لا تزال التحركات السياسية في المنطقة حبيسة الحدائق الخلفية لمن يرسم السياسات الخارجية في الإقليم، ولا يبدو أن ما يُعلن جهارا على الإعلام هو الخط الوحيد للسياسة الخارجية في المنطقة لاسيما تجاه سوريا.

يتجلى ذلك من خلال ما كشفت عنه صحيفة إسرائيلية بيّنت من خلاله بعضا من الدهاليز التي تنشط فيها إسرائيل تجاه الملف السوري. لعل المثير في تلك الدهاليز ما يجمع بين الرئيس السوري بشار الأسد، وبعض الدول العربية التي فعّلت خطوط اتصالها مع الأسد، ألا وهي الإمارات وعمان.

القاسم المشترك بين هاتين الدولتين بعد زيارة الأسد للأولى وإجراء اتصال مع الأسد من قبل زعيم الثانية، هي أن كلا الدولتين تجمعهما علاقات تعاون مشتركة ومعلنة مع إسرائيل.

ما يدفع للتساؤل إلى احتمالات دخول الأسد على خط إسرائيل ما دام الأخيرة تسعى لتحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة، لتثار علامات الاستفهام حول ما إذا قد يستخدم الأسد كورقة إسرائيلية رابحة ضد النفوذ الإيراني، وإذا ما تم ذلك يكون التساؤل التالي هل يكون الجولان المحتل مقابل اتفاقية سلام سورية مع إسرائيل بشرط حفظ بقاء الأسد على كرسي الحكم.

ما يجمع الافتراضات السابقة وكذلك تسليط المجهر على علاقات دول خليجية مع إسرائيل والأسد، هو ما أشارت إليه صحيفة “يسرائيل هيوم” التي قالت يوم أمس السبت إن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، بنيامين نتنياهو، كان يخطط عام 2019 لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية.

هنا يمكن التذكير أن نتنياهو هو من وقع اتفاقات السلام مع دول الإمارات والبحرين، وهو الذي زار سلطنة عمان في أول زيارة رسمية بين رئيس وزراء إسرائيلي ودولة عربية، فضلا عن أن نتنياهو كان قد طلب من الرئيس الأميركي الأسبق، دونالد ترامب، الاعتراف بإسرائيلية الجولان السوري المحتل، وهو ما تم.

ليكون التساؤل الأهم هل يمكن لإسرائيل بقيادتها السياسية الجديدة أن تفعل خطوط اتصالها مع الأسد، وليكون الجولان الورقة الأبرز مقابل اتفاق سلام يحفظ بقاء الأسد مقابل انضمامه بشكل من الأشكال لتحالف عربي إقليمي لمواجهة التمدد الإيراني في المنطقة.

الأسد مجرد صورة متحركة

صحيفة “يسرائيل هيوم”، قالت في تقرير لها، بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، جمد مبادرة إقليمية كانت مطروحة من قبل سلفه، بنيامين نتنياهو، تقضي بإعادة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية.

وذكرت الصحيفة، أن نتنياهو منذ 2019 شرع في تمرير هذه المبادرة المزعومة المبنية على فكرة قبول المجتمع الدولي “بانتصار حكومة الرئيس السوري بشار الأسد في الحرب”، مقابل إبرام اتفاق معه على سحب القوات الإيرانية من بلده.

في الأثناء كان قد تلقى الأسد اتصالا هاتفيا من سلطان عمان، هيثم بن طارق آل سعيد، حيث خلال الاتصال بحث “العلاقات اﻷخوية بين سوريا وعمان ومسار التعاون الثنائي بينهما” وفق ما أفادت به صفحة “رئاسة الجمهورية” في سوريا على موقع “فيسبوك”.

المحلل السياسي المصري، سامح مهدي، يقول خلال حديث لـ”الحل نت”، بأن “الدور الروسي يبدو حاضرا في هذا الملف الشائك والمعقد وليس ببعيد عنها”.

وأردف المحلل السياسي خلال حديثه، “بكل تأكيد انفتاح عدد من الدول في المنطقة على الأسد لا يخرج عن إطار تفاهمات مع إسرائيل، وهي التفاهمات التي تضمن مصالحها ومصالح أمنها نظرا للاعتبارات الجيوسياسية والتهديدات العديدة التي تمس مواقعها الأمنية لوجود الميلشيات الإيرانية التابعة للحرس الثوري الإيراني، ونشاطها العسكري والميداني في مناطق متاخمة”.

وأوضح المحلل السياسي في تعليقه حول ما إذا تعتبر إسرائيل أن الأسد ورقة رابحة بالنسبة لها حيال مواجهة النفوذ الإيراني بالمنطقة؟، فأجاب “بالتأكيد، واستكمالا لحديثي، لن تسمح تل أبيب بمستوى يهدد أمنها ويفاقم تغول طهران في مناطق قريبة من جغرافيتها ويهدد مصالحها، وبالتالي التطبيع مع الأسد والذي يبدو أنه لمنافسته الدور الإيراني مع شريكها وحليفها الاستراتيجي، إنما يهدف إلى إيجاد مواءمات جديدة للصراع في سوريا يفض الاشتباكات، ويضع قواعد جديدة للصراع تجعلها في صورة أشبه بالتأميم ومنع الانفجارات”.

واختتم حديثه بالقول: “قوى الأمر الواقع في سوريا باتت قائمة ومعروفة، والأسد مجرد أداة وظيفية بيد الأطراف والقوى الخارجية، ومن ثم ينبغي بناء مصالح على هذا الأساس المؤقت لحين إيجاد مسار وحل نهائيين، وأعتقد أن ما يجري يتم برعاية روسية أميركية والأسد مجرد صورة متحركة بينهما”، بحسب حديثه لـ”الحل نت”.

قد يهمك: قمة النقب: ما الذي ينتظر سوريا وإيران؟

جوهر التقارب “إحجام النفوذ الإيراني”

اجتماعات غير مسبوقة عقدت مؤخرا، بين عدة دول في الوطن العربي والشرق الأوسط وأبرزهم إسرائيل والإمارات، خاصة الاجتماع الذي وصف بـ”التاريخي”، حيث اتفق عليه أعضاؤه المجتمعون في قمة النقب السداسية، على توحيد الجهود لمواجهة تهديدات إيران في المنطقة وعدم ترك مجال لتوسيع نفوذها.

ويبدو أن هذه الدول تتفق على مدى خطر تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة، إذا ما تم الإتفاق النووي، لذا باتت تتحرك في عدة اتجاهات، وذلك لبناء تحالفات تحد من خطر تمدد النفوذ الإيراني.

وكان مصدر سياسي أكد للصحيفة الإسرائيلية، أن حكومة بينيت تعتبر خطة “إصدار الأسد الدعوة إلى انسحاب كافة القوات الأجنبية التي دخلت سوريا بعد عام 2011، مقابل عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية، وكذلك مقابل تموضع الوجود الإماراتي مكان إيران، وفق ما قدمه نتنياهو منذ 2019″، غير قابلة للتحقيق بسبب قناعتها بأن الأسد ليس قادرا على طرد الإيرانيين من سوريا.

كذلك، أشارت الصحيفة، إلى أن بينيت يتخذ موقفا حياديا إزاء الأسد، ولا يعارض ولا يؤيد إمكانية عودة سوريا إلى الجامعة العربية، مؤكدة أن هذه المسألة كانت ضمن أجندة الاجتماع الذي عقد قبل أسبوعين في شرم الشيخ بين رئيس الوزراء الإسرائيلي والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد.

وفق محللين سياسيين، فقد قللوا من أهمية هذه التقاربات مع حكومة دمشق، في وقت سابق، خاصة وأن جوهر هذا التقارب مبني على إحجام النفوذ الإيراني، لذا في هذه الحالة حكومة دمشق في ورطة وارباك حقيقي، إذ تترنح بين ضغوط هذه الدول العربية وهيمنة إيران على مناطق واسعة في سوريا منذ سنوات طويلة.

خلاصة القول، إن كل هذه التحركات لن تعود إلى الحكومة السورية، بأي انفتاح سياسي أو اقتصادي دولي كبير، في ظل عدم جدية دمشق في إحداث أي انتقال سياسي أو تغيير حقيقي في سوريا وتنفيذ المطالب السورية، وكذا الرفض الدولي للحكومة السورية التي لم تتقدم أي خطوة نحو عملية انتقال سياسي حقيقي وكامل.

قد يهمك: الإمارات والأسد.. الاقتصاد ممنوع وإيران هي القاسم المشترك

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة