بعد مرور نحو أربعة أسابيع على اندلاع كارثة الزلزال في سوريا، أعلنت الحكومة السورية العديد من القرارات بشأن مساعدة المتضررين من الزلزال، بينها قروض بنكية تساعد المنكوبين على إيجاد مأوى، وذلك رغم أن الاقتصاد السوري وخزينة الحكومة يعانيان من عديد الأزمات التي تعصف بهما منذ سنوات.

كارثة الزلزال تسببت بانهيار مبان سكنية في العديد من المدن، فضلا عن حركة النزوح الناتجة عن خوف سكان المباني المتضررة من هزات ارتدادية قادمة تهدد منازلهم، وإذا ما تحدثنا عن أزمة السكن التي سببتها الكارثة، فإن بعض المدن بدأت تواجه موجات من التغير الديمغرافي بسبب حركة النزوح والبحث عن مساكن أكثر أمانا.

مدى قدرة الحكومة على المساعدة

إعلانات حكومة دمشق عن المساعدات، طرحت تساؤلات عديدة حول قدرة دمشق على الإيفاء بوعودها، لا سيما المتعلقة بالمساعدات المالية والقروض، فضلا عن أهداف الحكومة من إطلاق هذه الوعود في حال عدم قدرتها على التنفيذ، فهل تستطيع فعلا الحكومة تعويض المتضررين من الكارثة.

من أبرز قرارات مساعدة المتضررين كان إعلان بنك “الوطنية للتمويل” عن قرض “ساند” لترميم وإعادة تأهيل المساكن المتضررة من الزلزال دون فوائد، وبقيمة تمويل تصل حتى 18 مليون ليرة سورية “نحو 2400 دولار أميركي”، وعلى فترة سداد تمتد لست سنوات، فما هي جدوى هذا القرض ومدى فائدته بالنسبة للمقترضين.

شروط القرض الذي أعلن عنه البنك، قد تعيق معظم المتضررين من الحصول عليه، إذ يحتاج المتضرر إلى كفيل عند البنك، إضافة إلى دخل مرتفع يصل إلى 750 ألف ليرة شهريا، يمكّن صاحب القرض من سداد الدفعات بشكل دوري، وهو رقم يفوق بأضعاف متوسط الدخل في سوريا، بالتالي فإن شروط الحصول على القرض قد تخرج أكثر من 90 بالمئة من المتضررين من قائمة المرشّحين للحصول عليه.

حكومة دمشق تسعى لترويج فكرة أنها ما زالت قادرة على إدارة البلاد ومواجهة الكوارث، خاصة في ظل تصاعد الجهود الرامية لإعادة العلاقات معها على المستوى الإقليمي والعربي منذ اندلاع الكارثة، وبالنظر إلى ما قدمته الحكومة فإنه لا يُعد شيئا أمام ما فعلته تركيا مثلا، التي قدمت مِنحا غير مشروطة للمتضررين وأزالت ديون الضحايا من البنوك والشركات العامة، وغيرها من الإجراءات التي تساعد المتضررين.

يؤكد محللون ومتابعون للاقتصاد السوري أنه حتى المساعدات الخجولة التي أعلنت عنها دمشق، لن تستطيع الإيفاء بها بسبب معاناة الاقتصاد في البلاد.

الخبير الاقتصادي السوري فراس شعبو، رأى أن دمشق غير قادرة على تأمين الحد الأدنى من التعويضات لمتضرري كارثة الزلزال، فهي تسعى فقط إلى الظهور وكأنها ساعدت المتضررين، لذلك لجأت إلى القرارات المشروطة، مشيرا إلى أن الكارثة قد تتسبب بموجات تغيير ديمغرافي حتى وإن كانت بشكل غير مقصود.

ماذا عن القروض المعلنة؟

شعبو قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “دمشق لن تستطيع تأمين الحد الأدنى من التعويضات للمتضررين من كارثة الزلزال، حتى الآن لم تتحرك بشكل جدّي، القرض المعلن لا يمكن لمعظم المتضررين الحصول عليه، لأنهم أصلا يعانون من كونهم تحت خط الفقر، فالقروض تحتاج إلى ضمانات، لذلك فهي لن تشمل النسبة العظمى منهم”.

فحكومة دمشق التي تعجز عن تأمين الخبز والخدمات الأساسية للمواطنين، بالتأكيد لن يكون بمقدورها مواجهة كارثة بهذا الحجم وتعويض المتضررين، وهنا يجب على الدول التي تحاول إعادة علاقاتها مع دمشق ملاحظة طريقة إدارتها للبلاد، خاصة في ظل اقتصاد متهالك تديره حكومة لا تملك القرار.

قد يهمك: إعاقة الإغاثة الإنسانية لمتضرري الزلزال.. المضاعفات الإيرانية سر اللغز؟

خلال الأسابيع القليلة الماضية، ظهرت في بعض المناطق ضمن المحافظات السورية المتضررة أزمة في البحث عن السكن، فارتفعت إيجارات المنازل، وسط نزوح نسبي للعائلات التي تضررت أبنيتها بشكل جزئي، فخرجت للبحث عن سكن يؤمن لها الابتعاد عن مخاطر الهزات الارتدادية، الأمر الذي ينذر بموجة تغيير ديمغرافي قادمة.

بحسب شهادات حصل عليها “الحل نت”، فإن أزمة السكن دفعت ببعض العائلات إلى اللجوء إلى القرض فقط من أجل تأمين إيجار منزل لثلاثة أشهر مسبقة، وهو شرط يطلبه صاحب المنزل لقبوله عقد الإيجار، بمبلغ يصل إلى مليون ليرة سورية بشكل متوسط، وهذه العائلات لم تحصل حتى الآن على أية مساعدة مباشرة من الحكومة، وبعضها ما يزال في مراكز الإيواء أو داخل خيم على الطرقات.

في هذا السياق أضاف الخبير الاقتصادي قائلا، “ربما يكون هناك تغيير ديمغرافي بين بعض المناطق، أو عبر نزوح فئة من مناطق سيطرة المعارضة إلى مناطق سيطرة النظام وبالعكس، لكن لا أعتقد أن هناك تعمّد لإحلال فئة مكان فئة مثلا، في النهاية بالتأكيد دمشق لن تستطيع إدارة الأزمة. القروض هي عبارة عن التفاف واضح، ولن يحصل عليها حتى واحد بالمئة من المتضررين”.

أهداف دمشق

موقع “الحل نت”، تواصل مع العديد من العائلات المتضررة في حلب التي خرجت من منازلها خوفا من انهيارها، وبعد طلبهم عدم الكشف عن هوياتهم، أكدوا أنهم لم يحصلوا على أية مساعدات مالية تمكنهم من الحصول على مساكن مؤقتة، ولم يتلقوا سوى بعض المساعدات العينية التي تشمل الأغذية والماء.

كذلك تحدث أحد الشهود عن تجربته في التقدم لطلب فحص منزله في حي الميسّر شرقي حلب، ليتفاجأ بطلب نقابة المهندسين برسوم قدرها مليون ليرة، من أجل فحص منزله والحصول على ضوء أخضر من أجل العودة مع عائلته، خاصة وأنهم يقيم حاليا في مركز إيواء تم افتتاحه من قبل مجلس المدينة منذ أسبوع للمتضررين.

إذا فحكومة دمشق تركت على ما يبدو المتضررين من كارثة الزلزال لأقدراهم، ذلك بعد أن حققت وفق محليين، ما تصبو إليه من فوائد سياسية على حساب المآسي الإنسانية للسوريين، الذي ما زال الآلاف منهم قاطنين في شوارع المدن المتضررة، فقد أعلنت “لجنة السلامة العامة في سوريا”، عن وجود 2287 مبنى غير آمن في مدينة حلب، التي تعد أكثر المدن تضررا بالزلزال ضمن مناطق سيطرة حكومة دمشق.

تقرير اللجنة، أوضح أن عدد المباني المتضررة بحلب وصل إلى 11 ألف مبنى، منها 300 مبنى غير قابلة للإصلاح، فضلا عن المباني المعرضة للضرر الكبير في حال استمرار الهزات الارتدادية، وهذا ما جعل مئات العائلات يخافون من العودة إلى المنازل مجددة، والبقاء 

حتى المساعدات الإنسانية التي وصلت إلى المناطق المتضررة، لم تصل إلى مستحقيها بالشكل المطلوب، فقد أعاقت الميليشيات الإيرانية وصول المساعدات إلى المتضررين، وعمدت تلك الميليشيات إلى السيطرة على شحنات المساعدات القادمة إلى حلب عبر مطار حلب الدولي، وتم الإشراف على عمليات تفريغها ونقلها إلى المستودعات داخل الأحياء، من قِبل مجموعات تابعة لـ”لواء الباقر” التابع للميليشيات الإيرانية، وبالطبع كان لمراكز الإيواء التي افتتحتها إيران في حلب الحصة الأكبر من هذه الشحنات.

على حساب المعاناة الإنسانية، لجأت دمشق إذا إلى إعلانات وهمية لمساعدة المتضررين من كارثة الزلزال، وذلك بهدف إعادة تعويم نفسها وتقديم نفسها بصورة جيدة أمام الدول العربية التي زادت من جهود التواصل دمشق، في وقت لا تقوى على مساعدة المشردين في شوارع المدن المتضررة ولا حتى تقديم أدنى مستويات الدعم بمساعدتهم على إيجاد مساكن آمنة لهم، وسط ردود فعل وإجراءات بطيئة وبدون قرارات واضحة ومباشرة لمساعدة المنكوبين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.