منذ أكثر من عام ونصف، والعراق يشهد حملة اعتقالات غير مسبوقة، غالبا ما تطال النساء من الفاشينستات بنسبة كبيرة مقارنة بالرجال، وذلك تحت تهمة مكافحة المحتوى الهابط، والسؤال هو لماذا يتم التركيز على النساء والفلوغرات تحديدا في قضايا المحتوى الهابط؟
طبعا، موضوعة مكافحة المحتوى الهابط تم استحداثها من قبل وزارة الداخلية العراقية بقيادة المسؤول الكبير في الوزارة حينها اللواء سعد معن، قبل إبعاده عن الوزارة بعد اكتشاف تورطه في شبكة ابتزاز مع ضباط كبار تستهدف المؤسسة الأمنية.
تلقين رجال الدين بالتحريض على الفاشينستات
الهدف من المحتوى الهابط الذي أثار جدلا كبيرا في العراق، هو الحفاظ على الآداب العامة والذوق العام في البلاد، ومنع الانحلال الأخلاقي بحسب وزارة الداخلية، وهو ما حوبه بسخط شعبي كبير، على اعتبار أن ذلك ينتهك الحقوق والحريات العامة للأفراد التي كفلها الدستور العراقي.
كرّست الطبقة السياسية الحاكمة، لغة الكراهية تحت يافطة الدين ضد الفلوغرات بشتى الطرق، بداية من الجيوش الإلكترونية وليس انتهاء بتلقين بعض رجال الدين بالحديث عن الفلوغرات والفاشينستات والتحريض ضدهن في المجالس والمنابر والخطب الدينية، وجعلت منهن شياطين يهدّمن قيم المجتمع وأخلاقه ويتسبّبن بانحلاله، حتى وصل الأمر إلى شن حملة “مكافحة المحتوى الهابط”.
الغريب، أن تلك الحملة انطلت على الكثير من ناشطي وناشطات المجتمع المدني من المعنيين والمعنيات بالدفاع عن الحقوق والحريات الإنسانية، حتى أن بعض المتصدّرات للمجال الحقوقي، اشتركن بدراية أو غير دراية في التحريض ضد الفلوغرات، وأيّدن حملة حبسهن وأقمن ندوات استضفن بها مسؤولين من الداخلية لتسويق خطاب حملة “مكافحة المحتوى الهابط”، فيما بعضهن تحدّثن بعلانية في لقاءات متلفزة، بأن البلوغرات هدّمن ودمّرن المجتمع بلغة عنفيّة غير اعتيادية.
بدأت الحملة باعتقال الفاشينستا والفلوغر الراحلة “أم فهد” وحبسها 6 أشهر، -قتلت في نيسان/ أبريل الماضي على يد شخص مسلّخ يستقل دراجة نارية في زيونة شرقي بغداد- ثم لحقتها العديد من الفلوغرات لذات المصير، ومنهن عسل حسام وإيناس الخالدي، وغيرهن الكثيرات.
لكن بعد أن طرأت قضية اكتشاف شبكة الابتزاز داخل وزارة الداخلية في رمضان الماضي، خفت حدة الاعتقالات لفترة، قبل أن تعود مؤخرا بقوة، إذ جرى اعتقال آية الشمري ووردة العراقية ونتالي، وبالأمس اتُّخذت الإجراءات بحق سارة الماكيرا، التي تعد من بين أشهر الفاشينستات في العراق.
ما يجب ذكره هنا، أن “أم اللول“، وهي راقصة معروفة، وحدها قضية بحد ذاتها، فبعد أن اعتُقلت وحكم عليها بالحبس بتهمة “المحتوى الهابط”، تغيرت القضية فجأة إلى التجارة بالمخدرات الدولية وحُكم عليها بالسجن المؤبد مدى الحياة، ثم نقضت “محكمة التمييز” الحكم القضائي، وقررت إعادة محاكمتها، وهي إلى الآن في السجن، ولم يُعرف بعد متى تعاد محاكمتها!
أسباب التركيز على النساء: منظومة أبوية قائمة على الوصاية!
منذ تدشين الحملة، جرى اعتقال عشرات النساء، ومعظمهن من الفاشينستات والفلوغرات اللتي ذكرناهن أعلاه، فيما لم يتم اعتقال إلا عدد نادر من الرجال، 3 إلى 5 أشخاص كحد أقصى، ومن الممكن ذكرهم، وهم “كيمو، فارس صاكرهم، حسحس”، وهو ما يجعلنا نتساءل عن السبب في هذه الهوة في تطبيق الحملة بين الجنسين، وهل المحتوى الهابط معني بالنساء فقط أم ماذا؟
حول التركيز على النساء في حملة المحتوى الهابط، تقول الناشطة الحقوقية زهراء علي، إن هذا الأمر يعود إلى أننا نعيش في منظومة أبوية ذكورية قائمة على الوصاية على النساء، والمرأة هنا يتم اعتبارها بأنها هي من تمثّل أخلاقيات المجتمع، فوجَب تقييدها، ولهذا يتم التركيز على النساء لتغييبهن.
وتوضح علي في حديث مع “الحل نت”، أن التركيز على النساء غايته تخويفهن تدريجيا بتقنين استخدام مواقع التواصل الاجتماعي وعدم تصوير مقاطع وصور بأريحية وعفوية وتقييد حريتهن الشخصية، وبالتالي فإن الغرض، هو السيطرة على النساء وخاصة الفاشينستات، وإبعادهن عن الحيز العام، معبرة عن أسفها ممّا وصفته “قهر النساء” وتضييق حياتهن، تحت ذريعة الدين والأخلاق.
واقعيا، فإن حملة مكافحة المحتوى الهابط غير قانونية بالمطلق؛ لأنها بحسب خبراء في القانون، تتنافى مع الدستور العراقي أولا، ومع مادة مبادئ الديمقراطية التي كفلها الدستور ثانيا، ومع مادة حرية الرأي والتعبير ثالثا، ولا وجود لأي مادة قانونية صريحة يمكن الاستناد عليها لتنفيذ الحملة.
المادة القانونية التي استندت لها الجهات القضائية والحكومية هي المادة 402 من قانون العقوبات العراقي، وهي مادة شرعها النظام السابق، وقام بتعديلها مجلس قيادة الثورة المنحل عام 1989، من أجل استخدامها في “الحملة الإيمانية” حينها، وهي لا تحتوي على أي نص يخص المحتوى الإلكتروني بالإمكان الاستناد عليها.
أخيرا، التفاهة ليست جريمة مطلقا، ومحاربتها ليس بالتعسف، خصوصا وأنها حرية شخصية، فالتفاهة ثقافة في بعض الأحيان، وخيار مكافحتها قد يكون مجتمعيا وثقافيا عبر الوعي وإجراء فعاليات تحد من ذلك المحتوى، أما أن يتم اللجوء إلى التعسف والحبس، فذلك ينعكس سلبا على سمعة العراق دوليا، خصوصا وأنه من بين أوائل الدول الموقعة على المواثيق الأممية الخاصة ببنود الحقوق والحريات.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.