لطالما اتبعت سلطنة عمان استراتيجية الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية مع دول الشرق الأوسط، في ظل فترات العزلة النسبية التي مرت بها. فمنذ صعود السلطان قابوس إلى العرش عام 1970، لم تقطع مسقط علاقاتها الدبلوماسية مع أي دولة وخاصة العلاقات السورية – العمانية. 

ورغم الحرب المستمرة في سوريا، لم تغلق عُمان سفارتها في سوريا ويحافظ كلا البلدين على علاقات دبلوماسية. ما يشكل تناقضا حادا مع علاقة الدول العربية الأخرى في سوريا. لا سيما دول الخليج العربي، الذين قطعوا العلاقات الدبلوماسية مع سوريا وأغلقوا سفاراتهم بدمشق.

زيارة لتحريك مياه الجامعة العربية

وصل وزير خارجية سلطنة عُمان بدر بن حمد بن حمود البوسعيدي، اليوم الاثنين، إلى دمشق على رأس وفد رسمي، والتقى الوزير العُماني نظيره السوري، فيصل مقداد، حيث أجرى الجانبان مباحثات تتناول سبل تعزيز التعاون الثنائي المشترك وتطورات الأوضاع في المنطقة، كما يتوقع ان يلتقي الوزير العُماني الرئيس السوري، بشار الأسد، وينقل رسالة من القيادة العمانية للأسد، بحسب ما نقلت مواقع صحفية محلية.

وحول فحوى الزيارة، يعتقد الباحث السوري، وائل علوان، أن  سلطنة عمان من الدول التي حافظت على توازنات العلاقات الخارجية في المنطقة، كدولة وسيطة. لا تتدخل سلبا أو إيجابا بأي مواقف. وتضمن دائما أن تكون رسائل بين الأطراف. وعلى هذا الأساس، يشير علوان، خلال حديثه لـ”الحل نت”، إلى أنه كانت دائما هناك مباحثات وزيارات بين الدبلوماسية العمانية وحكومة دمشق. واليوم هذه الزيارة تأتي بعد حسم أمر سوريا في الجولة الجديدة من اجتماع جامعة الدول العربية على مستوى الرؤساء. والتي لم تستطع روسيا فيها تحقيق اختراق في الموقف العربي. 

وأوضح علوان، أن روسيا سابقا عملت بجهد كبير جدا الضغط من أجل تغيير الموقف العربي من خلال بعض الدول مثل الجزائر ومثل لبنان ومثل العراق. لكنها لم تستطع إحداث خرق حقيقي في الموقف الخليجي وفي موقف مصر. والتي هي من الدول الأساسية في تحديد التوجه العربي، أو الرأي العام العربي. 

اليوم الزيارة العمانية هي لإبلاغ الأسد بتفاصيل السبب العربي أو بسبب الموقف العربي، طبقا لحديث علوان. والذي أكد بمراوحة الموقف من الأسد كما هو. بسبب المخاوف الكبيرة الإقليمية التي لم تعالجها دمشق بطريقة فعلية رغم التدخل الروسي، أو رغم الضمانات الروسية.

وعن هذه المخاوف، ذكر علوان أن أبرزها، يتمثل بتهريب المخدرات وإغراق المجتمعات المجاورة والدول العربية بها. وكذلك النفوذ الإيراني الذي ما زال هو المتحكم والمنتشر بشكل كبير جدا في النطاق الأمني والعسكري والمدني. وعلى على جانب آخر كان هو المعطل السياسي.

للقراءة أو الاستماع: قمة الرياض: بعد التوافق الخليجي ماذا عن الدور العربي في سوريا؟

هل من دور لإيران؟

ويصف المحللون السياسة العمانية بأنها هذا جزء من الروح العمانية والشخصية الوطنية. التي تؤكد على الحاجة إلى الحفاظ على حوار صحي وعلاقات دبلوماسية مع جميع الحكومات. وتعكس هذه السياسة الخارجية حيادية العمانيين وروحهم العملية على الساحة الدولية. وإدراكا بأن السلطنة يمكنها تعزيز مصالحها الأمنية على أفضل وجه دون المساس بسيادة الدول الأخرى. حيث تعتبر علاقة مسقط المستمرة مع سوريا مثالا بارزا على ذلك.

ويعتقد المحلل السياسي، أحمد سعدو، في حديثه لـ”الحل نت”، أن السياسة العمانية تمتلك علاقات جيدة مع الحكومة السورية وكذلك مع النظام الإيراني. وهي اليوم وبعد أن أعلن أمين عام جامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، أمس الأحد، عن تعثر الجهود المبذولة لعودة سوريا إلى الجامعة العربية. نتيجة عدم تلبية الشروط العربية لمثل هذه العودة فيما لو تمت. 

ويرى سعد، أن “عُمان تسارع لبذل الجهود وإقناع النظام السوري بالتساهل في تلبية الشروط. ويمكن أن تكون مجرد وعود شكلية كي يتسنى عودة سوريا إلى القمة العربية القادمة. بعد أن تم تأجيلها بسبب الولوج السوري المتعثر إليها وأمور أخرى متعلقة بالخلافات البينية المغربية الجزائرية”.

ومن الممكن بحسب سعدو، أن يحمل المسؤول العماني إلى دمشق بشرى بإمكانية عودة سوريا إلى فتح باب مفاوضات بينه وبين إسرائيل. للوصول إلى تهدئة وبحثا عن استقرار المنطقة التي تستهدف من قبل الطيران الإسرائيلي بشكل دوري.

للقراءة أو الاستماع: ما مصير الاستثمارات الخليجية في سوريا بعد توقف 10 سنوات؟

العلاقات السورية – العمانية

منذ اندلاع الأزمة السورية، كانت عُمان العضو الوحيد في مجلس التعاون الخليجي الذي لم يتخذ أي إجراء دبلوماسي تقريبا ضد دمشق. لم يكن رفض مسقط الانضمام إلى دول أخرى في جهود تغيير النظام التي تستهدف دمشق مفاجئا بالنظر إلى تقاليد السياسة الخارجية لسلطنة عمان. 

وبدلا من العمل على إسقاط الحكومة السورية، استفادت عمان من حيادها لدفع الأطراف المختلفة نحو تسوية دبلوماسية في محاولة لإنهاء إراقة الدماء. 

الآن بعد أن ادعى الرئيس السوري، بشار الأسد، بأنه انتصر بشكل أساسي في الحرب. تسعى عُمان، إلى جانب روسيا والإمارات العربية المتحدة، إلى دور أكبر في مساعدة سوريا على إعادة الاندماج في الحظيرة الدبلوماسية العربية الأوسع. وإعادة بناء بنيتها التحتية المحطمة، وفقا لمصالحهم الاقتصادية الخاصة.

منذ بداية الصراع السوري، أوضحت مسقط أنها تسعى فقط لأدوار إنسانية ودبلوماسية في سوريا. بدلا من توجيه الأسلحة والدعم المادي للفصائل المناهضة للحكومة. في حين أن السياسة الخارجية العمانية بعد عام 1970 هدفت إلى تجنب الإجراءات أو الخطابات التي يمكن أن تفسر على أنها تدخل في الشؤون الداخلية لدولة أخرى. 

وبحسب دبلوماسيين عمانيين في واشنطن، فإن رؤية السلطنة في حل الأزمة السورية تنبع من ضرورة وقف إراقة الدماء والصراع المسلح. ولا تدخر جهدا في المساهمة في هذا الصدد في كافة المحافل. من أجل تحقيق السلام في سوريا ووضع حد لمعاناة الشعب السوري. ومع استئناف المزيد من الدول العربية العلاقات مع دمشق. ترى عمان هذا الاتجاه نحو قبول شرعية الحكومة السورية على أنه إثبات للحفاظ على العلاقات مع دمشق، وفق الرؤية العمانية.

للقراءة أو الاستماع: زيارة ألكسندر لافرنتييف للرياض: هل تحاول موسكو إعادة تأهيل الأسد عبر البوابة الخليجية؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة