الكثير من التغيرات حصلت على مستوى العلاقات بين الدول الإقليمية، فالسعودية والإمارات كدولتين مؤثرتين في الملف السوري إلى جانب مصر باتت علاقاتهم مختلفة تجاه بعض الدول التي كانت على خصام معها عبر السنوات القليلة الماضية.

حتى تركيا غيّرت من سياستها الخارجية مع هذه الدول، لكن المراقب الأبرز لكل هذه التغيرات هي حكومة دمشق التي كانت تسعى لإعادة تعويم نفسها سياسيا واقتصاديا من البوابة الخليجية لاسيما من الإمارات، التي ورغم إعادتها العلاقات مع دمشق إلا أن الطرفين اصطدما بتأثير هذه التغيرات، فضلا عن رفض جزء كبير من دول المنطقة وكذلك الدول الغربية إعادة تفعيل العلاقات مع دمشق، ما اضطر الأخيرة لإعادة حساباتها والذهاب غربا نحو الجزائر وتونس، فما الذي تريده وماذا يمكن أن يحقق لها ذلك.

محاولات مع الجزائر

وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد وخلال زيارته يوم الأربعاء، إلى الجزائر لحضور حفل ذكرى استقلال البلاد هناك، التقى بالرئيسين الجزائري عبد المجيد تبون، والتونسي قيس سعيّد، في بادرة علق عليها مراقبون بأنها تمثل مسعى دمشق لتثبيت حضورها مع تلك الدول المغاربية، فما هي إمكانات نجاح دمشق في الانطلاق بمسار جديد لتعويم نفسها سياسيا على الأقل بعد فشل في المسار الخليجي رغم كل المساعي الروسية، وما هي حدود تأثير كل من تونس والجزائر على تعويم دمشق، وما الذي سيحققونه لدمشق.

قد يهمك: “قمة العشرين” والغزو الروسي لأوكرانيا أهم الملفات المبحوثة

الرئيس الجزائري التقى بالمقداد الذي عرض لـ تبون “التطورات السياسية في المنطقة والعالم والمواقف السورية تجاهها بما في ذلك تأكيد الرئيس الأسد على أهمية حشد جهود جميع الدول العربية للدفاع عن قضاياها العادلة واحترامها من قبل المجتمع الدولي”.

بينما أكد تبون، “تقديره لموقف سوريا الداعم لوحدة الموقف العربي والمصالح العربية والإنجازات التي حققتها سوريا بقيادة الرئيس الأسد”، مشددا على “موقف الجزائر وحرصها أن تكون القمة العربية القادمة في الجزائر قمة شاملة وجامعة وأن تتم بحضور جميع الدول العربية دون استثناء”. وفق ما نقلته وكالة الأنباء السورية، “سانا”.

لا جديد في موقف الجزائر التي سعت خلال السنوات الماضية إلى إعادة دمشق للجامعة العربية، كما أن الجزائر لم تقطع علاقاتها مع دمشق، بخلاف تونس التي قطعتها منذ سنوات، في حين فإن عدة مصادر صحفية تشير إلى قرب إعلان الرئيس التونسي قيس سعيّد عن إعادة علاقات بلاده مع حكومة دمشق.

وزارة الخارجية السورية، أعلنت في بيان عن لقاء جمع الرئيس التونسي قيس سعيد، بوزير الخارجية السوري فيصل المقداد، على هامش احتفالات الجزائر بذكرى عيد الاستقلال.

وبحسب البيان الصادر عن الخارجية السورية فإن سعيد أشاد بما سماها “الإنجازات“، التي حققتها حكومة دمشق مؤخرا، حيث اعتبر أن ما حققه الشعب التونسي ضد قوى الظلام والتخلف، يتكامل مع بعضه لتحقيق الأهداف المشتركة للشعبين في سوريا وتونس.

الباحث السياسي صدام الجاسر، اعتبر أن حكومة دمشق تتوجه حاليا إلى دول المغرب العربي في محاولة لإعادة علاقاتها مع العرب، وذلك بعد فشلها في إقناع الخليجيين، بعودة علاقاتهم مع دمشق، في الوقت الذي يقلل فيه من أهمية تلك المحاولات على الصعيد العربي والإقليمي.

ويقول الجاسر في حديث خاص لـ“الحل نت“: “طبعا لا تونس ولا الجزائر تستطيعان المساهمة في إعادة تعويم هذا النظام عربيا أو إقليميا، القرار الإقليمي أو العربي هو بيد السعودية ودول الخليج ومصر، وهذه الدول لديها رفض شبه مطلق لإعادة تعويم النظام السوري الحالي“.

لا فوائد سياسية أو اقتصادية

يستبعد الجاسر أن تكون لتلك اللقاءات أي فائدة سياسية أو اقتصادية، لا سيما وأن وضع كل من تونس والجزائر على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، لا يسمح لهما بتقديم أي شيء لدمشق.

ويؤكد الجاسر أن عملية إعادة دمشق لعلاقاتها مع الدول العربية غير ممكنة في الوقت الراهن، في ظل رفض كل من مصر والسعودية وغيرها من دول الخليج.

وحول ذلك يضيف: “لا يمكن الآن إعادة تعويم النظام غير ممكنة، هناك فيتو سعودي ومصري، والأهم هناك فيتو أميركي، واشنطن هي صاحبة القرار ولن تسمح بذلك“.

ويعتقد الباحث السياسي أن تلك اللقاءات بمثابة فشل جديد لحكومة دمشق، ويقول: “النظام من فشل إلى فشل، فشل في إقناع الخليج وفشل في إقناع أوروبا، النظام يعاني من تراكم الفشل، يعاني أيضا من عدم مبالاة حلفائه به، طالما أنهم استطاعوا السيطرة على القرارات في سوريا، وبالتحديد طبعا روسيا وإيران“.

وكان وزير الشؤون الخارجية التونسي عثمان الجرندي قد التقى وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، في آب/ أغسطس الماضي، في أول لقاء يعقد بين الطرفين منذ إعلان الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي، قطع العلاقات مع دمشق عام 2012 وطرد السفير السوري من تونس، على خلفية قمع المظاهرات عام 2011.

وحاولت حكومة دمشق خلال العام الفائت، إعادة علاقاتها مع العديد من الدول العربية، وتحديدا دول الخليج، التي اشترطت لإعادة علاقاتها مع دمشق، فك الارتباط مع الجانب الإيراني، الأمر الذي فشلت فيه دمشق.

لا تطبيع بدون موافقة أميركية

ويرى محللون أن الجانب الأميركي هو صاحب القرار، بالانفتاح على حكومة دمشق من جديد، على الصعيدين الإقليمي والدولي.

ووفق حديث سابق لمحلل سياسي مختص في العلاقات الإقليمية فإن: “الأميركان ينظرون للنظام السوري حاليا بأنه حليف لروسيا ولا يمكن الوثوق به ولا يجب الانفتاح عليه، فيجب التضييق عليه وتحميل روسيا أعباء إضافية. لذلك في هذه الفترة وطالما أن الإدارة الأميركية، لا ترغب بأي انفتاح على النظام السوري لن نشاهد هذا الانفتاح وسيكون طي النسيان”.

إقرأ:احتمالات نهاية الغزو الروسي لأوكرانيا

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة