الملف السوري، الذي جُمد خلال الفترة الماضية، يعود اليوم إلى الواجهة بقوة، وبشكل خطير يرسم مع عودته خارطة جديدة للتحالفات وللمنطقة، خاصة مع الانكفاء الروسي نتيجة الخسائر في أوكرانيا، والتمدد الإيراني المحتمل في سوريا، وما يحيط بذلك من مصالح للدول الإقليمية وعلى رأسها إسرائيل، ومصالح المجتمع الدولي ككل.

السفير الأميركي السابق في سوريا، روبرت فورد، حذر في مقال رأي نشرته صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية من تصاعد حدة التوترات والتصعيد في سوريا، بالتزامن مع تخفيض روسيا عدد قواتها وتمدد الميليشيات الإيرانية في جنوب وشرق البلاد، إضافة إلى تكثيف إسرائيل لغارتها الجوية على الأهداف الإيرانية في سوريا.

ما هو شكل التصعيد الجديد في سوريا؟

فورد يعتقد بحصول حالات تبادل إطلاق النار بين الميليشيات الموالية لإيران في شرق سوريا والقوات الأميركية. لافتا إلى أن “هذه المعارك ستكون محدودة. فالأميركيون لا يريدون حربا كبيرة في سوريا، وهم لم يقفوا بعد على مصلحة استراتيجية في سوريا تبرر شن حرب كبيرة هناك”.

وفي هذا السياق، ترى الصحفية سميرة المسالمة، أن إيران لا تمتلك القدرة على تصعيد عسكري مع الولايات المتحدة الأميركية وهي لا تملك رفاهية هذا الخيار، فهي لم ترد على القصف الإسرائيلي لمواقعها في سوريا حتى لا تفتح جبهة حرب مباشرة معها، وبالتالي فلن تفعلها مع القوات الأميركية.

وأضافت المسالمة خلال حديثها لـ”الحل نت” بأن إيران تدافع عن امتيازاتها في المنطقة والعواصم التي تحتل قرارها عبر وكلائها أو أذرعها في لبنان وسوريا والعراق واليمن، وهي لم تستدرج لأي صراع يمسها مباشرة مع إسرائيل، وهي حتما لن تدخل في صراع مباشر مع الولايات المتحدة.

أما الكاتب السياسي، رشيد حوراني، فيرى أنه وفي ضوء التطورات الأخيرة يبدو أن هناك تغيير في قواعد الإشتباك بين الفاعلين على الساحة السورية، مضيفا أن القواعد الجديدة هي جزء مما رسمته إيران لنفوذها في سوريا، والذي يعتمد على التمركز في نقاط جغرافية مؤثرة في كل من جنوب وشرق سوريا، للضغط أو التلويح بالتصعيد ضد إسرائيل من جهة، أو الولايات المتحدة من جهة أخرى، وتجربة استهداف إيران للمصالح الأميركية في العراق ليست بعيدة.

بالإضافة لذلك فهناك تصعيد آخر باتت معالمه تتبلور في الأيام الأخيرة، بين الأردن والميليشيات الإيرانية المتواجدة في درعا وبادية السويداء، والتي تعمل على تهريب المخدرات بشكل مكثف للأردن، وبدعم من حكومة دمشق، ما دفع الجهات الرسمية الأردنية لاتهام الأجهزة الأمنية السورية، والميليشيات الإيرانية بهذه العمليات، وإعلانها أنها تخوض حربا حقيقية على حدودها الشمالية.

وبحسب حوراني، فإنه بعد التسوية في جنوب سوريا التي رعتها روسيا في 2018، غضت روسيا النظر عن نشاط إيران في المنطقة وأنشأت حزام انتشر فيه ميليشياتها من منطقة حرمون وحتى معبر نصيب، وذلك بهدف عدم رغبتها مواجهة النفوذ الإيراني.

إقرأ:إيران تهدد وإسرائيل تستعد.. عقيد في “الحرس الثوري” أشعل الفتيل

هل هناك خطوط حمراء جديدة؟

سميرة المسالمة، ترى أن الجميع يترقب نتائج الغزو الروسي لأوكرانيا، ومن هنا لوحظ كيف تراجعت شهية العودة إلى الاتفاق النووي، وما يعنيه ذلك من رسم خارطة جديدة للمنطقة.

من جهته، رشيد حوراني، يعتقد أن إيران وجدت في انشغال روسيا بغزو أوكرانيا فرصة لإرسال الرسائل، إلا أن الرد عليها من قبل الفاعلين في الإقليم كان واضحا بأنه غير مسموح لها بالتمدد أكثر، فعلى سبيل المثال استهدف “الجيش الوطني” المدعوم من قبل أنقرة، عربة تقل عناصر للجيش السوري والميليشيات الايرانية في شمال غرب سورية، كما أن إسرائيل أعلنت خلال زيارة جاوويش أوغلو الأخيرة لإسرائيل أن تركيا وفصائل المعارضة “الجيش الوطني التابع لها” هي فقط من من عمل على مواجهة إيران عسكريا، ولهذا التصريح ما بعده.

من جهة ثانية، فهناك خطوط حمراء تتعلق بالعلاقة الروسية الإسرائيلية في سوريا، والتي شهدت توترا في الثالث عشر من الشهر الجاري، عندما أطلق الروس للمرة الأولى صاروخا من طراز “إس – 300” على الطائرات الحربية الإسرائيلية في أثناء هجومها على مصياف، حيث تخضع قواعد هذه الصواريخ للسيطرة الروسية المباشرة، مما يعني أن هذه الحادثة كانت رسالة روسية واضحة، لأن مصياف تقع على مقربة من القاعدة الجوية الروسية في حميميم.

وبحسب السفير فورد، فإن الروس لو استخدموا رادارهم وهددوا بالفعل الطائرة الحربية الإسرائيلية، لعبروا خطا أحمر إسرائيليا، مشيرا إلى أن “الضربات الإسرائيلية ضد أهداف روسية في سوريا هي بدورها خط أحمر روسي، وقد اقتربت الضربة الإسرائيلية في 13 من أيار من خط أحمر روسي، لكن الرد الروسي كان حذرا”.

الخبير في الشأن الروسي، سامر الياس، قال في وقت سابق لموقع “الحل نت”، إن الجانب الروسي أعلن أكثر من مرة التزامه المطلق بأمن إسرائيل، وهذا كان منذ صيف عام 2018 خلال اجتماع رؤساء مجالس الأمن القومي لروسيا والولايات المتحدة وإسرائيل، ومن الواضح أن روسيا لم تخرج عن هذا الخط.

وأضاف الياس، أن روسيا أعطت الضوء الأخضر لإسرائيل لاستهداف الأهداف الإيرانية في سوريا، ولكن بحيث تكون هذه الأهداف منفصلة عن التواجد الروسي، الذي تعتبره روسيا خطا أحمر، ومشيرا إلى أن روسيا تمتلك أنظمة للدفاع الجوي في سوريا قادرة على التصدي للغارات الإسرائيلية، ولكن روسيا لا ترغب بذلك رغبة منها بتقليم أظافر إيران في سوريا.

قد يهمك:إيران في الجنوب السوري: ما الذي يقلق الملك الأردني من ضعف النفوذ الروسي في سوريا؟

صراع روسي إيراني في سوريا

من الواضح، وبحسب العديد من التقارير أن إيران تسعى منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، إلى التمدد أكثر في سوريا مستغلة الانشغال الروسي والدولي في هذه الحرب.

وبحسب تصريحه الياس، لـ”الحل نت”، فإنه يرى أن هناك صراع روسي- إيراني مخفي في سوريا، من أجل السيطرة على سوريا اقتصاديا وسياسيا، ولكن هذا الصراع لن يتجاوز حدودا معينة بينهما، لوجود علاقات استراتيجية مهمة بينهما تحول دون حصول صدام عسكري بينهما في سوريا، لكن من جانب آخر فهناك تفاهم روسي إسرائيلي يسمح لإسرائيل باستهداف المواقع الإيرانية في سوريا في أي وقت.

إقرأ:تحريك محتمل للجبهة الجنوبية بسوريا.. ما علاقة إيران؟

وبحسب مراقبين، فإن الاحتمالات في المرحلة القادمة مفتوحة في سوريا، فروسيا وإن انسحبت من بعض المناطق في سوريا، إلا أنها تحافظ على قاعدتيها البرية والبحرية، أما إيران فهي تسعى لأن تمتلك القدرة المالية لزيادة نفوذها في سوريا، بينما ستُصعد إسرائيل من غاراتها لاستهداف المواقع الإيرانية في سوريا؛ دون أن يقف أحد في وجهها، فيما ستحدد نتائج الغزو الروسي لأوكرانيا الكثير من التغيرات على الأرض السورية، خاصة مع بدء التقهقر الروسي والخسائر التي تتكبدها في أوكرانيا ما سيضعفها في سوريا لحد كبير، ليبرز الصراع الجديد ضد إيران من قبل إسرائيل ودول المنطقة التي باتت تشعر بالتهديد الكبير من الوجود الإيراني على حدودها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة