يدخل قرار الإدارة السورية الجديدة بزيادة رواتب موظفي القطاع العام 400%، حيز التنفيذ بداية من شهر شباط/ فبراير المقبل، في ظل تساؤلات كثيرة حول إمكانية اتخاذ الحكومة قرارًا بتثبيت الأسعار، وإجراءات التصدي لارتفاع أسعار السلع والخدمات.
وفقًا لوزير المالية السوري محمد أبازيد، فإن الحكومة ستزيد رواتب العديد من موظفي القطاع العام 400 % الشهر المقبل بعد استكمال إعادة الهيكلة الإدارية للوزارات لتعزيز الكفاءة والمساءلة.
تطبيق زيادة الرواتب وتفاقم التضخم
على الرغم من أن زيادة الرواتب 400% تهدف إلى تحسين مستوى المعيشة للمواطنين، إلا أن هناك مخاوف من أن تؤدي إلى تضخم الأسعار نتيجة زيادة الطلب، لتتأثر أسعار السلع الأساسية، مما قد يحد من الفوائد المتوقعة من هذه الزيادة على مستوى المعيشة، ويؤدي إلى تفاقم مشكلة التضخم في البلاد.

ورغم انتظار السوريين تلك الزيادة إلا أنه يبرز التساؤل حول تبعات القرار ومدى تأثيره على الأسواق، وما إذا كانت ستؤدي هذه الزيادة المنتظرة إلى رفع مستوى المعيشة، أم أنها قد تفاقم الأزمة بتأثيرها على الأسعار والأسواق.
كما لم تتضح حتى الآن أي مؤشرات لكيفية تعامل الحكومة الحالية مع زيادة الرواتب بشكل كبير مثل 400%، حيث يجب عليها اتخاذ إجراءات لضبط الأسعار تجنبًا للتضخم المفرط.
وزارة التجارة تعتمد تحرير السوق
في السياق، أوضح مدير المكتب الإعلامي لـ”وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، في حديث خاص لـ”الحل نت”، أن الوزارة تعمل على تحرير السوق من القيود التي فرضها نظام الأسد البائد من موضوع البطاقة الذكية التي أثقلت كاهل المواطنين، إضافة إلى الإتاوات التي تفرض على التجار والتي تعود بغلاء السلع والمنتجات.
الوزارة تعتمد على سياسة السوق الحر التنافسي، وعدم إلزام الباعة بتسعيرة محددة بل عبر منافسة فيما بينهم، خاصة وأن ميزان العرض والطلب يلعب دورا كبيرا مما يعود بالنفع على المستهلك والحصول على أقل سعر بأعلى جودة.
وأفاد بأن فرق التموين تلزم الباعة بإعلان سعر والتقيد به، على أن يكون دليلًا استرشاديًا أمام المستهلك ليختار السلعة التي تناسبه، فيما تستمر دوريات الرقابة التموينية في جولاتها لمنع أي حالة احتكار أو غش للمستهلك، مؤكدًا أن الوزارة تنظم عقوبات قاسية بحق من تسول له نفسه المساس بأمن المواطن الغذائي.
خطة حكومية
في هذا الإطار كان أعلن وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك بحكومة تصريف الأعمال السورية، ماهر الحسن، في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، عن خطة حكومية لتحرير السوق ورفع الدعم عن العديد من السلع في مقابل تطبيق زيادة الرواتب 400%.

وكانت تحدثت حاكمة مصرف سوريا المركزي المكلفة بتسيير الأعمال، ميساء صابرين، مؤخرًا عن توافر أموال لتغطية دفع رواتب موظفي القطاع العام حتى بعد الزيادة التي تعهدت بها الإدارة الجديدة بنسبة 400%.
تُقدَّر تكلفة الزيادة، بنحو 1.65 تريليون ليرة سورية (حوالي 127 مليون دولار أمريكي)، والتي من المتوقع أن تمولها خزانة الدولة الحالية كما أعلنت حاكمة المصرف المركزي، إضافة إلى المساعدات الإقليمية، والاستثمارات الجديدة، وجهود فك تجميد الأصول السورية المجمدة في الخارج، حيث تتوقع الحكومة استرداد ما يصل إلى 400 مليون دولار من الأصول المجمدة في الخارج، مما سيساهم في تمويل النفقات الحكومية.
تعاف الليرة السورية بعد انهيارها
كان سعر صرف الليرة السورية في عام 2010 قبل الحرب التي شهدتها البلاد مستقراً نسبياً، حيث بلغ حوالي 46 ليرة مقابل الدولار، وخلال الحرب شهدت العملة انهياراً حاداً، لتصل إلى أكثر من 22000 ليرة مقابل الدولار عند سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول/ ديسمبر 2024.
أظهرت الليرة السورية مؤشرات تعافٍ بعد انهيار نظام الأسد، حتى استقرت عند 13,000 ليرة مقابل الدولار للشراء، و 13,130 للمبيع، وفقًا لأحدث نشرات “مصرف سوريا المركزي”، اليوم الأحد.دمشق – بعدسة الحل نت
كما بلغ التضخم مستويات قياسية مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية بأكثر من 2000 بالمئة، وفي ظل هذا الوضع انخفض دخل العاملين بشكل كبير، حيث أصبح راتب الموظف الحكومي لا يتجاوز 30 دولاراً شهرياً، ما أدى إلى ارتفاع معدلات الفقر إلى مستويات كبيرة.
ارتفاع أسعار الدولار والبضائع
بدوره، أكد الخبير الاقتصادي، جورج خزام، أن زيادة الرواتب المنتظر تطبيقها سوف يرافقها زيادة بكمية الأموال المتداولة بالليرة السورية بالمقارنة بكمية البضائع والدولار المعروض للبيع، وهو ما سيؤدي إلى حدوث ارتفاع أسعار الدولار والبضائع معًا.

وأكد أنه لا يمكن لأي جهة أن تمنع الارتفاع بالأسعار أو البيع بخسارة، والنظام البائد كان يفعل ذلك بغرض ترهيب الأسواق وقبض الأتاوات إضافة إلى تدمير آخر ما تبقى من الاقتصاد الوطني.
وأشار خلال منشور على صفحته بموقع التواصل “فيسبوك” إلى أنه بحسب التصريحات الرسمية فإن زيادة الرواتب ستكون بقيمة 400%، هو ما يعني أنه إذا كان الراتب قيمته 25 دولار سيصبح 125 دولار، مستبعدًا أن يتم تثبيت الأسعار.
توقعات بارتفاع الأسعار بقيمة 40%
بشأن تأثير زيادة الرواتب على أسعار السلع، فمن المتوقع أن ترتفع أسعار معظم السلع بقيمة 40%، فعلى سبيل المثال يرتفع سعر الخبز من 500 ليرة سورية إلى 700، ويرتفع سعر الأرز من 1500 ليرة إلى 2100، بينما يرتفع سعر السكر من 2000 ليرة إلى 2800.
جميع الزيادات السابقة خلال الأربعة عشر عامًا الماضية، ما هي إلا زيادات وهمية وسلبية، كان يرافقها زيادة أكبر بالأسعار لاعتمادها على إغراق الأسواق بالليرة السورية دون الإهتمام بزيادة الإنتاج الوطني، فمن كانوا يقومون على إدارة الملف الاقتصادي بعهد النظام السابق “فاشلين” لا خبرة لهم بإدارة اقتصاد السوق و آلية عمله.
الخبير الاقتصادي، جورج خزام،
وحذر من أن تتسبب زيادة الاستهلاك والطلب في حدوث زيادة أكبر بالمستوردات، خاصة وأن الصناعة الوطنية أغلبها تجميع وإعادة تصنيع لمستوردات، مردفًا: “هذا ما لا يعترف به القائمون على إدارة الاقتصاد بالاعتماد على الاستيراد دون دعم المنتج الوطني”.
كيف تتجنب الحكومة ارتفاع الأسعار؟
شدد الخبير الاقتصادي، جورج خزام، على ضرورة زيادة الإنتاج من البضائع الوطنية حصرًا أو بزيادة كمية الدولار المتداولة بالسوق، مشيرًا إلى أن زيادة البضاعة المستوردة ما هي إلا استبدال للدولار، ذلك تجنبًا لحدوث أزمة ارتفاع أسعار.

فيما علق الباحث الاقتصادي، جوليان بدور، متوقعًا أن تشهد الأسواق على المدى القصير، ارتفاعًا بالأسعار في ظل توقف الإنتاج الوطني، بينما على المدى المتوسط أو البعيد، يمكن لهذه الزيادة أن تشكل دفعة قوية للاستهلاك المحلي والطلب الكلي وتحريك النمو، ذلك شرط أن تكون هناك سياسة حكيمة للدولة في الاستثمار والإنتاج، وفق قوله.
وزير المالية السوري محمد أبازيد، كان صرّح سابقًا بأن الحكومة الجديدة ورثت دولة متهالكة ذات خزائن فارغة وديون ضخمة ولا توجد أي مكونات.
وأوضح أن حكومته تسعى لإعادة الهيكلة الوظيفية من أجل معالجة الترهل الموجود في المؤسسات والجهات الحكومية، لافتا إلى أنه لا توجد أرقام حقيقية للموظفين في المؤسسات الحكومية والواقع الحقيقي يشير إلى وجود 900 ألف موظف.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
مقالات ذات صلة

انخفاض كبير في معدل التضخم.. كم بلغت النسبة؟

مع حلول شهر رمضان.. ما قيمة الحد الأدنى لتغطية احتياجات الأسر السورية؟

ارتفاع غير مُبرر.. قطار الغلاء يدهس الأكلات الشعبية السورية

وسط تقلبات سعر الصرف.. الغلاء يزيد من معاناة السوريين
الأكثر قراءة

وصفت بـالتاريخية لحظة تصديق الشرع على الإعلان الدستوري

هل تستفيد المصارف السورية من تعليق العقوبات عن “البنك المركزي”؟

هجوم لفلول النظام على حاجز للأمن العام بدمشق

نزوح الآلاف من الساحل السوري باتجاه لبنان.. تفاصيل

ميليشيات عراقية تعتدي على سوريين وتعتقلهم

ميليشيا عراقية تعتدي على السوريين.. دمشق تندّد والسوداني يأمر باعتقال المتورّطين
المزيد من مقالات حول اقتصاد

وسط الغلاء وتآكل القدرة الشرائية.. كيف يشتري السوريون “كسوة العيد”؟

متى تتسلم الإدارة السورية آبار وحقول النفط من “قسد”؟

بعد ملاحقة المكاتب غير المرخصة.. هل تنتهي فوضى “بسطات الصرافة” في سوريا؟

لغز توقف إعادة الربط الكهربائي بين سوريا والأردن.. هل قطر السبب؟

مسؤول يكشف حقيقة السفن القطرية والتركية.. سوريا بلا كهرباء إلى أجل غير مسمى

“وزارة الاقتصاد” تستعرض انجازاتها.. هل انعكست على معيشة السوريين؟

ضوابط ورسوم جديدة تهدد بانهيار قطاع التخليص الجمركي في سوريا.. ما علاقة الاحتكار؟
