في الآونة الأخيرة، بات من الواضح أن الدين هو الشغل الشاغل في مصر، فما أن تتحدث شخصية ما عن أي مسألة دينية إلا وصارت تلك الشخصية التريند، والكل يهرع للدفاع عن الدين، ومهاجمة أي حديث حتى لو لم يحمل شيئا في طياته.
فوبيا الدين تنتشر بشكل لافت في هذه الأيام بعد أن قلّ وهجها في السنوات الماضية، ففي أقل من أسبوعين هوجمت 3 شخصيات فنية بعد تطرقها لمسائل دينية أو حساسة، وهن الفنانة إلهام شاهين والفنانة مروة عبد المنعم والمخرجة إيناس الدغيدي.
الإعلام ينقاد ضد الوسط الفني!
إيناس قالت خلال لقاء متلفز في برنامج “القرار” عبر قناة “الغد”: “عشت المساكنة مع جوزي قبل ما أتجوزه، قعدت 9 سنين بحبه، مش فاكرة عشت المساكنة كام سنة؛ لأن الموضوع من زمان”، لتجد نفسها وسط حفلة من الشتائم، والسب والوعيد.
الفنانة المصرية، مروة عبد المنعم، تحدثت عن موقفها من الحجاب، وقالت: “أنا بتكلم مع ربنا وبقرأ رسائله وبفهم هو بيقولي إيه، اللي بيني وبين ربنا مش بالحجاب، وأنا هدخل الجنة برحمة ربنا وبالصلاة، وفي القبر سيتم سؤالي عن الصلاة وليس الحجاب”، ليتسبب تصريحها بهجمة شرسة ضدها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
أما الفنانة إلهام شاهين، فتم تداول فيديو قديم لها يعود لأكثر من 20 عاما، تحدثت فيه عن أحد المخرجين وأنه كان يترك العمل في أوقات الصلاة، مما تسبب في تأخير التصوير في هذا العمل، وقالت: “الأولوية للشغل ثم الصلاة، خلّص شغلك وبعدين صلي، لكن لا تعطل الشغل من أجل الصلاة ”، ليتم إخراجها من الملّة في حملة تسقيط غير طبيعية.
حملات المدافعة عن الدين، اكتظت بها مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، وغالبيتها كانت من عامة الناس، لكن الغريب هو اشتراك شخصيات معروفة في مهاجمة من تحدّثن بالحجاب والمساكنة والصلاة، ودافعن بشدة عن “مبادئ الدين” بحسبهن، مثل الإعلاميتين ياسمين عز ومروة صبري، والمطربة حنان، والمستشار مرتضى منصور.
مرتضى منصور قال: “إيناس الدغيدي أول بني آدمة حجزت مكانا لها في النار”، أما المطربة حنان فقالت: “مفيش حاجة اسمها مساكنة. لو إنتِ عايزة تعملي حاجات من عندك إنتِ حرّة، لكن تحمّلي العواقب”.
الإعلامية مروة صبري أيضا هاجمت الدغيدي قائلة: “طالعة بتقولي أنا عشت المساكنة قدام الناس كلها، إذا بليتم فاستتروا. في حاجات مينفعش تتقال لأنها تودي في داهية”، فيما قالت الإعلامية المصرية، ياسمين عز: “إخوتي وأخواتي في الله، المساكنة حرام، والصلاة فريضة، والحجاب فرض، لا تعبثوا في الدين، كلمينا عن آخر أعمالك، عن أدوارك العظيمة، الدين مفهوش لعب”.
علاقة “الإخوان” بخلق فوبيا الدين
الأسباب وراء الهجوم الحاد ضد أي نقاش غير تقليدي يخص الدين عديدة، منها طبيعة المجتمع المصري المحافظ، فالمجتمعات المحافظة غالبا ما تكون متقوقعة تجاه رأيها ولا تتقبل أي فكرة تخرج عن المألوف لديها، لذلك دائما ما تلجأ للترهيب والتسقيط في محاولة لمنع أي شخصيات أخرى تتحدث بأي منحى فيه جانب ديني مستقبلا.
وبما أننا نعيش في عصر العولمة الرقمية، والعالم قرية صغيرة، فإن أسرع طريقة هي السوشيال ميديا يمكن استخدامها من قبل العامة ضد كل من يختلف معهم، وهذا ما يحدث بالضبط، خاصة وأن مصر أكبر دولة عربية مسلمة من حيث السكان، وبالتالي فإن انتشار السوشيال ميديا فيها له تأثيره الكبير جدا، وخصوصا بمثل هذه القضايا.
الترسبات الإخوانية لها تأثيرها أيضا، فمصر ما بعد 2011 والإطاحة بحسني مبارك لبست مصر ما قبل 2011. بحبوحة الحريات قُيّدت، خاصة في فترة حكم “الإخوان المسلمين” بقيادة محمد مرسي، التي شهدت سيطرة الأفكار الدينية وسطوتها على المجتمع، ولذا فإن تلك الترسبات لم تندثر بعد لدى العديد من المصريين.
“الإخوان” هم أيضا سبب في خلق فوبيا الدين مع كل تصريح من الوسط الفني يحوي على جانب نقدي أو ما شابه، والسبب ببساطة، أن “الإخوان” يريدون أن يبقوا في الواجهة، وبعد كل ما نالهم منذ نهاية حقبة مرسي وإلى اليوم، فإن فرصة البقاء بالواجهة تتم عبر اللعب على وتر الدين من خلال استغلال التصريحات الفنية التي تتناول الدين، لتجييش أكبر عدد من الجمهور معهم تحت يافطة الدفاع عن الله والإسلام، وهذا ما أشارت له إلهام شاهين علانية، حين قالت إن إعادة نشر الفيديو القديم حول حديثها عن الصلاة: “هي حملة إخوانية.. واضح إني تعباهم”.
أخيرا، السلطة الحاكمة تلعب دورها أيضا في خلق فوبيا الدين، فهي صحيح ليست مسؤولة عن أي لقاءات وتصريحات فنية تتناول الدين، إلا أنها في الوقت ذاته تُماهي الحملات التي تشن ضد الشخصيات الفنية؛ لمعرفتها بطبيعة المجتمع، لذا لا تريد أن تصطدم معه أولا، ولكي لا تمنح الفرصة لـ “الإخوان” باستغلال أي قضية، ولكن على حساب ماذا؟ على حساب انتشار الأفكار الدينية “المتطرفة”، وعبر تضييق الخناق على الوسط الفني وتقييد حرياته في التعبير.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.