الحرب التي اندلعت في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، في قطاع غزة، إثر الهجوم المباغت الذي شنته حركة “حماس” ضد إسرائيل، يبدو أن مفتاحها باتت في يدي العدوين اللدودين، بنيامين نتنياهو ويحيى السنوار، وعلى الرغم من عداء كل منهما ومحاولات القضاء على الآخر، إلا أن الظروف الكارثية منحتهم فرصة نادرة لتلتقي مصالحهم رغم كل شيء، وتتشابك أهدافهم لدرجة تثير الدهشة. والحقيقة أن الرجلين يتشابهان في بعض الصفات، مثل “العناد والقوة والذكاء”. وهذا ما جعل إيقاع الحرب في غزة أكثر صعوبة.

وبالتالي يثار تساؤل ملح هنا: هل شخصيتي نتنياهو والسنوار متشابهتان فعلا؟ وكيف ينظر كل منهم إلى الحرب في غزة؟ وإلى أي مدى يستفيدون من بعضهم البعض؟

مكانة نتنياهو والسنوار

من الصعب وضع مكانة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مقارنة مع رجل “حماس” الأول يحيى السنوار، لاختلاف طبيعة إسرائيل والقطاع، فالأول طالما انتخبه الإسرائيليون أم الثاني لا، ولكن إذا حكمنا عليهما كقائدان، فسنجد أن كلاهما يحظيان إما بدعم كبير من جمهورهما أو بمعارضة شديدة (كان هذا وضع السنوار قبل الحرب، في حين أصبح الجمهور الغزي أكثر معارضة له حاليا).

إذا كان اختيار السنوار على رأس “حماس” لا يمثل أي شيء أو تطور لعملية الحرب، فإنه يعبر عن حالة العناد الحمساوي- “رويترز”

سجل بنيامين نتنياهو رقما قياسيا في ترأس حكومات إسرائيلية لمدة تقارب خمسة عشر عاما وخاض خمس حروب في قطاع غزة من أصل سبع حروب شهدها القطاع منذ إعلان إسرائيل انسحابها منه في العام 2005، بينما يخوض حاليا الحرب الأطول زمنا ذات الخسارة البشرية الأكثر عددا والكلفة المالية والاقتصادية الأغلى في تاريخ إسرائيل، وفق تقارير إعلامية.

ورغم الاحتجاجات الإسرائيلية ضد نتنياهو والتي سبقت الحرب في غزة (بسبب الإصلاحات القضائية)، والاحتجاجات التي تلت الحرب (للضغط عليه لقبول صفقة وقف إطلاق النار وتحرير الرهائن)، ورغم الانقسامات بين أعضاء حكومته، والغضب الأميركي من تلك الحكومة اليمينية، لم تسقط حكومته وصمدت في الظروف الصعبة تلك بشكل يثير الإعجاب.

أما السنوار، الزعيم العسكري والعملياتي لحركة “حماس” في غزة، فقد أمضى 22 عاما في السجون الإسرائيلية، حيث تعلم العبرية ودرس المجتمع والثقافة الإسرائيلية. ويعتبره الإسرائيليون مهندس هجوم السابع من أكتوبر. صحيح أنه لا يتمتع بشرعية زعيم منتخب، لكنه مع ذلك يتمتع بالشرعية العامة لشخص يحمل مصير الأسرى الإسرائيليين بين يديه.

وبعد مقتل إسماعيل هنية في العاصمة طهران، وانتخاب السنوار خلفا له لرئاسة المكتب السياسي لحركة “حماس”، رأى معظم المراقبين في ذلك الانتخاب مفاجأة لنتنياهو، ووصفه البعض بأنه “صفعة” له ولحكومته، لكن هناك من رأى أيضا أن صعود السنوار يمثل فرصة سانحة لحكومة نتنياهو لكي تطالب حلفائها الدوليين بمزيد من الدعم من أجل القضاء على “حماس”، وفق تقرير لشبكة “بي بي سي“.

ومن حيث مكانتهما في العالم، فمن المعروف أن أميركا منحازة لإسرائيل، ولكن ليس لنتنياهو، كما أن الدول العربية منحازة للفلسطينيين، وليس للسنوار، وهنا تكمن المعضلة، فكلاهما يريدان الاستفادة من هذا الدعم بشكل شخصي لتحقيق مصالحهما السياسية، فنتنياهو يريد الدعم الغربي، والسنوار يريد الدعم العربي لخططه. 

“يفهمان بعضهما” 

من يتابع الحرب بدقة من عيون نتنياهو والسنوار، سيفهم أن العدوان اللدودان يفهمان بعضهما بشكل جيد جدا، فنتنياهو يفهم جيدا أن السنوار لا يهمه استمرار الحرب في غزة، ولا يهمه زيادة عدد القتلى في القطاع، وأن السنوار هو شخص “أيدولوجي” ينظر إلى الموت كغاية، وفخر، وأن فكرة وضع شعب القطاع كله في مواجهة إسرائيل لا تهزه، طالما إنه سيتسبب بضرر بالغ لإسرائيل.

لدى نتنياهو والسنوار قاسم مشترك (صدفة)، وهو أن كلاهما لديه أزمة مع السلطة الفلسطينية. السنوار ينظر إلى السلطة كمنافس ويريد استبعادها، في حين أن نتنياهو لم ينظر قط إلى السلطة كشريك حقيقي.

السنوار أيضا يفهم نتنياهو، لكنه كما يبدو لم يفهمه بنفس الدرجة، فالسنوار أعتقد أن نتنياهو سيخضع وبالتالي يوقف الحرب لتحرير الرهائن المحتجزين في القطاع، وأن الضغوط عليه من داخل إسرائيل والحكومة والأميركيين ستسقط حكومته، وتجعل إسرائيل في وضع أضعف، بما يجعلها تقبل الصفقة تاليا، لكن كما يبدو أن نتنياهو فاجئ السنوار بقدرته على الصمود واستمرار الحرب والضغط على الحركة، وإضعافها رغم ضغوط العالم عليه.

لكن ما يفهمه السنوار عن نتنياهو هو “رغبته في البقاء في الحكم”، وربما هذا هو خطأ نتنياهو، حيث رسم أهداف للحرب صعبة التحقق (تدمير حماس بشكل كامل ونقل حكم القطاع لجهة أخرى)، وهو ما لم يستطع نتنياهو تحقيقه حتى الآن، وأصبحت “صورة النصر” للحرب مرتبطة بتحقيق تلك الأهداف التي رسمها، والتي منحت السنوار فرصة حياته ليثبت أن نتنياهو لم ينتصر، وأن الحركة لا تزال تعمل على الأرض في القطاع (حتى لو بشكل أضعف من قبل).

كما أن السنوار يعرف جيدا، أن الحرب غير المتكافئة في المناطق المكتظة بالسكان تعني أن حملة واسعة النطاق، تفتقر إلى أهداف محددة بوضوح، سوف تتوقف في النهاية، وأن إسرائيل سوف تقع في مستنقع مستمر. والواقع أن هذا هو ما حدث، وفق تقرير لـ”جيروزالم بوست“.

بنيامين نتنياهو يلوح بيده خلال مؤتمر صحفي وسط الصراع المستمر في غزة بين إسرائيل و”حماس”، في تل أبيب- “أرشيفية/رويترز”

ولدى نتنياهو والسنوار قاسم مشترك (صدفة)، وهو أن كلاهما لديه أزمة مع السلطة الفلسطينية. السنوار ينظر إلى السلطة كمنافس ويريد استبعادها، في حين أن نتنياهو لم ينظر قط إلى السلطة كشريك حقيقي، ودائما ما مارس الضغوط عليها اقتصاديا وعمد إضعافها.

وتنعكس علاقة الثنائي بالسلطة أيضا على الحرب. إن رفض إسرائيل المستمر لقبول العودة النهائية للسلطة الفلسطينية “المتجددة”، أو تقديم أي بديل واقعي آخر، كان سببا في ضمان إحدى نتيجتين: إما بقاء “حماس” الضعيفة في السلطة مؤقتا، أو أن ينتهي الأمر بإسرائيل إلى المسؤولية عن أكثر من مليوني غزّي، وهو أمر لم يحلم به السنوار نفسه.

ورغم أن نتنياهو والسنوار يفهمان بعضهما البعض جيدا، إلا أنهما يواجهان مشكلة في توقع الآخر، فنتنياهو، رغم معرفته بأيدولوجية السنوار، لم يتوقع هجوم السابع من أكتوبر، وافترض أنه طالما أن الحركة تتلقى أموالا من الخارج، فلن يكون لديها أي دافع لبدء حرب، تماما كما لم يتوقع السنوار أن نتنياهو (المعروف عنه تردده في بدء الحروب) سيخوض مثل هذه الحرب الطويلة، ويقوم بمناورات برية، ويدخل رفح رغم انتقادات العالم، ويسيطر حاليا على معبر فيلادلفيا رغم الأزمة مع مصر.

كما أن السنوار استخف بالتضامن الإسرائيلي. ويبدو أنه كان يعتقد أن الأزمة المحيطة باقتراح الإصلاح القضائي من شأنها أن تترجم إلى شلل إسرائيلي أثناء الحرب، بما في ذلك عدم الرغبة في دعم هجوم بري طويل الأمد لغزة.

الغريمان ونهاية الحرب

الاتفاق الذي يرسي وقف إطلاق النار في غزة، ويعني عمليا نهاية الحرب، يحتاج توقيع العدوان بنيامين نتنياهو ويحيى السنوار، ولا يخفى على أحد مدى صعوبة التفاوض معهما، فلدى كل منهما موقف من الحرب وشكل نهايتها، فهم ينظرون إلى وقف الحرب باعتباره نقطة تحول ستحدد “إرثهما”.

رغم أن كلا الطرفين لديهما حوافز قوية لإنهاء الحرب، إلا أن طريقة إنهائها وشروط الاتفاق تعكس بشكل واضح من هو المنتصر منهما، كما أن قدرة كل منهما على الصمود لوقت أطول تعني عمليا دليلا على القوة وأن الآخر هو الذي يريد وقف الحرب أكثر.

نتنياهو في مأزق، بعد أن وعد بتحقيق “نصر كامل” على “حماس” وإعادة جميع الرهائن المحتجزين في غزة، وهي أهداف يعتقد كثيرون أنه من الصعب تحقيقها، فضلا عن تعرضه لضغوط هائلة من جانب عائلات الرهائن وجزء كبير من الجمهور الإسرائيلي لإبرام صفقة لتحريرهم، حتى ولو كان ذلك من شأنه أن يترك “حماس” المنهارة على حالها. كما تعمل الولايات المتحدة، على الدفع نحو مثل هذه الصفقة، وفق”أسوشيتد برس“.

فالورقة الوحيدة المتاحة أمام السنوار هي حوالي 110 رهينة ما زالوا محتجزين في غزة-“وكالات”

يعرف نتنياهو أنه حال قبول الصفقة، فإن شركاؤه في الحكومة سيعلنون إسقاطها (لأنهم يرفضون الصفقة وشروطها ويرون إنها تنازل)، وهذا من شأنه أن يفرض انتخابات مبكرة قد تدفع نتنياهو إلى ترك السلطة في وقت يواجه فيه محاكمة بتهمة الفساد، فضلا عن التحقيقات التي ستجرى حينها حول الفشل في السابع من أكتوبر، الذي قتل فيه مسلحون من “حماس” نحو 1200 شخص في جنوب إسرائيل، واختطفوا نحو 250 آخرين.

ولهذا لايريد نتنياهو وقف الحرب دون تحقيق شيء ما يبدو كنصر كبير مثل “اغتيال السنوار، أو إنقاذ المزيد من الرهائن” عبر عمليات خاصة للجيش الإسرائيلي، حتى يقوم بتسويقها للجمهور الإسرائيلي كـ”نصر يُحفظ في إرثه”.

أما السنوار والذي كما يبدو يريد إنهاء الحرب أكثر مما يريد نتنياهو، يرى أنه يستفيد أيضا من استمرار الحرب، فالنسبة للسنوار الذي لا يبالي إذا تدمر القطاع بالكامل، ولا بالمزيد من القتلى الفلسطينيين، فإن استمرار الحرب، هي عمليا فرصة لتدمير صورة إسرائيل الدولية، والإضرار بمكانتها في العالم.

أما عن أوراق المساومة، فالورقة الوحيدة المتاحة أمام السنوار هي حوالي 110 رهينة ما زالوا محتجزين في غزة، يعتقد أن حوالي ثلثهم قد لقوا حتفهم. وبالنسبة له، وقف إطلاق النار نهائيا مع ضمانات بعدم استئناف الحرب بمجرد إطلاق سراح بعض أو كل الرهائن هو ما يريده السنوار.

ولكن في الوقت نفسه، يفهم السنوار إنه رجل ميت يمشي على الأرض، وهو ما يجعله يستمر في العناد، حتى لا يحفظ في إرثه أنه خضع وقام بتحرير الرهائن، وهو يعلم أن إسرائيل ستعود إلى غزة لاحقا، وهو ما يعني عمليا خضوعه وهزيمة مدوية لـ”حماس”.

السنوار نفسه، الذي يتصدر قائمة المطلوبين لدى إسرائيل، ولكن نظرا لمركزية الاستشهاد في تاريخ “حماس” وأيديولوجيتها، فقد يشعر أن هذه النتيجة أفضل من صفقة تبدو وكأنها هزيمة.

في العموم، يبدو أنه لا يمكن إبرام صفقة بدون نتنياهو والسنوار، والاثنان ليس لديهم مصلحة شخصية في وقف الحرب، فكلاهما ينظران إلى “إرثهما التاريخي”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات