تحول عقبات هائلة دون إعادة إعمار سوريا، بعد الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، وفي مقدمة تلك العقبات عودة اللاجئين الذين أجبروا على مغادرة البلاد خلال الحرب الأهلية السورية التي استمرت لعقد من الزمان.
وقد تصبح عودة هؤلاء اللاجئين أكبر عملية إعادة إلى الوطن منذ عقود، مع وجود أكثر من ستة ملايين لاجئ سوري في الخارج وسبعة ملايين نازح داخل سوريا.
عودة مئات آلاف السوريين خلال شهرين
هذا وقد عاد مئات الآلاف من السوريين بالفعل إلى وطنهم، مدفوعين برغبات مختلفة بين التحقق من الممتلكات التي تركوها، والهروب من الفقر في البلدان المضيفة، أو لم شمل الأسرة، والمشاركة في الفصل التالي من تاريخ بلادهم.

ووفق نائبة رئيس بعثة مفوضية شؤون اللاجئين في سوريا، عسير المضاعين، أمس الثلاثاء، فإن أكثر من 270 ألف لاجئ سوري عادوا إلى بلدهم بعد سقوط النظام السوري السابق في كانون الأول/ ديسمبر 2024.
وأشارت خلال تصريحات إعلامية، إلى أن بعض السوريين ينتظرون ما سيؤول إليه الوضع في سوريا، خاصة فيما يتعلق بالوسائل الخدمية، مؤكدة أن الكثير من السوريين ليس لديهم منازل يعودون إليها، موضحة أن عدم وجود خدمات أساسية ووظائف وتدهور الأوضاع المعيشية أمور قد تجعل السوريين يترددون في العودة بسببها
ووفقا لإحصائيات أممية، فإن أكثر من 13 مليون سوري غادروا بلداتهم ومدنهم قسرا بسبب الحرب، فيما بلغ العدد الإجمالي 7.2 ملايين نازح داخليا، و6.5 ملايين لاجئ وطالب لجوء في دول مختلفة.
تحد عودة اللاجئين السوريين
في هذا الصدد ناقش تقرير نشرته مجلة “فورين أفيرز” تفاصيل تحد عودة اللاجئين السوريين، وأشار إلى أن العديد من السوريين عادوا بالفعل، آملين لم شمل العائلات وإعادة بناء وطنهم، خصوصا بالنظر للمصاعب الاقتصادية في البلدان المضيفة.
بحلول نهاية 2024، عاد ما يقرب من 500 ألف لاجئ، بما في ذلك 350 ألف لاجئ هربوا من الغزو الإسرائيلي للبنان، كما عاد 125 ألفا آخرين في أوائل عام 2025، وهناك توقعات بعودة المزيد، إما طواعية أو بسبب الترحيل من الدول المضيفة التي تواجه ضغوطا اقتصادية وسياسية، وفق التقرير.
ورأت المجلة أن المشكلة تكمن في أن معظم العائدين داخل سوريا لن يجدوا مكانا يعودون إليه، فقد دمرت أحياء بأكملها في مدن مثل حلب والرقة بسبب قصف النظام المخلوع، وانكمش الاقتصاد بنسبة 80%، وهناك نقص حاد في الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والكهرباء والمياه النظيفة.
وأضاف التقرير أن انتشار البطالة والتضخم المتفشي أدى إلى ارتفاع معدل الفقر إلى 90%، كما قد يتسبب افتقار البلاد إلى البنية التحتية الأساسية بما في ذلك المدارس والمؤسسات بتعقيد إمكانية إعادة الإدماج الجماعي للنازحين.
تعاون شامل
حسب التقرير، الذي كتبه جيسي ماركس من “منظمة اللاجئين الدولية” وحازم ريحاوي من “الدفاع المدني السوري”؛ يجد العديد من العائدين منازلهم محتلة أو مدمرة أو مسكونة، مما قد يؤدي إلى نزاعات على الأراضي والمزيد من الاضطرابات، وتفاقم الوضع الهش في سوريا.

وحث كاتبا التقرير على وضع برنامج منسق لعودة اللاجئين يشمل “حكومة تصريف الأعمال” في سوريا و”المفوضية العليا لشؤون اللاجئين” التابعة للأمم المتحدة، والبلدان المجاورة مثل تركيا ومصر ولبنان والأردن، وقد أثبت هذا النهج نجاحه في أفغانستان والعراق.
ومن شأن مثل هذا الإطار أن يحمي العائدين ويحل النزاعات المتعلقة بالملكية ويدمج السوريين في عملية إعادة إعمار البلاد، كما يرى الكاتبان.
وأكمل التقرير بأن على البلدان المضيفة وقف عمليات الترحيل القسري والسماح لوكالات الأمم المتحدة بالإشراف على عودة السوريين الطوعية إلى الوطن، وإعطائهم خيار العودة إلى البلد المضيف إذا ما وجدوا أن الأوضاع لا تزال غير صالحة للمعيشة.
خطة تحفيزية
قال التقرير في هذا الصدد إن على المجتمع الدولي ومفوضية شؤون اللاجئين تحفيز الدول على الوفاء بهذه الالتزامات عبر ربط المساعدات الإنسانية التي تتلقاها بالامتثال لخطة إعادة اللاجئين.
إدارة الأزمة تتطلب إعادة بناء المؤسسات السورية لتقديم الخدمات والتوسط في النزاعات، وبالتالي فعلى منظمات المجتمع المدني -التي كان لها دور حاسم في تقديم المساعدات طوال فترة الحرب- مواصلة دعم جهود إعادة الإدماج.
تقرير مجلة “فورين أفيرز”
وأكد التقرير كذلك ضرورة تمويل الخطة، مشيرا إلى أنه على الأمم المتحدة والمانحين الدوليين، بما في ذلك دول الخليج، تقديم حوافز مالية لضمان العودة الآمنة والتدريجية.
وشدد التقرير على ضرورة التخلي عن الشكوك الدولية تجاه القيادة الجديدة في سوريا من أجل نجاح خطة إعادة النازحين، وإلا فإن هناك خطر اندلاع صراع آخر يهدد حياة السوريين.
وحذر التقرير ختاما من أن نافذة فرصة إعادة إعمار سوريا من دون المزيد من الصراعات آخذة بالانغلاق، وتكلفة التقاعس باهظة الثمن، وستؤثر على السوريين والبلاد المحيطة لأجيال.
تحد الحياة والبناء
في السياق رأت “ريليف ويب” وهي أكبر بوابة معلومات إنسانية في العالم، أنه حتى لو تم استعادة البنية الأساسية، فإن التحدي المتمثل في إعادة بناء سبل العيش لا يزال قائما، فقد تحطم الاقتصاد السوري، مع انتشار البطالة والتضخم ونقص الاستثمار.

وأوضحت أن العديد من العائدين سوف يجدون صعوبة في تأمين وظائف مستقرة أو فرص توليد الدخل، ولمعالجة هذا، ينبغي للحكومات والمنظمات التركيز على دعم مشاريع سبل العيش التي تمكن العائدين من تحقيق الاكتفاء الذاتي.
وأشارت البوابة إلى أن ذلك قد يشمل برامج التدريب المهني، ومنح الأعمال الصغيرة، والاستثمارات في الزراعة والصناعات المحلية، ومن خلال خلق فرص المشاركة الاقتصادية، كما يمكن للعائدين المساهمة في إعادة بناء مجتمعاتهم والاقتصاد السوري الأوسع.
وقالت إن أحد أهم العقبات التي تواجه العائدين هو الافتقار إلى البنية الأساسية، بعد أن أدت سنوات من الصراع إلى تدميرها، وأصبحت الأحياء بأكملها غير صالحة للسكن، وتكلفة إعادة البناء باهظة، لذا يتعين على الحكومات والمنظمات الدولية إعطاء الأولوية لإعادة بناء البنية الأساسية الحيوية لخلق بيئة حيث يمكن للعائدين العيش بأمان.
وختامًا أكدت بوابة “ريليف ويب” في تقريرها أن الحكومات والمجتمع الدولي لهما دوراً حاسماً في ضمان عودة آمنة وطوعية ومستدامة، وهو ما يتطلب نهجًا منسقًا يتجاوز المنح الفردية أو المساعدات لمرة واحدة، كما يتطلب استثمارات طويلة الأجل في البنية الأساسية وسبل العيش والتماسك الاجتماعي.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
مقالات ذات صلة

مباحثات لاستئناف التعاون مع “البنك الدولي”.. هل يتدخل لإنقاذ اقتصاد سوريا؟

درعا تُعيد بناء نفسها.. حملة تبرعات للمستشفيات والبدء بإزالة آثار الحرب

مرحلة إعادة الإعمار في سوريا: الشروط والتوقيت

الاجتماعات الوزارية في الرياض: أهداف ومخرجات
الأكثر قراءة

وصفت بـالتاريخية لحظة تصديق الشرع على الإعلان الدستوري

هل تستفيد المصارف السورية من تعليق العقوبات عن “البنك المركزي”؟

هجوم لفلول النظام على حاجز للأمن العام بدمشق

نزوح الآلاف من الساحل السوري باتجاه لبنان.. تفاصيل

ميليشيات عراقية تعتدي على سوريين وتعتقلهم

ميليشيا عراقية تعتدي على السوريين.. دمشق تندّد والسوداني يأمر باعتقال المتورّطين
المزيد من مقالات حول اقتصاد

وسط الغلاء وتآكل القدرة الشرائية.. كيف يشتري السوريون “كسوة العيد”؟

متى تتسلم الإدارة السورية آبار وحقول النفط من “قسد”؟

بعد ملاحقة المكاتب غير المرخصة.. هل تنتهي فوضى “بسطات الصرافة” في سوريا؟

لغز توقف إعادة الربط الكهربائي بين سوريا والأردن.. هل قطر السبب؟

مسؤول يكشف حقيقة السفن القطرية والتركية.. سوريا بلا كهرباء إلى أجل غير مسمى

“وزارة الاقتصاد” تستعرض انجازاتها.. هل انعكست على معيشة السوريين؟

ضوابط ورسوم جديدة تهدد بانهيار قطاع التخليص الجمركي في سوريا.. ما علاقة الاحتكار؟
