حملة تبرعات فلسطينيي 48 للاجئين السوريين: تضامن إنساني أم دعم للنفوذ التركي بالمنطقة؟  

حملة تبرعات فلسطينيي 48 للاجئين السوريين: تضامن إنساني أم دعم للنفوذ التركي بالمنطقة؟  

تواردت أخبار حملة تبرعات فلسطينيي 48 (عرب إسرائيل) لدعم اللاجئين السوريين، بعد العاصفة الثلجية، التي ضربت مناطق ومخيمات الشمال السوري. وأدتّ لاقتلاع جزء كبير من الخيام، وغرق بعض منها، ووفاة أطفال رُضّع. في درجات حرارة وصلت إلى سبع درجات تحت الصفر. وتمكّنت الحملة، في غضون أيام قليلة، من جمع ما يقارب خمسة وثلاثين مليون شيكل إسرائيلي (حوالي عشرة ملايين دولار أميركي). تحت وسم #بيت_بدل_خيمة.

وقال الناشط الفلسطيني “إبراهيم الخليل”، الذي طرح فكرة الحملة، إنها «بدأت قبل أيام. إثر دعوة لجمع الأموال لشراء معدات تدفئة للمخيمات السورية». وما أن تم الترويج للحملة حتى تبرّع أحد رجال الأعمال، من فلسطينيي 48، بكل كمية المدافئ اللازمة. ليقوم “الخليل” بالتحضير لحملة شراء معدات التدفئة لقرية جديدة تبنى للاجئين في الشمال السوري. وتمكّن من جمع التبرعات لأكثر من مئتين وخمسين أسرة. موضحاً أن «مقاطع الفيديو القادمة من المخيمات. والتي تظهر معاناة اللاجئين السوريين، شجعت أعضاء الحملة على بذل مزيد من الجهود. واستمرت التبرعات في التدفّق، وكان الحماس كبيراً».

من جهته عارض “محمد أشتية”، رئيس وزراء السلطة الفلسطينية، حملة تبرعات فلسطينيي 48. وجمع الأموال للنازحين السوريين بهذه الطريقة. فبحسب قوله: «يجب جمع الأموال بطريقة منظّمة، من خلال السلطة الفلسطينية». مبرراً ذلك بأن «الأموال قد تذهب إلى أماكن غير مرغوب فيها عن طريق الخطأ».

فيما أصدر الشيخ “حاتم البكري”، وزير الأوقاف والشؤون الدينية في السلطة الفلسطينية، تعميماً  حول جمع التبرعات لإغاثة النازحين السوريين في المخيمات. دعا فيه جميع الأئمة والخطباء لحث المصلين لمساعدة اللاجئين السوريين. وإيداع المبالغ في “البنك العربي” بصيغة أمانات. ضمن مدة زمنية محددة.

فما سبب تعارض المواقف الفلسطينية تجاه حملة تبرعات فلسطينيي 48؟ وهل توجد أبعاد سياسية لهذه الحملة، تتجاوز التضامن على أسس إنسانية ودينية وقومية؟

«فلسطينيو 48 يرفضون جريمة التهجير»

المحامي الفلسطيني “أيمن أبو هاشم”، المنسق العام لتجمع “مصير”، قال في حديثه لـ«الحل نت»: «حملة تبرعات فلسطينيي 48 تعكس بعداً إنسانياً، وتعاطف الفلسطينيين مع أشقائهم السوريين. بعد تراكم أشكال المعاناة التي يواجهونها. إثرّ وجودهم في المخيمات منذ أكثر من عشر سنوات. وهو ما حفّز فلسطيني الداخل للتعبير عن وفائهم، وصدقية مشاعرهم، للتخفيف عن القاطنين في مخيمات الشمال السوري».

ويستدرك “أبو هاشم” بالقول: «إلا أن لبعد الإنساني لا يطمس البعد السياسي، الذي يتمثّل بالتعبير عن موقف شعبي فلسطيني منحاز لثورة السوريين وحقهم بالحرية والكرامة. لأن توجيه المساعدات للمُهجّرين في المخيمات دليلٌ على وجود رغبة قوية لدى الفلسطينيين، للتعبير عن رفضهم لجريمة التهجير. وهذا ليس بغريب عليهم، لأن طبيعة العلاقة التاريخية والوجدانية بين الشعبين حاضرة وبقوة».

لماذا لا تدعم حملة تبرعات فلسطينيي 48 لاجئي لبنان؟

إلا أن كثيرين تساءلوا: لماذا اتجهت حملة تبرعات فلسطينيي 48 لدعم لاجئي مخيمات الشمال السوري، ولم تشمل اللاجئين في مخيمات عرسال والبقاع في لبنان، الذين يعانون من ظروف مشابهة؟

“أبو هشام” يجيب بالقول: «اللاجئون السوريون في لبنان يخضعون لواقع قانوني وسياسي، يختلف عن أوضاع النازحين في شمال سوريا». مبيناً أنه «من غير ممكن نقل قاطني المخيمات في عرسال والبقاع إلى بيوت إسمنتية. لأن السلطات اللبنانية والنظام السياسي، الذي يسيطر عليه حزب الله، لن يسمحوا بذلك على الإطلاق. وهناك صعوبات لوجستية تحول دون ذلك أيضاً».

أما بالنسبة لشمال سوريا «فالأمر متاح بسبب توفّر الغطاء السياسي، من قبل قوى وفصائل المعارضة السورية. ووجود مساحات يمكن البناء عليها. إذاً، الظروف مختلفة، ووسائل إيصال المساعدات أسهل مما هو عليه الوضع في لبنان. لوجود منظمات إنسانية في شمال غرب سوريا، يمكنها استقبال الأموال. وفق الآليات التي يتفق عليها الطرفان» حسب تعبير “أبو هشام”.

أصوات رافضة للحملة من مؤيدي حكومة دمشق ومعارضيها

في المقابل رفضت أصوات سورية معارضة سعي حملة تبرعات فلسطينيي 48 لبناء مخيمات إسمنتية قرب الشريط الحدودي مع تركيا. خوفاً من توطين المُهجّرين، وبالتالي إبقائهم في تلك الوحدات السكنية لمدة طويلة، دون إيجاد حلول جذرية لمعاناتهم. مما يعيد تكرار التجربة الفلسطينية في المخيمات اللبنانية والسورية.

كما أن صحيفة “الأخبار” اللبنانية، المقرّبة من إيران والحكومة السورية، عنوّنت تقريرها عن الحملة، من مدينة الناصرة الفلسطينية: «تركيا تخترق الداخل الفلسطيني: تبرّعوا لتثبيت احتلال الشمال السوري!».

وهذا يشيرّ إلى أن وسائل الإعلام الموالية لحكومة دمشق غير راضية عن الحملة. لا سيما وأن القائمين عليها عبرّوا عن استنكارهم لعملية التهجير في سوريا، على مدار العقد الماضي.

هذا الموقف دفع عدداً من رواد مواقع التواصل الاجتماعي للرد على جريدة “الأخبار” وغيرها، بوسم  #الجرح_واحد_شكراً_فلسطين، الذي انتشر على موقع “تويتر”.

مقالات قد تهمك: مخيمات الشمال السوري وسط شتاء قاتل: ماذا تفعل حكومة المعارضة والمنظمات الإنسانية؟

«كثيرون يحاولون تسييس حملة تبرعات فلسطينيي 48»

“ماهر شاويش”، الكاتب الصحفي الفلسطيني، علّق على تضارب المواقف حول حملة تبرعات فلسطينيي 48 بالقول: «الحملة مبادرة أهلية مجتمعية من الداخل الفلسطيني. ولا علاقة للسلطة الفلسطينية أو أي دولة إقليمية بها. فقد بدأت حملةً صغيرة. ولم يكن هدفها في البداية شعارها الحالي “بيت بدل خيمة”، إنما كانت عبارة عن مجرد محاولة لجمع مساعدات إنسانية. ومع التجاوب الكبير من الناس. تطوّرت لتصل إلى ما وصلت إليه».

متابعاً في حديثه لـ«الحل نت»: «من لم يرق له الأمر حاول تسييس حملة تبرعات فلسطينيي 48. واعتبارها جانباً من التأثير التركي على مسلمي الداخل الإسرائيلي. وجانباً من تدخّل الحكومة التركية في الشمال السوري. إلا أن هذا غير صحيح».

وحول المواقف السياسية لفلسطينيي 48 يوضح “شاويش”: «موقف فلسطينيي الداخل المحتل بالعموم يكاد أن يكون أكثر المواقف وضوحاً وثباتاً تجاه الثورة السورية، منذ بداياتها وحتى الآن. وقد لعب الشيخ “رائد صلاح”، رئيس الجناح الشمالي لـ”الحركة الإسلامية الفلسطينية”، ونائبه “كمال الخطيب” دوراً كبيراً في حملات التضامن مع الشعب السوري. إلا أن الأمر لا يقتصر على الإسلاميين، ففلسطينيو الداخل اصطفوا الى جانب حق الشعب السوري في الحرية والكرامة. وأدانوا جرائم بشار الاسد ونظامه وقمعه». حسب تعبيره.

ورداً على انتقاد بعض أطراف المعارضة السورية لحملة تبرعات فلسطينيي 48 يقول الكاتب الفلسطيني: «بين الخيمة ومشاريع التغيير الديمغرافي ثمّة هواجس وتخوّفات محقة لدى أشقائنا السوريين. لكننا نقول لهم، بوصفنا فلسطينيين، بعد تجربة أكثر من سبعين عاماً من النكبة واللجوء، إنه لا رابط مطلقاً بين التمسّك بحق العودة وحياة البؤس والحرمان. وحق العودة لا يتعارض أبداً مع الحياة الكريمة».

ورغم الموقف الواضح، الذي يبديه “ِشاويش” وكثيرون غيره، إلا أن حملة تبرعات فلسطينيي 48 ما زالت مثاراً للخلاف والتجاذبات السياسية، بين تيار إسلامي فلسطيني، يتهمه البعض بالولاء لتركيا. وجهات فلسطينية أخرى، تدعي العلمانية، أو موالية لإيران، متهمة بالتعاطف مع الحكومة السورية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.