يعتبر استهداف قاعدة التنف العسكرية، التابعة للتحالف الدولي لمحاربة الإرهاب على مثلث الحدود العراقية الأردنية السورية، في العشرين من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، الأول من نوعه منذ سنوات في المنطقة. إذ سُمع دوي الانفجارات في القاعدة التي تتمركز فيها قوات بريطانية. نتيجة قصف من طائرات مسيّرة. وفقاً لما أفاد به “المرصد السوري لحقوق الإنسان”.

المرصد كان قد أفاد قبلها بيومين أن أربعة عناصر من الميلشيات الموالية لإيران قتلوا بقصف تعرّضت له مواقعهم في منطقة البوكمال على الحدود السورية العراقية. ما دفع بعض المراقبين إلى الربط بين ذلك القصف واستهداف قاعدة التنف.

يذكر أن إيران تسعى لتثبيت نفوذها بشكل أكبر في المناطق السورية، التي تسيطر عليها ميلشيات تحظى بدعمها، بالقرب من الحدود مع العراق. إلا أن الغارات الجوية مجهولة المصدر، التي طالت مواقعها مؤخراً في تلك المناطق، تعرقل ما تطمح إليه.

وتتعرضّ المواقع، التي يتحصن فيها مقاتلو حزب الله اللبناني والعراقي. إلى جانب ميلشيات إيرانية وأفغانية في ريف محافظة دير الزور السورية. لقصف مجهول المصدر منذ مدة. وقامت طائرات مسيّرة باستهداف الميلشيات التابعة لإيران أربع مرات خلال خمسة وثلاثين يوماً. في الفترة السابقة لاستهداف قاعدة التنف.

ويبدو أن تسارع التصعيد في هذه العمليات العسكرية مرتبط بمسار الضغط على ايران. للعودة إلى طاولة المفاوضات في إطار ملف مشروعها النووي .

وهناك إجماع من قبل الخبراء والباحثين في تفاصيل هذا الملف المعقد على ضبابية المشهد. إلا أنهم يتوقعون مزيداً من التصعيد في المرحلة القادمة. مع ميل واضح  لتحميل ايران مسؤولية استهداف قاعدة التنف. رداً على استهداف مواقع ميلشياتها في دير الزور.

هل يوجد مشتبهون آخرون في استهداف القاعدة؟

في هذا السياق يرى “مصطفى زهران”، الباحث المصري في الحركات الإسلامية، أن «استهداف قاعدة التنف أثار كثيراً من التساؤلات حول هوية الجهة التي تقف خلف الحادثة. خاصة أن منطقة التنف لم تشهد أي هجوم منذ عام 2017».

ويحاول الإجابة، في إفادته لموقع «الحل نت»، بالقول: «إذا استثنينا اتهام إيران. نجد أن أصابع الاتهام تتجه نحو التنظيمات الجهادية. وتحديداً داعش. إلا أن التنظيم لم يعلن حتى اللحظة استهداف قاعدة التنف. وهو لا يضيّع عادةً فرصة الإعلان عن هكذا عمليات».

مضيفاً: «يمكننا أن نطرح فرضية أخرى. تفرضها سيولة الحالة الجهادية في الداخل السوري والعراقي. وتقضي بأن الهجوم قد يكشف أن هناك علاقة بين إيران وجماعات موالية لتنظيم القاعدة. وقد جمع الهدف المشترك الطرفين تحت مظلة العداء للولايات المتحدة الأميركية. ونتج عن هذا التحالف استهداف قاعدة التنف».  

ويخلص زهران الى القول: «استهداف قاعد التنف قد يكون بمثابة بروفة أولى لضربات أكثر قوة وخطورة مستقبلاً. في الموقع الجغرافي ذاته. في سياق المعركة الدائرة بين الجهات الثلاث المتصارعة على مثلث الحدود السوري العراقي الأردني. أي الولايات المتحدة الأميركية والجهاديين وإيران. مما سيكون لها تداعيات عميقة على المستوى الإقليمي».

هل لدمشق مصلحة في الاستهداف؟

من جهته أشار “بشار جرار”، الإعلامي والمحلل السياسي المقيم في واشنطن، في تعليقه لـ«الحل نت»، أن «الضربات الصادرة عن طهران ووكلائها، سواء كانت صاروخية أو باستخدام طائرات مسيّرة، ومنها استهداف قاعدة التنف. لم تعد حدثاً مفاجئاً لواشنطن وحلفائها. خاصةً إسرائيل والسعودية، اللتين تسعيان لاحتواء إيران أكثر من مواجهتها. لأن الجميع يدرك أن مواجهة كتلك ستكون لها نتائج كارثية».

ويتابع حديثه بالقول: «استهداف قاعدة التنف يأتي في سياق الضربات الإيرانية للوجود الأميركي في سوريا والعراق. وهو لا يقل خطورة عن استهداف السفارة الأميركية في بغداد. الذي تمارسه الميلشيات العراقية الموالية لطهران».  

إلا أن “جرار” يلاحظ «عدم احتفاء طهران باستهداف قاعدة التنف. القائمة في موقع استراتيجي. فيه عقدة الأمن العراقية السورية الأردنية. وقياساً بما يصدر عادة عن جوقات الإعلام المموّلة والموجهة إيرانياً. مثل إعلام الحوثيين في اليمن. ومنظمتي الجهاد الإسلامي وحماس الفلسطينيتين. وحزب الله اللبناني والعراقي. فإن الحادثة مرّت مرور الكرام».

مفسراً ذلك بالقول: «إن ضربة بـ”نيران غير مباشرة”. بحسب البنتاغون. لم يصب بها أي أميركي، قد تكون مجرد تهويش أو تصرف غير مدروس. أقدمت عليه ميلشيا سورية محلية موالية لإيران. دونما موافقة مسبقة من طهران أو دمشق».

مستدركاً: «كثير من التحليلات الصادرة عن خبراء في دراسة سلوك إيران تشير إلى أن هذا الاحتمال هو الأرجح. دون استبعاد أن تكون الحكومة السورية قد غضّت الطرف عما يجري في المنطقة. لتلعب فيما بعد دور الجهة القادرة على ضبط الأمن. ومنع تكرار عمليات مشابهة لاستهداف قاعدة التنف».

ويتابع “جرار” أن «دمشق وجهت عناصر عسكرية ومدنية موالية لها لاعتراض رتل أميركي قبل أيام. كان في طريقه إلى مدينة القامشلي. فيما يشبه “مظاهر سلمية”. وربما أرادت من وراء هذه الحركة الإعلامية القول: “أنا هنا”. والتتمة ستكون فيما بعد: “جاهزون للتعاون الأمني مع التحالف الدولي والجانب الأميركي”.  وسيكون الثمن الذي تطلبه دمشق استعادة إدلب. واحتواء سياسات الرئيس التركي أردوغان في شمال سوريا. وتسريع خطى التطبيع العربي مع دمشق بقيادة الأردن».

تداعيات استهداف القاعدة على العراق والأردن

من ناحيته يرى “جاسم محمد”، الباحث والخبير العراقي في الجماعات الإرهابية، ورئيس “المركز الأوروبي ‏لدراسات مكافحة الإرهاب” في ألمانيا وهولندا، أن «استهداف قاعدة التنف يهدف للضغط على القوات الأميركية، في سبيل إخراجها ‏من العراق ‏تحديداً. والأرجح أن تكون إيران من يقف وراء هذا النوع من الهجمات. لأن  استخدام ‏طائرات “درون”  أسلوب إيراني ‏بات معروفاً».‏‏ ‏

وحول تداعيات استهداف قاعدة التنف على العراق يرى “جاسم”، في حديثه لـ«الحل نت»، أنه سيؤدي «لتصعيد الخلافات السياسية بين ‏الفرقاء السياسيين العراقيين. وربما يساعد في إعادة بعض القوة للجماعات المسلّحة الموالية لإيران في العراق.‏ التي تكبدت القوى السياسية الممثلة لها خسارة كبيرة في الانتخابات العراقية الأخيرة».

لكن المحلل العراقي يستبعد أن «يؤدي استهداف قاعدة التنف لتداعيات سلبية على الأردن. لأسباب عدة. أهمها ضبط الحدود من قبل الجيش الأردني. ‏والمواقف ‏السياسية الرصينة للمملكة». حسب تعبيره.‏

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.