التعاون العسكري اللافت بين روسيا وإيران، ازداد ظهورا ووضوحاً خلال الفترة الأخيرة، وهو من الممكن أن يدفع لطرح سؤالٍ هام: هل من الممكن أن يؤدي هذا التعاون إلى “إنشاء قاعدة عسكرية إيرانية” في روسيا يكون هدفها هو تهديد الغرب؛ كنتاج لهذا التعاون المتطور.
لمعرفة إجابة السؤال من الضروري فهم السياق العام لطبيعة التعاون بين روسيا وإيران، والمؤشرات التي توحي بإمكانية تحقيق تلك الخطوة، فضلاً عن السياق الإقليمي والتحديات المرتبطة به.
زيارة مُخططة وتعاون عسكري
في 5 آب/أغسطس الجاري، وصل سيرغي شويغو، أمين مجلس الأمن الروسي، إلى طهران في ما وصفته وسائل الإعلام الروسية بـ “زيارة عمل مخططة”، الهدف منها هو إجراء محادثات مع كبار المسؤولين الإيرانيين، وهو ما أعتبر لافتا وذو مغزى، خاصة مع التوترات المتزايدة بين إيران وإسرائيل، حيث تأتي الزيارة في الوقت الذي تستعد فيه إيران وحلفاؤها الإقليميون تجهيز ردّهم على اغتيال إسرائيل لرئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية في طهران.
ويأتي هذا في الوقت الذي ذكرت فيه وسائل إعلام رسمية إيرانية أن الرئيس الجديد للبلاد مسعود بزشكيان أبلغ مبعوث زعيم “الكرملين” فلاديمير بوتين خلال زيارته لطهران، أن الأخيرة عازمة على توسيع العلاقات مع “شريكها الاستراتيجي روسيا”.
ليست فقط الزيارات المُعلنة هي التي تشير إلى أن شيئا أكبر يتحرك تحت السطح، فيما قال مصدران مخابراتيان أوروبيان لـ”رويترز”، إن عشرات الأفراد العسكريين الروس يتلقون التدريب في إيران على استخدام أنظمة الصواريخ الباليستية قريبة المدى (فتح-360)، وذلك بعد أن صدرت إيران طائرات بدون طيار من طراز “شاهد” إلى روسيا دعماً لصراع الأخيرة مع أوكرانيا، وأضافا أنهما يتوقعان تزويد إيران روسيا بمئات الأسلحة الموجّهة بالأقمار الصناعية قريبا من أجل حربها في أوكرانيا.
كما ذكرت ذكرت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، أن روسيا بدأت في تسليم أنظمة دفاع جوي ورادارات متقدمة إلى إيران بناءً على طلب طهران إلى “الكرملين”، وقد أكدت وسائل الإعلام الإيرانية المحلية طلب طهران، وأكد مسؤولان، أحدهما عضو في “الحرس الثوري” الإيراني، لصحيفة “نيويورك تايمز” أن عمليات التسليم هذه جارية. ووفقاً لهذه المصادر فمن المرجح أن تكون المعدات المعنية هي نظام الصواريخ الروسي المضاد للطائرات “إس-400″، الذي تصنعه شركة “ألماز-أنتي” الروسية.
هذه الخطوة قد تؤدي إلى الكشف عن نقاط ضعف وثغرات إضافية في الأنظمة الروسية المتقدمة، خاصة وأن إسرائيل أثبتت بالفعل قدرتها على استهداف الدفاعات الجوية الروسية في إيران، إن أي تسليم وشيك أو مستمر لمعدات عسكرية روسية متقدمة لإيران الآن قد يكون محفوفاً بالمخاطر بالنسبة لموسكو. فقد تعهدت إيران بمهاجمة إسرائيل رداً على اغتيال هنية في طهران، ومن المرجح أن يؤدي أي هجوم إيراني إلى ردّ فعل إسرائيلي وربما استهداف معدات عسكرية إيرانية متقدمة، بما في ذلك أنظمة روسية الصنع.
إن تسليم الأسلحة المتقدمة لإيران في خضم المواجهة مع إسرائيل قد يؤدي إلى نتائج سلبية مماثلة بالنسبة لروسيا إذا حدث تصعيد كبير. وربما لا يريد بوتين هذه النتيجة، على الأقل جزئيا لأنها قد تعيق إمداد جيشه بالطائرات بدون طيار وغيرها من المعدات الإيرانية.
في الوقت الذي ستحصل روسيا تحصل على صواريخ باليستية إيرانية، بالإضافة إلى الإمكانات المتاحة لتعميق العلاقات العسكرية والأمنية، هناك “ما قد تتعاون فيه روسيا وإيران في المجالين النووي والفضائي، حيث لإيران مصلحة كبيرة ولروسيا كفاءة كبيرة”، الأنباء السابقة جاءت بالتزامن مع انتشارٍ على وسائل التواصل الاجتماعي حول زيادة مزعومة في رحلات الشحن الروسية التي تهبط في إيران خلال الأيام الماضية.
تحديات التعاون العسكري
رغم تنامي التعاون العسكري إلا أن العلاقات بين إيران وروسيا عانت لفترة طويلة من انعدام الثقة المتبادلة، لكن يمكن رصد توسّعها واتخاذها منحىً جديداً، في أعقاب غزو موسكو لأوكرانيا في شباط/فبراير 2022، وقد تطورت الشراكة الثنائية بشكل خاص في المجال العسكري، وكذلك على اتفاق المصالح السياسية (كلاهما يريدان تهديد الغرب)، والاقتصادية (كلاهما يواجهان العقوبات)، فضلاً عن الخطط المتوافقة، حيث يسعى الجانبان إلى تطوير ممر النقل الدولي من الشمال إلى الجنوب (INSTC) حيث تسعى المبادرة إلى ربط الهند وروسيا عبر إيران.
وكما يبدو أن الجانبين لا يخفيان الحلف المشترك، بل يسعيان إلى إظهاره والترويج له، كنوع من أنواع الضغط السياسي غير المباشر على الغرب، ومن المتوقع أن روسيا وإيران يقتربان من توقيع “اتفاقية شاملة” لتعزيز التعاون العسكري”، والتي قال خبراء لموقع “بريكينج ديفينس”، إنها “ستضفي طابعا رسميا” على تعاونهما الدفاعي ضد المصالح الأمنية الغربية.
في عام 2001، وقّعت طهران وموسكو اتفاقا شاملا لمدة عشرين عاما، والآن اتفق الجانبان مرة أخرى على توقيع اتفاق جديد. وفي حين لم يتم الكشف عن الكثير من المعلومات حول ما قد يشمله الاتفاق، وإلى أي مدى سيربط بين البلدين الحليفين، فمن المتوقع أن يرى الاتفاق ضوء الشمس في “المستقبل القريب جدًا”.
دوافع روسيا
بعد الخطوات التي اتخذها الجانبان لتعزيز تعاونهما، هل من الممكن أن يؤدي هذا التعاون إلى خطوة جديدة وهو أن تسمح روسيا لإيران بتدشين قاعدة عسكرية لها على الحدود الأوروبية؟ هذا سيتوقف على ما ستحققه روسيا من تلك الخطوة.
روسيا التي تشعر بالخناق من قبل الولايات المتحدة والغرب في حربها على أوكرانيا، فهي ربما تفكر في الدفع بإيران لوضعها في الواجهة على الحدود الأوروبية، على اعتبار أن ما يربط بين روسيا وإيران هو شراكة كاملة.
الأساس الذي وراء فرضية بناء القاعدة العسكرية الإيرانية على الحدود الأوروبية هو العِداء للغرب وهو متوفر لدى الحليفين، الذين يشعرون باستياء من النظام الدولي الحالي المبني على القواعد والرغبة المشتركة في تحدّيه وإعادة تشكيله، وخاصة باعتبار الدولتين الأكثر خضوعاً للعقوبات في العالم، حيث تتشارك طهران وموسكو بشكل نشط في أنشطة للتحايل على العقوبات الغربية وإضعاف فعاليتها.
والأهم من ذلك، أن موسكو وطهران تعتقدان أن لديهما عدوّاً مشتركًا في واشنطن. وقد صرّح المسؤولون الروس مراراً وتكراراً بأن القوات الروسية تقاتل الولايات المتحدة في أوكرانيا، أما بالنسبة لإيران فإن شعار “الموت لأمريكا”! كان جزءًا من أيديولوجيتها الرسمية لعقود من الزمن. ووفقاً للمنطق الإيراني، فإن إسرائيل هي مجرد موقع استيطاني أميركي في الشرق الأوسط، بحسب معهد “كارنيجي”.
وكما يبدو أن إيران وروسيا تتفقان على عدد من الملفات، وغير المرجّح أن تعارض روسيا، بل من الأرجح أن تسهل، استمرار زحف إيران نحو الحصول على وضعية الحصول على الأسلحة النووية، ومن الممكن أيضا: أن تستخدم روسيا مقعدها في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لحماية إيران من المساءلة عن أفعالها المزعزعة للاستقرار وانتهاكاتها للقانون الدولي.
وحول أسباب اختيار إيران وليس الصين مثلاً و(هي حليف قريب أيضاً لروسيا)، فإن السبب يبدو واضحاً، فالأيديولوجية الصينية لا تريد فتح مواجهة مع الغرب بشكل مباشر، ومسألة تدشين قاعدة عسكرية صينية على حدود أوروبا ستكون بمثابة فتح بوابة نار على الصين دون داع، في الوقت الذي ترتبط فيه بكين مع الغرب بعلاقات اقتصادية كبيرة لا تريد المجازفة بخسارتها أو التأثير عليها، كما أن السياسة الصينية بشكل عام تعتمد فكرة التواجد الاقتصادي لتحقيق الأهداف والمساعي الصينية. وليس التواجد العسكري.
ورغم اعتبار “إيران” هي الشريك المثالي لروسيا لتحقيق تلك الخطوة، إلا أنه ليس مثالياً أيضاً لهذه الدرجة، مع افترض أن روسيا هي اللاعب المهيمن في العلاقات الثنائية مع إيران، وبالتالي يمكن الاعتماد عليها وتوجيهها ودفعها، كما يمكن أيضاً لجم تصرفاتها (إيران) المزعزعة للاستقرار وتعديلها.
من منظور آخر، فإنه بعد قرار أوكرانيا بنقل المعركة إلى الأراضي الروسية والسيطرة على حوالي 74 منطقة في روسيا، يبدو أن الاعتماد المتزايد لروسيا على إيران للحصول على الأسلحة وغيرها من أشكال الدعم غير كافٍ، وهو ما يرجح طلبها من طهران لتزويدها بالمقاتلين “المرتزقة” وهو ما يمكن أن توفره لها إيران التي تعرف كيف تقوم بتجنيد المتطرفين من دول عديدة.
الصفقة
بشكل عام، فإن الافتراض قد يكون مقبولاً بالنسبة لإيران، التي تريد تعزيز تواجدها خارج حدودها، ورغم إنها كانت تسعى لنشر ميليشياتها في الشرق الأوسط، فإن مسألة وجود قاعدة عسكرية تهدد الغرب هي تخدم بشكل ما أهدافها العسكرية والسياسية.
في السنوات الأخيرة، دأبت إيران على الكشف عن قواعد “سرية” تحت الأرض لانطلاق المقاتلات والصواريخ والطائرات المسيرة، في ظل تصاعد التوترات في المنطقة ومخاوف من أن تتحول الحرب الخفية الإيرانية-الإسرائيلية إلى “حرب كبرى”، بحسب ما ذكره معهد “واشنطن” لسياسة الشرق الأدنى.
خاصة مع تنامي فرص اندلاع حرب، وهو ليس مرتبطاً بمسألة الانتقام من مقتل هنية وحسب، ولكن بمدى تطور برنامج إيران النووي، فطالما ألمح المسؤولون الإسرائيليون أنه في حالة اقتراب إيران من حافة امتلاكها للأسلحة النووية، فإنهم سيهاجمون برنامجها النووي بالطائرات، كما فعلوا في العراق في عام 1981، وسوريا في 2007، وفي افتراضٍ كهذا فإن من مصلحة إيران أن يكون لها قاعدة عسكرية بالقرب من الغرب لتهديده حال بدأت الحرب.
أما روسيا، فلديها ما تقدمه لإيران لدفعها لتدشين تلك القاعدة، فعلى سبيل المثال من الممكن أن تقدم روسيا دعم لإيران في هجومها المرتقب على إسرائيل، لكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كان الموعد الدقيق لزيارة شويغو إلى إيران قد تم تحديده قبل مقتل هنية. ومع ذلك، قد يُنظر إلى مثل هذه الرحلة في المناخ الحالي إما على أنها دعم روسي لإيران في مواجهة إسرائيل، أو محاولة لإدارة التوترات بين إيران وإسرائيل.
ومن المرجّح أن روسيا ستقف إلى جانب إيران في الهجوم، استناداً على برودة العلاقات بين موسكو وتل أبيب في ضوء غزو روسيا لأوكرانيا وحرب إسرائيل على غزة، لكن في الوقت نفسه، فإنه يُعتقد أن روسيا سوف تفكر مرتين قبل أن تدعم طهران علناً وبقوة ضد تل أبيب، فلا يزال لدى تل أبيب وموسكو أسباب للحفاظ على تعاونهما وعلاقتهما، وهو ما يسمى بآلية منع الصراع في سوريا لحمايتهما. لقد منعت آلية منع الاشتباك القوات الإسرائيلية والروسية من الاشتباك في سوريا. وإذا ساعدت موسكو طهران، فقد يؤثر ذلك على الترتيبات الروسية مع تل أبيب، وهو ما لا تريد موسكو أن تؤثر عليه.
من جانبه، علّق الباحث في مركز “الحوار”، كميل البوشوكة، لـ”الحل نت” قائلاً: “الأمر لا يتعلق فقط بأوروبا، الاتفاق العسكري الأمني بين روسيا وإيران يستهدف 3 مناطق جغرافية، الأولى في أوروبا وهي بيلاروسيا، والثانية قاعدة حميميم في سوريا وهي من أجل تهديد القواعد العسكرية البريطانية وفرنسا وإسرائيل، والثالثة في كوبا من أجل تهديد الأمن القومي الأميركي”.
وعلى الأرجح بحسب البوشوكة، أن تكون القاعدة في بيلاروسيا هي التي تهدد أوروبا، ولكن هناك مخاوف أكبر من القاعدة العسكرية وهي أن تعلن إيران امتلاكها للسلاح النووي، وهو ما يعني تهديد مباشر لأوروبا والولايات المتحدة، أي ستصبح الصواريخ النووية على حدود أوروبا حال إنشاء هذه القاعدة.
يظل موضوع إنشاء القاعدة العسكرية مجرد افتراض قد يكون على الطاولة الروسية الإيرانية، وقد يكون مجرد خطوة مؤجلة. لكن كما يبدو أن هناك أسباب لمجرد التفكير فيه.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.