في ظل استمرار الجهود الإقليمية والدولية للبحث والتشاور لإيجاد مخرج لحل الأزمة السورية، التقى وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثامنة والسبعين.

هذا اللقاء جاء بهدف مناقشة آخر تطورات الحل السياسي للأزمة السورية، وجهود المملكة والأمم المتحدة في هذا الصدد، بما في ذلك مخرجات القمة العربية في جدة. بالتالي فإن، تركيز الجانب السعودي على مخرجات قمة جدّة المتوافقة مع مسار “خطوة مقابل خطوة”، واللقاء مع بيدرسن يحمل دلالات ورسائل عديدة.

من هنا لا بد من طرح بعض التساؤلات حول دلالات لقاء بن فرحان وبيدرسن في نيويورك حول آخر تطورات الحل السياسي للأزمة السورية، وإذا ما كان هذا الاجتماع يعني أن السعودية والدول العربية متمسّكةٌ بالحل السياسي وفق القرار الدولي 2254، فضلا عن أبعاد هذا اللقاء وتداعياته المتوقعة خاصة بعد إعادة مقعد دمشق لجامعة الدول العربية، حيث يبدو أن الرئيس السوري بشار الأسد، خيّب آمال الدول العربية بشأن العودة إلى محيطه العربي والبحث الجاد عن الحل السياسي، واستبعاد الدور الإيراني الذي يهدّد الأمن القومي الإقليمي.

“خيبة أمل” من دمشق

ضمن سياق اجتماع وزير الخارجية السعودي، يوم أمس الأحد، مع غير بيدرسن، بمقر وفد المملكة الدائم لدى “الأمم المتحدة” في نيويورك، وذلك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة بدورتها الـ 78، أكد الوزير السعودي خلال هذا اللقاء، حرص المملكة على بذل كافة الجهود للتوصل إلى حلٍّ سياسي للأزمة السورية يحافظ على وحدة سوريا وأمنها واستقرارها.. ويحقق الخير والنماء للشعب السوري، وفق وكالة الأنباء السعودية “واس“.

في 10 أيلول/سبتمبر الجاري، بحث وزير الخارجية السوري فيصل المقداد مع بيدرسن، تطورات الملف السوري. ونقلت وكالة “سانا” الرسمية، أن بيدرسن قدّم عرضا حول نتائج الزيارات واللقاءات التي أجراها خلال الفترة الماضية، والجهود التي يقوم بها في إطار الولاية المنوطة به.

كما وأعلن بيدرسن، آنذاك أنه سيلتقي وزراء خارجية إيران وروسيا وتركيا، لبحث التطورات في الملف السوري. وأردف بيدرسن، “طلبت من الحكومة السورية أن تنخرط في تطبيق مبدأ الخطوة مقابل خطوة واللجنة الدستورية”. موضحا أنه يتابع هذه المواضيع ويجري محادثات بشأنها مع العرب والأصدقاء، وتابع “سألتقي الوزراء العرب في نيويورك”.

لقاء بن فرحان وبيدرسن، يعكس دلالة واضحة وهي انخراط السعودية بالعملية السياسية في سوريا بعد أن كانت بوابة عودتها عبر “التطبيع مع النظام السوري وتم قراءته على أنها عودة من طرف واحد بما يعني الإقرار بالأمر الواقع حسب ما يروّج الأسد والقبول بأنه انتصر والاستمرار في تعويمه”، وفق ما يراه الكاتب الصحفي السوري، عقيل حسين، الذي يشير في الوقت ذاته لموقع “الحل نت” إلى أن هذا اللقاء في المقابل له دلالة ومؤشر مهم على أن الأمر بات مختلفا الآن، والمساهمة بالحل السياسي تكون بالقرارات الدولية.

رسائل واضحة لدمشق

كذلك، يُعدّ لقاء فيصل بن فرحان مع بيدرسن في نيويورك، تأكيدا على الالتزام بالمسار السياسي وفق وجهة نظر الدول الغربية. وهذا اللقاء يفصح عن وجود خيبة أمل في المردود الإيجابي المتوقع من الأسد بعد عودته لـ”الجامعة العربية”، وعلى ما يبدو أن الأخير لم يستجب للمسار الذي حاولت الدول العربية تنفيذه وتحقيقه، باستعادة دمشق لمحيطها الإقليمي الحيوي وإنهاء التواجدات التي تطوق سوريا، بدايةً من إيران ومرورا بتركيا وروسيا، وحتى الجماعات الإرهابية مثل “هيئة تحرير الشام” في شمال غربي سوريا.

منتصف شهر أيار/مايو الفائت، بحث وزير الخارجية السعودي مع بيدرسن، الحل السياسي بسوريا، في اتصال هاتفي.

قالت “وزارة الخارجية السعودية” آنذاك، إن ابن فرحان تلقّى اتصالا من بيدرسن، بحثا خلاله مستجدات الجهود التي تبذلها المملكة و”الأمم المتحدة” للوصول إلى حلٍّ سياسي في سوريا، يضمن أمن واستقرار الشعب السوري، ويحقق العودة الآمنة للاجئين السوريين في الخارج وفقا للقرارات الدولية ذات الصلة.

جاء اتصال المبعوث الأممي بوزير الخارجية السعودي قُبيل انعقاد “القمة العربية” في جدة، وبعد قرار وزراء خارجية الدول العربية استئناف مشاركة وفود حكومة دمشق في اجتماعات “مجلس الجامعة العربية”، وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها، بعد نحو 12 عاما من تجميد عضويتها.

بالعودة إلى الكاتب الصحفي السوري، فمن المؤكد أن الدول العربية تريد الحل السياسي في سوريا، ويبقى التساؤل المُلحّ هو مدى التزام الأطراف بالقرار الأممي 2254، إذ لا يمكن الجزم في هذا الأمر، لأنه حتى بيدرسن نفسه لا يبدو أنه ينظر في هذا القرار، حيث تمّ التلاعب بهذا القرار مؤخرا من قبل روسيا وبعض المبعوثين الدوليين، ولا يُعرف بعد ما تقرأه الدول العربية بشأن هذا القرار.

كما ويمكن القول، إن هذا اللقاء رسالة لدمشق بعدم رضا السعودية ومجمل دول المبادرة العربية تجاه دمشق منذ عودتها لـ”جامعة الدول العربية” وقد خيّب الأسد أمل الدول العربية حيث لم يلتزم بما ينبغي الالتزام به، كما أنه لم يفِ بتعهداتٍ مطلوبة منه، الأمر الذي أدى لخروج أصوات عربية شبه رسمية للتنديد بتلاعبات الحكومة السورية وتحديدا السعودية والأردن، وفق ما يحلّله الكاتب الصحفي السوري.

إيجاد مقاربة بعيدة عن الأسد!

على الرغم من أن جميع لقاءات اللجنة الدستورية السابقة وعلى مدى سنتين لم تفضِ إلى شيء، فإن بيدرسن ما يزال مصرّا على استئناف لقاءات اللجنة الدستورية بعد التوافق على انتقال اللقاءات المقبِلة إلى مسقط العاصمة العُمانية. وفي منتصف آب/أغسطس الفائت اجتمعت لجنة الاتصال العربية بشأن سوريا في العاصمة المصرية القاهرة، وأكدت أن الحل السياسي هو الحل الوحيد للأزمة السورية. والإقرار بأن الاجتماع المقبِل سيكون في بغداد، إضافة إلى البيان الختامي الذي أشار إلى أن المشاركين في الاجتماع أبدوا تطلّعهم لاستئناف العمل في المسار الدستوري السوري، وعقد الاجتماع المقبل للجنة الدستورية السورية في سلطنة عُمان، وبتيسير وتنسيق مع “الأمم المتحدة”، قبل نهاية العام الجاري.

خلال الفترة الماضية، أجرت “هيئة التفاوض” السورية اجتماعا مع بيدرسن، في مكتب الهيئة في جنيف، بغية التباحث في الوضع السوري، ولا سيما الاحتجاجات المستمرة في السويداء جنوب سوريا، ضد سياسات السلطة الحاكمة في دمشق.

يبدو أن بيدرسن يرغب بعقد عدة لقاءات عدة، فإنه يريد تقريب وجهات النظر ويساعد على تقليص المسافات ويتم الاطلاع على كافة الرؤى، في سبيل إيجاد مخرجٍ للأزمة السورية، لكن من الواضح ووفق المعطيات والمؤشرات الحالية، فإن حكومة دمشق تبدو أنها هي العَقبة الأساسية والمعرقل الحقيقي لأي خطوة تذهب باتجاه الحلّ الأممي للقضية السورية.

في وقت سابق قال بيدرسن في تصريحات صحفية لجريدة “الشرق الأوسط”، إن سوريا تمرّ بلحظة فارقة وعلى دمشق استثمار نافذة الفرصة للتحرك نحو التسوية، مشيرا إلى أن جميع الدول تدعم مقاربة “خطوة مقابل خطوة”، التي تتضمن اتخاذ جميع الأطراف لإجراءات متوازية ومتبادلة ويمكن التحقق منها، إزاء قضايا عدة، بينها المعتقلون والسجناء وعودة اللاجئين والعقوبات.

إلا أن مسار التقارب العربي مع دمشق فَقَد زخمه خلال الفترة الماضية، نظرا لأن الحكومة السورية لم تُبدِ أي خطوات حقيقية تجاه المبادرة العربية، ولا سيما قضية تهريب “الكبتاغون” على الحدود أو اتخاذ أي إجراءات لتسهيل عودة اللاجئين السوريين، أو حتى أي تعديل السلوك السياسي.

بالتالي فإن عدم إبداء الحكومة السورية أي خطوات جادة على الأقل في المستقبل القريب، تجاه مسار المبادرة العربية لوضع خارطة طريق للوضع السوري، سوف يجعل “مجلس دول التعاون الخليجي” وعلى رأسه السعودية أن لا يتخلّوا عن مبدأ الحل السياسي، ويطالبون بل يشدّدون طوال الوقت على وحدة الجغرافيا السياسية للبلاد وهذا الأمر يصطدم بمصالح حلفاء الأسد، بما يجعل التقارب مع واشنطن من جانب الرياض حتميا وضروريا لإيجاد مقاربة سياسية للحل بعيدا عن الأسد.

ما يعزز هذه الفرضية، هو الوجود الإيراني والروسي في سوريا واستحواذهما على القرار السوري، بالتالي فإن هذا الأمر يبعث بتهديدات جمّة سياسية وأمنية على الأمن القومي الإقليمي والعربي والدولي، حيث إن الأسد الذي يتحمل فاتورة الحرب لدى الإيرانيين والروس لا يمكن الخروج عن الطوق. بالتالي فإن المملكة العربية السعودية تسعى من خلال الولايات المتحدة إلى البحث عن الإطار الآمن لحل الوضع السوري من خلال صيغة ومقاربة سلمية وسياسية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات