برغم هزيمة تنظيم “داعش” عام 2019 على يد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، ونهاية وجودهم في المساحات التي وقعت تحت سيطرتهم بزعم ما عرف بـ”دولة الخلافة” المزعومة، إلا أن وقائع عديدة تكشف عن احتمالات استمرار تهديدات التنظيم الإرهابي، سواء من خلال قدرته على اعتماد تكتيكات مختلفة في التخفي والكمون، أو استغلال اللا مركزية لتفادي الضربات المباشرة التي سبق ونجحت في تكبد هزيمة فادحة، أنهت حضوره في آخر جيب له بالباغوز، شرق سوريا. 

وانتشار “داعش” في عدة مناطق بالعالم، وتحديدا بالمناطق الرخوة أمنيا، كما هو الحال في البادية السورية، يكشف عن محاولات التكيف مع الأوضاع الأمنية والسياسية، الإقليمية والدولية، بهدف إعادة التموضع من جديد، واستعادة قدراته. غير أن أمرا آخر، ارتبط بخصوصية التنظيم الإرهابي الذي منح المرأة دورا استثنائيا في مجال الإرهاب، بل كانت الأكثر شراسة وتوحشا وعنفا.

كما أن المرأة يعول عليها بعد وضعهن في مخيم “الهول” في شمال سوريا الذي يؤوي أفراد عائلات عناصر “داعش”، بقدراتهن للحفاظ على التنظيم أو بقائه واستمراره.

عنف الداعشيات

اللافت أن نساء “داعش” هن الأكثر شراسة، وفق ما يمكن ملاحظته في مراحل التنظيم الإرهابي المختلفة، سواء في مرحلة ما يمكن تسميته بـ”التمكين” أو مرحلة “الهزيمة”، وتوثق عمليات وحوادث عديدة تنامي العنف وتغلغل القسوة والإرهاب في عقولهن، ففي مخيم “الهول” بين الحين والآخر تضطلع النساء في الأقسام الأكثر خطورة من الداعشيات بأدوار عديدة،  وتصر على تطبيق القوانين وفق أدبيات التنظيم أو “الشريعة”، ولهذا تكررت حوادث القتل البشعة برؤوس مقطوعة وجثث ممزقة، كما وثقت اللقاءات التي قامت بها قناة “العربية” مع زوجات زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي.

عنف الداعشيات لم يكن شيئا استثنائيا بل يبدو أمرا متأصلا وفق شهادات عديدة لناجيات- “أ ف ب”

هذا فضلا عن ابنته، الأدوار غير الإنسانية والوحشية مثل الاعتداء على السبايا وتعذيبهن والإشراف على الانتهاكات الجنسية بحقهن والتي وصلت حد الاغتصاب، فضلا عن تنفيذ مهام البيع والشراء، وقد كان لافتا كذلك شهادة الناجية الإيزيدية أديبة مراد، التي فضحت ملابسات عملية خطفها قسرا أثناء حملها ووصولها على يد عناصر التنظيم الإرهابي إلى الرقة، وتسليمها إلى نساء تنظيم مؤكدة أن معاملتهن كان “الأكثر عنفا من الرجال”.

عنف الداعشيات لم يكن شيئا استثنائيا بل يبدو أمرا متأصلا وفق شهادات عديدة لناجيات، تحدثن عن الضرب والإهانة والحبس في غرف قذرة، مرورا بالضرب، وصولا إلى الاغتصاب، من ثم، يوضح مركز “المستقبل” للأبحاث، والدراسات المتقدمة، أن مؤشرات هيمنة الفكر “الداعشي” على مخيم “الهول” شمال سوريا، عبر النساء الداعشيات، تبدو متزايدة.

كما أنها تكشف عن احتمالات أن يتحول المخيم إلى بؤرة أيدولوجية تتفجر على إثرها شظايا التنظيم من جديد ليتفشى وينتشر خطره محليا وخارجيا، لافتا إلى أن نساء “داعش” يمارسن أنشطة بارزة لجهة الحفاظ على توجهات التنظيم، وتطبيق أفكاره كقوانين على جمع النزيلات بالمخيم، محذرا من “بؤرة “داعشية” حقيقية، خاصة داخل الأقسام التي تضم من يطلق عليهن “المهاجرات”، ويقصد بهن الداعشيات الأجنبيات اللاتي ينتمين لأكثر من 50 جنسية عربية وأجنبية.

إن أحد أكثر المخاطر المحدقة بخصوص سيطرة نساء “داعش” على مخيم “الهول”، وقدرتهن على البقاء تحت تأثير أيدولوجيا الفكر الإرهابي الدموي، تتمثل في محاولاتهن الدؤوبة على تلقين “أشبال/ أطفال” التنظيم بالأفكار المتشددة.

وتابع: “قد بلغت سطوة الداعشيات داخل مخيم الهول، حسب بعض التقارير، لدرجة قيامهن بعقد محاكمات سرية للنساء اللاتي ينتقدن التنظيم أو يهاجمن زعيمه أبوبكر البغدادي، أو يعترضن على الفكر الداعشي”. يضاف إلى ذلك قيام الداعشيات، خاصة ممن يحملن الجنسية العراقية، بإنشاء مجموعات منهن، يطلق عليهم “الحسبة” (الشرطة الدينية) تتمثل مهمتها في فرض النقاب بالقوة على النساء والفتيات، ومن يخالف ذلك يتعرض للضرب والإيذاء، وحرق الخيام والطعن بالسكين في بعض الأحيان. ومما زاد من خطورة الوضع أن بعض هؤلاء الداعشيات أصبح لديهن أسلحة نارية، وهو ما كشفت عنها الاشتباكات الأخيرة مع قوى الأمن الداخلي “الآسايش” التابعة لـ”الإدارة الذاتية” لشمال وشرق سوريا.

خطورة “الداعشيات”

خطورة الداعشيات وكأنهن الرحم التكفيري الذي يحافظ على التنظيم الإرهابي، وبمقدوره ولادة قذائف النار والحقد والكراهية، في أي لحظة، يفرض تحديات أممية لمعالجة هذا الخطر الداهم الذي تضطلع به وحدها “قوات سوريا الديمقراطية”، ويقع على عاتقها، في حين تتخلى عدة دول أوروبية وعربية عن المساهمة في استقبال أبنائها من الدواعش، وبدء محاكمتهم، ولهذا يظل مخيم “الهول” لغم خطير في وسط هادئ من المدنيين بشمال شرقي سوريا، يقوض الوضع الأمني ويفاقم من مخاطر الإرهاب. 

ويشير المركز البحثي إلى أن نساء “داعش” الأكثر خطورة، لم تتأثر معنوياتهن نتيجة هزيمة التنظيم العسكرية، بل خاض عدد من النساء الداعشيات، قبل اعتقالهن، عمليات عسكرية حقيقية وشاركن في هجمات إرهابية نفذها التنظيم، الذي كان حريصا على تنظيم دورات عسكرية للنساء للاستعانة بهن وقت الحاجة.

وبالتالي، هذا يعني أن لديهن القدرة على ممارسة العنف بشكل حقيقي حتى في ظل الإجراءات المتبعة داخل المخيم من قبل القوة التي تتولى الإشراف عليه، وهو ما يمكن أن يفسر وقوع عمليات عنف داخل المخيم بين الحين والآخر على يد بعض الداعشيات، مثل عملية الطعن التي شهدها المخيم، في 12 أيلول/ سبتمبر 2019، حيث أقدمت “داعشيتان” على طعن لاجئ عراقي، وذلك بعد مقتل لاجئ آخر قبل ذلك بأسبوع. كما قتلت “داعشية” إندونيسية، في 29 تموز/ يوليو من العام ذاته، بعد تعرضها للضرب والتعذيب.

ويمكن القول إن أحد أكثر المخاطر المحدقة بخصوص سيطرة نساء “داعش” على مخيم “الهول”، وقدرتهن على البقاء تحت تأثير أيدولوجيا الفكر الإرهابي الدموي، تتمثل في محاولاتهن الدؤوبة على تلقين “أشبال/ أطفال” التنظيم الإرهابي بالأفكار المتشددة، وذلك ما يمكن ملاحظته من رشق الأطفال للصحافيين بالطوب والحجارة أثناء تجوالهم في المخيم أكثر من مرات، مع الأخذ في الحسبان أن المخيم يؤوي قرابة 28 ألف طفل، بما يعني أن هؤلاء الأطفال مرشحين للانتقال إلى مقاتلين جدد في صفوف التنظيم طالما تتم تنشئتهم على يد نساء “داعش” والأفكار الجهادية. 

امرأة ترتدي ملابس سوداء تسير أمام متجر داخل مخيم الهول لعوائل “داعش” الذي يديره “الأكراد” في الحسكة شمال شرقي سوريا في 14 كانون الثاني/يناير 2020- “أ ف ب”

وقد سبق لطفل لم يتخط العاشرة من عمره أن هاجم الفريق الصحفي لـ”أسوشيتد برس” قبل سنوات قليلة وهتف بوجههم قائلا: “سوف نقتلكم لأنكم كافرون.. أنتم أعداء الله. نحن “الدولة الإسلامية”. أنتم شياطين وسوف أقتلكم بسكين. سوف أفجركم بقنبلة”. 

الحاجة إلى جهود أممية للقضاء التام على “داعش”

في المحصلة، تظل المواجهة مع نساء “داعش” و”أشبال الخلافة” وفق التسمية المزعومة، بحاجة إلى جهود أممية، لا تتوانى عن مساندة “قوات سوريا الديمقراطية”، ليس فقط في توفير الموارد اللازمة لتنقية الأفكار الدموية والتكفيرية والمساهمة في تعديلها بالتعليم والرعاية الصحية والخدمات اللازمة.

لكن كذلك من خلال التعاون على مستوى استقبال مواطنيها وبدء محاكمتهم وتوفير الظروف لبعضهم ممن يمكن إعادة تأهيلهم للدمج في المجتمع. 

وقد شرعت هولندا، قبل أيام في محاكمة مواطنة تدعى حسناء عرب التحقت بالتنظيم الإرهابي عام 2015، حيث تطالها اتهامات بجرائم ضد الإنسانية، وقد تورطت في “استعباد” امرأتين إيزيديتين بسوريا. 

ومطلع العام، قالت “قوات سوريا الديمقراطية”، إن “وحدات حماية المرأة” التابعة لها، حررت امرأة إيزيدية “وكان قد سبق تحرير العشرات من الفتيات والنساء الأيزيديات في المخيم، إذ أن هؤلاء النسوة كن يخشين الإفصاح عن هوياتهن، خوفا من الداعشيات اللواتي يتواجدن معهن، أو بسبب ترددهن في الكشف عن حقيقتهن، باعتبار أن عائلاتهن قد ترفض رجوعهن بعد أن تعرضن للاغتصاب بالإضافة إلى إنجاب أطفال من المتطرفين الذين اعتدوا عليهن”. 

وبحسب مقطع فيديو لصالح وكالة “أسوشييتد برس”، وصفت المرأة المعاملة القاسية مؤكدة: “لقد دمروا حياتي، فقد جرى بيعي وشرائي مثل شاة”. وتابعت أن “النساء اللاتي قاومن الاغتصاب كن يُقتلن”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات