في أسابيع قليلة، نجحت إسرائيل في إزاحة رجلين شديدي الخطورة في الشرق الأوسط موالين لـ إيران، حسن نصرالله الأمين العام لـ “حزب الله”، ويحيى السنوار زعيم حركة “حماس”، بالإضافة إلى سلسلة طويلة من استهداف قادة التنظيمين، وتوجيه ضربات دقيقة ومؤثرة ضد بنيتهما العسكرية.
ضربات إسرائيل أصابت بقوة الخط المباشر بين رفح وبيروت وطهران، مما وضع أذرع إيران في المنطقة في حالة من التخبط الشديد. فما الذي يمكن أن نتوقعه الآن من إسرائيل وأذرع إيران في المنطقة؟
تعهد باستمرار الحرب
اعتدنا طوال عام الحرب – وقبلها أيضاً – أن قادة إيران يتمادون في تصريحاتهم بينما الواقع يحكي دائماً قصة أخرى. حتى الهجمات التي طالما صرخوا قبلها ووعدوا بأن شيئاً كبيراً سيحدث، تنتهي دائماً كما تبدأ، ولا أحد يتذكر الخسائر الإسرائيلية من تلك الهجمات. وإذا كانت إيران لم ترد بقوة على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية في أراضيها، وتركت “حزب الله” وحده في الرد على اغتيال زعيمه، فما الذي يمكن توقعه في ردها على اغتيال “يحيى السنوار”؟
كتب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في حسابه على شبكة “إكس” (تويتر سابقا) بعد الإعلان الرسمي لحركة “حماس” عن مقتل يحيى السنوار قائلاً: “الشهداء يعيشون إلى الأبد، والتطلع إلى تحرير فلسطين من الاحتلال حي على الدوام”. وبحسب قوله، فإن “السنوار لم يكن يخشى الموت، بل سعى للاستشهاد في غزة وقاتل بشجاعة حتى النهاية في ساحة المعركة. ومصيره لا يثنيه، بل هو مصدر إلهام للمقاومين في المنطقة، فلسطينيين وغير فلسطينيين”.
وعلى الجانب الآخر، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تصفية السنوار بأنها علامة فارقة، لكنه تعهد بمواصلة الحرب التي توسعت في الأسابيع الأخيرة من قتال “حماس” في غزة إلى غزو وملاحقة “حزب الله” في لبنان. وقال نتنياهو للإسرائيليين: “الحرب، يا أعزائي، لم تنتهِ بعد”، مضيفاً أن القتال سيستمر حتى يتم إطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى “حماس”، بحسب وكالة “رويترز”.
بحسب المراقبين من “المجلس الأطلسي”، فإنه من غير المرجح أن تتوقف عمليات إسرائيل في لبنان بغض النظر عن النتيجة في غزة، ما لم يتم التوصل إلى صفقة كبرى تتضمن أيضاً إبعاد “حزب الله” لمقاتليه عن الحدود الإسرائيلية، مما يسمح لنحو 70 ألف إسرائيلي بالعودة أخيراً إلى ديارهم.
أما في سياق الحرب في غزة، فليس واضحاً حتى تلك اللحظة ما الذي سيحدث. فهل إزاحة السنوار ستسهل تحسين شروط إطلاق سراح المختطفين الـ 101؟ ومن سيكون التالي بعد السنوار؟ وهل رحيل السنوار وتوقف “حماس” تقريباً عن كونها تهديداً كبيراً من وجهة نظر عسكرية يعني أن الوقت قد حان لإعلان نهاية الحرب في غزة؟ وهل يمكن أن يؤدي مثل هذا الإعلان إلى تغيير في حالة الحرب ضد “حزب الله”؟ وفيما يتعلق بإيران، هل لا تزال إسرائيل تخطط للهجوم على إيران رداً على هجومها بـ 180 صاروخاً، أم سيتم إلغاء الهجوم بعد تصفية السنوار؟ هل هذا هو الوقت المناسب لبدء التصعيد ضد إيران؟ هذه هي الأسئلة التي طرحتها صحيفة “جيروزاليم بوست”.
تخبط في “حماس” وإيران
بعد عام واحد من استيعاب إسرائيل لصدمة الهجمات التي شنتها “حماس” ضدها في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، نجحت في قطع رأس “حزب الله” في لبنان، ورأس “حماس” في القطاع، وصمدت في وجه وابل من الصواريخ الباليستية الإيرانية التي أطلقتها مؤخراً، والتي بلغ عددها نحو 180 صاروخاً، وصعّدت وتيرة هجماتها خلال الأسابيع الستة الماضية.
لا تزال حركة “حماس” تعاني من تخبط جراء الهزة العنيفة التي لحقت بها بمقتل السنوار، وهذه هي ذات الحالة التي يعاني منها “حزب الله” منذ اغتيال قائده أيضاً. وبحسب التقديرات، سيكون من الصعب جداً على “حماس” ملء الفراغ الذي نشأ بعد اغتيال السنوار.
ورغم أن التنظيمات دائماً ما تكون مستعدة لسيناريو تصفية كبار المسؤولين، إلا أنه فيما يتعلق بالسنوار، لا يوجد من يستطيع أن يحل محله. ويمكن كذلك التقدير أنها الحالة ذاتها في “حزب الله”.
بالنسبة لإيران، فإن اغتيال السنوار يشكل ضربة أشد خطورة من اغتيال نصرالله، وذلك لأن “حماس” تقع داخل حدود إسرائيل، وهو ما سيمنع إيران من إرسال قادة نيابة عنها لملء فراغ السنوار، كما حدث بعد اغتيال نصرالله.
هيمنة إسرائيل
في مقابل التخبط لدى “حماس” و”حزب الله”، فإن إسرائيل فرضت هيمنتها بقوة خلال الأسابيع الأخيرة. كتب ديفيد إغناطيوس في صحيفة “واشنطن بوست”: “اكتسبت إسرائيل ما يسميه الاستراتيجيون العسكريون هيمنة التصعيد على إيران ووكلائها: حيث تضرب خصومها متى شاءت ولا تتكبد سوى أضرار طفيفة في الرد”.
وفي حين يدعو الرئيس الأميركي جو بايدن إلى رد متناسب على أحدث جهود إيران لضرب إسرائيل بالصواريخ الباليستية، يدرس نتنياهو بدلاً من ذلك ما إذا كانت لديه فرصة تاريخية للقيام بالمزيد، خاصة بعد إرسال إيران مُسيرة من لبنان نحو منزله في قيساريا، والتي وصفت بأنها محاولة لاغتياله.
تتزايد الاحتمالات بأنه من المرجح أن تشمل الأهداف التي يفكر فيها نتنياهو ضرب البنية التحتية النفطية الإيرانية، أو ضرب الاقتصاد الإيراني المتعثر بالفعل، أو الأهم من ذلك، مصانع الصواريخ التي تنتج عشرات الآلاف من الصواريخ الباليستية قصيرة المدى وطويلة المدى. لكن تظل أهم الأهداف الإيرانية على الإطلاق هي الأصعب في تعطيلها أو تدميرها: البنية الأساسية النووية التي تشارك في جهود طهران لإنتاج الأسلحة.
ومن جانبه، علق الباحث في مركز “الحوار الاستراتيجي”، كميل البوشوكة، لـ”الحل نت”: “بشكل عام نلاحظ تراجعاً دراماتيكياً لحلفاء إيران من الجماعات المسلحة والمليشيات في المنطقة، لكن أتصور أن هذا الدور يتعلق بوجود وحجم الضربة العسكرية التي قد تُوجه لإيران في الأيام القادمة”.
بحسب ما يراه البوشوكة، أن ما يهم إيران الآن هو بقاؤها وعدم تعرضها لضربة. فهي على استعداد أن ترمي بأوراقها لضمان عدم تعرضها لذلك. مضيفا: “من هنا نستطيع القول إنه إذا لم تحدث الضربة العسكرية أو حدثت بشكل خفيف، فإن إيران ستحافظ على الوتيرة الفعلية، لكن إذا واجهت ضربة قوية فإنها قد تستخدم كل هذه الأذرع بقوة وشدة”.
كيف ستؤثر إزاحة السنوار من المشهد؟
تشكل تصفية زعيم حماس يحيى السنوار ضربة قوية لإيران ومليشياتها في المنطقة. لقد دعمت الجمهورية الإسلامية “حماس” لسنوات عديدة، وعندما تولى السنوار القيادة، كان ذلك بمثابة نقطة تحول كبرى بالنسبة لإيران. تحت قيادة السنوار وتوجيهاته على مدى العقد الماضي، أصبحت “حماس” جماعة نفذت أقوى هجمة ضد الإسرائيليين منذ “الهولوكوست”.
كما استثمرت إيران بشكل كبير في “حماس” التي يتزعمها السنوار، فقد ساعدتها في الحصول على تكنولوجيا الصواريخ بعيدة المدى، وشجعتها على تطوير الطائرات بدون طيار وغيرها من التكنولوجيا الجديدة، وتلقت بعض التوجيهات الإيرانية في هذا الصدد.
ونجحت إيران أيضًا في إقناع “حزب الله” بمهاجمة إسرائيل في الثامن من تشرين الأول/أكتوبر، بعد يوم واحد من هجوم “حماس”. كما استعانت بـ “الحوثيين” لمهاجمة إسرائيل أيضًا، وكانت الفكرة هي تنفيذ حرب متعددة الجبهات ضد إسرائيل، وهي الخطة التي انتهجتها إيران. وكان السنوار جوهرة مهمة في تاجها، وليس واضحاً كيف ستتحرك إيران بعد الضربات التي تلقتها أذرعها في المنطقة وفقدانها اثنين من أبرز زعمائها.
من جانبها، رأت إميلي ميليكي، المديرة المساعدة في مبادرة “N7” في برامج الشرق الأوسط، أن المرحلة القادمة ستبرز فيها جماعة “الحوثي” بقوة أكبر، بعد أن أمضوا العام الماضي في تعطيل الشحن العالمي بإطلاق النار على السفن في البحر الأحمر. وأضافت: “من المرجح أن تعطي طهران الأولوية لتزويد الجماعة بأسلحة متطورة ومكونات أسلحة لتمكينها من تنفيذ عمليات وضربات بحرية أكثر دقة وتدميرًا على الأراضي الإسرائيلية. وربما تعمل إيران مع روسيا لتزويد الحوثيين بصواريخ مضادة للسفن”.
وأوضحت أنه حال ظهور “الحوثيين” بقوة، فقد يلقى زعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي، نفس مصير نصرالله والسنوار. وتقول إميلي إنه إذا استهدفت قوات الدفاع الإسرائيلية كبار قادة “الحوثيين”، فإن ذلك “قد يؤدي إلى تدهور قدرة الجماعة على العمل، وتحفيز أزمة قيادية، وتوسيع الفراغ القيادي داخل شبكة حلفاء إيران ووكلائها”.
ومن جانبه، علق كميل البوشوكة بأنه بعد اغتيال إسماعيل هنية، كانت هناك رغبة لدى بعض الدول مثل قطر وتركيا في مجيء خالد مشعل محل هنية، كي يتم تفعيل المسار الدبلوماسي بقوة. لكن إيران قفزت وساهمت في تعيين يحيى السنوار، سعيًا منها للتركيز على الجانب العسكري.
وأضاف “البوشوكة” لـ”الحل نت”، أنه بعد اغتيال قيادات “حزب الله” ويحيى السنوار ووجود تهديدات قوية بشن ضربة على إيران من قبل إسرائيل، فإن إيران قد لا تمانع، بل ربما تسعى لحلول دبلوماسية. ومن هنا يرجح أنها ستترك خيار القيادة في “حماس” إلى بقية الدول لاختيار شخصية أكثر مرونة مثل خالد مشعل.
إيران الآن في موقف دفاعي… قد تخسر في لبنان، وقد تواجه الإذلال في الداخل، وذلك بعد أن تسبب موت السنوار في سقوط أحجار الدومينو الأخرى في الحرب الإيرانية متعددة الجبهات ضد إسرائيل.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.