منذ أكثر من أسبوع، ومسلسل “الجنة والنار” هو الشغل الشاغل لدى الشارع العراقي، بعد أن تم بثه حديثا، لدرجة أن منصة “فيسبوك” تعج بالآراء من الوسط الفني والأدبي بالحديث عنه، فهل فعلا هو طفرة نوعية في الدراما العراقية كما يقول الغالبية من هذا الوسط، أم مسلسل عادي؟
قبل كل ذلك، سنتحدث عن المسلسل وحكايته وأبطاله، ثم نعرّج على الآراء التي طاولته، والتي هي في معظمها تبدو وكأنها “تلميعية مفرطة”، لدرجة هناك من يقول إنه لا مثيل له، ولكن بالطبع هناك آراء -على قلتها- تبدو واقعية ومتوازنة.
“الجنة والنار”: هل يمكن وصف الصراع بين البشر والشياطين بـ “الملحمة”؟
مسلسل “الجنة والنار”، جرى تصويره في ذي قار جنوبي العراق من قبل مؤسسة “بيت الدراما” بمشاركة 164 ممثلا، أبرزهم، علي عبد النبي وسنان العزاوي وأمير عبد الحسين وأمير أبو الهيل، وهم أبطال العمل، ومنتجه ستار الحربي، وهذا الأخير وصفه بـ “الملحمة”، وربما يأتي هذا الوصف؛ لأن الكاميرا خرجت إلى الشارع بعيدا عن تأثيث المكان وصناعة موجوداته، كما قالت الفنانة القديرة هديل كامل.
تصوير العمل تم في بيئة حقيقية من الأسواق والأحياء في ذي قار، مثل الشطرة والناصرية مركز المدينة، وسوق الشيوخ، وحكايته أنه مسلسل اجتماعي واقعي، يتناول الصراع بين البشر والشياطين، بين الخير والشر، كما يقول المنتج الحربي لشبكة “+964 عربي”، حيث يجسد العم فرج دور الشيطان وهو صاحب قدرات خيالية يعود إلى المنطقة بعد 7 أيام من وفاة أخيه الذي طرده قبل 20 عاما من ذي قار.
فرج والذي يجسد دوره الفنان سنان العزاوي، يعود محملا بالحقد والكراهية والانتقام، فتبدأ المأساة مع عائلة شقيقه التي تتعرض للترهيب والمطاردات والمشاجرات والقتل، ويبدأ ذلك من أول ليلة بعود فيها، إذ يشل ابن شقيقه عبر دس السم في فمه بطريقة غير تقليدية وغير مرئية، لتتطور الأحداث وتتشابك بشكل دراماتيكي فيما بعد.
يتكون مسلسل “الجنة والنار” من 22 حلقة، واستغرق تصويره 7 أشهر، وشارك فيه إضافة إلى الـ 164 ممثلا، مئات المجاميع من أبناء ذي قار، وهم من كانوا سببا في إبراز البيئة الحقيقية للمجتمع الجنوبي في العراق، واللافت أن أغلب الممثلين فيه هم وجوه جديدة، غالبيتهم من ذي قار، وغالبا لم يكن الأمر من عبث، إذ جاء اختيارهم، ليجسّدوا اللهجة الجنوبية بواقعيتها.
نقد الكُتّاب.. مديح مفرط بالتركيز على اللهجة الجنوبية!
الآن، ندخل إلى نقد العمل كما تناوله المختصون، وكانت غالبيتها “تلميعية جدا” للمسلسل بحسب نظرتي الشخصية، ومنها مثلا تدوينة الكاتب والروائي، أحمد سعداوي، الذي قال: “إنه عمل رائع وجديد، ومهم على أكثر من صعيد. أكثر ما أثار إعجابي هذا الخروج من مركزية الدراما في العاصمة (…) كنت دائماً بانتظار أن تخرج الدراما العراقية الى المدن المختلفة، فلدينا بيئات اجتماعية مختلفة”.
سعداوي لم يفوّت فرصة التفاخر بنفسه، بقوله إنه يفخر بشكل شخصي، بأن المسلسلَين اللذَين كتبهما للدراما العراقية “ضياع في حفر الباطن، ووادي السلام”، كانا خارج العاصمة، ثم عاد إلى المسلسل وقال: “هناك جرأة شبابية واضحة في هذا المسلسل، ورغبة بتجريب مساحات بصرية وأداء وحركة كاميرا مختلفة (…) هذه تحية وإشادة لصنّاع العمل”.
الكاتب فلاح الزيدي لم يختلف عن سعداوي في إشادته بالعمل، بقوله في تدوينة على فيسبوك: تخيّل عزيزي المشاهد أن هناك عشرات من المسلسلات الريفية التي مثلت واقع الجنوب ولهجاتهم وملبسهم ومسكنهم ومأكلهم وتبنتها قنوات فضائية مختلفة الولاءات والانتماءات، ولكن لا أذكر ممثلا جنوبيا واحدا (حلف بالعباس أو بالحسين أو بعلي) أثناء حديثه، نحن الجنوبيين متعلقين جدا بهذه الأسماء ولا يكاد حديث لنا يخلو من القسم بهذه الأسماء النورانية الطاهرة، مسلسل الجنة والنار هذا العمل البسيط والمتواضع أحرجهم جدا في هذه النقطة البسيطة والتي تسكن روح جوهرنا.. إي بالعباس.. لقد كانوا يضحكون علينا في بيت الطين وأمطار النار وغيرها وغيرها.
وعلى ذات سياق الزيدي، ذهب الكاتب خليل هادي، بتعليقه على العم: “شاهدت ثلاث حلقات من مسلسل الجنة والنار. ووجدت الممثلين يتحدثون بلغتنا، بلهجتنا، أعني لهجة أبناء الجنوب الحقيقية، وهو أمر كان يترفع عنه الممثل العراقي سابقا، الذي أعتقد أنه كان يتعمد تمرير مفردات بغدادية، في سياق جنوبي، في محاولة منه إلى التبرؤ من هذه الجغرافية، على الرغم من أن السياق الدرامي الذي يؤطّر المسلسل هو سياق ريفي جنوبي”.
بدوره أشاد المخرج العراقي وارث كويش في مقالة مطوّلة بعنوان “ذي قار ترحّب بكم.. حين يلتقي العراقي بنفسه على الشاشة، للمرة الأولى”، نأخذ منها خاتمتها بقوله: “ثلاث حلقات فقط كفيلة أن تقول لنا، نحن أمام هويّة دراميّة عراقيّة، نحن أمام هوية جديدة في الصناعة، مصطفى الركابي، منذ سنوات، دعا لهذه الصناعة ومنافسة القنوات التلفزيونية بالصناعة نفسها، بالحقيقة فقط، بتأسيس الهوية، الآن ينجح الركابي ومن معه، نحن أمام حركة فنية جديدة، حيث لا أحد من الممثلين سيقول ‘اقتلني’ في ذي قار ترحب بكم”.
نقد واقعي: يخذلنا الصوت وتأثر “زايد” بالدراما الإيرانية!
في سياق الحديث عن “الجنة والنار”، كانت هناك آراء -على ندرتها- منطقية، لم تنسف العمل ولم تلمّعه، بل تناولتع بكل تجرد، مسلّطة الضوء على إيجابياته وسلبياته، ومن أبرز تلك الآراء النقدية التي لاحظها “الحل نت”، ما قالته الفنانة العراقية هديل كامل، والكاتبة الروائية حوراء النداوي، فماذا قالتا؟
هديل بدأت بحديثها في تدوينة عبر “فيسبوك” بالإيجابيات. قائلة: “في تجربة عراقية انبثقت من مدينة الناصرية قام فريق عمل ذي قاري كما يبدو، تأليفا وإخراجا وممثلين بتقديم مسلسل ما نزال في حلقاته الأولى. مزاج فني جديد لم يألفه المشاهد العراقي، الزمن يسير وفق ما يتطلبه الانفعال الطبيعي للممثل ولا يتحدد بتوقيتات القالب الدرامي المعهود. الكاميرا تسجل مشهد الحياة بانسيابية عالية وبلا إيعازات. الأداء رائع لكافة الممثلين وأخص بالذكر الفنانتين زمن علي، وزهراء كالخان التلقائية المذهلة والإحساس المتقد، وكذلك باقي الفنانين أمير عبد الحسين وسنان العزاوي وجميع الذين ظهروا. ممثلون نراهم للمرة الأولى قدموا شخصياتهم بأداء عفوي مؤثر، شخصية الخال، أبو علي، زوجة أبو علي”.
ثم أردفت بتسجيل الملاحظات على المسلسل، بقولها: “يخذلنا الصوت كثيرا، وكنت أتمنى أن يكون هناك اهتمام كبير بالجانب التقني للصوت والإضاءة في بعض المشاهد، فكثير من الحوارات لم تصل واضحة بسبب رداءة التسجيل الصوتي (…) العمل لا يخلو من الإطالة في بعض المشاهد، كان يتطلب توقيتات أفضل في ابتداء المشهد أو الانتهاء به. بعض الزيادات في الحوار ضيّعت قيمة المعنى المقصود وأربكت المشاهد.. وإن كان المسلسل ينتمي للمدرسة التسجيلية، إلا أن المونتير والمخرج يكون لهم دور كبير في خلق إيقاع زمني مثالي”.
من جانبها، سجّلت حوراء النداوي انطباعها عبر تدوينة على جداريتها في “فيسبوك”، مبتدئة بذكر إيجابيات العمل، بالقول بلهجة عراقية: “مسلسل الجنة والنار، جميل وخطوة مهمة جدا، لكنه مو رائع ويجنن وماكو منه.. وأكيد مو أروع ما أنتجت الدراما العربية.. الخ من مديح شفته بآخر يومين، ولا هو سيء كليا، مثلما يحاول بعض صناع الدراما من المنافسين إنهم يوصفوه”.
وبيّنت الروائية العراقية: “رغم ذلك، المسلسل فنيا مو حلو. الصوت والإخراج والإضاءة وحركة الكاميرا مزعجين جدا. ممكن أفهم شنو أستفيد من ممثل نص الحلقة منطيني ظهره، ويحجي من دون ما أشوف تعابير وجهه؟! وبما إنه اعتبر نفسي متابعة جيدة للدراما والسينما الإيرانية، فواضح عندي التأثر ‘الزايد’ لصناع المسلسل بالدراما الإيرانية. بعض المشاهد والثيمات عموما كانت مكتوبة بطريقة فيها محاولة تقليد سيئة لبعض ما تعودنا عليه في الواقعية الإيرانية”.
الخلاصة بحسب النداوي: كل تجربة جديدة من نوعها في الدراما العراقية مهما كان شكلها، هي نوع من التجريب، لأن البلد لا توجد فيه صناعة حقيقية إلى الآن، وبالتالي، فهي تجربة مهمة وتحسب لصناعها مهما كانت ضعيفة في بداياتها. التوجه الجديد سيخلق منافسة وتحديا عند الآخرين، وسيخلق جمهورا متذوق وواعيا، يستقبل دراما مجتمعه من دون كيل مديح مبالغ فيه ولا ذم مبالغ فيه.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
تابعت الى غاية كتابة التعليق سبع حلقات ارى ان الدرما العراقية اليوم في تحول كامل لكل شي من حيث الموضوع وكتابة النص وحركة الكاميرا وصناعة جديدة من حيث الاضاءة واداء الرائع لمهندسي الصوت وايضا اداء الممثلين والبديهية في الحركة والاداء
استخدام اللهجة الجنوبية في اداء الممثلين عامل تحول ومهم للتحول في صناةع تلك الاحداث واعطاءها اكثر جدية والاجمل ان عامل البيئة اليوم نراه بدون اضافات لتجميل المشاهد المصنوعة باتقان وحرفية عالية .
اعتقد سنرى اعمال اخرى لمحافظات مناطق عديدة والابتعاد عن بغداد التي سيطرت على صناعة الدراما في كل السنوات الا في السنوات الخمس الاخيرة حيث شاهدنا بعض من المسلسلات انتجت بشكل غير كامل في المحافظات الشمالية والجنوبية وايضا البعض منها انتج في الاردن وسوريا.
وللحديث تتمة