بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد في الـ 8 كانون أول/ديسمبر 2024، بدأت ملامح النوايا الإسرائيلية ومخططاتها تتكشف حول سوريا، لاسيما جنوبي البلاد، إذ أخذت السياسة الإسرائيلية منحنى مختلفا عما كانت عليه إبان حكم الأسد، مستغلة حالة الضعف السياسي والعسكري وانشغال “الإدارة السورية الجديدة” بالأوضاع الداخلية، الاقتصادية والاجتماعية، ناهيك عن الأوضاع الأمنية، خاصة في الساحل السوري.
وتعمل إسرائيل على استهداف قواعد عسكرية تُشكل في نظرها تهديدا أمنيا لها، ناهيك عن التوغل البرّي شبه اليومي في محافظتي درعا والقنيطرة، حيث باتت توسع عملياتها البرية، التي وصلت ليل الأربعاء – الخميس إلى منطقة نوى بريف درعا الغربي، في حين أن سلاح الجو استهدف مطارَي حماة و “تي 4″، إضافة إلى قاعدة تدمر العسكرية.
إذ شهد التصعيد الأخير تطورا لافتا في السياسة الإسرائيلية تجاه تحالفات دمشق السياسية والعسكرية، فبعد أن كانت تل أبيب تخشى الوجود الإيراني في سوريا بات الوجود العسكري التركي “تهديدا محتملاً” لها، رغم عدم وجود تحرك عسكري تركي رسمي في سوريا، لكن على ما يبدو أن تل أبيب تستبق أي اتفاق محتمل بين دمشق وأنقرة، فهي تريد رسم واقع جديد في المنطقة.
ما دور التصريحات التركية؟
انطلاقا من العلاقات التركية الإسرائيلية المتوترة، فإن تل أبيت وجدت سوريا ساحة لتصفية حساباتها مع أنقرة، بل وكسر شوكتها من دون مواجهة مباشرة، لكن ذلك سيكون على حساب استقرار سوريا والسوريين، إذ تسعى إسرائيل لكبح جماح النفوذ التركي وتمدده لملء فراغ تركته إيران وميليشياتها في الأراضي السورية.
الصحفي محمود السعدي يرى أن التصريحات التركية حول توسيع نفوذها في سوريا ساهمت في تصاعد التوتر مع إسرائيل، إذ إن هذا التوتر المتزايد بين أنقرة وتل أبيب، الناتج عن التصريحات والتحركات المتبادلة، قد يكون أحد العوامل التي دفعت إسرائيل إلى تكثيف عملياتها العسكرية في سوريا، بهدف مواجهة النفوذ التركي المتنامي في المنطقة.
يتفق في ذلك الناشط ماجد عبد النور، في أن معظم محاولات التصعيد الإسرائيلي على سوريا سببه التصريحات التركية “اللا مسؤولة ومحاولاتها إظهار توسع نفوذها في سوريا”. وأوضح في تغريدة عبر منصة “إكس” أن ذلك بدأ من تصريحات تركيا حول ترسيم الحدود البحرية التي أثارت حفيظة اليونان وقبرص ومصر مروراً بتصريحاتهم حول وضع قواعد عسكرية متقدمة في العمق السوري وليس انتهاءً بالحديث عن اتفاقيات أمنية وإظهار اهتمامهم المبالغ برعاية المسجد الأموي لإثبات الرابطة الدينية على غرار ما كانت تحاول فعله إيران.
تسعى أنقرة إلى توظيف قدراتها العسكرية وملئ الفراغ الذي خلّفه انسحاب إيران وميليشياتها من سوريا، في حين أن تل أبيب تعتبر ذلك “تهديداً محتملاً”، مما يؤكد أن إسرائيل لن تسمح لتركيا أن توطد وجودها العسكري، حتى وإن تحولت سوريا إلى ساحة للصراع.
“سوريا أصبحت بالفعل ساحة لتصفية الحسابات بين قوى إقليمية ودولية، وإمكانية تحولها إلى ساحة مواجهة غير مباشرة بين إسرائيل وتركيا ليست مستبعدة، لكنها تبقى محدودة بسبب تعقيدات الواقع على الأرض.”
الصحفي محمود السعدي لـ “الحل نت”
وأضاف أن سوريا ستبقى ساحة لصراع النفوذ بين تركيا وإسرائيل، لكن عبر وسائل غير مباشرة مثل الضربات الجوية الإسرائيلية والوجود العسكري التركي الداعم لفصائل معينة، من دون الوصول إلى حرب مفتوحة بين الدولتين.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إن الضربات الإسرائيلية الأخيرة كانت رسالة إلى تركيا. وأوضح أن الرسالة الإسرائيلية حملت “تحذيراً شديداً” للرئيس أحمد الشرع من مغبة “السماح لأي جهة بتغيير الوضع القائم في سوريا بما يهدد أمن إسرائيل”، مؤكداً أن “من يسمح بذلك سيدفع الثمن”.
النفوذ التركي: هل تحقق أنقرة طموحها؟
على الرغم من أن تركيا لم تقم بأي خطوة عملية على الأرض لإقامة قواعد عسكرية في سوريا، إلا أنها تطمح لمد نفوذها عبر استغلال حالة الفراغ وعدم قدرة دمشق على بسط سيطرتها على كامل الأراضي السورية، في ظل ضعف إمكانياتها العسكرية وعدم وجود كوادر مدربة وجاهزة، لكن ذلك مستبعد في المدى القريب والبعيد.

إذ إن سياسة دمشق في التعاطي مع أنقرة ما زالت تأخذ طابع المراوغة السياسية، فهي تسعى للاحتفاظ بعلاقات ودّية مع تركيا لتكون حليفا إقليميا، لكن في نفس الوقت لا تريد خسارة العمق العربي، وتعتبره أولوية بالنسبة لها.
إلى الآن ورغم الطموح التركي إلا أنه لم يتم توقيع أي اتفاقيات عسكرية بين دمشق وأنقرة، وهذا يعود إلى إدراك “الإدارة السورية الجديد” أن وجود نفوذ تركي وقواعد عسكرية ليست من مصلحتها.
بحسب حديث الباحث في الاقتصادي السياسي، الدكتور محمد السعدي، لـ “الحل نت” فإن القواعد التركية لا يمكن أن تطبق على الأرض السورية، بسبب الموقع الجيوسياسي السوري، إذ ستهدد هذه القواعد الأمن العربي وبالتالي فإن الدول العربية لن تسمح لدمشق بأن تتحالف مع تركيا، مشيرا إلى أن دمشق تتصرف وفق رؤية عربية وليست إقليمية.
“اذاً المسألة (القواعد العسكرية التركية في سوريا) لا تخصّ دمشق لوحدها، بل هو أمن قومي عربي اتفق عليه الشرع مع القيادة السعودية في زيارته للسعودية مؤخراً بأنها قضية غير قابلة للتفاوض أو المسايرة.”
الباحث في الاقتصاد السياسي الدكتور محمد السعدي
لكن رغم علم أنقرة بذلك، إلا أنها لن توفر أي فرصة لتحقيق طموحها في الأراضي السورية، إذ من غير المرجح أن تتراجع أنقرة عن خططها لإقامة قواعد عسكرية، خاصةً مع سعيها لتعزيز نفوذها الإقليمي وتأمين مصالحها الاستراتيجية، بحسب الصحفي محمود السعدي.
بالمقابل، قد يؤدي هذا التحرك إلى تصعيد التوترات في المنطقة، خاصةً مع استمرار الغارات الجوية الإسرائيلية على الأراضي السورية، والتي قد تكون رسالة واضحة لتركيا بشأن مخاوف إسرائيل من تزايد النفوذ التركي في سوريا.
ما سرُّ التصعيد الإسرائيلي الأخير؟
بالنسبة لتل أبيب فإنها ما تزال تعمل على تدمير القواعد العسكرية لجيش النظام السابق والتي كانت تتمركز فيها إيران، إذ إن الغارات الجوية التي استهدفت مطاري “تي 4” وحماة وقاعدة تدمر، كانت لتدمير غرف عمليات إيرانية تحت الأرض، بحسب مصدر أمني سوري.
وقال المصدر، الذي رفض الكشف عن هويته، لـ “الحل نت“، إن هناك مبانٍ ضخمة ومحصنة تقع تحت أرض القواعد التي استهدفها سلاح الجو الإسرائيلي ليل الأربعاء – الخميس، وكانت إيران تستخدمها لإدارة عملياتها العسكرية في سوريا.
لكن تل أبيت استغلت الحدث بتوجيه رسالة تحذيرية إلى أنقرة، التي عملت على جس نبض إسرائيل عبر تصريحات حول نيّتها إقامة قواعد عسكرية في وسط سوريا لأهداف متعددة.
المحلل السياسي، الدكتور عامر السبايلة، اعتبر أن التصريحات التركية تأتي من بوابة محاولة ملء الفراغ الإيراني وإظهار الوصاية على سوريا.
“لكن فعليا هذا لا يمكن أن يتم ولن تسمح به إسرائيل ولن تسمح به أيضا الولايات المتحدة بأن تكون يكون لتركيا نفوذ في هذه المناطق الجغرافية وأن تُعيد نموذج إيران بأسلوب آخر. هذا سيكون مرفوض وسيتم مواجهته وقصفه حتى إذا وصلت الأمور إلى التصعيد الأكبر مع تركيا.”
المحلل السياسي الدكتور عامر السبايلة
وأضاف أن تركيا تحاول الاستفادة من هذه الجغرافيا، إذ تحاول أن تبرز نفسها كلاعب أساسي في المعادلة السورية وأن هذا النفوذ يمكن أن يعطيها المساحة للتفاوض في الإقليم، لكن فعلياً لا يمكن التعويل عليها عسكريا في سوريا، خصوصا في مواجهة اسرائيل وسياسة الولايات المتحدة.
ورجح السبايلة أن تستمر إسرائيل بالسياسة التي تقوم بها. وأضاف: “في النهاية فإن الأزمة يمكن أن تنتقل أكثر إلى الداخل السوري على شكل إعادة رسم الخارطة السياسية السورية وأيضا تعميق أزمة تركيا السياسية في الداخل وبالتالي احتواء أي تحركات مستقبلية على نمط السنوات الماضية كما أرادت تركيا، إذ إن الوضع الداخلي أصعب من أن تقوم تركيا بأي سياسة توسعية في المنطقة.”
ماذا عن جنوبي سوريا؟
فيما يخص الجنوب السوري، تحديدا محافظتي درعا والقنيطرة، فإن إسرائيل تعمل على رسم خريطة أمنية في المناطق القريبة من حدودها وتريد أن تكون منزوعة السلاح، إذ قال وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أمس الأربعاء، إن هدف إسرائيل في سوريا يتمثل في نزع السلاح جنوبي البلاد، وضمان أجواء خالية من التهديدات فوق الأراضي السورية.

وادعى أن المنطقة ستشهد نشاطاً متزايداً لـ “منظمات إسلامية فلسطينية” في كل من لبنان وسوريا، وأضاف: “نحن نعمل على منع تسليح حزب الله والفصائل الفلسطينية… التحدي بدأ وسيتصاعد”.
“التصعيد الإسرائيلي في سوريا متوقع وهو جزء مما تعتقد إسرائيل إعادة رسم للجغرافيا الأمنية التي لا يمكن استخدامها كمحطة لوجستية لأي طرف سواء تجمع مسلحين أو سلاح أو إقامة قواعد يمكن أن تُتخذ في المستقبل كنقاط انطلاق أو تهديد لإسرائيل.”
المحلل السياسي الدكتور عامر السبايلة
لكن التحركات الإسرائيلية في جنوبي سوريا لا تبدو أنها ستتوقف عند حدود معينة، إذ بدأت تأخذ منحنى خطيرا يمكن أن يغير خريطة المنطقة، انطلاقا من جبل الشيخ حيث أنشأت إسرائيل قواعد لها، وصولا إلى ريف درعا الغربي ومرورا بمحافظة القنيطرة.
وتوغلت القوات الإسرائيلية ليل الأربعاء – الخميس في الأراضي السورية ووصلت إلى منطقة نوى بريف درعا الغربي، حيث استهدفت حرش سد الجبيلية بين مدينة نوى وبلدة تسيل، ما أسفر عن مقتل 9 أشخاص وجرح آخرين.
وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفخاي أدرعي، في بيان صدر اليوم الخميس، إن القوات الإسرائيلية ضمن “اللواء 474” في منطقة تسيل بريف درعا تمكنت من مصادرة وسائل قتالية وتدمير بنى تحتية أثناء عملية توغل بري وجوي. وأضاف أن العملية شهدت تبادل إطلاق نار مع مسلحين محليين، مما أسفر عن القضاء على عدد منهم دون وقوع إصابات في صفوف القوات الإسرائيلية.
بدورها، دانت وزارة الخارجية والمغتربين السورية، التصعيد الإسرائيلي “غير المبرر”، معتبرة أنه محاولة متعمدة لزعزعة استقرار سوريا وإطالة معاناة شعبها. وأضافت: “في وقت تسعى فيه سوريا لإعادة الإعمار بعد 14 عاماً من الحرب، تأتي هذه الاعتداءات المتكررة في سياق محاولة إسرائيلية واضحة لتطبيع العنف مجدداً داخل البلاد، مما يقوض جهود التعافي ويكرس سياسة الإفلات من العقاب.”
ودعت، في بيان، المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف حازم والضغط على إسرائيل لوقف عدوانها والالتزام بالقانون الدولي وتعهداتها بموجب اتفاقية فصل القوات لعام 1974. وحثّت الخارجية السورية الأمم المتحدة وجميع الجهات الدولية المعنية على اتخاذ إجراءات فورية لوقف هذا التصعيد ومنع المزيد من الانتهاكات.
لذلك، فإن التحركات الإسرائيلية تشير إلى أن تل أبيب تعمل على تغيير المعادلة ورسم واقع جديد في المنطقة، في ظل عدم قدرة السلطات السورية على مواجهة المخطط الإسرائيلي، الذي عبّر عنه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في وقت سابق والذي يتمثل في “شرق أوسط جديد”، لكن تحقيق ذلك لا يتوقف عند سوريا، إذ إنه يشكّل تهديداً لدول عربية أخرى، وهو ما يجعل السيناريوهات مفتوحة، خصوصا في ظل التداخل التركي في المعادلة السورية.
- مؤتمر “وحدة الموقف والصف” الكردي يعلن بيانه الختامي.. تفاصيل
- في ظل غياب العدالة الانتقالية.. استمرار أعمال التصفية والانتقام في سوريا
- مروان الحلبي.. طبيب الخصوبة الذي ارتقى لسُدة التعليم العالي
- رد دمشق على واشنطن تناول 5 مطالب… تفاصيل الرسالة السورية حول شروط رفع العقوبات
- تديّن أم موضة؟.. هجوم حاد من سارة نخلة على حجاب حلا شيحة “الموسمي”
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
مقالات ذات صلة

الشرع يضع شرطا أساسيا للتطبيع مع إسرائيل

إدارة ترامب رفضت إبقاء قواتها في شرقي سوريا.. ماذا عن “قسد” والنفوذ التركي؟

دبلوماسي بريطاني: الشرع يعتزم الاعتراف بإسرائيل نهاية 2026

“تقليص لا انسحاب”.. تفاصيل جديدة حول الوجود الأميركي في سوريا
الأكثر قراءة

واشنطن تتسلّم رد دمشق على متطلبات تخفيف العقوبات.. تفاصيل

هل تحمل زيارة وزير الخارجية الأردني لدمشق رسائل بعد حلّ “اللواء الثامن” بدرعا؟

مسؤول أميركي: لا ثقة بدمشق حتى الآن وهذه أولوياتنا في سوريا

مرهف أبو قصرة: من حقول حلفايا لوزارة الدفاع السورية.. رحلة مثيرة للجدل!

محمد البشير: من حكومتي الإنقاذ وتصريف الأعمال إلى وزارة الطاقة.. السيرة الكاملة

مباحثات أوروبية حول إمكانية تخفيف العقوبات عن سوريا
المزيد من مقالات حول في العمق

الإعلام السوري ما بعد “الأسد”.. هل نحن في مأمن؟

السودان في فخ أردوغان وأطماعه في النفوذ السياسي

العلاقات السورية الأميركية: هل ينجح الشرع في كسب ثقة ترامب؟

اختراقات تُقلق “الحوثيين”.. ما دور كتائب “العائدين” وطارق صالح؟

الهجمات الإسرائيلية في سوريا: مقايضة روسية مقابل تحجيم النفوذ التركي

تحوّل في شرعية التمثيل السوري: واشنطن تُعيد تعريف العلاقة القانونية مع دمشق

لردع تركيا.. العمليات الإسرائيلية في سوريا بداية لحرب مفتوحة؟
