خلال زيارته لعُمان يوم أمس الأربعاء، دعا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، سلطنة عُمان إلى الإسهام بشكل فاعل لعودة دمشق إلى جامعة الدول العربية، مشيرا إلى أن “الوقت قد حان لذلك”.

ما يلفت النظر في حديث وزير الخارجية الروسي، إلى احتمالية كبيرة في أن روسيا فشلت مع دول خليجية مثل السعودية وقطر في دفعهم للتقارب مع دمشق خلال وقت سابق، فالزيارات الروسية إلى السعودية تكررت مؤخرا، وكان الطلب الروسي حاضرا آنذاك يتمثل في حث الرياض إلى التقارب مع دمشق، وكذلك الأمر حصل مع قطر عندما انعقد مؤخرا اجتماع ثلاثي بين وزراء خارجية قطر وروسيا وتركيا.

وكذلك حاولت روسيا بدفع مسار التطبيع مع دمشق، إلا أن المؤشرات تدلل أن الفشل كان حليف الروس في كل من قطر والسعودية، وخلال الوقت الحالي ما يثير التساؤل حول زيارة لافروف إلى مسقط هو لجوء روسيا حاليا إلى عُمان، كون الأخيرة كان لها دور سابق تجاه دمشق وفق تقارير صحفية، وكذلك دورها في المباحثات التمهيدية للاتفاق النووي الإيراني. فما طبيعة الدور العماني المحتمل في الملف السوري خلال الفترة المقبلة، واحتمالات نجاح المسعى الروسي على هذا الصعيد؟

التمهيد لمرحلة جديدة في سوريا

التحركات الجديدة لوزير الخارجية الروسي، وحديثه عن عودة دمشق إلى الجامعة العربية، اعتبرتها السياسية والباحثة الأكاديمية، وعضو اللجنة الدستورية السورية، الدكتورة سميرة مبيض، ضمن محور نقطة تجاذب سياسي واضح في المنطقة، والانقسام حولها بدأ منذ طرح تجميد العضوية في الجامعة العربية في عام 2011.

وأضافت مبيض، في حديثها لـ”الحل نت”، أن اصطفاف سلطنة عُمان لم يتغير منذ ذلك الحين، بل تعزز في عدة مواقف، أبرزها تهنئة حكومة عُمان للرئيس السوري، بنتائج  ما أجراه من انتخابات رغم وجود اعتراض دولي عليها.

وتعتقد مبيض، أن عُمان تسعى للتواجد بدور الوسيط في المرحلة المستقبلية، على الأخص ضمن التحالفات المتغيرة اليوم في المنطقة، وهذا المسار على مدى عقد من الزمن يدل على أن المنحى المستقبلي لعُمان سيستمر بدعم الأسد، والتقارب مع حلفائه، لذلك يمكننا قراءة تقارب روسيا مع عُمان بكونه يدخل في سياق تعزيز وجود حلفاء وداعمين للأسد تمهيدا للمرحلة المقبلة، والتي قد تشهد ضغوطات سياسية تدفع نحو التغيير السياسي في سوريا.

كما أن ارتباط عُمان بدور نشط كوسيط في الملف النووي بين إيران ودول المنطقة والمجتمع الدولي، يجعل منها في موقع أداء دور أوسع في جزء من التحالفات في المنطقة، طبقا لمبيض، وبحسب قراءة المسار السابق، فإن هذا التقارب قد يفضي إلى نتائج تعتبرها روسيا إيجابية؛ لكن “من المستبعد أن يؤدي ذلك لإعادة نظام الأسد للجامعة العربية في ظل الانقسام الحاد ضمنها”.

استجداء روسي أخير

خلال زيارته إلى مسقط، دعا وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، يوم أمس الأربعاء، سلطنة عُمان إلى “الإسهام بشكل فاعل لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية”، مشيراً إلى أن “الوقت قد حان لذلك”.

جاء ذلك في مؤتمر صحفي أجراه لافروف من مسقط، حيث أجرى زيارة بحث خلالها مع المسؤولين العُمانيين قضايا تتعلق بسوريا وإيران وأوكرانيا والطاقة.

وقال لافروف، إن بلاده “تثمن موقف مسقط الموضوعي والمتزن من الأزمة السورية، ويمكن للسلطنة أن تلعب دورا في إعادة سوريا إلى الأسرة العربية”.

وأعرب وزير الخارجية الروسي، عن “ثقته بأن عُمان يمكن أن تلعب دورا مهما وإيجابيا في حل الوضع الراهن في سوريا، خاصة وأنها لم تغلق سفارتها في العاصمة دمشق”.

وشدد لافروف، على “وجود رؤية مشتركة بين روسيا وعمان حيال العديد من القضايا الدولية”، داعيا إلى “ضرورة إيجاد حل شامل للأزمة في سوريا”.

عُمان المهندس الرئيسي للتطبيع مع سوريا

من خلال الحفاظ على العلاقات طوال الفترة السابقة، راهنت مسقط على الأسد وبنظرها أنها انتصرت في ذلك، وهي الآن تقود الطريق مع قيام الدول بإعادة ضبط علاقاتها مع دمشق.

ومع تحسن العلاقات بين سوريا وجيرانها مرة أخرى بعد عقد من اندلاع الحرب السورية لأول مرة، أصبحت دمشق وجهة شعبية لكبار الشخصيات العربية، فلم يكن وزير الخارجية العماني، بدر البوسعيدي آخر مسؤول كبير التقى الرئيس السوري، بشار الأسد، كانون الثاني/يناير الفائت فحسب، بل مثلت الزيارة الدور الرائد الذي تلعبه بلاده في التطبيع العربي مع سوريا.

بدأت أيام العزلة الطويلة والاضطراب الإقليمي في سوريا، في التحول – وإن كان ذلك بشكل تدريجي – ويعود جزء كبير من إعادة الدمج إلى الدور الحاسم الذي تلعبه مسقط، ورهانها على الحفاظ على خطوط اتصال وعلاقات واضحة مع دمشق في أسوأ الأوقات.

ومع ذلك، فإن التقارب الإقليمي الأوسع مع الأسد هو عملية معقدة للغاية، لأسباب ليس أقلها التحذيرات الأميركية والأوروبية، بالإضافة لرفض المملكة العربية السعودية وقطر الالتزام بالمشاركة في ذلك، خصوصا في ظل الظروف الحالية، ما يجعل الأمور أكثر تعقيدا أمام موسكو.

ومع ذلك، وبحسب محللون، فإن حقيقة أن الحكومة السورية حققت مثل هذا التقدم الكبير في إعادة الاندماج بعد الحرب التي جعلتها منبوذة في المنطقة وفي كثير من أنحاء العالم، يرجع في الأساس إلى جهود عمان.

وكان السلطان هيثم بن طارق أول زعيم خليجي، يهنئ الأسد على إعادة انتخابه في عام 2021، وعبرت برقية التهنئة عن “أطيب تمنياته للرئيس في قيادة الشعب السوري نحو المزيد من التطلعات للاستقرار والتقدم والازدهار”.

كما كانت السلطنة أول دولة خليجية تعيد سفيرها في سوريا، وقد استقبلت وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، في رحلة استغرقت ثلاثة أيام إلى عُمان في آذار/مارس الفائت، حيث أعرب الوفد السوري عن أملهم المتجدد في إعادة القبول في جامعة الدول العربية.

الجدير ذكره، إن إعادة قبول سوريا في جامعة الدول العربية ليس مؤكدا في هذه المرحلة، وسيتطلب بعض التنازلات من دمشق، وكذلك موافقة السعودية، بالإضافة إلى موافقة المعارضين من الدول الأخرى مثل قطر والمغرب، واللتان عارضتا بشدة عودة سوريا، وقال الأمين العام لجامعة الدول العربية،  أحمد أبو الغيط، مؤخرا إن “الإجراءات الضرورية”  لعودة سوريا  لم تتحقق بعد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة