تساؤلات عديدة انشطرت مثل شظايا الانفجار الهائل الذي أحدثه استهداف إسرائيل للمبنى الذي اجتمع في طوابقه تحت الأرض زعيم “حزب الله”، حسن نصرالله مع قادة آخرين بضاحية بيروت الجنوبية، إذ إن دوي الحادث يتجاوز لحظة التنفيذ بكل صخبها، وقد سقط “حزب الله” في أيام معدودات داخل الهجوم الإسرائيلي، بينما يبقى التفكير في دلالة التوقيت الذي تزامن مع تصريحات الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في نيويورك حيث أثارت الكثير من الريبة والشكوك حول علم طهران بتلك الحادثة.

كما أن حادث اغتيال نصرالله وضع مستقبل الحزب وأفقه السياسي داخل سؤال كبير، لا سيما مع انخفاض منسوب الحاضنة الشعبية للحزب سواء داخل لبنان أو في محيطه الجغرافي. وذلك على خلفية تورط آلة الحزب العسكرية في عمليات ميدانية داخل الجغرافيا السورية، كما أن ذلك بالتبعية وضع الحزب برمته على جهاز التتبع الإسرائيلي، وأضحى مكشوفا أكثر مما ينبغي.

بعد مقتل نصرالله.. نهاية الشيعة السياسية

في هذا السياق، يشير رئيس “المركز الإسلامي للدراسات والإعلام” القاضي الشيخ خلدون عريمط إلى أن  مصير “حزب الله” في المستقبل لن يقرره الحزب وحده، وإنما ستقرره القيادة الإيرانية أو للدقة النظام الإيراني وعزا لـ”الحل نت”، ذلك بقوله: “حزب الله في الأساس له تركيبة إيرانية تنطلق من نظرية ولاية الفقيه وغياب المهدي، من ثم، فمرشد الثورة هو نائب المهدي المنتظر كما يعتقد الشيعة الاثني عشرية”.

المسلمون الشيعة يصرخون ضد إسرائيل والولايات المتحدة. شعارات خلال احتجاج على مقتل زعيم “حزب الله” حسن نصرالله، الأحد 29 سبتمبر 2024، في لاهور، باكستان- “أ ب”

ويقول عريمط: “نستطيع التأكيد أنها ثبت فشلها، إذ حكمت لبنان منذ عام التأسيس وكذا العام 2005 الذي يوافق عام استشهاد رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري. غير أن هذا الحكم ينبغي وصفه بالفشل كما أنه أعاد لبنان مئة سنة إلى الوراء”. وعليه، وفق عريمط، فالشيعية السياسية “ستسقط حتما وحزب الله مصيره، تقرره إيران كونه جزء من الاستراتيجية الإيرانية في الشرق الأوسط”.

من هنا، يختتم عريمط حديثه لـ”الحل نت” مؤكدا على رسالة لكافة اللبنانيين مفادها “الالتزام بلبنان الوطن السيد الحر المستقل ونقف نهائيا ضد التعاون مع القوى الخارجية”.

يقينا، من الصعب أن نتحدث عن سقوط تام وكامل لجماعة عقائدية في منطقة جغرافية ساخنة. بيد أن الواقع يكشف أيضا أن السيناريوهات القادمة ليست يسيرة ولا سهلة، ولا يمكن أن تبدو الجماعة سوى وهي تترنح في الأفق المنظور، كون الضربات الأخيرة التي تعرض لها “حزب الله” في لبنان، لم تستهدف زعيمها وقط، بل شملت الضربات عديد القادة من الصف الأول وما تلاه من أسماء بارزة، غالبيتها من الجيل المؤسس. 

كما أن تراكم الهجمات وحشدها في وقت معلوم ومتتابع، أصاب الجميع بهزة كبيرة، مما يعني بالضرورة أن العمل من جديد على إعادة التموضع وتنظيم الجبهة الداخلية لـ”حزب الله” مسألة معقدة ومركبة وتحتاج لجهد وزمن كبير.

هل كان اغتيال نصرالله “ضوء أخضر” إيراني؟

ثمة حقيقة تبدو في الأفق يصعب تجاوزها ويستحيل استبعاد وجاهتها وعزل متانة منطقها، تتصل بموقع إيران من حادثة اغتيال نصرالله في الضاحية الجنوبية ببيروت، ومدى اضطلاعها بذلك، لا سيما في ظل انكشاف الحزب وعدم توافر غطاء إيراني داعم. 

ويقول الكاتب والمحلل السياسي اللبناني، سمير سكاف، في هذا السياق، إنه صحيح من الصعوبة بمكان وصف اغتيال حسن نصرالله بكونه “صفقة”، حصلت إيران على مقابلها، لكن أيضا من الصعوبة فهم مقولات الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وكأنه رئيس لدولة أخرى غير إيران التي تعتبر “حزب الله” في لبنان أهم أذرعها في الشرق الأوسط والرئة السياسية التي تتنفس من خلالها  استراتيجيا، بل ضمن “الجمهورية الإسلامية” بمعناها السياسي والأيدولوجي الذي يتخطى الجغرافيا إلى الأممية الإسلامية بمفهومها السياسي الشيعي.

يبدو غريبا هو موقف، أو بالأحرى اللا موقف، خامنئي، الذي أدى في النهاية إلى استسهال إسرائيل استهداف كل بنية “حزب الله” خلال نحو 10 أيام حتى تم تتويجها باغتيال زعيم الحزب وقائده التاريخي حسن نصرالله.

بالتالي، فإن تصريحات بزشكيان لا يمكن فهمها سوى من منظور “الضوء الأخضر” الذي مكن أو جعل حسن نصر الله “صيدا سهلا”. يقول سكاف لـ”الحل نت”، ويردف: “هذا ما يستدعي في ذاكرتي سؤال بعض المقربين من حزب الله مؤخرا حول هل يمكن لطهران أن تضحي بحزب الله. ما يدفعني نحو رؤية أن ما حدث يثير شكوكا عميقة وقوية”. ويستدرك سكاف حديثه مرجحا ما حدث بأنه “يمكن وصفه غض البصر، مما ساعد إسرائيل كثيرا خلال الأيام الأخيرة، وتصاعد منسوب الهجوم حتى قرار اغتيال حسن نصر الله”.

إذاً، وبحسب المصدر ذاته نستطيع القول إن دور “حزب الله” الإقليمي، انتهى باغتيال الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله، الشخص الثاني في ما يسمى بـ “محور المقاومة” بعد المرشد علي خامنئي. كما أن إيران غير مستعدة لخوض حرب إقليمية بعد اغتيال نصرالله. وهي لم تفعل ذلك بعد اغتيال قاسم سليماني، قائد “فيلق القدس” الإيراني.

على أية حال، يبدو غريبا هو موقف، أو بالأحرى اللا موقف، المرشد الإيراني علي خامنئي، الذي أدى في النهاية إلى استسهال إسرائيل استهداف كل بنية “حزب الله” خلال نحو 10 أيام حتى تم تتويجها باغتيال زعيم الحزب اللبناني وقائده التاريخي حسن نصرالله.

بالنظر إلى حجم الضربة وأثرها، لا يمكن تصور أن ينهض “حزب الله” من بعدها كما كان- “أ ف ب”

جملة الشكوك تبدو مثيرة لاحتمالات عديدة، وتقترب من انبعاث روائح خيانة حتمية عند مستوى متقدم بالتنظيم الولائي في لبنان، وذلك في سياق الاستهدافات التي طاولت قمة الهرم التنظيمي، وما أثاره اغتيال قادة في مستوى فؤاد شكر ثم إبراهيم عقيل مع آخرين في “قوات الرضوان” النخبوية، مرورا بمحاولة اغتيال علي كركي الذي تأكد اغتياله في اليوم الثاني لمقتل نصرالله، وفق بيان رسمي للحزب، وهو الرجل الثالث في الهرم التنظيمي القيادي، وتكشف عن دوره في قيادة الجبهة الجنوبية. 

وهذا المستوى التنظيمي الذي نجحت إسرائيل في تصفيته ومنها اجتماع “قيادة الرضوان” العسكرية، يؤكد بأن انكشاف الحزب ليس سهلا، ويتخطى فكرة اندساس عملاء من الخارج بمقدورهم تجميع معلومات ميدانية فقط ولملمة أخبار، إنما الوصول وربما الإمساك بالمفاصل الرئيسية. 

دور مرتقب للشيعة غير السياسية وتغليب الوطني 

من هنا، فأزمة “حزب الله” ترقى إلى أن تكون وجودية على مستويات عديدة، تنظيمية وسياسية وتحقيق قيادة لها من القوة والنفوذ والتأثير والكاريزما ما كان يتوافر بالقيادة السابقة، الأمر الذي سيجعل هذه الفراغات من الصعب ملء فجواتها. فـ”حزب الله” ما بعد نصرالله لن يكون كما قبله.

ليس لـ”حزب الله” ما يقدمه خارج وظيفته العسكرية التي انتهت. فلا مشروع سياسي له يلقى الإجماع ولا مشروع اجتماعي أو اقتصادي قابل للتطبيق المجدي إزاء كل الأزمات التي تواجه المجتمع والاقتصاد في لبنان.

في سياق متصل، وفي أول رد فعل رسمي من إيران عقب إعلان مقتل نصرالله، قال المرشد خامنئي إن “على المجرمين الصهاينة أن يعلموا أنهم صغار جدا ولا يستطيعون أن يلحقوا ضررا كبيرا بالبناء القوي لحزب الله في لبنان” دون أي إشارة محددة إلى مقتل حسن نصرالله. وقال إن “جميع قوى المقاومة في المنطقة تقف إلى جانب الحزب”. كما دعا المسلمين إلى “التضامن مع الشعب اللبناني وحزب الله في مواجهة النظام الغاصب والظالم”.

من جانبه، قال رئيس “حركة تحرر”، الدكتور علي خليفة، إن القضاء على أبرز قيادات “حزب الله” وعلى رأسهم حسن نصرالله يعتبر “ضربة قاصمة” متعددة الأبعاد، فسقطت شبكة القيادة والتواصل عند احتراق أجهزة “البيجر”، وتمت تصفية قيادة “فرقة الرضوان” الخاصة ذات المهام الأدق والأخطر في الحزب، كما قيادة العمليات الجوي.

بالنظر إلى حجم الضربة وأثرها، لا يمكن تصور أن ينهض “حزب الله” من بعدها كما كان. الأمر الذي يرجح تغيرا مرتقبا في أدواره وصولا إلى إمكانية أن تكون ورقته سقطت بالكامل وتمت المقايضة عليها. في إشارة مباشرة إلى إيران التي أوجدت هذا الحزب مع دور وظيفي محدد كذراع عسكري. واستخدمته عند الطلب. داخل لبنان وخارجه، سيما في قمع “ثورة الشعب السوري”. كل ذلك في سبيل خدمة مصالح إيران في المنطقة. في المحطة الأخيرة، كان دور الحزب تأمين حضور تفاوضي لإيران في المحافل الدولية على الرغم من رفع شعارات كإسناد جبهة غزة والدفاع عن لبنان شعارات أسقطتها الأحداث.

ويبدو أن إيران أسقطت الغطاء عن “حزب الله” بالكامل لقاء حصولها على مكتسبات ستكون الأيام المقبلة كفيلة بتظهير حجم الصفقة التي قد يكون حصلها النظام الإيراني مقابل التضحية بدرّة التاج لولاية الفقيه المتمددة و”حزب الله” كان الأهم من بين كل الأذرع العسكرية التي أوجدتها إيران في المنطقة، لذلك فالتضحية بالحزب بهذا الشكل سيكون حتما في مقابل صيد ثمين يحصله النظام الإيراني أو يحصّنه على أقل تقدير.

بالنسبة لارتدادات الحدث على الداخل اللبناني، يشير المؤسس في “حركة تحرر” الشيعية المعارضة الدكتور علي خليفة لـ”الحل نت”، إلى أن “حزب الله” شكل بممارسته عبئا ثقيلا على النظام السياسي بلبنان عبر منع إقامته فعطل انتخابات رئاسة الجمهورية وفرض من خلال فائض القوة أوضاعا غير منسجمة مع الدستور ودولة القانون وطبيعة الاجتماع اللبناني القائم على التعددية والانفتاح وغنى التنوع. كما أن الهزيمة العسكرية لـ”حزب الله” ليست هزيمة للبنان، وفق خليفة، ويعوّل على مشروع الدولة واستعادة أدوارها كافة في الدفاع والأمن والاقتصاد والمجتمع. كما “لا يمكن التعويل على لبننة حزب الله ويعتبر ذلك من قبيل المستحيل نظرا للعقيدة السياسية للحزب التي تقوم على الولاية الفقيه لا الدولة الوطنية”.

ويضيف خليفة أنه “ليس لحزب الله ما يقدمه خارج وظيفته العسكرية التي انتهت. فلا مشروع سياسي له يلقى الإجماع ولا مشروع اجتماعي أو اقتصادي قابل للتطبيق المجدي إزاء كل الأزمات التي تواجه المجتمع والاقتصاد في لبنان. بالمقابل هناك فرصة للعمل في المستقبل بمساحة أكبر للاعتراض الشيعي والخط الشيعي المعتدل وإعادة دمج الشيعة اللبنانيين في قضايا أوطانهم وأقوامهم. هذه الأدوار التي كانوا عليها وأكد عليها مراجع الشيعة اللبنانيين كالسيد موسى الصدر والإمام محمد مهدي شمس الدين والعلامة السيد علي الأمين قبل أن ينتزعهم حزب الله لسطوة النفوذ الإيراني القادم على الانحسار”.

ليس لـ”حزب الله” ما يقدمه خارج وظيفته العسكرية التي انتهت. فلا مشروع سياسي له يلقى الإجماع ولا مشروع اجتماعي أو اقتصادي قابل للتطبيق المجدي إزاء كل الأزمات التي تواجه المجتمع والاقتصاد بلبنان- “وكالات”

ثمة سيناريو مرجح أن يكون رئيس الهيئة التنفيذية في “حزب الله”، هاشم صفي الدين هو من يخلف حسن نصرالله في قيادة الحزب. بيد أن السؤال الأكثر أهمية، أي حزب سيترأسه صفي الدين، وبأي هيئة ومكونات تنفيذية وميدانية، وكذا ماهية قدرته على إعادة هيكلة الحزب من جديد، وسط المتغيرات العنيفة التي ضربت الحزب وفرضت عليه تصورات مختلفة عما كانت عليه خلال السنوات الأخيرة. فضلا عن مدى قدرة إيران على دعم ذراعها الأهم في خضم الصراع الدولي والإقليمي عبر كافة النقاط الساخنة في الشرق الأوسط.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات