لم تتضح بعد معالم التقارب السوري التركي، الذي عاودت إرهاصاته بالظهور في نهاية حزيران/يونيو الفائت، بعدما دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الرئيس السوري بشار الأسد، إلى أنقرة، ليردّ الأسد بشروط، أبرزها “الانسحاب التركي من الأراضي السورية”، ليعود الأسد، في خطابه أمام “مجلس الشعب” الشهر الفائت، بتوضيح أن الانسحاب ليس شرطا للقاء.
هذا التوضيح، يشير في مضمونه إلى رغبة دمشق بالذهاب إلى التفاوض لإعادة العلاقات، مع عدم التنازل عن شروطها، وهذا على الأرجح كان بضغط من موسكو، التي وضعت ثقلها هذه المرة لإتمام التطبيع، على الرغم من أن التقارب يرتبط بالكثير من العوامل والتداخلات الدولية، إضافة إلى تقديم تنازلات من الطرف التركي.
اجتماع نهاية الشهر الحالي
يبدو أن المساعِ الروسية ستتكلل بالنجاح من خلال جمع الأطراف نهاية الشهر الحالي، إذ رجحت التسريبات أن يتم عقد اجتماع رباعي يضم سوريا وتركيا وروسيا، إضافة إلى إيران، بعد الانتهاء من تحديد جدول الأعمال والأخذ بمتطلبات دمشق، حيث تضع موسكو ثقلها لإنجاح التقارب، لما يحمله من إيجابيات لها.
وفي 31 من آب/أغسطس الماضي، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، التحضير لاجتماع جديد لإعادة العلاقات بين تركيا وسوريا، وأنه سيُعقد في وقت قريب جداً، بينما أوضح أن الحكومة السورية تعتقد أن الاستمرار في عملية إعادة العلاقات، يتطلب تحديد إجراءات انسحاب القوات التركية من سوريا، أما الأتراك فهم مستعدون لذلك، لكن لم يتم الاتفاق على معايير محددة حتى الآن.
الوزير الروسي أضاف أنه في العام الماضي، وبجهود كبيرة من وزارتي الخارجية والدفاع، “تمكنا من عقد اجتماعات بمشاركة كل من وزارتي الدفاع والخارجية والاستخبارات من أجل محاولة التفاوض على شروطٍ يمكن أن تؤدي إلى تطبيع العلاقات بين الجمهوريتين السورية والتركية”.
وأردف أن “ممثلين عن سوريا وتركيا وروسيا وإيران شاركوا في هذه الاجتماعات، والآن نقوم بالتحضير لاجتماع آخر. أنا متأكد من أنه سيحدث في المستقبل المنظور.
حديث لافروف سبقته تصريحات لوزير الدفاع التركي، يشار غولر، وصف خلالها تصريحات الرئيس السوري بشار الأسد في “مجلس الشعب”، بأنها إيجابية جداً، معتبرا أنه لا توجد مشكلة بين البلدين يصعب حلّها.
أربعة عناوين تركية
التصريحات التركية جاءت بعدما نقلت قناة “سي إن إن تركيا” في 29 من آب/أغسطس الماضي، عن مصادر في الخارجية، أن إعادة العلاقات التركية مع دمشق إلى ما كانت عليه قبل عام 2011، تتلخص بأربعة عناوين وتوقّعات رئيسة.
العنوان الأول، هو تطهير سوريا من “العناصر الإرهابية” حفاظا على سلامة أراضيها، والثاني قيام سوريا بتحقيق مصالحة وطنية حقيقة مع شعبها في إطار القرار الدولي 2254، والعودة إلى المفاوضات الدستورية، والتوصل إلى اتفاق مع المعارضة.
ويشمل التوقّع الثالث تهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين بشكل آمن وكريم، والرابع “ضمان استمرار تدفق المساعدات الإنسانية لمناطق سيطرة المعارضة دون انقطاع”.
لكن تركيا ما زالت تناور في الوقت بدل الضائع، إذ تخشى أن تفقد سيطرتها على المعارضة السورية، التي تحتضنها منذ سنوات، إضافة إلى تمرد الفصائل المدعومة من أنقرة في الشمال السوري، لذلك تطلق تصريحات مطمئنة أيضا خشية عدم التوصل لاتفاق في المستقبل القريب مع دمشق، في ظل عدم رغبة أنقرة الانسحاب من الأراضي السورية، لما تعتبره تهديدا لها بوجود الكُرد في شمال شرقي سوريا.
في حين أن دمشق لن تتنازل عن شرط الانسحاب التركي من الشمال السوري، إلا إذا جرى الاتفاق على وضع جدول زمني لذلك، إذ إن دمشق تسعى للسيطرة على كامل الأراضي السورية، الأمر الذي سيعزز موقف الأسد داخليا وخارجيا، خاصة أن سوريا تعايشت مع الوضع الراهن وليست في عجلة من أمرها.
دمشق غير متسرعة في عودة العلاقات، وفق المحلل السياسي الدكتور عامر السبايلة، على الرغم من أنه يمكن أن تكون هناك فائدة في بعض الأمور، لكن بالنسبة لسوريا، هناك نقاط يجب أن يُضمن تنفيذها، منها الانسحاب من الأراضي السورية والموقف التركي من المعارضة وماذا تستطيع تركيا أن تقدم لسوريا، لأن “في النهاية السوري تحمل كل هذه الضغوط وبالتالي هو غير معني بإنجاز أي صفقة من دون الحصول على مكتسبات.”
هناك كثير من المحددات صعب أن تقدمها الحكومة السورية بسهولة، خصوصا أن هناك ملفات داخلية بتركيا سيستفيد منها أردوغان، مثل عودة اللاجئين والمعارضة السورية والمعارضة التركية أيضا، وفق حديث السبايلة لـ “الحل نت”.
ما دور “أبو الزندين”؟
بالنسبة لأنقرة فإنها تسعى لافتتاح “معبر أبو الزندين” في مدينة الباب، رغم عدم قدرتها إلى الآن، على جزم فعل ذلك، بعد الرفض الشعبي لأهالي ريف حلب، الذي يراه البعض منهم يأتي لتخفيف الحصار على الحكومة السورية، بينما يذهب آخرون إلى أنه يصبّ في مصلحة تركيا باعتباره يعزز مسار التقارب.
صحيفة “الوطن” المحلية، اعتبرت أنه “بات على إدارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان البتّ في قرارها الخاص بمنفذ أبو الزندين، سواء بافتتاحه أو إغلاقه نهائيا”، مضيفة أن مصادر معارضة في مدينة الباب توقّعت أن تلتزم أنقرة بتعهداتها لموسكو بافتتاح المعبر خلال الشهر الجاري وقبل الاجتماع الرباعي المرتقب.
المصادر أشارت إلى أنه لم يعد بمقدور أنقرة اكتساب مزيد من الوقت والمماطلة، بغية تحسين شروط التفاوض خلال اللقاء الموعود، استجابة للمطلب الروسي، إذ أعربت، بحسب “الوطن”، عن قناعتها بأن قرار فتح المنفذ، جاء على خلفية طلب موسكو من أنقرة إبداء حسن نية تجاه دمشق للمُضي في ملف التقارب، للدخول في مفاوضات تفضي إلى حلحلة المواضيع الخلافية، وصولاً إلى إعادة العلاقات بينهما إلى سابق عهدها، ولذلك ينبغي على أنقرة الوفاء بتعهداتها، فيما يخص هذا الإجراء.
لهذا السبب، على الأرجح، عقدت أنقرة اجتماعا موسعا في الـ 3 من الشهر الحالي، في ولاية غازي عنتاب جنوبي تركيا، والذي جاء في ظل استمرار الاحتجاجات ضد افتتاح المعبر، حيث ضم الاجتماع إلى جانب ممثلين عن وزارة الخارجية وجهاز الاستخبارات التركية، كلا من “الائتلاف الوطني السوري والحكومة المؤقتة، وهيئة التفاوض، ومجلس القبائل والعشائر، وقادة من الجيش الوطني السوري”.
إذ طغى النقاش حول افتتاح “أبو الزندين” ما بين مؤيد ومعارض، بينما قال ممثل جهاز الاستخبارات التركية، في افتتاح الاجتماع، إن قرار إعادة تفعيله تجاري بحت، ولا علاقة له بأي ملف سياسي، وأنّ هذا القرار لن يُفرض على أحد، لكن “التخوّفات من إعادة إنعاش النظام اقتصاديّاً غير مبرّرة، فالتبادل التجاري لم يتوقّف في يوم من الأيام.”
ورقة المعارضة
وجود المعارضة السورية في تركيا، هي سلاح ذو حدين بالنسبة لأنقرة، إذ لن تخلو الاجتماعات مستقبلا من مناقشة وجودها في تركيا، وستكون أبرز محاور النقاش أيضا لوجود فصائل تتبع لتركيا في الشمال السوري، ناهيك عن احتضان أنقرة للمعارضة السياسية.
المحلل السياسي، الدكتور عامر السبايلة، يرى أنه يجب على تركيا أن تقدم تنازلات فيما يخصّ المعارضة، إذ لا يمكن عودة العلاقات مع سوريا والإبقاء على علاقات بهذا الصدد مع المعارضة، خصوصا فيما يتعلق بالدعم العسكري واحتضان بعض الفصائل.
“هذه ستكون بالنسبة لتركيا أحد النقاط المهمة، لكنها بحاجة إلى ترتيبات من قبل تركيا لأنه في النهاية بعض من هذه الفصائل كان هو فعليا أحد أذرع النفوذ التركي والذي أيضا كان يُستخدم في موضوع الأكراد”، وفق السبايلة.
في هذا السياق، توقع مصدر دبلوماسي عربي في تصريح لـصحيفة “الوطن” المحلية، رفض الكشف عن اسمه، أن تكون موسكو أنجزت بالفعل تحديد جدول أعمال اللقاء المرتقب والمتوقع أن يكون نهاية هذا الشهر.
ولخص المصدر أجندة جدول الأعمال بأنها “تتضمن بالضرورة الإشارة إلى تسمية من هم الإرهابيون، وتحديد آلية للتعاون بين دمشق وأنقرة لمكافحة الإرهاب، إضافة لتحديد جدول زمني لانسحاب القوات التركية المحتلة من الأراضي السورية، وذلك بعد إنجاز النقاط السابقة الخاصة بمكافحة الإرهاب لضمان أمن الحدود المشتركة.”
بناء على ذلك، فإن عملية التطبيع بين دمشق وأنقرة، يتخللها العديد من المصاعب التي ستواجه المساعِ الروسية، التي تسير على قدم وساق، من أجل الحصول على مكاسب سياسية مع تركيا، إضافة إلى تعزيز وجودها في الشرق الأوسط.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.