غرست إيران في المنطقة العربية ما يعرف بأذرعها، التي تعمل من خلالها على تحقيق مشروعها في مد نفوذها وفرض قوتها على دول الشرق الأوسط؛ وعلى الرغم من الدعم المادي والمعنوي والعسكري الذي تقدمه إيران لهذه الجماعات، إلا أن هذه الجماعات بدأت في الانهيار والتآكل الداخلي فيما بينها. 

هذه الجماعات تأسست على فرض النفوذ، وإذا انتفى هذا العامل الذي شكل وجودها الأول، فإنها تسقط، ومن أسوأ ما تتميز به هذه الجماعات هو الانقلاب حتى على أنفسهم، فهم لا يؤتمنون حتى بين جماعاتهم.

جماعة “الحوثي” – على سبيل المثال – شهدت على مدى تكوينها انشقاقات وصراعات داخلية فيما بينها حول السلطة والأموال والنفوذ. فلا وجود للولاء في قاموسها، ولا تؤمن بالوطن. إلا أن الأمر لم ينته عند هذا الحد، بل امتد حتى أن هناك اتهامات باتت تلاحق “الحوثيين” بالتخابر لصالح إسرائيل، عدوهم الأول!

التخابر لصالح إسرائيل

في ظل حالة الفوضى والارتباك التي تعيشها إيران وأذرعها خوفًا من الدخول في حرب مباشرة مع إسرائيل، تأتي من داخل جماعة “الحوثي” أخبارا تفيد باستبعاد عدد من القيادات العسكرية والأمنية، أو ما يعرف بقيادات الصف الأول داخل الجماعة، بتهمة تصوير أماكن هامة لصالح “الموساد” الإسرائيلي، وذلك وفقًا لما جاء في صحيفة “المشهد اليمني”. 

رئيس الوفد المفاوض الحوثي بمسقط يلتقي وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي - إنترنت
رئيس الوفد المفاوض الحوثي بمسقط يلتقي وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي – إنترنت

الصحيفة أفادت بأن “الحوثيين” أطاحوا بجملة من القيادات الهامة داخل الجماعة؛ بعد أن قامت جهاز المخابرات في الجماعة بمراقبتهم والتأكد من ضلوعهم في التعامل مع إسرائيل.

وأكدت الصحيفة عبر مصادرها، بأن أغلب هذه القيادات تنتمي لجناح صعدة، كما تم القبض على عدد من القيادات الميدانية، وبعد تفتيش أجهزتهم المحمولة، تبين تصويرهم مواقع عسكرية. وفي محاولة للتستر على ما حدث داخل الجماعة، قام رئيس أركان الجماعة، محمد عبدالكريم الغماري، بتعيين قيادات أخرى بدلًا من الذين تم القبض عليهم. 

كما قام عبدالكريم الحوثي، وزير الداخلية في حكومة صنعاء، بتعيين آخرين بدلاً عنهم، وسط اتهامات لـ “الحوثيين” بخلق تهم كيدية للإطاحة بقيادات أصبحت عبئًا على الجماعة بعد تورطهم في فضائح فساد وتجاوزهم للنظام والقانون.

ووفقًا للمصدر ذاته (المشهد اليمني)، فإن عمليات الاختراق الأخيرة كشفت مواقع غاية في الأهمية لـ”الحوثيين”، مما دفع زعيم الجماعة إلى الاستعانة بضباط الجيش اليمني لإحلالهم محل القيادات المتورطة مع إسرائيل.

الإعلامي والخبير الرقمي رياض الأحمدي، قال لـ”الحل نت”، إن “ما أراه كمحلل سياسي وخبير رقمي هو أن الحوثيين كتاب مفتوح لإسرائيل، تكنولوجيًا قبل كل شيء، إذ إن إسرائيل تمسك بتلابيب صناعة الأنظمة الإلكترونية المتقدمة والمعدات والآليات والرقائق، ولها نفوذ كبير في شركات التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك، تويتر، وغوغل، وهذه الشركات تجمع معلومات عن اليمنيين، بما في ذلك المستخدمين من الحوثيين وقادتهم”. 

بالنسبة لـ “الحوثيين” تحديدًا، فإنهم يحصلون على أسلحتهم ومعدات الطائرات المسيرة من أسواق سوداء، ولكن لم يكن أحد ليفكر كيف تستثمر إسرئيل ذلك للوصول إلى هذه الجماعات والتجسس عليهم، لولا انفجارات “البيجر” في لبنان، والتي كشفت كيف تفكر إسرائيل. وما أقوله هنا – والحديث لرياض الأحمدي – : “الحوثيون كغيرهم مكشوفون أكثر مما يعتقدون، وليس بأيديهم التخلي عن التكنولوجيا التي يحتمل أن لإسرائيل يداً فيها، لأن ذلك يحتاج إلى سنوات وعقود”.

جواسيس في الصفوف الأولى

موقع “مصادر نت”، أفاد بدوره أنه على مدى الأيام الماضية، شنت عناصر ملثمة تطلق على نفسها جهاز “الأمن الوقائي”، وهو الجهاز الذي يشرف عليه عبد الملك الحوثي، حملة اعتقالات واسعة استهدفت عددًا من المشرفين الميدانيين في كل من صنعاء وصعدة وذمار وحجة وعمران. 

جنود من الجيش اليمني ينظرون إلى رجال القبائل الموالين لحركة الحوثيين الشيعة وهم يتجمعون في حازم، غرب العاصمة اليمنية صنعاء، في 12 مارس/آذار 2014. تصوير: محمد حويس وكالة فرانس برس

وتأتي حركة الجهاز في ظل ما نشر من أخبار تفيد بتغلغل “الموساد” الإسرائيلي داخل الصفوف الأولى لجماعة “الحوثي”. حتى أن الاتهامات وُجهت في البداية إلى عدد من الخبراء والشخصيات الإيرانية وأخرى من “حزب الله” كانت موجودة في صنعاء وصعدة والحديدة. 

الاتهامات بالخيانة والتعامل مع إسرائيل أمر غير جديد على الجماعات الطائفية التي تقودها إيران. فقد أدى التجسس لصالح إسرائيل إلى اغتيال عدد من القيادات البارزة داخل إيران وفي “حزب الله” بلبنان.

إلا أن الملفت في الأمر هو حالة الصمت والسكون التي تعيشها إيران إزاء هذه الأخبار الموجعة. ومن جانب آخر، لا يمكن أن نغفل ما تعرض له إسماعيل هنية من اغتيال على يد إسرائيل داخل مبنى المحاربين القدامى في طهران، والذي يقوم على حراسته “الحرس الثوري” الإيراني، مما يوحي بطريقة لا تحمل أي معنى غير وجود جواسيس داخل “الثوري” الإيراني الذي قدم هنية كضحية سهلة لـ “الموساد” الإسرائيلي.

وبالعودة إلى المشهد “الحوثي”، فقد شهدنا منذ ثلاثة شهور المزيد من الصراعات المتعلقة بالأمر ذاته، وهو التخابر لصالح إسرائيل، حيث تم اعتقال أحمد النونو وكيل وزارة التربية لقطاع المناهج في حكومة “الحوثيين” مع ثلاثة آخرين بتهمة العمل لصالح أجهزة مخابرات غربية بعد قبولهم مشاريع تنموية في قطاع التعليم.

الخيانة التي قتلت حسن نصرالله

حاول الجهاز الأمن الوقائي أن يوضح أسباب هذه الاعتقالات، إلا أن الملفت في هذا الأمر هو توقيت هذه الاعتقالات التي تأتي في ظل حالة من التوتر المستمر داخل أروقة الأجهزة الأمنية التابعة لميليشيا “الحوثي”، مما يوحي باحتمالية وجود صراعات داخلية أو إعادة ترتيب صفوف القيادات في ظل الضغوط المتزايدة التي تعاني منها الجماعة، سواء كانت خارجية بفعل التهديدات الإسرائيلية أو داخلية بفعل الانقسامات. 

تأتي هذه التوترات الداخلية والاتهامات بالخيانة في نفس التوقيت الذي تم فيه نقل عبد الملك الحوثي، زعيم مليشيات “الحوثي”، إلى صعدة، مقره الرئيسي، حيث الكهوف الوعرة التي تزيد من صعوبة الوصول إليه، حتى أنه تم تغيير طريقة التواصل فيما بينهم إلى دائرة اتصال مغلقة تم تطويرها مؤخراً للتحدث، وتم التخلي عن دائرة اتصالات سابقة، خوفاً من الاستهداف من قبل إسرائيل، خاصة بعد مقتل حسن نصرالله بغارة إسرائيلية، حيث تمكنت الأجهزة الإسرائيلية من اختراق صفوف “حزب الله” واغتيال زعيمه.

والأمر ليس قاصراً على مسألة اغتيال حسن نصرالله، بل حتى في الآثار النوعية التي أصابتها إسرائيل بحربها في لبنان، من تدمير مواقع الأسلحة وتفخيخ أجهزة اتصالاتها اللاسلكية، وتدمير البنية التحتية للحزب، مع عدد الغارات التي لا تخطئ في إصابة الأهداف والأشخاص اللبنانيين والإيرانيين. 

كل هذه الأحداث اليومية لا تشير إلا إلى وجود جواسيس داخل “حزب الله” تستفيد منهم إسرائيل. هذا بالإضافة إلى استهداف هاشم صفي الدين، خليفة حسن نصرالله المحتمل، من قبل إسرائيل. وقد أعلن الجيش الإسرائيلي فيما مضى أنه تمكن من قتل ما يقرب من 20 قيادياً في “حزب الله” خلال الهجمات على الضاحية الجنوبية لبيروت. 

كل هذه المؤشرات تؤكد بشكل قاطع مدى اختراق إسرائيل للضاحية الجنوبية، البيئة الحاضنة لـ “حزب الله”، ومدى تغلغل الأيدي الإسرائيلية داخل الجماعات الطائفية. فجماعة “الحوثي” بوصفها جزءاً من هذه الجماعات، من الطبيعي أن يصيبها ما أصاب الكل من أذرع إيران، بما في ذلك إيران نفسها. فمن غير المستبعد، وفقاً لقراءة الواقع ووفقاً لهذه المعطيات، أن تتعرض جماعة “الحوثي” لما تعرض له “حزب الله” وإيران من التخابر لصالح إسرائيل.

اغتيالات في جماعة “الحوثي”

الصحف اليمنية أشارت إلى أنه تم اغتيال العشرات من القيادات وخبراء ميليشيا “الحوثي” في عمليات غامضة خلال الأيام الماضية. وفي محاولة لتفسير ما حدث، تشير المعلومات الأولية إلى أن الضحايا تعرضوا لمادة سامة مجهولة أثناء عملهم في ورش تصنيع تابعة للميليشيا الحوثية. 

وحسب صحيفة “المشهد اليمني”، ما يؤكد صدق هذه الأخبار هو ما أشار إليه فهد طالب الشرفي، الإعلامي في الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، من أن المهندسين “الحوثيين” الذين تم تصفيتهم عانوا من أعراض غريبة قبل وفاتهم، من ظهور تورم في أجسادهم وتحول لونها إلى الأزرق، ليفارقوا الحياة خلال ساعات قليلة. 

وفي محاولة أولية لتفسير ما يحدث داخل جماعة “الحوثي”، تشير بعض القراءات إلى أنه من المحتمل أن يكون “الموساد” الإسرائيلي وراء هذه الأحداث، في دليل واضح على وجود اختراق للعناصر الموجودة في صنعاء، وإن كانت أصابع الاتهام تشير بالدرجة الأولى إلى عناصر “حزب الله” الموجودة في صنعاء.

وأخيراً، المشهد لدى جماعة “الحوثي” أكثر تعقيداً من “حزب الله”، لأن الأخير دخل حربه ضد إسرائيل، أما جماعة “الحوثي” فهي تعاني من هشاشة في تبني سياسة معينة وارتباك في الموقف، وهو ما قد يسهل سقوطها كفريسة تالية لإسرائيل قبل دخولها الحرب المصطنعة معها، لأن كل أوراقها باتت مفضوحة لدى إسرائيل عن طريق الاختراقات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
5 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات