فشلها في إدارة قطاع غزة.  

وهذا العناد من جانب حماس، بطبيعة الحال، صنع عناداً مماثلاً، ويظهر ذلك في تصريح وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس حول قرار “حماس”، والذي نشرته صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية، حيث قال: إن تعيين “السنوار على رأس حماس خلفاً لإسماعيل هنية، هو سبب إضافي لتصفيته سريعاً ومحو هذه المنظمة من الخارطة”.

الوضع الذي وصلت إليه الحرب الآن يعكس فشل السنوار في تحديد مدى الرد الإسرائيلي وكيفية تلقيه والحد منه، كما يضع إسرائيل و”حماس” في حالة من الحرج العالمي مع مقتل الأطفال والأبرياء.

وهذا ما يعقد عملية التفاوض ويجعل إسرائيل تصر على محو حركة “حماس”، وهو مطلبها الرئيس منذ اندلاع الحرب، وبالتالي يكون المدنيين ضحية استمرار هذه الحرب. ولعل اختيار السنوار هو تعبير عن حالة اليأس الحمساوية من نجاح المفاوضات ووقف هذه الحرب التي راح ضحيتها أرواح الآلاف من الأطفال والمدنيين.

اختيار السنوار وخسارة “حماس” بالحرب

ثمة من يرى في اختيار يحيى السنوار قائداً لـ”حماس” تعبيراً عن فشل الحركة في إدارة قطاع غزة، وتحمل تبعات الرد الإسرائيلي على عملية “طوفان الأقصى”، أو وجود ردود عسكرية موازية لعمليات التدمير التي نالت من القطاع والمدنيين هناك. وذلك من خلال تحمّل السنوار المسؤولية الكاملة من ناحية، ومن ناحية أخرى تقديم اختيار السنوار بوصفه “انتصاراً” في هذه الحرب، وهو ما يعمل عليه الإعلام والمنصات التابعة لحركة “حماس”. 

وما يزيد من حقيقة هذه الفرضية، بحسب ما يقول طارق أبو السعد، هو أن الجناح الآخر لحركة “حماس”، المتمثل بخالد مشعل وموسى أبو مرزوق، لم يرغب في الدخول وتحمل فاتورة الحرب، بل تركوا للسنوار الثمل بالترويج الإعلامي له كـ”بطل”، ليواصل مغامرته، وبالتالي “ننتظر أن يستمر السنوار. ويواصل مغامرته بمزيد من الردود القاسية من إسرائيل ومزيد من القتلى الفلسطينيين”. وأضاف أبو السعد بعبارات واضحة أنه يرى أن السنوار لم يقدم للقضية الفلسطينية أفضلية أو دعاية أو إحياء، بل قدم مبرراً للطرف المقابل لتنفيذ خطته لتدمير غزة والعودة إلى نقطة الصفر وربما أقل من الصفر.

حجم الدمار الهائل في قطاع غزة-” أ ف ب”

والوضع الذي وصلت إليه الحرب الآن يعكس فشل السنوار في تحديد مدى الرد الإسرائيلي وكيفية تلقيه والحد منه، كما يضع إسرائيل و”حماس” في حالة من الحرج العالمي مع مقتل الأطفال والأبرياء، خاصة وأن إسرائيل ماضية في أهدافها العسكرية.

كل هذه الظروف تجعل من عملية اختيار السنوار لقيادة “حماس” إما تنصلاً من مسؤولية هذه الحرب وإلقائها بالكامل على السنوار، أو تقديم اختياره على أنه “انتصار” في هذه الحرب لأنه كان العقل المدبر لـ”طوفان الأقصى. ومن هنا فإن اختياره يعبر عن استمرار الحرب والهجوم المتواصل، أو كلا الاحتمالين، وهو الأرجح في ظل وجود حملات دعائية تقدم السنوار كـ”بطل” وأن اختياره يعتبر “نصر عسكري” ورد قوي على مقتل هنية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات