ثمة عدد من المؤشرات على ازدياد توجه موسكو لسحب معظم قواتها من سوريا، رغم أن هذا الأمر لم تؤكده روسيا رسميا حتى الآن. فمنذ إصرار روسيا على استمرارها بغزو أوكرانيا، وانخراطها في حرب شاملة، يبدو أنها الآن باتت أكثر احتياجا لقواتها العسكرية المتواجدين في سوريا، والمقدر عددهم بأكثر من 63 ألف جندي.

وعلى الرغم من أنّ القرار الروسي، الذي تداولته مصادر صحفية غربية لا يعني إطلاقا الانسحاب الكامل من سوريا، إلا أن تأثير الانسحاب الروسي في حال حصوله وتوسعه في الفترة المقبلة، سيكون أكبر على الملف السوري.

الغرق بالمستنقع الأوكراني؟

وعن احتمالات تراجع النفوذ العسكري الروسي في سوريا، بعد أن تحدثت وسائل إعلام روسية عن عملية انسحاب لقوات روسية من سوريا، في خطوة ترتبط بتداعيات العمليات العسكرية على الجبهة الأوكرانية، قال المحلل السياسي الروسي، ديميتري بريجع، إن “بوتين ليس بأفضل أحواله الآن”.

وأوضح بريجع، خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن الرئيس الروسي بات حاليا بلا حلفاء، فمنذ أشهر وتحديدا من بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، خطط بوتين والقيادة العسكرية الروسية، لم تكن ناجحة، وحتى الآن القوات الروسية لم تستطيع إنجاز كافة المهام التي خططت لها.

ولذلك، هناك حتى اللحظة مشاكل استراتيجية لدى القوات الروسية على الأراضي الأوكرانية، كما أن القوات الروسية التي تم إرسالها، باعتقاد بريجع، غير قادرة على كافة المهام، ولذلك تم استدعاء وحدات الرئيس الشيشاني، رمضان قديروف، والآن هذا الانسحاب من سوريا، إذا ما كان صحيحا، فهو يعني بأن القوات الروسية في أوكرانيا ليس لديها الخبرة الكافية لقتال القوات الأوكرانية.

ورجح بريجع، أن يكون طلب الانسحاب لبعض القوات الروسية في سوريا، بحكم أنها اكتسبت خبرة من خلال مشاركتها في المعارك ضد قوات المعارضة السورية. في حين أن القيادة الروسية في أوكرانيا وقعت بأخطاء استراتيجية، بسبب المعلومات الاستخباراتية الخاطئة.

الجدير ذكره، أنه وبعد “المرحلة الأولى” من العمليات الروسية في أوكرانيا، وبحسب وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون”، فقد الجيش الروسي 25 بالمئة من قوته القتالية. حيث دخل الجنرالات الروس مؤخرا، معركة دونباس مع 92 كتيبة عسكرية، في حين بدأت القوات الروسية غزوها بحوالي 130 كتيبة.

للقراءة أو الاستماع: خسارات روسية متلاحقة في أوكرانيا.. ماذا بعد؟

عيون مصوبة نحو “حرم الدب الروسي”؟

يبدو أنه ولتسريع الحملة المتوقفة لضم إقليم دونباس شرقي أوكرانيا، اضطر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى تقليص قواته العسكرية في سوريا، وهنا يؤكد الباحث السياسي والخبير في الشأن الروسي، الدكتور محمود الحمزة، أن الأحداث في أوكرانيا بدون شك أثرت على الوجود الروسي في سوريا.

وخلال حديثه لـ”الحل نت”، ذكر الحمزة، أن هناك تسريبات تفيد بتقلص للتواجد الروسي في شرق سوريا، وتجميع القوى في أماكن أخرى، وهذا يعود لأن روسيا فعلا تقوم بنقل مقاتلين وربما أيضا مرتزقة “فاغنز” بطائرات عسكرية روسية من قاعدة حميميم باللاذقية إلى أوكرانيا.

وبيّن الحمزة، بما أن روسيا تولي اهتماما خاص في الوقت الحاضر لعملياتها في أوكرانيا، وبالتالي هناك تغيرات عسكرية باتجاه تقليص الوجود العسكري الروسي في سوريا.

ومع أنه حتى الآن لا يوجد إعلان روسي رسمي عن الانسحاب من سوريا، إلا أن الإعلامي والخبير في الشؤون الروسية، الدكتور نصر اليوسف، قال لـ”الحل نت”، إن روسيا تحتفظ بقوات ليست قليلة في سوريا على المدى المنظور، ليس لأنها تحب سوريا، بل لأن تواجدها في سوريا يؤمن لها موقعا استراتيجيا أفضل في مواجهة الغرب.

وبخصوص العلاقة التبادلية بين روسيا وإيران في سوريا، وأكد اليوسف، أن “كل مكان يخليه الروس فيكون لمصلحة إيران، التي تمتلك أرضية جيدة، لأنها جلبت كتلة بشرية من كافة أصقاع الأرض، وسيكون لها دائما ما يكفي من القوة البشرية الهمجية لسد الفراغ الذي يحدثه انسحاب القوات الروسية”.

للقراءة أو الاستماع: بعد غزو أوكرانيا.. روسيا تُحضّر لحرب إقليمية؟

تشتت المعارضة السورية أضاع الفرصة؟

وعن استثمار انشغال روسيا بأوكرانيا والانسحاب العسكري لها من بعض المناطق، أشار الحمزة، إلى أنه كان يمكن الاستفادة عمليا من تقلص الوجود الروسي، “وذلك لو كانت هناك قوة وطنية سورية فاعلة، بحيث تقوم بتفعيل الملف السوري، وإبرازه أمام العالم لكي يعطوا اهتماما وأولوية لحل القضية السورية، علما أن روسيا موجودة بينما تتعامل مع سوريا بشكل ضعيف وغير فاعل حاليا”.

من جهته، ذكر اليوسف، أن تأثير الانسحاب الروسي في حال حصوله وتوسعه في الفترة المقبلة، كله يتعلق بحالة المعارضة، والتي برأيه أصبحت على كافة المستويات، ولا سيما الذين تصدروا المشهد المعارض العسكري منه والسياسي لا يستطيعون أن يحققوا أي شيء.

وكانت صحيفة “موسكو تايمز” غير الحكومية، نقلت مطلع الأسبوع الجاري، عن بدء روسيا في نقل قواتها من سوريا إلى أوكرانيا، وتركزها في ثلاثة مطارات قبل نقلها إلى الجبهة الأوكرانية. كما أفادت أن القواعد الجوية الروسية سلمت إلى “الحرس الثوري” الإيراني، و”حزب الله” اللبناني.

وفي مقال نشره موقع “القناة 12” الإسرائيلية، حذر الخبير في شؤون الشرق الأوسط، إيهود يعاري، من أنه بدون النفوذ الروسي في دمشق وعلى الأرض، يمكن لطهران بسهولة دفع وحداتها إلى سوريا، فضلا عن التأثير على السلطات في دمشق.

وأضاف يعاري: “ليس لدى إسرائيل أي وسيلة للتأثير بشكل حقيقي على اعتبارات الانتشار الروسي في سوريا”. ومع ذلك، مع خفض وجودهم العسكري في هذا البلد، فإن قبضة إيران المتزايدة في المنطقة تطور يدعو للقلق.

الجدير ذكره، أن إسرائيل وروسيا، في السنوات الأخيرة، حافظوا على ما يسمى  بآلية عدم التصادم التي تعمل على منع القوات الإسرائيلية والروسية من الاشتباك في سوريا. فيما شنت إسرائيل منذ سنوات حملة من الضربات الجوية استهدفت المقاتلين الموالين لإيران المتواجدين هناك ومنع نقل الأسلحة الإيرانية عبر سوريا وإليها.

للقراءة أو الاستماع: مع تصاعد القتال في أوكرانيا.. هل تشتعل الحرب بين موسكو والغرب؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة