بعد الإطاحة بنظام الأسد، بدأت الوفود الأممية والمنظمات الحقوقية بزيارة سوريا للاطلاع على الأدلة الجنائية التي تثبت تورط سلطات النظام المخلوع بارتكابها جرائم في المعتقلات التي كانت تتبع للأجهزة الأمنية، خاصة سجن صيدنايا، سيء الصيت.
حيث ما يزال مصير آلاف المعتقلين مجهولا، بينما تم العثور على مقابر جماعية لمئات المعتقلين، الذين جرى إعدامهم على مدار أكثر من عقد، لكن يصعب كشف هويتهم، وهذا يحتاج إلى سنوات من التحقيق.
يأتي ذلك في حين تبرز مطالب شعبية بمحاسبة ممن ارتكبوا هذه الفظائع، على رأسهم، الرئيس المخلوع، بشار الأسد، الذي بات يقبع في موسكو منذ 8 كانون أول/ديسمبر الماضي.
المحكمة الجنائية الدولية
مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية، كريم أحمد خان، التقى أمس الجمعة، بقائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، وفق ما أفادت وكالة الأنباء الرسمية “سانا”، بعد أن أحيت الإطاحة بنظام الأسد الآمال بتحقيق العدالة.

وقالت وكالة “سانا” إن الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني التقيا وفداً من المحكمة الجنائية الدولية برئاسة كريم أحمد خان، المدعي العام للمحكمة.
سافر خان إلى دمشق بدعوة من الحكومة الانتقالية السورية ليرى كيف “يمكنها أن تقدم شراكتها لدعم جهود السلطات السورية نحو المساءلة عن الجرائم المرتكبة في البلاد، بحسب بيان صادر عن مكتب خان.
وأضاف البيان أن المدعي العام ممتن للمناقشات المفتوحة والبناءة خلال زيارته، والتي تم خلالها وضع إجراءات المتابعة، لكنه لم يكشف عن نقاط النقاش التي تم تناولها في اللقاء مع الإدارة الجديدة في دمشق.
في ظل حكم عائلة الأسد لسوريا، لم يسمح للمحكمة الجنائية الدولية في البلاد، التي لم تصادق على نظام روما الأساسي والذي يمنح المحكمة ولاية على الجرائم المرتكبة في الدول التي وقّعت عليه.
ودعا مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، خلال زيارة إلى دمشق الأربعاء الماضي، إلى تحقيق “العدالة الانتقالية” في سوريا، معتبرا أن الأمر “بالغ الأهمية” بعد تسلّم إدارة جديدة السلطة في البلاد.
تورك قال الشهر الماضي، إنه سيشجع بقوة السلطات السورية الجديدة على التصديق على نظام المحكمة الجنائية الدولية، مشددا على الحاجة إلى “بناء نظام قانوني محلي يسمح بمحاكمات عادلة”.
مصير الأسد بيد موسكو
في 8 كانون أول/ديسمبر الماضي، هرب بشار الأسد مع عائلته إلى موسكو، حيث حصل على حق اللجوء هناك، بناء على اعتبارات إنسانية، بقرار من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.

وحول إذا كان الكرملين سيسلم الأسد للمحاكمة، قال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف ريابكوف، في وقت سابق، إن “روسيا ليست طرفا في الاتفاقية التي أسست المحكمة الجنائية الدولية”، في إشارة إلى عدم نيتهم تسليمهم للمحكمة.
وأضاف ريابكوف، خلال مقابلة أجرتها معه شبكة “إن بي سي” الأميركية في وقت سابق: “إنه (بشار الأسد) آمن، وهذا يظهر أن روسيا تتصرف كما هو مطلوب في مثل هذا الوضع الاستثنائي”.
“روسيا ليست عضوا بالمحكمة الجنائية الدولية لكن يمكن أن تسلم بشار الأسد إذا أرادت ذلك خارج نطاق المحكمة الجنائية من خلال اتفاقيات ثنائية مع سوريا والوسائل القانونية”، وفق المختص بالقانون الدولي وعمليات التحقيق، ياسر شالاتي.
وأوضح شالاتي في حديث لـ “الحل نت”، أن هناك اتفاقية موقعة بين سوريا وروسيا لتسليم المطلوبين، وهي اتفاقية ثنائية تم التوقيع عليها بين وزيري العدل السوري والروسي في 22 حزيران/يونيو عام 2022، تتضمن أحكام حول تسليم المطلوبين بين البلدين، ووافق عليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بينما صادق عليها مجلس الدوما الروسي في 5 نيسان/أبريل عام 2023.
تنص الاتفاقية على التزام الطرفين بتسليم الأشخاص المطلوبين للمحاكمة الجنائية أو تنفيذ العقوبة، وفقاً للقوانين والتشريعات السائدة في كلا البلدين. إذ يُشترط أن تكون الأفعال المنسوبة إلى الشخص المطلوب تسليمه تُعاقب عليها القوانين في كلا الدولتين، وأن تكون العقوبة السجن لمدة لا تقل عن سنة واحدة أو أشد.
من خلال هذه الاتفاقية الثنائية يمكن المطالبة بتسليم بشار الأسد لأنه يجرَّم حسب أفعاله في كلا القانونين السوري والروسي، وفق شالاتي.
مقايضة سياسية
من المحتمل أن تعمل موسكو على المقايضة على تسليم الأسد للسلطات السورية الجديدة، مقابل الحصول على مكتسبات في سوريا، مثل الحفاظ على قاعدتيها العسكريتين في اللاذقية وطرطوس، في حين أن ذلك يصطدم بمطالب أوروبية تقضي بخروج روسيا من الأراضي السورية.
بحسب شالاتي، فإن تسليم موسكو للأسد إلى السلطات السورية يخضع للأوضاع السياسية بين البلدين، لكن من الناحية القانونية فإن هناك اتفاقية يمكن من خلالها تسليمه.
وأوضح المختص القانوني أن الطلب عبر الانتربول ليس له علاقة بالمحكمة الجنائية الدولية، مشيرا إلى أن روسيا سلمت من قبل مطلوبين بقضايا مخدرات وغيرها من خلال الانتربول.
ووضع محققون تابعون للأمم المتحدة قوائم سرية تضم 4 آلاف من مرتكبي الجرائم الخطيرة في سوريا، آملين في ضمان المحاسبة على أعلى المستويات في هذا البلد مع سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.
وقالت لينيا أرفيدسون التي تنسق أعمال لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا، لوكالة الصحافة الفرنسية إنه “من المهم جدا إحالة مرتكبي الجرائم على أعلى المستويات إلى القضاء”.
وشددت -خلال مقابلة أجرتها معها وكالة “فرانس برس” في 12 كانون أول/ديسمبر الماضي- على أنه “يجب التركيز على الذين يتحملون المسؤولية الرئيسية عن الانتهاكات التي ارتكبت على مدى سنوات مديدة، بدل التركيز على مرتكبي (الجرائم) الأدنى مستوى”.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
مقالات ذات صلة

شرعي سابق بـ”تحرير الشام” يدعو لتوطين “المجاهدين” في الساحل السوري

وسط صمت حكومي.. قتلى وجرحى بغارات إسرائيلية على درعا

تغييب بنود عن الدستور الجديد وتمييع حقوق السوريين تثير انتقادات واحتجاجات

أحداث الساحل ومشاركة دمشق بمؤتمر بروكسل.. خطوة غربية للوراء لتحديد مسار سلطة الشرع
الأكثر قراءة

وصفت بـالتاريخية لحظة تصديق الشرع على الإعلان الدستوري

هل تستفيد المصارف السورية من تعليق العقوبات عن “البنك المركزي”؟

هجوم لفلول النظام على حاجز للأمن العام بدمشق

نزوح الآلاف من الساحل السوري باتجاه لبنان.. تفاصيل

ميليشيات عراقية تعتدي على سوريين وتعتقلهم

ميليشيا عراقية تعتدي على السوريين.. دمشق تندّد والسوداني يأمر باعتقال المتورّطين
المزيد من مقالات حول سياسة

“قتل وحرق ودمار”.. شهادات جديدة توثق مجازر الساحل السوري

استمرار الاعتصام المفتوح لموظفي شركة كهرباء السويداء.. ما المطالب؟

وزيرة الخارجية الألمانية في دمشق: بداية سياسية جديدة؟

بعد موجة انتقادات.. وزارة الشؤون الاجتماعية توضح التعميم 28

انتشار سيارات “الدعوة” في شوارع دمشق يثير الجدل والتوترات

“لبحث تنفيذ الاتفاق”.. قائد “قسد” يجتمع مع لجنة من الإدارة السورية

“خطوة للتقارب مع دمشق”.. ناقلة نفط روسية متجهة إلى سوريا
