يتعرض القطاع الصناعي في سوريا منذ اندلاع الأزمة والثورة الشعبية ضد الرئيس المخلوع بشار الأسد عام 2011، إلى واحدة من أكبر الأزمات، بعد أن تضررت غالبية المصانع وتوقف بعضها عن الإنتاج. 

وعلى الرغم من تحرير سوريا من النظام البائد وعودة الاستقرار النسبي لها، إلا أن الصناعة السورية لازالت تتلقى العديد من الضربات التي تضرّ بالقطاع وتعرّضه لخسائر هائلة، انعكست على مستوى معيشة المواطنين واستقرار الدولة، ليزداد المشهد الاقتصادي تعقيدًا. 

ضربات متتالية للصناعة 

تعتبر الصناعة في سوريا رافدًا أساسيًا لعجلة الاقتصاد، ما يجعلها من أهم نقاط القوة التي يمكن أن تعتمد عليها “الإدارة السورية الجديدة” خلال الفترة القادمة لاستعادة تعافي الاقتصاد السوري. 

وفي السياق عانى الاقتصاد السوري خلال فترة الحرب في البلاد التي امتدت من العام 2011 وحتى 2019 قبل الهدوء النسبي المؤقت خلال السنوات الخمس الأخيرة، ووصلت الخسائر الاقتصادية للبلاد من الحرب إلى نحو 442 مليار دولار بحسب بيانات الأمم المتحدة. 

وتشير تقارير إلى حاجة الاقتصاد السوري إلى نحو 10 سنوات من أجل العودة إلى مستويات 2011، وذلك بعد أن فقد نحو 85% من قيمته خلال 12 عاماً ليصل إلى تسع مليارات دولار في 2023 مقابل 67.5 مليار دولار في 2011، وفقاً للبنك الدولي. 

يأتي ذلك بعد أن تراجع النشاط الاقتصادي بالبلاد بنحو 1.2% خلال 2023 على أساس سنوي، لا سيما في المناطق الواقعة إلى الحدود الغربية، مع ضعف النشاط التجاري بصفة خاصة. 

كان احتياطي النقد الأجنبي قبل اندلاع الحرب في “مصرف سوريا المركزي” وصل إلى نحو 18.5 مليار دولار في العام 2010، بحسب بيانات الاحتياطي الفدرالي في سانت لويس. 

بضائع مستوردة وانخفاض للدولار 

من جهته قال الخبير الاقتصادي، جورج خزام، إن الصناعة المحلية السورية تلقت العديد من الضربات منذ سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد وبداية التحرير. 

وأوضح الخبير الاقتصادي، في منشور عبر صفحته بموقع التواصل “فيسبوك“، أن الضربة الأولى جاءت بعد إغراق الأسواق السورية بالبضائع التركية والأجنبية القادمة من الشمال مقابل جمارك رمزية مع إعانات تصدير مرتفعة. 

وأضاف أن تلك البضائع أدت إلى انهيار الصناعة التي تعاني بالأساس من ارتفاع التكاليف، مع تراجع الإنتاج وزيادة البطالة والكساد. 

الضربة الثانية للصناعة جاءت أيضًا مع الانخفاض الوهمي السريع لسعر صرف الدولار من 15,000 ليرة إلى 7,000 ليرة، حيث اضطر الصناعيون لتصريف المدخرات بالدولار بسعر منخفض لدفع المصاريف الثابتة بالليرة السورية مثل الرواتب والفواتير وغيرها. 

الخبير الاقتصادي، جورج خزام

وانخفض بشكل مفاجئ سعر صرف الدولار أمام الليرة السورية، حيث بدأت رحلة الهبوط بوصول الدولار إلى نحو 9,900 ليرة، حتى وصل اليوم إلى 9,400 ليرة للمبيع، بينما الشراء 9,200 ليرة، وفق بيانات موقع “الليرة اليوم” الاقتصادي. 

ما علاقة الرسوم الجمركية؟ 

أما الضربة الثالثة التي تلقتها الصناعة، فأشار إلى أنها نتجت عن قيام “مصرف سوريا المركزي” بتجميد أموال الصناعيين المحجوزة بغير وجه حق في منصة تمويل المستوردات سيئة السمعة، مما أدى لإضعافهم في مواجهة البضائع التركية واحتمال إفلاس عدد كبير منهم وهم يملكون أموال بالمنصة.  

وعن الضربة الرابعة فبيّن أنها كانت عبر اتفاقية التجارة الحرة وتخفيض الرسوم الجمركية مع تركيا التي تعاني من فائض كبير بالإنتاج وكساد، مما جعل الأسواق السورية منفذًا لتسويق الفائض ولو بسعر التكلفة مع إعانات تصدير مرتفعة.  

وأكد الخبير الاقتصادي أنه مع كل هذه الضربات، تم القضاء على آخر ما تبقى من الاقتصاد الوطني وتسريح العمال وظهور جيش من العاطلين عن العمل، إضافة إلى تراجع الطلب والاستهلاك والدخول بالركود التضخمي الجامح الذي سوف يدفع ثمنه الفقير أولًا.  

لا يزال نحو 69% من السكان (14.5 مليون سوري) يعيشون في فقر، وقد طال الفقر المدقع أكثر من واحد من كل أربعة سوريين (وفق بيانات 2022 الصادرة عن البنك الدولي). 

ووفقًا لوزير التجارة التركي عمر بولاط، فإن سوريا عدّلت النظام الجمركي الصادر 11 كانون الثاني/ يناير 2025، وتخفيض التعرفة الجمركية على 6302 منتج، وهو ما نفته هيئة المنافذ بسوريا. 

وفي الفترة بين 1 و25 كانون الثاني/ يناير 2025، بلغت قيمة الصادرات التركية إلى شمالي سوريا 219 مليون دولار، مسجلة ارتفاعًا بنسبة 35.5% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، حيث كانت 161 مليون دولار. 

إصلاحات حكومية 

تخطط “الحكومة المؤقتة” في سوريا لتنفيذ إصلاحات اقتصادية واسعة النطاق بهدف إنعاش الاقتصاد المنهك، وتشمل هذه الإصلاحات خططاً لخفض عدد موظفي القطاع العام بنحو الثلث، بالإضافة خصخصة الشركات الحكومية التي كانت تهيمن على الاقتصاد خلال العقود التي حكمت فيها عائلة الأسد. 

في تصريحات إعلامية سابقة أشار وزير الصناعة السوري سامر الخليل، إلى أن القطاع العام الصناعي يعاني فسادًا كبيرًا وتجاوزات وممارسات خاطئة معروفة على مستوى الشارع السوري، وهو ما جعل القطاع العام الصناعي يستنزف إمكانيات الدولة السورية بدلاً أن يكون رافدا لها. 

وقال الوزير إنه يجب أن يكون هناك تحول في شكل التعاطي مع القطاع الصناعي، موضحًا أنه لا يجوز للدولة أن تبقى تعمل في بعض الصناعات التي نجح فيها القطاع الخاص وكان له حضور لافت على مستوى الكثير من الدول والأسواق، بينما لدى سوريا خسارات وفساد في الإدارات التي تتولى هذه المنشآت والشركات، مشددًا على أهمية العمل على اجتثاث الفساد والتحرك لتحقيق نقلة نوعية في القطاع والاستثمار مع القطاع الخاص بشكل مشترك. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة