خسائر الصناعة السورية بعد سنوات من الحرب باتت من أهم القضايا التي تشغل المختصين بالاقتصاد، في الوقت الذي يتحدث فيه كثير من المراقبين عن محاباة الحكومة السورية للشركات الإيرانية، لتمكينها من السيطرة على السوق السورية والتخلص من المنافسة.

وفي هذا السياق يرى المراقبون أن تمديد حكومة دمشق لقرار حظر استيراد الزجاح المسطح، للعام الثالث على التوالي، يهدف لتمكين شركة تابعة لإيران، تدير المصنع الوحيد المتبقي في سوريا، من احتكار قطاع الزجاج، وذلك ضمن خطة إيرانية للتمدد الاقتصادي في سوريا.

وكانت وزارة الاقتصاد قد وجهت مديرياتها، في حزيران/يونيو 2020، بإيقاف استيراد ألواح الزجاج من السماكات 2 وحتى 22 ملم، وبعرض من 1 وحتى 3.66 أمتار، وبكافة الأطوال حتى 6 أمتار.

وسبق هذا القرار فرض وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، مطلع العام 2020، زيادة على رسوم استيراد الزجاج بمقدار خمسين بالمئة من قيمة الطن المستورد. بحجة “حماية الصناعة الوطنية”، ما تسبب بارتفاع أسعار الزجاج بشكل حاد، وخسائر كبيرة للصناعة السورية.

إنتاج الزجاج على رأس خسائر الصناعة السورية

خسائر الصناعة السورية طالت قطاع صناعة الزجاج بشكل كبير، فمن بين ثلاث مؤسسات لإنتاج الزجاج في سوريا لم يتبق قيد العمل سوى معمل الزجاج المسطح في مدينة عدرا الصناعية، والذي تم افتتاحه نهاية العام 2010، بكلفة استثمارية تصل إلى 125 مليون يورو.

وتملك المعمل شركة “فيرست كلاس” الإيرانية، التابعة لشركة “كاو” العالمية، ويقوم بتشغيله عدد من المهندسين السوريين والإيرانيين، وتم ترخيصه وفق قانون الاستثمار رقم 10، وذلك بعد إجراء دراسات جدوى اقتصادية بين عدد من الدول العربية، وتم اختيار سورية لإقامته، نظرا لجدوى الاستثمار فيها آنذاك، والتسهيلات التي تقدم للمستثمرين، إضافة إلى العلاقات السورية الإيرانية المتنامية في مختلف المجالات. بحسب تصريحات رسمية صدرت عشية افتتاح المعمل.

ويفيد أحد الموظفين السابقين في الشركة العامة للصناعات الزجاجية والخزفية السورية لـ”الحل نت” أن “مصنع الزجاج التابع للشركة في حوش بلاس توقف عن العمل نتيجة الصراع في سوريا. كما أوقف المصنع الجديد الذي كان على وشك الانطلاق، والذي تم تنفيذه اعتمادا على خبراء صينيين، مع اندلاع الصراع في سوريا. وبالتوازي مع هذا، تم إيقاف المصنع التابع للشركة العامة لصناعة الزجاج في حلب”.

وبعد كل خسائر الصناعة السورية، إثر ما تعرضت له في السنوات الماضية، أعلنت وزارة الصناعة، في العام 2021، طرح ثمان وثلاثين منشأة تابعة لها، متوقفة أو مدمرة، للاستثمار. ومن بينها الشركة العامة لصناعة الزجاج المدمرة بحلب “المسلمية”، والشركة العامة للصناعات الزجاجية والخزفية السورية، وهي مؤسسة متوقفة عن العمل بمنطقة حوش بلاس في ريف دمشق.

مقالات قد تهمك: الصناعة السورية تراقب التدهور الاقتصادي وتسجل تراجعاً صادماً

تهجير الصناعيين السوريين

وحول قرار تمديد إلغاء استيراد الزجاج يوضح الخبير الاقتصادي سمير طويل لـ”الحل نت” أن “الوزارات التابعة للحكومة السورية، مثل الصناعة و الاقتصاد، وأي وزارة معنية بالاستيراد والتصدير، لا تملك القرار الحقيقي في سوريا. وإنما ينحصر إصدار القرارات الفعلية بيد إيران، التي تحدد السلع التي يمكن استيرادها أو تصديرها، ما يزيد من خسائر الصناعة السورية”.

وعليه يفسّر طويل ما يصدر من قرارات تمس الاقتصاد السوري بوصفها “نتيجة للسيطرة الإيرانية على مفاصل الاقتصاد السوري، والتي أعقبت السيطرة العسكرية. إذ تتحكم طهران بجميع قطاعات الاقتصاد في سوريا، ومن بين هذه القطاعات معمل الزجاج الوحيد في البلاد، والذي تم إصدار قرار حظر استيراد مادة الزجاج المسطح لصالحه”.

ويؤكد طويل وجود “سيطرة إيرانية شبه كاملة على الاقتصاد السوري من بوابة الصناعة، وهذا يؤدي إلى تصاعد خسائر الصناعة السورية”. مضيفا: “الإيرانيون حصلوا على كثير من الامتيازات في سوريا، سواء في قطاع السياحة أو العقارات أو الصناعة. وهذه الامتيازات مكنتهم من السيطرة على قطاعات محددة في الاقتصاد السوري، مثل صناعة الجلود وتجميع السيارات وسواها”.

من جانب آخر يرى طويل أن “تغوّل إيران داخل الاقتصاد السوري أدى إلى إضعاف المصانع الحكومية، إضافة لمصانع القطاع الخاص. فعلى سبيل المثال استحوذت إيران على قطاع تجميع قطع السيارات بشكل كامل، ما أخرج جميع الصناعيين السوريين من هذا القطاع”.

مختتما حديثه بالقول: “التغلغل الإيراني في سوريا، وما أدى إليه من تصاعد خسائر الصناعة السورية، دفع الصناعيين للهجرة. وهي خطة مدروسة من قبل إيران، تم تنفيذها عبر مضايقة الصناعيين السوريين في قطاعات محددة لصالح مستثمرين إيرانيين، ما جعل الآلاف يغادرون سوريا. وتعكس الخطط والقرارات الاقتصادية توجه إيران المطالب بدفع فاتورة تدخلها العسكري، سواء بحصولها على امتيازات اقتصادية أو استثمارات سيادية، وصولا إلى المساهمة في إعادة الإعمار”.

نتائج كارثية على الصناعة السورية

وكان صناعيون سوريون عارضوا قرار حظر استيراد الزجاج، من منطلق الأثر السلبي الذي خلفه على المعامل التي تستخدم هذه المادة، مثل معامل الزجاج المقسى والألمنيوم والزجاج المون والزجاج العازل، ومئات الورش الصغيرة ومتناهية الصغر، التي توفر آلاف فرص عمل. مؤكدين أن “الاستمرار بقرار المنع سيؤدي إلى توقف هذه المصانع والورش، ما سيزيد من خسائر الصناعة السورية”.

ونوه الصناعيون إلى أن “المصنع الوحيد، الذي ينتج المادة الأولية والموجود حاليا من الزجاج، لا يلبي حاجة السوق، من حيث القياسات المطلوبة ونوعية المنتج”.

أيمن عبد النور، مدير موقع “كلنا شركاء” المعارض، يشير إلى أن “قانون حماية الصناعات الوطنية السوري ينص على إمكانية منع استيراد أي سلعة لفترة زمنية محددة، في حال كانت تُنتج محليا، وتلبي احتياجات السوق، بغض النظر عن الجهة المصنعة، وذلك بهدف حمايتها”.

ويضيف، في حديثه لـ”الحل نت”، أن “تطبيق هذا النص القانوني يتفاوت وفقا لمستوى الدعم الذي يحظى به صاحب المصنع، وعلاقته الحيدة مع الحكومة السورية. وفي حال كان دعمه ضعيفا لا يتم إيقاف الاستيراد، وذلك بهدف مضايقته كي يدفع الرشاوى، وقد أدى هذا دائما لتعرض الصناعة السورية لخسائر كبيرة”.

ويبدو أن الشركة المالكة لمصنع الزجاج المسطح، بحسب عبد النور، قد “ضغطت على فريق اللجنة الاقتصادية الإيرانية/السورية، ليضغط بدوره على وزير الاقتصاد السوري، ما أجبره على إصدار القرار، الذي جعل من الشركة المحتكر الوحيد لإنتاج الزجاج المسطح، ما يفسر القفزة الواسعة التي طالت أسعار الزجاج مؤخرا، وازدياد خسائر الصناعة السورية”

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.