في ظل التطورات السياسية التي تحيط بدمشق وإعادة العلاقات مع دولٍ عربية مؤخرا، تسعى إيران بكل طاقتها إلى توقيع المزيد من الاتفاقيات مع سوريا، بهدف تثبيت وجودها والحفاظ على حصتها في إعادة الإعمار، ناهيك عن الهيمنة على الاقتصاد السوري، الأمر الذي يتيح لها الضغط والتدخل في القرار السياسي أيضا.

إضافة إلى ذلك، فإن إيران ترى أنه ليس هناك ضمانات لبقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة، في ظل تردي الأوضاع المعيشية في البلاد، والتي ربما تؤدي إلى حصول احتجاجات تهدد بقاء الأسد، ناهيك عن التوجه السوري للخليج العربي والاهتمام بإعادة الإعمار، في حين تراجع دورها مع ما يسمى “محور المقاومة”، بحسب صحف إيرانية.

 لذلك ينصب تركيزها على تثبيت نفسها من خلال الاتفاقيات، التي تتيح لها البقاء لأطول وقت ممكن، إذ جرى توقيع أكثر من 125 اتفاقية بين طهران ودمشق بعد عام 2011، كان آخرها اتفاقية “توأمة” للتعاون الاقتصادي في 5 من أيلول/سبتمبر الحالي، والتي شملت عدة قطاعات حيوية.

إلحاح إيراني

الاتفاقية الأخيرة، تأتي ضمن نهج إيران لمدّ نفوذها السياسي والاقتصادي والديني في سوريا، حيث وقّعت محافظة دمشق مع بلدية طهران، اتفاقية “توأمة” للتعاون في عدة مجالات منها النقل ومعالجة النفايات الصلبة والأتمتة والإلكترونيات، إضافة للسياحة الدينية والعلاجية، مع اتخاذ مختلف الخطوات للمساهمة في إعادة الإعمار، بحسب ما أوردت صحيفة “الوطن” المحلية.

أثناء توقيع اتفاق "التوأمة" بين محافظ دمشق، طارق كريشاتي، ورئيس بلدي طهران، علي رضا زاكاني، في الـ 5 من أيلول/سبتمبر 2024 - انترنت
أثناء توقيع اتفاق “التوأمة” بين محافظ دمشق، طارق كريشاتي، ورئيس بلدي طهران، علي رضا زاكاني، في الـ 5 من أيلول/سبتمبر 2024 – انترنت

تم طرح ثلاثة مشاريع خلال زيارة رئيس بلدية طهران الأخيرة إلى دمشق، بحسب “الوطن”، إذ إن المشروع الأول يتعلق بمشروع الباصات التي تعمل على الكهرباء، والآخر يتعلق بمعالجة النفايات الصلبة، أما المشروع الثالث فهو مشروع مترو أنفاق تحت مدينة دمشق.

 وأوضح النعيمي لـ “الحل نت” أن “النظام السوري اليوم بأمسّ الحاجة لمن يدعمه في مواقفه المحلية والإقليمية والدولية وبنفس التوقيت تأمين الحماية اللازمة للمناطق التي يسيطر عليها برّياً ولا توجد قِوى برّية سوى مشروع محور إيران.”

في اليوم التالي لتوقيع الاتفاقية، دعت محافظة دمشق السكان، إلى يوم حوار، إذ قالت إنها ستقيم “جلسات حوارية تشاركية تهدف للتعرف على آراء ومقترحات أهالي المدينة حول المشروعات والخدمات اللازمة لتنمية الأحياء وتطويرها”، والتي جاءت متزامنة مع توقيع الاتفاقية.

وقالت مصادر متابعة في دمشق لـصحيفة “الشرق الأوسط”، إن الإسراع في توقيع اتفاق “التوأمة” يؤكد وجود إلحاح إيراني ضاغط على الحكومة السورية لتنفيذ مشروعات مدنية تشارك فيها إيران، بهدف تجذير وجود إيران في العاصمة دمشق وفرض سيطرتها عليها.

ورجّحت المصادر أن تكون محافظة دمشق قد لجأت إلى دعوة الأهالي للمشاركة بطرح آرائهم عبر الحوار “لرمي كرة التباطؤ في ملعب الرأي العام المحلي”، لأنّه معلومٌ مسبقاً أن الوجود الإيراني في دمشق يستفز الدمشقيين عموما.

اتفاقيات إذعان

بالنسبة لدمشق، فإنها، بلا شك، تدرك تماما ما تقوم به طهران في الأراضي السورية، لكنها باتت أمام سياسة الأمر الواقع، بعد أن أحكمت قبضتها خلال ما يقارب 13 سنة، ودعمت الحكومة السورية، بل أغرقتها بالديون، التي وصلت إلى نحو 50 مليار دولار أميركي، بحسب تقديرات غير رسمية.

توقيع مذكرات تفاهم بين رئيس الحكومة السورية، حسين عرنوس، والنائب الأول للرئيس الإيراني، محمد مخبر في طهران عام 2023 - انترنت
توقيع مذكرات تفاهم بين رئيس الحكومة السورية، حسين عرنوس، والنائب الأول للرئيس الإيراني، محمد مخبر في طهران عام 2023 – انترنت

هذا الأمر جعل الحكومة السورية مرهونة لطهران في قراراتها، وتوقيع المزيد من الاتفاقيات والتفاهمات، التي شملت قطاعات صناعية وتجارية وزراعية، إضافة إلى النفط والثروات الباطنية والطاقة.  

التغلغل الإيراني في الاقتصاد السوري والهيمنة على مفاصله، يأتي تحقيقا لاستراتيجيتها السياسية في مدّ نفوذها في المنطقة، وهذا، وفق تحركاتها، يبدأ من البوابة السورية، على اعتبار أن سوريا تتمتع بموقع استراتيجي على البحر الأبيض المتوسط، وبالتالي بات طريق صادراتها إلى إفريقيا متاحاً، في حين أنها أصبحت تطلّ على القارة الأوروبية.

لذلك سعت إلى الحصول على مساحة في الموانئ السورية، بالتوافق مع روسيا، التي تسيطر على ميناء طرطوس، بينما الحصة الإيرانية كانت في ميناء اللاذقية، وميناء الحميدية.

إضافة إلى ذلك، فإن بقاءها في سوريا يتيح لها البقاء على اتصال مع حليفها “حزب الله” برّيا، مرورا بالعراق، وإنشاء موطئ قدم على عتبة إسرائيل، بينما باتت تستخدم الأراضي السورية لتهريب الأسلحة إلى الأردن، ومنها إلى الضفة الغربية.

بحسب النعيمي، فإن إيران اليوم تستحوذ على الدولة بكافة مقدّراتها بدءا من مشاريع النفط والفوسفات والموانئ وانتهاء بالمطارات، فـ “بالتالي النظام السوري مكبّل لا يستطيع تحريك ساكن في ظل التموضع الإيراني وهذه الاتفاقيات الشكلية التي تُبرم لا قيمة لها عملياتيا على الأرض بالنسبة للشعب السوري الموجود في مناطق سيطرة النظام ولم تعود عليهم سوى بمزيد من الوبال.”

المزيد من الاتفاقيات

المنافسة بين موسكو وطهران في الجغرافيا السورية، وتوجّه دمشق إلى الدول العربية وعودة العلاقات، هو أحد أهم الأسباب التي جعلت إيران توقّع المزيد من الاتفاقيات مع الحكومة السورية.

روسيا وإيران 
بوتين

بالنسبة لروسيا، فإن هدفها الرئيسي هو المياه الدافئة، وفق النعيمي، لذلك هي تحاول ضبط السلوك الإيراني بحيث أنه يستخدم لإزعاج فرقائها وبنفس التوقيت يتم الضغط عليه في حال خروجه عن الخطوط الحمراء التي رسمت له ولا يتدخل في حال توجيه ضربات، فبالتالي الموقف الروسي في سوريا عبارة عن ضابط إيقاع للقوى المتصارعة في الداخل السوري.

إيران تعمل على الحضور في مختلف القطاعات الاقتصادية السورية والهيمنة عليها لتقطع الطريق على العرب ودول أخرى يمكن أن تطبّع علاقاتها مع دمشق، إضافة إلى تحصيل جزءٍ من الفاتورة التي دفعتها خلال السنوات الماضية.

إضافة إلى ذلك، فإن طهران تخشى من المستقبل السياسي لسوريا من خلال تنفيذ القرار 2254، لذلك هي تعمل على الحفاظ على وجودها لأطول فترة ممكنة، بينما تتغلغل في المجتمع، خاصة في شمال شرق البلاد.

“وفق القانون الدولي كل الاتفاقيات التي تُبرم في ظل وجود قوات مختلفة في داخل سوريا ومناطق نفوذ المتعددة من الممكن ان يتم رفضها من الحكومة القادمة وذلك بأن سوريا اليوم تُقاد وفق قانون طوارئ و ليس حالة طبيعية”، بحسب النعيمي.

وأضاف النعيمي، أن طهران تريد انتزاع أكبر كمٍّ من الاتفاقيات من النظام القائم من أجل الضغط على نظام الحكم القادم وذلك من خلال استخدام واستثمار من تم منحهم الجنسية سواء عبر علاقة المصاهرة ومنحهم تلك الجنسية أو حتى على مستوى المستوطنات التي تم بناؤها في الأماكن التي تم إجلاء السوريين منها باتجاه مناطق مختلفة ومنها الى خارج سوريا”.

لا يقل عن 126 اتفاقية

خلال الأشهر الماضية، بدأت إيران تضغط على الحكومة السورية لتحصيل فاتورة تدخّلها العسكري في سوريا، ففي 8 من تموز/يوليو الماضي، لوّحت طهران بورقة اقتصادية اعتبرها خبراء أنها أداة ضغط على دمشق، عندما أرسل الرئيس الإيراني المؤقت حينها، محمد مخبر، “مشروع اتفاقية التعاون الاستراتيجي طويل الأمد مع سوريا” إلى البرلمان الإيراني للتصديق، قبل تسليم مهامه لمسعود بزشكيان.

الحكومة السورية وقّعت مع إيران بين عامي 2011 و 2024 ما لا يقل عن 126 اتفاقية في مختلف القطاعات، مثل الطاقة والتجارة والصحة والتعليم والزراعة والصناعة والاتصالات والتمويل وغيرها. 

إذ إن عدم تنفيذ بعض الاتفاقيات مرتبط أيضا بمماطلة دمشق، وفق مركز “جسور”، كونه يعلم أن تنفيذ جميع الاتفاقيات سيجعله مرهونًا بشكل كلي لإيران، وهو ما لا يريده، أما الاتفاقيات التي يجري أو جرى تنفيذها فتكون مع شركات إيرانية لا تمتلك وزنا استثماريا فاعلا في السوق، وقد ينحصر عمل معظمها في القيام بعمليات تبييض أموال “الحرس الثوري” الإيراني.

ويُلاحَظ وجود سمة عامة صبغت التوجهات الاقتصادية الإيرانية في سوريا، وهي النجاح في إبرام الاتفاقيات مع الفشل في تحويلها إلى واقع، نتيجة ثلاثة عوامل رئيسة، هي المنافسة الروسية، وتأثير العقوبات الغربية، والضعف الاقتصادي في سوريا، وفق دراسة لمركز “الحوار السوري“، عام 2022.

أخيرا، فإن هناك قلق ينتاب طهران تجاه دمشق وسياستها، ناهيك عن عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وإعادة فتح سفارات، إضافة إلى المساع الروسية للتطبيع مع أنقرة، إذ إن هذه التحركات تراها دمشق فرصة للعودة التدريجية إلى الحضن العربي والعالمي، وبالتالي الابتعاد عما يسمى “محور المقاومة”، وهذا كان بشهادة صحف إيرانية مؤخرا. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات