شهدت الليرة السورية خلال الأيام الأخيرة تراجعاً جديدًا أمام الدولار الأميركي متجاوزة حاجز 11,525 ليرة مقابل الدولار الواحد، وسط استمرار للضغوط الاقتصادية التي يعانيها السوريون، وتزايد ملحوظ في الطلب على الدولار.
ويعيد هذا التراجع إلى الواجهة المخاوف الكبيرة من حدوث تراجع جديد في قيمة الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، وموجة تضخم جديدة قد تُفاقم الأعباء المعيشية للمواطنين، وتؤثر على مستويات الأسعار.
لماذا يتزايد الطلب على الدولار؟
أثار هذا التطور موجة من القلق بين المواطنين والتجار على حدٍّ سواء، حيث انعكس سلبًا على أسعار المواد الأساسية وتسبب في زيادة معاناة الأسر السورية التي تعاني بالفعل من ضغوط اقتصادية كبيرة.
أرجع خبراء الاقتصاد الطلب المتزايد على الدولار إلى عدة عوامل رئيسية، بعضها يرتبط بشكل مباشر بأساليب التعامل مع السوق السوداء والسياسات النقدية كحبس السيولة.

في سوريا تخضع قيمة سعر الصرف لقوانين العرض والطلب، أي وفقًا لحجم المعروض من العملة الأجنبية مقابل الطلب عليها، فعندما يزداد الطلب على الدولار يرتفع سعره مقابل الليرة، بينما على العكس، عندما يزداد المعروض من الدولار في السوق نتيجة لتحويلات المغتربين أو التدفقات المالية الخارجية، ينخفض سعره.
ومنذ سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، تحسّن سعر صرف الليرة السورية بصورة لافتة، من مستوى 28 ألفا في أواخر عمر “نظام البعث”، إلى 10 آلاف ليرة في السوق الموازية، وتدنى إلى مستويات الـ 7000 ثم عاود للارتفاع مرة أخرى.
ووفقًا لأحدث بيانات موقع “الليرة اليوم”، سجل سعر الدولار، الخميس، 11,425 للشراء، و 11,525 للمبيع، بينما يستمر مصرف سوريا المركزي في تثبيت سعر الصرف عند 12 ألفا لدى الشراء، و12,120 ليرة عند البيع، وفق نشرته الصادرة اليوم.
سياسات “المركزي” تفاقم الأزمة
من جهته، قال الباحث والمحلل الاقتصادي عبد العظيم المغربل إن السوق السورية تشهد تزايدًا ملحوظًا في الطلب على الدولار، لا سيما من قبل التجار الذين يعتمدون على الاستيراد لتوفير السلع الأساسية، وفقًا لمنصة “سوريا 24”.
سياسات المركزي كحبس السيولة خلقت حالة من عدم الثقة في القطاع المصرفي، تدفع السوريين نحو اكتناز العملة الصعبة، مما يزيد من الطلب عليها ويخلق فجوة أكبر بين السعرَين الرسمي والسوق السوداء.
الباحث والمحلل الاقتصادي عبد العظيم المغربل
واتفق معه الدكتور حسن عليوي، المتخصص في الاقتصاد الإسلامي، الذي أكد أن الإقبال على الدولار يرتبط بالسياسات الحكومية التي لم تتمكن بعد من ضبط السوق بشكل كامل، لافتًا إلى أن التجار يعتبرون الدولار الملاذ الأخير للحفاظ على قدرتهم الشرائية في ظل الانهيار المستمر لقيمة الليرة السورية.
وبيّن أن الأرقام المعلنة عن الأسعار وسعر الصرف على وسائل التواصل الاجتماعي غالبًا ما تكون غير دقيقة، مما يسهم في خلق حالة من عدم اليقين والقلق بين المواطنين.
كيف تأثر المواطن؟
مع تزايد الطلب على العملة الصعبة، ارتفعت أسعار معظم السلع الأساسية في الأسواق السورية، خاصة تلك التي تعتمد على الاستيراد، في حين زاد التباين الكبير بين السعرَين الرسمي والسوق السوداء من المضاربات وأثّر سلبًا على الأسعار اليومية للمستهلكين أيضًا.
وفيما يتعلق بالسلع الغذائية والمستلزمات اليومية، أكد المغربل أن أسعار هذه السلع تعتمد بشكل كبير على سعر الدولار في السوق السوداء، مما يعني أن أي تغيير في سعر الصرف يؤدي مباشرة إلى زيادة الأسعار.

وأشار عليوي، إلى أن هذا الواقع يثقل كاهل المواطن السوري الذي يعاني من تدني الأجور وثباتها، رغم انخفاض معدلات التضخم السنوية مقارنة بالعام الماضي.
وأكد أن الحلول الحقيقية تكمن في تعزيز التحويلات الخارجية القادمة إلى البلاد وتشجيع الصادرات السورية، بما يضخ عملات أجنبية حقيقية في السوق.
آليات ضبط السوق السوداء
في محاولة للحد من الفجوة بين السعر الرسمي والسعر في السوق السوداء، أعلن “مصرف سوريا المركزي” عن إجراءات جديدة للتسعير ومنح تراخيص للصرافين النظاميين.
خطوات المركزي وحدها ليست كافية للسيطرة على السوق، خاصة في ظل وجود شركات صرافة غير مرخصة تديرها جهات متنفذة تعمل على تحريك سعر الصرف عبر الشائعات والتلاعب بالأسواق.
ويظل المواطن السوري هو الأكثر تضررًا من هذه الأزمة، حيث يواجه يوميًا تحديات معيشية متزايدة نتيجة ارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة العملة الوطنية، حيث يتطلب حلّ الأزمة الاقتصادية في سوريا استراتيجيات شاملة تشمل تعزيز الإنتاج المحلي، وتشجيع الصادرات، وتحسين البيئة المالية لاستعادة الثقة بالقطاع المصرفي.
- الخطر الذي يتسلل مجدداً.. عن احتمالات عودة “داعش” إلى سوريا
- هيئتان لـ العدالة الانتقالية والمفقودين… ما المطلوب لضمان عمل مستقل؟
- “الليرة الجديدة”.. هل تنقذ الاقتصاد السوري أم تعمّق أزمته؟
- هل أصبحت سوريا مؤهلة لتلقي التمويلات الجديدة؟.. البنك الدولي يجيب
- وزير الدفاع يعلن دمج كافة الوحدات العسكرية.. ما دور بريطانيا بإعادة هيكلة الجيش؟
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
مقالات ذات صلة

الليرة من الانهيار إلى الانتعاش.. هل تعاد الثقة في العملة السورية بعد قرار واشنطن؟

في قلب الفوضى وخطر العملات المزيفة.. كيف يقع السوريون ضحية للاحتيال بالأسواق؟

3 عوامل وراء تحسن سعر صرف الليرة السورية.. ماذا حدث؟

الدولار ثابت.. ما آثار استقرار سعر الصرف على اقتصاد السوريين؟
الأكثر قراءة

وسط ترقب لانفراجة من واشنطن.. “المركزي السوري” يخفض سعر الدولار مقابل الليرة

وسط اتهام للمقاتلين الأجانب.. الأمن العام يفتح تحقيقا في مقتل أربعة أشخاص باللاذقية

هل تنجح قرارات المركزي الأخيرة في إعادة بناء الثقة بالقطاع المصرفي السوري؟

هل تنتعش جيوب السوريين بعد رفع العقوبات الأميركية.. خبير يوضح

هل تبيع الحكومة الجديدة القطاع العام السوري كاملًا؟.. مستشار وزير الاقتصاد يجيب

نجوم سوريا يتفاعلون مع رفع العقوبات.. فرح وشكر من كل الأطراف!
المزيد من مقالات حول اقتصاد

“الليرة الجديدة”.. هل تنقذ الاقتصاد السوري أم تعمّق أزمته؟

هل أصبحت سوريا مؤهلة لتلقي التمويلات الجديدة؟.. البنك الدولي يجيب

العقوبات تُرفع والمراقبة تبدأ.. هل ينجح “الشرع” في تنفيذ الشروط الأميركية؟

مع دخول الصيف.. أزمة الكهرباء تفاقم الأوضاع في الحسكة ومطالب بالرقابة على “المولدات”

الوجود الأميركي في سوريا: فصل اقتصادي جديد؟

عملة سورية جديدة تطبع في النمسا: ما الفئات والرموز؟

من الرياض إلى أبوظبي.. حصيلة مكاسب “ترامب” الاقتصادية خلال جولته الخليجية
