في أعقاب استيلاء طالبان السريع على الحكم في أفغانستان، يبدو أن المسؤولين الروس يريدون التحرك سريعا إلى نهج ذي شقين، أوله التواصل بحذر مع طالبان، وثانيه توسيع التدريبات العسكرية الروسية مع طاجيكستان على طول الحدود الأفغانية. فبات يُنظر إلى أن روسيا بأنها أحد المستفيدين من الانسحاب الغربي من أفغانستان، والساعية لشغل نفوذ سياسي هناك. 

ومع ذلك، فإن روسيا وإلى جانبها إيران تسعيان لإيجاد مكانة لهما في أفغانستان، ما يثير تساؤلا حول إمكانية سماح موسكو لطهران في منافستها بعد فراغ السلطة الحالي لتوسيع مواقفها داخل كابل. 

موسكو تحركت سرا 

أصبحت أفغانستان الآن هدفا رئيسيا للرئاسة الروسية من أجل توسيع النفوذ، بعد أكثر من 30 عاما من هزيمة الجيش السوفيتي فيها. وتحركت وفق تقديرات متابعين من نظرية أن الدولة الأولى التي تخاطر وتبدأ العمل مع “طالبان” ستحصل على الامتيازات والفوائد الاقتصادية.

أرسل الكرملين، رجل الأعمال الروسي، مكسيم شاغولي إلى كابول كمبعوث غير رسمي. وبدأ شاغولي العمل مع حليف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إيفجيني بريغوزين، الذي تتهمه الحكومة الأمريكية بالتدخل في الانتخابات الأمريكية في عامي 2016 و2018.

 وبريجوزين أيضا يعتقد أنه يسهل تمويل مجموعة “فاغنر”، وهي مجموعة شبه عسكرية روسية تنشط في عدة دول تدخلت فيها روسيا منها سوريا وليبيا. وبحسب التقارير الواردة، فقد سافر شاغولي إلى أفغانستان في مهمة لتقصي الحقائق حول المواقف المحلية تجاه “طالبان” في محاولة لاستكشاف سبل المشاركة.

وسرعان ما التقى شوغالي، رئيس مؤسسة “حماية القيم الوطنية”، الخاضعة للعقوبات الأمريكية، مع المتحدث باسم “طالبان”، ذبيح الله مجاهد. وعرض عليه ترتيب المساعدة الإنسانية وأن يساعد الخبراء الروس حكومة طالبان في إنشاء الحملات الإعلامية في التلفزيون الرسمي.

ويعتقد الإعلامي والكاتب في الشأن الروسي، نصر اليوسف، خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن الظروف مواتية لكي تكسب موسكو موطئ قدم جيد في أفغانستان، وبدا ذلك عندما أقامت طائرات جسر جوي للمساعدات الإنسانية. وأخرجت عدد كبيرا جدا من الأفغانيين جلبتهم إلى روسيا. ومن الطبيعي أن تستمر في بذل هذه الجهود لكي تضمن مصالحها القومية، خاصة أن أفغانستان تقع على حدودها وفي خاصرتها، وفق تعبيره.

للقراءة أو الاستماع: بعد أكثر من 100 يوم على حكم “طالبان” .. مستقبل أفغانستان لايزال في دائرة السؤال

حرب بكين وموسكو

وللوهلة الأولى، يبدو أن خروج الولايات المتحدة من أفغانستان يقدم طرقا جديدة للتنسيق الصيني الروسي. إذ تدعي الصين أنها تريد العمل مع روسيا بشأن أفغانستان، أو على الأقل يبدو أنها تفعل ذلك. ففي 16 أيلول/سبتمبر الفائت، أخبر وزير الخارجية، وانغ يي، نظيره الروسي، سيرغي لافروف، أن “الصين مستعدة لتعزيز التنسيق مع روسيا، وللتعامل بشكل مشترك مع قضية أفغانستان”. 

وعلى الرغم من التعاون الأخير في المنطقة، فإن المصالح الصينية والروسية في وسط وجنوب آسيا ليست متطابقة. حيث تهدف الصين إلى دمج هذه المناطق اقتصاديا في مبادرة الحزام والطريق. مع إبقاء النفوذ الهندي بعيدا ومعالجة التهديدات الأمنية المتصورة لمنطقة شينجيانغ الأيغورية المتمتعة بالحكم الذاتي. 

وعلى النقيض من ذلك، تتمثل أهداف روسيا في الحفاظ على دورها كمزود أساسي للأمن. فيما تعتمد على منطقة أوراسيا الكبرى وموازنة علاقاتها الطويلة مع الهند بنهج جديد تجاه باكستان. 

وتشترك الصين وروسيا في بعض المواقف بشأن الاعتبارات الأمنية الأوسع – مثل القلق من توسع الإرهاب وتهديدات تهريب المخدرات من أفغانستان – لكنهما يشتركان في بعض القضايا الإقليمية الرئيسية. ولا سيما دور الهند، وآليات توفير الأمن في وسط آسيا والاعتراف بحركة طالبان.

ويرى الباحث في العلاقات الصينية الروسية، ألكسندر لوكين، بأن الشراكة بين الصين وروسيا ربما وصلت إلى ذروتها. ومن المؤكد أن الظروف المتغيرة في أفغانستان ستوفر اختبارا جديدا لتحمل هذه الشراكة. إذ إن الطريقة التي تتعامل بها روسيا والصين مع دور الهند – ودورهما – في الأمن الإقليمي وتوجيه الاعتراف بطالبان. بينما يسعى كل منهما إلى تحقيق أجندته الإقليمية الخاصة ستوفر مؤشرات رئيسية لمعايير التنسيق الصيني الروسي المستقبلي.

للقراءة أو الاستماع: ما احتمالات انتقال “هيئة تحرير الشام” إلى أفغانستان

الحالة السورية ليست مثالا

في حين يعتقد المحلل في الشؤون الروسية، الدكتور فهيم الصوراني، خلال حديثه لـ”الحل نت”، بأن الحالة الأفغانية لا تشابه الحالة السورية. فالإيراني يحتاج للدعم الروسي بأفغانستان. والروسي يحتاج للإيراني كون أنه هو يقيم علاقات جيدة خاصة مع البشتون. 

والأمر الثاني، بحسب الصوراني، فإيران مهمة في حماية الحدود، حيث لها حدود مع كثير من الدول. وبالتالي دور إيران مهم أيضا لوجستيا وأمنيا فيصب بمصلحة البلدين. في حين لا يرى، أن هنالك تنافس بين البلدين داخل أفغانستان، ولذلك بإن مستوى التنسيق والتفاهم بين الطرفين بينهم. فتاريخيا دلت الأزمة الأفغانية أنه هي الوحيدة التي ربما هناك تطابق في وجهات النظر بين موسكو وطهران. 

وخلافا لذلك، يرى الإعلامي والكاتب في الشأن الروسي، نصر اليوسف، أن إيران دائما ستكون منافسا لروسيا. لأنها مرتبطة مع الشعب الأفغاني في الكثير من العوامل اللغوية والتاريخ. 

وتحاول إيران جاهدة أن تبحث عن موطئ هناك، إلا أنها لن تكون منافسا في كل القضايا لأن لها أجندات مختلفة. مضيفا، “أعتقد أن الأفغان لن يتيحوا للإيرانيين نفس الظروف التي سيتيحونها للروس”.

وكانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، قالت في تصريح صحفي يوم أمسى الخميس، إن روسيا ستكون مستعدة لاقتراح جدول أعمالها للمحادثات مع طالبان والمعارضة في حال طلبوا ذلك.

وقالت: “في الوقت الحاضر، لم يتم التخطيط لمثل هذه الاتصالات في روسيا. ولكن من حيث المبدأ، وبناء على طلب الجانب الأفغاني، نحن مستعدون لتوفير منصة لإجراء مفاوضات بين ممثلي كابول والقوى المعارضة للسلطات الأفغانية الجديدة”.

وفي وقت سابق، قال المتحدث باسم طالبان، بلال كريمي، إن وفد الحركة المكون من زعيم جبهة المقاومة الوطنية الأفغانية، أحمد مسعود جونيور، وإسماعيل خان، أحد القادة الأفغان، قد اجتمعا في مطلع يناير بالعاصمة الإيرانية، طهران.

للقراءة أو الاستماع: تجارة المخدرات الأفغانية: ما علاقة خشخاش أفغانستان بالمشروع الإيراني في المنطقة؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة